ماذا في حزام الغريق؟

في صباح اليوم التالي كان الشياطين اﻟ «١٣» جميعًا يركبون السيارات الحمراء ماركة «بورش» المزوَّدة بأجهزة مضاعفة السرعة، وينطلقون من المقر السِّري الرئيسي في طريقهم إلى أقرب مطار؛ ليستقلوا منه الطائرات إلى «القاهرة» … لقد قَسَّمهم «أحمد» إلى مجموعاتٍ ثلاثية، وسافر هو وحده، وكان الترتيب يقضي أن يصل هو أولًا ثم يصل بقية الشياطين على أربعة دفعات، كل دفعة مكوَّنة من ثلاثة معًا … وقد تم إعداد كلِّ شيء في المقر السِّري؛ جوازات سفر بأسماء مستعارة، خرائط لمنطقة المغامرة المقبلة، وسائل اتصال شفرية لم يسبق استعمالها … كل شيء يمكن أن يخدم المغامرة المقبلة …

عندما وصل «أحمد» إلى مطار «القاهرة» جلس في كافيتريا المطار حسب الخطة، وكان على كل مجموعة من الشياطين تصل أن تمرَّ عليه … وفي تمام الساعة التاسعة مساءً كان الشياطين اﻟ «١٣» جميعًا قد وصلوا إلى «القاهرة»، وانقسموا إلى قسمين؛ الأول: وفيه «أحمد»، اتجه إلى المقر الفرعي «ك. ش١٠» في ميدان السد العالي في الدقي، الثاني: وفيه «عثمان»، اتجه إلى المقر الفرعي «ك. ش٢٠» في شارع الهرم خلف أوبرج الأهرام.

وعندما اجتمع الفريق الأول في المقر قال «أحمد»: بعد العشاء سنعقد اجتماعًا سريعًا لتوزيع المهمات على كلِّ واحد … لقد وضعت خطةً مبدئيةً، سنعمل على تنفيذها قدر الإمكان …

قام الشياطين السبعة بإجراءات الأمن المعتادة، ثم أخرجوا من المخازن السرية الأسلحة اللازمة، وبعد أن جهزت «إلهام» و«زبيدة» العشاء، جلسوا يتناولونه في صمت، كان كلٌّ منهم يفكر في المهمة المقبلة …

وما إن انتهى العشاء حتى تحدَّث «أحمد» على الفور: هناك ثلاث سيارات من طراز «رينو ١٦» المزودة بأجهزة مضاعفة السرعة، في الصباح سوف نأخذ اثنين منهما وننطلق إلى «الفيوم»، المسافة نحو مائة كيلومتر. سنقيم معسكرَين؛ أحدهما عند منطقة «قرية شكشوك»، والثاني عند «جزيرة القرن الذهبي» على بُعد خمسة كيلومترات من الأول … سيكون الاتصال بيننا عن طريق «الووكي توكي» بالشفرة رقم ٣ من دفتر الشفرة … المعسكر الأول «أحمد» و«إلهام» و«بو عمير» … المعسكر الثاني من الباقين.

قالت «إلهام»: ومجموعة «عثمان»؟

أحمد: عند مجموعة «عثمان» نسخة من هذه الخطة، وهو الآن يقوم بتوزيعها على من معه من الزملاء في «ك. ش٢٠»، وسيتمُّ التوزيع هناك على أساس معسكر عند التقاء الطرق المؤدية من «القاهرة» إلى «الفيوم»، وهي ما تسمى «النقطة الثابتة»، ومعسكر آخر عند «جبل الزينة» على مشارف بحيرة «قارون» … وبهذا نكون قد أحكمنا الحصار حول المنطقة، وتكون الأماكن التي يمكن أن يتحرَّكَ فيها الخبراء وغيرهم محصورة بين المعسكرات الأربعة …

بو عمير: ما هو نوع تحرُّكاتِنا في المنطقة؟

أحمد: تحرُّكات طلبة في الجامعة، من هواة صيد السمك والتفرُّج على الآثار، فهذا يُتيح لنا حرية الحركة …

في الصباح الباكر كانت سيارتان من طراز «رينو ١٦» منطلقتان على طريق «القاهرة-الفيوم». وكان «أحمد» يقود السيارة الأولى ومعه «إلهام» و«بو عمير»، و«باسم» يقود السيارة الثانية، وفيها «ريما» و«قيس»، وتحدَّث «أحمد» مع «باسم» وطلَبَ منه أن يسبقه ليعسكر في منطقة «جزيرة القرن الذهبي» … فأطلق «باسم» لسيارته العِنان، ووصل إلى نهاية الطريق الصحراوي بعد أقل من ساعة، ثم بدأ يدخل في المنطقة المزروعة …

كان الجوُّ صحوًا ودافئًا رغم أنَّ مَوْسمَ الشتاء كان في منتصفه، وتبادل «باسم» مع «أحمد» الحديث قائلًا: سأدخل الآن المنطقة المزروعة … هل هناك تعليمات؟

أحمد: لا … بعد أن تجاوز المنطقة المزروعة ستصل إلى منطقة ساحل البحيرة، اتبع الساحل حتى تواجه الجزيرة وعسكِرْ هناك … حظ سعيد.

باسم: شكرًا …

بعد ربع ساعة كانت السيارة التي يقودها «أحمد» قد وصلت إلى منطقة الشاطئ، ولاحظ على الفور وهو على جبل الزينة المرتفع نسبيًّا عددًا كبيرًا من الأشخاص مُتجمِّعًا عند الشاطئ، ولاحظ ولدًا يجري من الشاطئ صاعدًا في اتجاه السيارة، وكان يمسك بيده شيئًا يُشبه قطعةً من الحبل سوداء اللون …

أوقف «أحمد» السيارة بحيث تعترض طريق الولد الصغير، حتى إذا اقترب الولد وهو يلهث قال له «أحمد»: ماذا يفعلون هناك؟

وأشار إلى حيث تجمَّع الناس، فقال الولد: غريق … رجل غريق!

وكأنما تذكَّر شيئًا، فحاول أن يُخفيَ ما بيده … ولاحظ «أحمد» على الفور أنه حزام من الجلد الأسود … فقال له: ما هذا؟

ردَّ الولد وقد احمرَّ وجهُه متلعثمًا: إنه … إنه …

ابتسم «أحمد» حتى يخففَ من ارتباك الولد، وقال له: هل عثرت به هناك؟

الولد: نعم … إنَّ الطبيب هناك، وقد خلعوا ثيابَ الغريق … و… ووقع هذا الحزام!

سأل «أحمد» الولد: هل هو من هنا؟

ردَّ الولد: لا … إنه ليس من البركة.

وعرف «أحمد» على الفَوْر أنَّه يقصِدُ بالبركة «بحيرة قارون» وخفق قلبه، هل يمكن أن يكون أحد الخبراء الأجانب؟

أحمد: هل عرفت اسمه؟

الولد: لا … لا أحد يعرف اسمه. لا أحد يعرفه.

مدَّ «أحمد» يده للولد الصغير بخمسين قرشًا وقال له: اشترِ لنفسك حزامًا جديدًا … إنهم قد يحتاجون هذا الحزام لمعرفة صاحبه.

بدا التردُّد على وجه الولد لحظات … ثم مدَّ يده اليسرى بالحزام، وبيده اليمنى أخذ الخمسين قرشًا، ثم انطلق يعدو …

أمسك «أحمد» بالحزام في يده، تأمَّله لحظات. ولو كان هذا الحزام في يد شخص آخر لما رأى فيه أكثر من قطعة من الجلد السميك، ولكن بين أصابع «أحمد» المُدرَّبة أصبح الحزام شيئًا آخر … لقد أدرك — بعد أن تحسَّسه من طرفه إلى طرفه — أنَّ الحزام يُخفِي شيئًا … ناوله ﻟ «إلهام» قائلًا: فتِّشي هذا الحزام … أعتقد أنَّ فيه ما يستحقُّ الفحص.

ثم فتح الباب ونزل قائلًا: سأعود بعد دقائق …

هبط «أحمد» سفح التل الصغير المسمَّى ﺑ «جبل الزينة» متجهًا إلى حيث كان التجمُّع، وعندما اقترب سمع الأحاديث التي يتناقلها الموجودون، فتوقَّف لحظات وحصل على المعلومات التي يريدها دون أن يسأل أحدًا … الغريق مجهول الاسم، ليس معه أية أوراق تدلُّ على شخصيته. الطبيب سيقوم بالتشريح لمعرفة سبب الوفاة. الطبيب يؤكد أن الرجل ليس مصريًّا، هناك آثار خدوش على الجلد، هناك احتمال أن تكون الوفاة جنائية …

اكتفى «أحمد» بما سمع من المتحدِّثين، ثم اندسَّ بينهم ونظر إلى حيث كان الغريق مُمدَّدًا على قطعة من الخشب على الشاطئ، وكانت نظرة واحدة إلى الحذاء المخلوع وبعض الملابس كافيةً لأن تؤكد أنَّ الرجل ليس مصريًّا، خاصةً عندما لمح «أحمد» شعره الأشقر، ثم الخاتم الذي في إصبعه.

لم يشأ «أحمد» أن يَلفت إليه الانتباه، فانسحب في هدوءٍ ثم عاد إلى السيارة مسرعًا، وعندما فتح الباب ليركب قالت «إلهام»: هناك جيب سري في الحزام، ولكن يجب فتحه بعناية … لهذا أرى أن ننتظر ولا نغامر بفتحه الآن …

أحمد: عظيم … ربما نكون قد عثرنا على خيط … فنحن في هذه المرة لا نملك معلوماتٍ كافيةً للحركة، ويجب أن نعتمد على أنفسنا في جمع المعلومات … وقد تأكدت فعلًا — كما قال الولد الصغير — أنَّ الغريقَ ليس من هذه الأنحاء، بل في الأغلب أنه ليس مصريًّا، وهذا هامٌّ جدًّا بالنسبة لنا، وعلينا أن نتصل برقم «صفر» فورًا، ونرسل له تقريرًا عن هذا الغريق، وما قد نجده في الحزام من معلومات أو آثار، لعله عن طريقها يستطيع أن يساعدنا في تحديد موقفنا من سرقة الصندوق الأسود.

قالت «إلهام»: إنَّ معنا جهازًا لاسلكيًّا من نوعٍ قويٍّ، وبمجرد أن نجد مكانًا سأتمكن في خلال ساعة من تشغيل الجهاز وإرسال التقرير المطلوب.

وانطلقت السيارة، وبعد عشر دقائق كان الشياطين الثلاثة يقفون أمام فندق «البافون دي شاس» الصغير، وسرعان ما حجزوا ثلاثَ غرفٍ لإقامتهم. وفي غرفة «إلهام» وفي داخل الدولاب الخشبي الكبير تمَّ تركيبُ جهاز الإرسال. وفي نفس الوقت كان «أحمد» و«بو عمير» قد أخرجا مجموعة من الآلات الدقيقة، وقام «بو عمير» بفكِّ الخيوط التي تربط جلد الحزام ببراعة ودقة، وسرعان ما بدت ورقة زرقاء رقيقة ممتدة نحو عشرة سنتيمترات، وعندما أخرجها «بو عمير» بحرصٍ شديدٍ لاحظ على الفور أن المياه قد تسرَّبت إلى بعض أجزائها، فأخذ يفكُّها بعنايةٍ شديدة، ثم أخرج بطارية قوية وسلَّط شعاعها على الورقة لتجف …

كان على الورقة مجموعةٌ من الرموز الشفرية بالأرقام والحروف، وكان بجوار هذه الأرقام والحروف رسم غريب، مكوَّن من مجموعة من الأجزاء الصغيرة، وعليها إشارات بالأسهم …

قال «بو عمير»: قد يمكن حلُّ الشفرة المكتوبة، ولكني لا أفهم ما هي حكاية هذا الرسم العجيب.

تناول «أحمد» الورقة وأخذ يتأمَّلُها … ثم قال: من الواضح أنه رسمٌ توضيحيٌّ لتركيب شيء ما … ربما!

نظر إليه «بو عمير» وقال: ربما … قنبلة ذرية!

أحمد: إن هذا شيءٌ مستحيلٌ! … إن تركيب قنبلة ذرِّية بطريقة نظرية ممكن، ولكن عمليًّا، أمر بالغ الصعوبة. ويحتاج إلى أجهزة كثيرة لا يمكن أن تتوفر في هذا المكان.

بو عمير: مَن يدري … لعل هناك مصنعًا في مكان ما من هذه الصَّحْراء البعيدة.

كان يقصد الصَّحْراء الغربية التي تكون الشاطئ الآخر لبحيرة «قارون» …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤