الفصل الثالث

العواصف

(إيوان كسرى. جماعة من قوَّاد الدولة يتناجون.)

تخوار :
أول الحرب نشوة وفخار
يخدع الجاهلين مثل السراب،
فإذا ما ذكت بهم واستحرَّت،
جزعوا من جراحها ولظاها.
أسفاذ :
ويل من يُسعِّر الحروب لمجد
يتخطى له ألوف الضحايا!
تخوار (متحمسًا) :
إنهم يُسعِّرونها لينالوا
من دواهي الورى مرامًا دنيئًا.
إن هذا الوزير يقصد منها
دمنا نحن بعد قتل بنينا.
جراز (محذرًا) : احذروا العين واجعلوا القول همسًا.
تخوار :
وا فؤاداه يا بنيَّ! أقاموا
في بطون الثرى بقفر البلاد،
في شطوط الجيحون نصف، ونصف
في صحارى الشآم.
جراز :
لم يكُ منا
من نجا سالمًا، فقد فجعتنا
هذه الحرب في ثمار القلوب.
أسفاذ :
فيمَ نرمي إلى الهلاك بنينا؟
كي يصير المليك ربًّا ويعلو
فوق عرش الملوك حتى إذا ما
بلغ النجم في علاه تجنَّى
وعتا في قضائه في العبيد؟
تخوار (ساخرًا) :
أم لكي يكبر الوزير ويعلو
فوق أشلائنا؟ وما ذاق يومًا
طعم وخز القنا وضرب السيوف،
لا، ولا فجعة الأب المحزون.
جراز :
إن هذا الوزير أصل البلايا،
ومثير الحروب والأهوال.
أسفاذ :
هو هذا الوزير أصل البلايا،
إنه لا يطيق رؤية حُر
قرب كسرى، فلا يزال كَسِيفًا
ثائر القلب حين يبصر حرًّا
عالي الرأس، ليس يهدأ إلا
أن يراه معفرًا في شباكه.
لست أدري ما ميل كسرى إليه؟
جراز :
مثل كسرى تقوده بخداع،
وبلفظ منمَّق معسول.
تخوار :
فلنهاجر. وكيف نرضى مقامًا
في بلاد يهون فيها الكرام؟
جراز : ليس هذا بالرأي يا تخوار.
أسفاذ : فلنقاتل إذن ونمضي كرامًا.
جراز (ضاحكًا) :
ليس حكم السيوف في كل حال،
قد تكون السيوف أوهى سلاح.
من رمانا بمكره فأجبنا
بسيوف عدنا بشر انهزام.
أسفاذ : وإذن كيف نتقيه وننجو؟
جراز :
أسهل الصيد صيد حر نبيل،
صادق في مقاله مقدام.
إن تُثره يثر، وإن تعترضه
بشباك يقع بغير عناء.
تخوار :
لن تراني ما عشت أخدم قومًا
ليس فيهم من عارف لجميل.
كان بهرام في الحروب حسامًا
لا يمل الصدام، أبلى بلاءً
في حروب الخاقان حتى تجلت
غمرات الهلاك عن إيران،
فماذا جزَوه؟ ذلًّا وخسفًا.
ثم بندي، كم من أيادٍ لبندي
عند خسرو، فكيف جازاه خسرو؟
أسفاذ :
لن تراني كذاك أخدم ملِكًا
لا يجازي الإحسان إلا بِشر.
جراز :
ما الذي تبتغي؟ أذلك قول
خارج عن حِجى وعقل سليم؟
كيف نأبى أمر المليك وإنا
هامة الجيش؟ ليس هذا برأي.
أسفاذ :
أنا لا أبتغي من العيش شيئًا.
زهَّدتني مصائبي في حياتي.
جراز :
ليس في اليأس حيلة أو خلاص،
لم يضق عاقل بأمر جليل.
لا يحب البروز للأخطار،
وهو اليوم يدفع الملِك دفعًا
نحو حرب الخاقان، يرجو خلاصًا
من رجال يخافهم، ويقيني
أننا قصده بتلك الحروب.
تخوار : كيف نبقى إذن بهذا البلاء؟
جراز :
صبِّر النفس يا صديقي قليلًا،
إننا نستطيع مكرًا بمكر،
واحتيالًا في أمره باحتيال،
فلنجرِّد في حرب هذا خداعًا،
ولننازله في الوغى بسلاحه.
فدعوني أدبِّر الأمر. إنا
إن زججنا به إلى الحرب أقعى
وأبى الحرب. فاجعلوني لسانًا
ناطقًا عنكم، وإني كفيل
أنه يبدل الحروب سلامًا.
أسفاذ : لست تدري ما مكر هذا المرائي.

(يُسمع صوت مقبل.)

جراز : حاذرا قد أتى!

(يدخل الوزير زاذ فرخ.)

زاذ فرخ : سعدتم صباحًا.
تخوار وأسفاذ : مرحبًا سيدي. صباح سعيد.
زاذ فرخ : قد أتيتم مبكرين.
جراز :
أتينا
نسرع الخطو كي نسُر قلوبًا
تائقات إلى لقاء المليك.
زاذ فرخ :
بارك الله خطوكم. ما رأيتم
في حروب الخاقان أمر المليك؟
هل فحصتم طريقها ورأيتم عُدة الحرب؟
جراز :
قد كشفنا الخبايا،
وبحثنا الأمور من كل وجه.
زاذ فرخ : ذاك رأي المليك فيكم، وأنتم لجسام الأمور أهل.
جراز :
رأينا
أن للملك جانبين، فجنب
في فيافي الجيحون شرقًا، وجنب
في بلاد الرومان.
زاذ فرخ : هذا بديع.
جراز :
ورأينا جيوشنا مشرفات
فوق شط الخليج لو كان فيها
قائد ثابت الجنان لفازت،
وغدا الروم للمليك عبيدًا.
زاذ فرخ (ببرود) : وبلاد الخاقان؟
جراز :
نحن عبيد
للمليك العظيم، نفدي حماه
بدماء النفوس، نمضي بجيش
طاعة الأمر ناشرين لِواه،
فوق أرض الخاقان شرقًا وغربًا.
زاذ فرخ (محبذًا) : ذلك الرأي يا جراز.
جراز :
ولكن،
قد رأينا الرومان أهل دهاء،
لا يُولَّى لحربهم غير شهم
ذي دهاء وصولة وثبات.
زاذ فرخ (ببرود) : مَن؟
جراز :
أيعني سوى يمين المعالي؟
مَن لحرب الرومان غير الوزير؟
زاذ فرخ (بدهشة) :
أنا للروم؟ يا إلهي! ولكن،
قائد الروم ذاك شهر براز.
جراز :
إن جيش المليك أُسد، ولولا
ذلك القائد الجبان لفازوا.
فإذا أنت قد ذهبت إليهم
ورأوا عزمك القوي استماتوا،
مستمدين منك قلبًا جريئًا
وثباتًا عند اصطدام الحروب.
زاذ فرخ :
غير أن المليك يقصد حربًا،
في بلاد الخاقان لا الرومان.
جراز :
أصبح السلم سُبة وانهزامًا
بعد ما كان من عناد هرقل.
أنا عبد المليك آبى عليه
وصمة العار. لن أذوق سلامًا
قبل أن أبتغي من الروم ثأرًا.
تخوار :
إنني لو أبى الأنام جميعًا
أن يثوروا معي، لقمت وحيدًا
أطلب الثأر للمليك.
جراز (بحماسة متكلفة) :
ولكن،
أي عبد يأبى القيام لحرب
في دفاع عن المليك السعيد؟
قد أرى الموت في سبيل انتقامي
لمليكي فرضًا عليَّ لزامًا.
زاذ فرخ (برفق وهدوء) :
يا رفاقي هذا ولاء كريم،
غير أني أرى التهور شرًّا.
إن حربًا في دولتين بلاء،
أنُعادي الرومان والخاقان؟
جراز :
قد أشرنا بما رأينا، ولكن
أحكم الرأي ما يراه الوزير.
زاذ فرخ : إن هذا هو الولاء.
جراز :
أنمضي
لنُعِد الجيوش للخاقان؟
زاذ فرخ :
أجِّلوا ذاك، واستعدوا لحرب
في بلاد الرومان فامضوا لهذا
وذروني هنا. فإني قطب
لأمور البلاد. لست ضنينًا
بدمائي في نصر ملكي، ولكن
لا تسير الأمور إلا بمثلي
قائمًا في صلاحها. فهلمُّوا
واعرضوا رأيكم إذا جاء كسرى.
سيكون المليك بعد قليل
ها هنا فامكثوا لتلقوا ركابه.
وسأمضي في خدمتي.

(يخرج.)

جراز :
سر كريمًا.

(ينظر خلفه بحقد.)

أيها الثعلب الدنيء المرائي!

(لصديقيه)

هل رأيتم هروبه وارتباكه؟
ذلك الأحمق اللئيم الجبان!

(ساخرًا)

هو قطب الأمور في الأرض طرًّا!
أسفاذ :
هل تيقَّنت أنه لا يُبارى
في مجال الخداع؟
جراز :
لكن أرانا
قد رمينا إليه أول حبل،
وسنلقيه بعد حين صريعًا.
تخوار : كيف هذا؟ أراه فاز وخبنا.
جراز : يا رفاقي لقد بدا لي رأي.
أسفاذ :
أسلم الرأي أن نسير لأرض
غير تلك البلاد.
جراز :
نترك أرضًا
في ثراها جدودنا أسفاذ؟
تخوار : ما الذي نستطيع؟
جراز : كن مثل كسرى.
أسفاذ : كيف؟
جراز :
لما غدا طريدًا شريدًا
يوم أضحى بهرام رب البلاد.
أسفاذ : نقصد الروم؟
جراز :
ليس عارًا علينا
لو خطبنا مودة الرومان.

(صمت طويل ووجوم.)

أي بأس في أن أُخلِّص قومي
وبلادي بنصرة الرومان؟
أتسام البلاد ذلًّا وخسفًا
ثم نرضى ولا نهم لشيء؟
إننا كالسوام، لسنا نبالي
بسوى الزاد، لا نبالي بعز
أو بذل إذا وجدنا طعامًا.
قد فقدنا أولادنا في حروب،
وجنوها مغانمًا وفخارًا.
تخوار : قول صدق.
أسفاذ : لقد صدقت جراز.
جراز :
فهلمُّوا إذن، وهذا سبيل
واضح للأُولى أرادوا نجاحًا.
إن ذهبنا للروم كان يسيرًا
أن نلاقي هرقل فيها، ونُمضي
أمرنا إذ يكون كسرى غريرًا.
تخوار : ذلك الرأي يا صديقي.
أسفاذ :
هلمُّوا.
غير أني أخشى افتضاح الأمور.
جراز :
لا تخف. إننا جميعًا سواءٌ
في عَداء الوزير. لكن حِذارًا
من قصورٍ في خدمة أو دعاء.
تخوار :
ستراني أعلى الحضور دعاءً
ومديحًا وسرعةً في السجود.
أسفاذ :
ستراني حفظت كل مقال
في مديح الملوك قبل ذهابي.
إن يكن في مقالة الحق شر،
كان خيرًا لنا نفاق وكذب.

(يُسمع صوت.)

ها لقد جاء.

(يظهر الاضطراب عليهم.)

جراز :
حاذروا واستعدوا!

(يدخل مهمند الشاعر.)

(ضاحكًا)

أوه! مهمند؟ كيف حال الزمان؟

(يعودون إلى الهدوء.)

مهمند :
مثلما كنت دائمًا، أتغدى
ثم أغفو، وبعد ذلك أصحو
ثم أغفو، وبعد ذلك أصحو.

(يضحكون.)

جراز :
سرَّك الله. نِعمَ تلك حياة!

(لتخوار)

يا صديقي تخوار، نِعمَ الحياة!
هل سمعتم مقال مهمند يومًا؟
تخوار :
أنا بالحرب عالِم، غير أني
لست بالشعر عالمًا يا صديقي.
جراز (لمهمند) : قل لنا من بديع شعرك شيئًا.
مهمند :
لست يا سيدي أحب كلامي.

(يشير إليه جراز إشارة عدم التصديق.)

لا تكذب فإنما هو رزقي،
وسبيل الأرزاق غير حبيب.
بائع الزهر ذاهل عن شذاها،
لا يرى في الزهور إلا بضاعة.
جراز :
غير أن الزهور لم تكُ يومًا
غير محبوبة الشميم. أعد لي
ذلك الشعر إذ خرجنا لنلهو
يوم عيد النيروز.
مهمند :
كان جميلًا
ذلك اليوم. كم ضحكنا! ولكن …

(يهز رأسه كمن يتذكر شيئًا يأسف على فواته.)

جراز : كم ضحكنا! أعده يا مهمند.
مهمند (ينشد) :
من أراد الصدق فليسمع ومن شاء السرور،
ذقت ما في الدهر من حلو ومن مرٍّ مرير،
وعرفت الناس عند اليسر والأمر العسير،
كنت أبكي إن بكى لهفان ذو قلب كسير،
ولكَم ضل فؤادي في فتون وغرور،
فإذا بي بعد أن شيبني مر الدهور،
لا أرى في الناس ذا حظ سوى الفدم الغرير.
كن إذا شئت حمارًا مرحًا بين الحمير،
وإذا شئت فأسرج راكبًا فوق الظهور،
ساخرًا منها إذا أعجبها السرج الحرير،
فأضل الخلق عقل فوق رجلين يسير.
جراز (يضحك بصوت عالٍ) :
كن إذا شئت حمارًا مرحًا بين الحمير.

(يضحك الشاعر.)

(لتخوار) أترى أن تكون هذا، صديقي؟
تخوار (ضاحكًا) : لا أرى أن أكون هذا.
جراز :
فأسرج
راكبًا فوق ظهرها يا صديقي.
تخوار (ضاحكًا) :
لا أرى في الركوب بأسًا إذا ما
كان لا بد من ركوب الحمير.
جراز (لأسفاذ) : ليت شعري ماذا تحب؟
أسفاذ (متكلفًا الضحك) :
أراني
لا أحب الحمير.
مهمند :
لم أرَ يومًا
سيدًا طيبًا تواضع حتى
رضيت نفسه بهذا، ولكن
كلنا يرتضي الركوب. وعندي
أن أحلى الحياة عيش الحمير.

(يضحكون.)

جراز : كيف هذا مهمند؟
مهمند :
نِعمَ الحياة
كل أرض خضراء مرعًى مباح
لم يعكر همُّ الحياة صفاها،
حيث سارت ترى محلًّا ومأوًى،
وإذا شاءت النهيق وصاحت،
لم توارِ النهيق خشية بطش!
جراز :
أنت مهمند أحكم الشعراء.
كم من الناس من يود نهيقًا،
ثم يخشى فيكتم الأنفاس!

(تُسمع ضجة مقبلة.)

أنصتوا. هذه المواكب جاءت.
فاستعدوا لكي نلاقي المليك.

(يقومون سراعًا للاستعداد.)

(يدخل الحراس مصطفُّون ويدخل الملك من بينهم فيُحييه الجميع بالسجود ويجلس الملك على عرشه ثم تدخل الحاشية ومعهم رسول من الروم.)

زاذ فرخ (مخاطبًا الملك) :
أشرق التاج منذ لُحت مليكي،
وتجلى البهاء في الإيوان.
جراز : دمت للمُلك يا مليك البرايا.
تخوار : يا مليكي بقيت رب المعالي.
أسفاذ : دمت مولاي سيد الآفاق.
خسرو :
يا سيوفي وعُدتي وجنودي!
إنني كلما نظرت إليكم،
فاض قلبي من غبطة وارتياح.
ليس مُلك البلاد يُثلِج صدري
كطلوعي على وجوه بلادي.
زاذ فرخ :
يا مليكي السعيد أنعم بمُلكٍ
راسخ المجد شامخ الأعلام.

(يتقدم الشاعر مهمند.)

مهمند :
يا مليكي وسيدي
وملاذي ومقصدي
دُمت للعز والعلا
تفضُل اليوم بالغد
سطوة منك في العدا
بحسام مهند
بسطة منك للندى
في ولي ومُجتَدي
ولقد جئتُ صائدًا
بمقال مسدد
خسرو (مرتاحًا) :
جئتَ للصيد في حِمانا؟ أبَحْنا
لك ما لا يُباح يا مهمند.
مهمند :
دام للمُلك ربه
فوق عرش ممجَّد
طالعًا في سمائه
بين يُمن وسُؤدد
فاجز مدحي بنفحة
من كريم معوَّد
وا جرح من الزمان
وقد لجَّ يعتدي
خسرو (لزاذ فرخ) :
كيف يشكو مهمند عند جواري؟
قد كفينا مهمند كيد زمانه.
زاذ فرخ :
أمر مولاي لا يزال مُطاعًا،
وسيحميك من عداء الزمان.

(يشير إلى مهمند بالخروج.)

(يخرج مهمند وينشد وهو خارج.)

مهمند :
زدتَ مجدًا بخادم
أحمد الفعل أصيد

(يشير إلى زاذ فرخ.)

زان أفعاله ألوفا
وإشراق مَسْعِد

(يخرج.)

خسرو (مرتاحًا) :
قد بسطنا بُنودنا خافقات،
وبعثنا جيوشنا فاتحات،
وألفنا مذاق طعن وضرب،
فكرهنا مذاق كأس السلام.
زاذ فرخ : هو يُمن المليك فوق لوائه.

(يتقدم رسول الروم.)

الرسول :
أنا مولى أتيت أسعى بأمرٍ
من مليكي هرقل ذُخر المعالي.
زاذ فرخ :
يا مليكي ماذا يقول؟ أيعلو
في رحاب المليك ذكر هرقل؟
خسرو (للرسول) :
أيها العبد ما عرفنا مليكًا
باسم هذا. فإنما هو عبدٌ
من عبيدي يُطاول المُلك بغيًا.
الرسول :
يا حكيم الملوك لا زلتَ تعلو
وتُسامي الجوزاء. جئتُ رسولًا
هاتفًا بالسلام باسم مليكي.
إن مولاي قيصر الروم يُهدي
للمليك العظيم ما هو أسمى
من هدايا الملوك: قلبًا صديقًا
يتمنى لك الخلود، ومُلكًا
لا تزيل الأيامُ بهجة عزِّه.
خسرو :
قل لمولاك إن أراد سلامًا،
فليكن عند أمرنا ورضانا.
ها هنا فليقُم كعبد مطيع،
وسنحبوه بعد هذا بعفو.
الرسول :
يا عظيم الملوك لا زلتَ خِدنًا
للمعالي. إني رسول مليكي
قيصر الروم ذي العلا والجلال.
خسرو : لا تُعِدها في حضرتي.
زاذ فرخ (بشدة) :
لا تعدها.
ليس في حضرة المليك ملوك.
هو ملك والناس طُرًّا رعايا.
الرسول :
إن تلك الأيام ذات صروف
غير مأمونة، فبَينا تراها
قد أناخت بكَلكَل إذ تراها
طلعت بالسُّعود والإقبال.
ولئن كان قيصر الروم يسعى
بسلام، ما كان ذلك عارًا.
فلقد طالما استعان مليك
بأخيه على قِراع الخطوب.
زاذ فرخ (لخسرو) :
أيُّ جو لم يعلُ فيه لواؤك؟
أيُّ أرض لم تسعَ فيها جنودك؟
ما الذي يبتغي هرقل بصلحٍ،
وجيوشُ المليك عند الخليج؟
خسرو (للرسول) :
أيها العبد عُد ذميمًا إليه.
ليس للعبد أن يُنيب رسولًا.
الرسول :
ليس من يخطب السلام بعبد،
يخطب السِّلم من يُثير الحروب.
فتذكَّر مولاي إذ جئت يومًا
تخطب الوُد من مليك عظيم،
كان موريق عند ذلك ملكًا
بين جنبيه همسة للملوك.
خسرو (يثور غضبه) :
أيها العبد لا بقيتَ لقول
بعد هذا. ما أنت عندي رسول،
إنما تبعث الرسولَ الملوك!

(لزاذ فرخ)

إنه مجرم بذيء اللسان؛
فخذوه، لا يبقَ حيًّا، هلمُّوا!

(يقبض عليه جنديان.)

زاذ فرخ :
ألقياه في السجن!

(يخرج الجنديان بالرسول.)

(للملك)

مولاي هدئ
ثورة النفس. سوف يلقى جزاءً
فيه درس وعبرة للعبيد.

(يقوم باذان وهو شيخ ضعيف ويخاطب الملك.)

باذان :
يا مليكي لا زلتَ باليُمن تعلو،
وعلى العدل يستقر بِناؤك.

(يلوح الكره على وجه زاذ فرخ.)

يا مليكي، قد صرتُ شيخًا ضعيفًا،
بلغ السن من عظامي ولحمي،
وخبا نور ناظريَّ، وأضحى
مسمعي دونه غطاء ثقيل.
غير أني عركت أحوال دهري.
خسرو :
قد عرفنا فيك الولاء، وإنا
سرَّنا اليوم أن نراك معافًى.
باذان :
يا مليكي، في البغي شؤم، وأحرص
بسليل الملوك حفظ جواره.
إن هذا الرسول جاء يؤدي
قالة من مليكه، ليس يبغي
غير هذا. فإن بطشتم فتكتم
بضعيف قد جاء يحمل سلمًا.
خسرو (بعد صمت) :
أيها الصاحب الوفي، وهبنا
لك هذا البذيء.
(لزاذ فرخ) إنا عفونا.
زاذ فرخ (كارهًا) : أمر مولاي.

(يستمر باذان واقفًا يريد الكلام.)

خسرو : هل لباذان قول؟
باذان :
يا مليكي قد جئتُ أسعى لأمر،
وولائي وسيلتي في رجائي.
لي صديق هفا، وأنت جدير
بسماح القدير.
خسرو : أي صديق؟
باذان :
هو خال المليك: بندي صديقي.
إن بندي ما كان إلا حسامًا
ذا غناء إذا سطا في الأعادي.
جئت أجثو مستوهبًا لدماه
ساجدًا خاضعًا.

(يسجد للملك.)

خسرو :
لقد جئت ترجو
في أثيم ملوث بالذنوب.
باذان :
لن ترى في الأنام من لم يُقارف
في سبيل الحياة بعض الذنوب،
وقلوب العظام لن تتناسى
سابق الفضل عند وزن العيوب.
يا مليكي حاشاك تنسى لبندي
وقفة الدَّيْر إذ يُعرِّض نفسًا
لهلاك مُحقَّق في فدائك.
ثم حاشاك تُنكر اليوم فضلًا
قد تغنَّت به البرايا جميعًا.
زاذ فرخ (بحقد) :
كان بندي ذا سطوة وصنيع،
فأزاغته ضلة عن سبيله.
باذان :
ذلك الملك مثل نَسر عظيم
يملأ الجو روعة واقتدارًا،
بجَناحين يبسطان ظلالًا
مثلما يبسط السحاب الظلالا،
فإذا ما نُزعت عنه الخوافي،
أثقلته عن صَوْله في السماء.
خسرو :
كيف أغفو وتحت أقدام عرشي
نمر رابض بنابٍ وظُفر،
ذاق طعم الدماء، ضارٍ مريع،
شرس الطبع ليس يعرف مولى؟
زاذ فرخ :
إن من يعفُ عن عدو مُدِل،
يعفُ عن أرقم محيط بجسمه.
باذان :
حسبُه بالمشيب قَيدًا، وأنى
يستطيع الشيوخ خوض الخطوب.
زاذ فرخ :
يلجأ العاجزون للزهد عجزًا،
فإذا قَيدُهم تحطم ثاروا.
ليس بالفضل أن تعفَّ إذا ما
كنتَ لا تستطيع إلا عفافًا.
باذان (جاثيًا بتذلُّل) : يا مليكي هب لي دماء صديقي.
خسرو (بغضب) : قد أُريقت دماؤه!
باذان (صارخًا) :
أيُّ نحس!
قد سفكتم دماء خِلٍّ وفيٍّ.
خسرو :
وقطعنا يديه كَيما يُلاقي
ربه ناقصًا جزاء ذنوبه.
باذان (بحزن شديد) :
يا إلهي أردتَ ما كان حتى
ينفُذ الأمر طاعةً لقضائك.
لو تبدَّت لنا الغيوب لسرنا
في سبيل الحياة غير غُواة.
يهرع الناس للوُرود خِفافًا،
وقليل من يُصدرون سِراعًا.
فإذا تمت الأمور وبانت،
عرف الناس غِبَّها، فإذا هم
كلهم يَدَّعون رأيًا وعلمًا.
خسرو (بغضب) :
أنت باذان منذري؟ بئس قول!
أي نقص في دولتي إن قتلنا
خائنًا مجرمًا ببعض ذنوبه؟
باذان :
لا تُبذِّر في الناس، واذكر زمانًا
كان فيه الأبطال حولك عِقْدًا.
ليس في الأرض جوهر يتحلَّى
بسَناه الملوك مثل القلوب.
فدع التاج والزخارف تُعشي
نظر الناس، واحترس من سناها،
فطريق الملوك وعر السلوك.
خسرو :
أبذكر الأخطار تُفزع قلبي؟
كيف أخشى وما خشيتُ حياتي
من صِدام المنون والأهوال؟
باذان :
بسطة المُلك في السلام، وليست
في صدام الحروب والأهوال.
خسرو :
من أراد الحياة سلمًا وديعًا،
ترك المُلك هاربًا من نضاله.
قد سلكنا للمُلك وَعر الفيافي،
وعلمنا أن سوف نسلك وعرًا.
زاذ فرخ :
لا تُثر سخطة المليك، وحاذر
من عِثار اللسان. رُبَّ مقال
يعجز الطب عن دواء كُلُومه.
باذان (بجفاء) :
لستُ للملِك ناصحًا أو أمينًا
إن تواريتُ خوف سخط مليكي.
عشتُ ما عشتُ لم أعوِّد لساني
غير صدق المقال. فانصح لغيري.
زاذ فرخ : لستَ تخشى سخط المليك؟ إلهي!
خسرو : لستَ تخشى باذان سخطي وبطشي؟
باذان :
لا تُقرِّب سوى العبيد إذا ما
كنتَ تأبى سوى أغاني المديح.
زاذ فرخ : لستَ عبدًا؟ إذن فأنت قرين؟
باذان :
أنا عبد لواجبي. غير أني
لم يلوِّث دم العبيد عروقي.
لو جرت فيَّ قطرة منه يومًا،
لأبى القلب غير أن تُهراقا.
زاذ فرخ :
يا مليك الورى، أيجرأ عبد
مثل باذان أن يُدلَّ بقوله؟
إن من يبذل الحياة فداءً
لمليك البلاد يعطيه حقًّا.
أفليست حياتنا لك دَينًا؟
أي فضل لمن يؤدي ديونه؟
خسرو (غاضبًا غضبًا شديدًا) :
هكذا يظهر الخفي ويبدو
ما تضم الصدور يا باذان!
أنا لولا بقية من حفاظي،
لم أحكِّم في الأمر إلا حسامي.
سر ولا تقترب إليَّ فبابي
موصد عنك.
باذان (ناهضًا بهدوء) :
إن لله أرضًا
أجد الرزق من جَناها وحسبي.
قد مضى العمر غير سؤر، وهانت
عند باذان طيبات الحياة.
إنْ تُحكِّم فيَّ الحسام فما لي
غير يومين لا يثيران حرصًا.
زاذ فرخ :
أيها الشيخ غرك اليوم حِلمٌ
من مليك لولاه لم تكُ شيئًا.
باذان :
ما حياتي؟ قد ملَّ قلبي حياتي
بعد أهلي وصفوتي ورفاقي.
غير أني يذوب قلبي همًّا
أن أرى الأمر في يمين الطفام.
أوشك المجد أن يصير لذل
ما تولى زمامه الأنذال.

(ناظرًا إلى زاذ فرخ بازدراء.)

زاذ فرخ (لخسرو) :
هكذا يجرح الولي ويؤذي،
وينم اللسان.
خسرو (ثائرًا) :
قد جرَّأته
شعرات بيضاء أخشى عليها
من دماء يصبغنها. أوثقوه
واجعلوه في ظلمة السجن يثوي
في انتظار الهلاك. سيروا!
باذان (يسير هادئًا) :
هلموا،
إن بطن الثرى أحب وأرضى.

(يخرج بين الجنود.)

خسرو :
إن عرش الملوك لم يكُ يومًا
هبة الناس. إن تاجي تراث
من عطاء الإله، أورثنيه
ما جرى فيَّ من دماء جدودي.
خسرو : طاعة العرش طاعة للإله.
جراز :
يا سليل الأبطال مُرنا تجدنا
نبذل الروح في سبيل رضائك.
تخوار : حفظ الله مُلك مولاي خلدًا.
أسفاذ : أنت نور الحياة دُمت عزيزًا.
خسرو :
ذلك القول سرَّ قلبي، وسرَّى
عنه ما فيه من حفيظة غيظي.
يا عماد البلاد، أنتم أُسودي
وسيوفي.
جراز :
لا زال نجمك يزهو.
إن حب المليك خالط فينا
مهجة النفس. مُر فنحن فداء
للمليك العزيز.
خسرو :
أي أبطالي،
قد خرجنا عما قصدنا، وكنا
نقصد اليوم أن يسود الصفاء.
زاذ فرخ :
إن سعد المليك كالشمس يجلو
كل ما في الوجود من إظلام.
خسرو :
أمرائي، ماذا رأيتم؟ فإنا
قد رأينا السلام طال وأعيا.
زاذ فرخ :
يصدأ السيف إن أطال مقامًا
بين جدران غمده يا مليكي.
خسرو (لجراز) : هل صدعتم بأمرنا يا جراز؟
جراز :
رأي مولاي لم يزل ميمونًا.
يا مليكي ما شئت شاء القضاء.
زاذ فرخ :
إن جند المليك أضحت وقوفًا
عند شط الخليج ملَّت سلامًا،
ونرى الروم قد تعالوا عنادًا،
وأبى قيصر الخضوع ذليلًا
عند عرش المليك كسرى العظيم.
هذه جرأة يكاد فؤادي
يتلظَّى منها غليلًا وحقدًا.
جراز :
إن قلبي يثور بين ضلوعي،
ليس يشفيه غير حرب ضروس.
تخوار :
نحن جند المليك. مُرني تجدني.
بدماء الفؤاد أفدي مليكي.
أسفاذ :
أنا عبد مولاي. ليس بقلبي
غير حبي وخدمتي وولائي.
خسرو :
قد شفيتم بذلك القول نفسي،
فأعدُّوا الجنود للرومان.
زاذ فرخ (ساجدًا) : سوف يأتي هرقل في الأصفاد.

(يدخل رسول خاص إلى الملك.)

الرسول (للملك) : ربة المُلك عند باب المليك.
خسرو (بدهشة) :
ملكتي؟!

(يشير إلى الجميع فيخرجون، وتدخل الملكة شيرين مع وصيفاتها.)

(للملكة)

مرحبًا وأهلًا وسهلًا.

(تقترب الملكة من خسرو فيمسك بيدها فتركع عند أقدامه.)

ملكتي تركعين؟
شيرين :
جئت لأجثو
عند أقدام سيدي.
خسرو (بدهشة) : شيرين؟
شيرين : سيدي!
خسرو (يضع يده على رأسه) :
إنني أراك بحالٍ
لم أُعوَّد رؤياه. أي هموم
تعتري قلبك الطهور الشفيق؟
إن يكن في زوال همك بذلي
ذلك المُلك لا أضِنُّ ببذله.
شيرين :
حفظ الله مُلك مولاي. إني
لا أرى الهم ما بقيتَ لملكك.
خسرو : خبريني بما يُهمك.
شيرين :
إني
لا أرى في الحياة همًّا بنفسي،
غير أني إذا أُريت أمورًا
تُبعد الأصدقاء منك، اعتراني
ألم يجرح الفؤاد. مليكي!
لِمَ تسطو بمن عرفت ولاءه؟
خسرو (يعيد وضع يده على رأسه كالمتألم) :
لست أدري ماذا أصاب فؤادي.
أنا بين الأنام كسرى، ولكن
قد أراني بغير عهدي بنفسي.
يعتريني عند الحفيظة غيظ،
فإذا بي في ثورةٍ ثم أسطو،
فإذا ما سطوت عدت لنفسي،
نادمًا جازع الفؤاد.
شيرين (حزينة) : إلهي!
خسرو : ما الذي تبتغين يا شيرين؟
شيرين : أبتغي ذلك الصديق القديم.
خسرو :
الصديق القديم؟ باذان؟ ويحي!
عندما ثرتُ قد نسيت صديقي،
وتولت ذكرى ولاء قديم.
سوف آتي به وأُصلح منه
ما جنته عليه ساعة نحس.

(ينادي)

هيه. نرسي!

(يدخل الخصي نرسي.)

نرسي (يحيِّي ساجدًا) : مولاي.
خسرو :
أسرع بأمري
لوزيري بالعفو عن باذان،
ثم عُد آتيًا بباذان. أسرع.

(يُحيي الخصي ويخرج.)

(للملكة)

قد أسأنا إليه ساعة نحس.
شيرين (ضارعة) :
لا تلمني مولاي فيما بدا لي،
واغتفر جرأتي.
خسرو (يضغط على يدها بعطف) :
شقيقة نفسي،
ليس للوم في فؤادي مكان،
شغل القلب حبه ووداده.
شيرين : لي حديث إذا أمرت مليكي.
خسرو :
ما أحَب الحديث منكِ! فقُولي
ما تشائين.
شيرين :
سيدي ومليكي!
أنت ظل الإله بين العباد.
فإذا شدة أناخت بقوم،
فزعوا يطلبون عندك مأوًى.
أنت للناس موئل وملاذ
إن دهاهم من دهرهم ما يُضير.
خسرو : ملِكتي أفصحي فإني سميع.
شيرين :
ليس يُرجى فلاح أمر بلادٍ
قد تولَّى شرارُه الأحكاما.
خسرو : أفصحي ملِكتي.
شيرين :
أرى الناس ملُّوا
عَسَف هذا الوزير حتى تولَّوا
يطلبون النجاة منه هروبًا،
بعضهم هاجروا، وبعضٌ أقاموا
في شكوك ورهبة من مليكٍ
كان بالأمس قِبلة القُصاد.
خسرو :
ليس يخلو المليك من أعداء.
إن من قرَّبته مني الأماني
ليس عند الإخفاق إلا عدوًّا.
شيرين :
كان بالأمس حول عرشك قوم
يبذلون النفوس دونك حبًّا.
خسرو :
لم يكونوا على ولاء صحيح،
فالولاء الصحيح ليس يحُولُ.
شيرين :
لا يحُولُ الولاء إلا إذا ما
أفسدته سموم أهل الرياء.
لا يقيم الولاء إلا صريحًا
في قلوبٍ جيَّاشة بالإباء.
يصدر المدح عن لسان ولفظ،
ومقام الولاء تحت الضلوع.
خسرو : ملِكتي، ملكتي! بقيتِ لقلبي.
شيرين :
أسأل الله أن يمتِّع نفسي
بدوام السُّعُود في إيوانك.

(يدخل الخصي مع باذان.)

خسرو : هيه باذان، هل نسيتَ ودادي؟
باذان :
ليس ينسى الوداد من رام نصحًا.
إنما النصح آية للوداد.
خسرو : قد أسأنا إليك يا باذان.
باذان :
لم تسؤني مولاي، بل سؤت ملكًا
يفقد اليوم من بنَوه قديمًا.
خسرو : لا تعُد للملام يا باذان.
باذان :
ليس قولي ملامة، هو دمع
في بكاء على سناء مضيع.
خسرو (يتغير) : إن قلبي يثور بي.
شيرين :
يا مليكي.
إن جرح النصيح فيه شفاء.
إنما الخوف من سموم الخداع.
باذان :
يا مليكي فداك نفسي. أعدني
لمقامي في السجن آخِر عمري.
ليس لي في الحياة بعدُ رجاء،
بعدما كان من مصاب صحابي.
شيرين :
لا تجدد ما فات باذان، وارجع
لصديق أتى إليك مُنيبًا.
باذان :
ملِكتي. قد عرفت وُدي ونصحي،
وفؤادي مازال للوُد مرعى.
غير أني أرى الأمور تهاوى
مسرعات إلى قرار سحيق.
شيرين :
قد وقفتم من قبل جنبًا لجنبٍ،
في عِراك الأخطار والأهوال.
باذان :
كان هذا والعمر بعدُ جديد،
ومجاري الأقدار في إقبال.
خسرو :
عُد إلى صحبتي، وسوف تراني
مثل عهدي.
شيرين : باذان، عهد الصديق.
باذان :
إن يكن كَلَّ ساعدي مولاتي،
ففؤادي ما زال عندي سليمًا.
خسرو :
لا تغب عن مجالسي يا صديقي.
ستراني مواتيًا لو تُشير.
باذان (مستأذنًا) :
وفَّق الله سيدي ومليكي.

(للملكة)

ربة المُلك دُمتِ في إسعاد.

(يحيِّي ويخرج.)

خسرو (لشيرين) :
ملكتي قد حفظتِ ذكري ومُلكي.
لكِ شكري على نجاة صديقي.
شيرين (بسرور) :
وفَّق الله سيدي. ليت شِعْري
هل يظل الوزير سَوط عذاب
لهلاك الأنام؟
خسرو :
أي شيرين!
سوف ترضين لا يساورك همٌّ.

(يخرجان.)

(يدخل زاذ فرخ محترسًا.)

زاذ فرخ :
إن قلبي يحس في الأمر شرًّا.
علها أفسدت عليَّ سبيلي.
قد أعادت باذان وهو عدوي.
أول الغيث قطرة ثم يهمي.

(تدخل جارية من خدم الملكة محترسة.)

(للجارية)

أسرعي، ما الذي مضى في غيابي؟
الجارية (همسًا) :
حدَّثته بأن حكمك شر
وبلاء على البلاد وخيم،
ورجته في أمر باذان حتى
عاد من سجنه وأقبل يسري
نادمًا طالبًا رضاه ووُده.

(تخرج مسرعة محترسة.)

زاذ فرخ (يمشي مضطربًا) :
قد أعادته سالمًا منصورًا.
أمرها الأمر. كم سعيتُ لألقى
عندها حُظوة فخاب رجائي.
إنني مبصر غمامة شؤمٍ
توشك اليوم أن تُغلف سمائي.

(بحقد)

لأثيرنها عليهم ضِرامًا،
لا يذوقوا ملذة أو سلامًا.
إن مضى الأمر من يديَّ، فعار
أن أرى آمرًا من الناس غيري.

(يُخرج من جيبه خطابًا ويقرؤه)

إن هذا الخطاب قيصر يرجو
فيه وُدي ونُصرتي. سوف أمضي.
قيصر الروم سوف تبصر مني
نُصرة لو رأيتها في منام
لم تصدِّق بلوغها في المنام.

(يخرج مسرعًا.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤