الفصل الرابع عشر

كان مانسوس هو مَن وجد الشمعة الثانية، وكانت أكثرَ تماسكًا وسُمكًا. كانت قابعةً أسفل السرير. وكان الهاتف الذي كان موضوعًا على منضدةٍ كبيرةِ الحجم إلى حدٍّ ما بجوار السرير؛ مقلوبًا وكانت السماعة ملقاةً على الأرض. وكان بجوارها كتابان، أحدهما بعنوان «مسألة البلقان» لفيلاري، والآخر بعنوان «الأسفار والسياسة في الشرق الأدنى» لميلر. وكان معهما فتاحة ورق طويلة من العاج.

لم يكن يوجد أيُّ شيءٍ آخر على المنضدة المجاورة للسرير عدا علبة سجائر فضية. ارتدى تي إكس زوجًا من القفازات وفحص السطح اللامع بحثًا عن بصمات، ولكن نظرة سطحية لم توضح وجود دلائل كهذه.

قال تي إكس: «افتح النافذة؛ فالسخونة هنا لا تُطاق. التزمِ الحذرَ التام، يا مانسوس. بالمناسبة، هل النافذة محكمة الغلق؟»

قال المفتِّش بعد فحصٍ دقيق: «محكمة تمامًا.»

فتح المرابط، ورفع النافذة، وفي تلك الأثناء، صدرَ رنينُ جرسٍ حادٌّ في القبو.

قال تي إكس: «ذاك هو جرس جهاز إنذار السرقات، على ما أظن، انزل وأوقف ذلك الجرس.»

كان يخاطب فيشر، الذي كان واقفًا عند الباب بوجهٍ مضطرب. وحين ذهب، رمق تي إكس أحد الضباط المنتظرين بنظرةٍ خاطفة ذات مغزًى، وسار الرجل في أعقاب الخادم على مهل.

أوقف فيشر الجرس ثم عاد إلى الرَّدهة ووقف أمام مدفأة الرَّدهة، وكان في غاية التوتر والاضطراب. وبالقرب من نيران المدفأة كانت هناك طاولة كتابة كبيرة من خشب البلوط، عليها مظروف صغير لم يتذكَّر أنه قد رآه من قبل، رغم أنه ربما كان هناك منذ فترة؛ إذ إنه أمضى فترةً أكبرَ من المساء في المطبخ مع الطاهية.

التقط المظروف، وأدرك في دهشةٍ أنه موجَّه إليه. فتحه وأخرج منه بطاقة. لم يكن عليها سوى بضع كلمات لا أكثر، لكنها كانت كفيلة بأن تحيل لونَه إلى الشحوب وتسري في يديه رِعشة. أخذ المظروف والبطاقة وألقى بهما في النار.

تصادف في تلك اللحظة أن نادى مانسوس من الطابَق العلوي، وهُرع الضابط الذي كُلِّف بوضع الخادم تحت المراقبة إلى أعلى استجابةً للنداء. تردَّد فيشر لحظة، ثم تسلَّل إلى الباب دون قبَّعته ومعطفه، وفتحه، وتركه مواربًا وراءه ثم انطلق يهبِط درجات السلَّم، وخرج من المنزل يركض كأرنب بري.

كان الطبيب، الذي جاء بعد ذلك بقليل، متحفظًا فيما يتعلَّق بتحديد ساعة الوفاة.

قال: «إذا كنتم قد تلقيتم إشارتكم الهاتفية في العاشرة وخمس وعشرين دقيقة، كما تقولون، فعلى الأرجح أن هذه هي الساعة التي قُتل فيها.» وتابع: «لا أستطيع الجزم بذلك في نصف ساعة. من الواضح أن الرجل الذي قتله أحكم قبضته على حنجرته بيده اليسرى — إذ توجد كدمات على العنق — وطعنه بيده اليمنى.»

في هذا التوقيت لوحظ اختفاء فيشر، ولكن استجواب السيدة بيل التي كانت مرتعبة أزال أيَّ شك لدى تي إكس في تورط الرجل في الجريمة.

قال تي إكس: «من الأفضل أن نرسل إشارة إلى «جميع الأقسام» ونلقي القبض عليه.» وأضاف: «لقد كان مع الطاهية منذ لحظة انصراف الضيف وحتى بضع دقائق قبل حضورنا. وفوق ذلك، يبدو واضحًا استحالةُ دخول أي شخص إلى هذه الغرفة والخروج منها ثانيةً. هل فتَّشت القتيل؟»

أبرز مانسوس صينيةً وُضِعت عليها متعلقات كارا. استطاعت السيدة بيل التعرُّف على المفاتيح التقليدية. وكان يوجد أكثر من مفتاح تعذَّر عليها التعرُّف عليها. تعرَّف تي إكس على أحدها بوصفه مفتاح الخزينة، ولكنَّ ثمَّة مفتاحين صغيرين وضعاه في حيرةٍ شديدة، ولم تستطِع السيدة بيل مساعدته في البداية.

قالت: «الشيء الوحيد الذي أستطيع التفكير فيه، يا سيدي، هو قبو النبيذ.»

قال تي إكس ببطء: «قبو النبيذ؟» وأضاف: «لا بد أنه …» ثم توقَّف.

لم تستطِع المأساة الكبرى التي وقعت في ذلك المساء، بكلِّ جوانبها الملغزة، أن تمحو من ذهنه التفكير في الفتاة … بليندا ماري، التي استنجدت به حين حاق بها خطرٌ كما خمَّن. نزل إلى المطبخ ووقف وجهًا لوجه أمام الباب غير المطلي.

قال: «إنه يبدو أقرب إلى سجنٍ منه إلى قبو نبيذ.»

قالت السيدة بيل: «ذاك ما كنت أعتقده دائمًا يا سيدي، وأحيانًا ما كان ينتابني إحساس رهيب بالخوف.»

أوقف ثرثرتها بوضع أحد المفتاحين في القفل، فلم يَدُر، ولكن حالفه النجاح مع الآخر. فُتح القفل بسهولة ودفع الباب إلى الخلف. وجد الباب الداخلي موصدًا من أعلى وأسفل. دفع الترباسين فارتدا في فتحتيها المشحَّمتين جيدًا دون أدنى جهد. فقال في نفسه إنه من المؤكد أن كارا كان يستخدم هذا المكان كثيرًا.

دفع الباب ليفتحه ثم توقَّف مطلقًا صيحةَ اندهاش. كان القبو مضاءً بأضواء مبهرة، ولكن لم يكن أحدٌ موجودًا به.

قال تي إكس: «لقد تجاوز هذا كل شيء.»

رأى شيئًا على الطاولة ورفعه. كان مقصًّا ذا نصلين طويلين وكان مقبضه ملفوفًا بمنديل. لم يكن هذا هو ما أدهشه، بل حقيقة أن نصلَي المقص كانا ملطخين بالدماء، كما كانت هناك دماء أيضًا على المنديل. حلَّ قطعة القماش القطنية الرقيقة وحدَّق إلى وسمٍ كُتِب بالأحرف الأولى «بي إم بي».

نظر حوله. لا أحدَ رأى السلاح ما دعاه إلى دسِّه في جيب معطفه، وسار من القبو إلى المطبخ حيث كانت السيدة بيل ومانسوس في انتظاره.

تساءل في صوتٍ متوتر: «يوجد قبو سفلي، أليس كذلك؟»

قالت المرأة موضحة: «لقد أُغلق بالطوب حين أخذ السيد كارا المنزل.»

قال: «لا يوجد شيء آخر يمكن تفتيشه هنا.»

صعد السلَّم ببطء متجهًا إلى المكتبة، وقد تملَّكت عقله حيرةٌ شديدة. لم يكن مفهومًا كيف له وهو ضابط شرطة مفوَّض، أقسم على كشف المجرمين، أن يحاول التستُّر على فتاةٍ من المحتمل أن تكون مجرمة. ولكن إن كانت الفتاة قد ارتكبت هذه الجريمة، فكيف وصلت إلى غرفة كارا، ولماذا عادت إلى القبو المغلق!

أرسل في طلب السيدة بيل لاستجوابها. فأوضحت أنها لم تسمع شيئًا، وكانت في المطبخ طَوال فترة المساء. غير أنها أفصحت عن حقيقةٍ واحدة، مفادُها أن فيشر قد خرج من المطبخ وغاب ربع ساعة وعاد مضطربًا قليلًا.

قال تي إكس: «ابقي هنا»، ونزل إلى القبو مجددًا لإجراء مزيد من البحث والتفتيش.

فكَّر في نفسه قائلًا: «ربما يوجد مخرجٌ ما من هذا السجن السري»، وسرعان ما أدَّى بحثٌ دءوب إلى الكشف عن هذا المخرج.

وجد الباب السري الحديدي، وفتحه، وانسل عَبْر السلَّم. وذُهل هو الآخر من فخامة القبو. راح يتنقل من غرفةٍ إلى غرفة، إلى أن وصل في النهاية إلى غرفةٍ داخلية كان بها ضوء مشتعل.

كان الضوء، كما اكتشف، منبعثًا من مصباح قراءة صغير يوجد بجوار هيكل سرير نحاسي صغير. كان واضحًا أن ثمَّة مَن نام في السرير حديثًا، ولكن لم يكن يوجد أثر لأي شخص. أجرى تي إكس بحثًا دقيقًا للغاية ولم يواجه أي صعوبة في العثور على الباب المغلق بالطوب. ولم يكن ثمَّة أي مخارج أخرى.

كانت الأرضُ كتلةً خشبية مرتكزة على خرسانة، وكانت التهوية ممتازة، وفي مكانٍ معزول كان واضحًا أنه كان يحوي في وقتٍ ما صندوقًا كبيرًا لتخزين النبيذ، كان يوجد موقد طهي كهربائي رائع. وفي حجرة مؤن صغيرة، كان يوجد عدد من السلال، تحمل اسم متعهد توريد أغذية معروف، كانت إحداها تحوي تشكيلةً ممتازة من اللحوم الباردة والمعلبة، والأطعمة المحفوظة، وما إلى ذلك.

عاد تي إكس إلى غرفة النوم وأخذ المصباح الصغير من فوق الطاولة المجاورة إلى السرير وبدأ معاينةً أكثرَ دقة. بعد قليل وجد آثار دماء، واتبع أثرًا غيرَ منتظمٍ قاده إلى الغرفة الخارجية. ولكنه فقده فجأةً عند قاعدة السلَّم المؤدي إلى أسفلَ من القبو العلوي. ثم استعادَه مرةً أخرى. وكان السلك الكهربائي الخاص بالمصباح الذي كان يحمله قد وصل الآن إلى آخر ما يمكن أن يصل إليه؛ لذا أخرج من جيبه مصباح جيب ليستخدمه.

كانت ثمَّة دلالات على أن شيئًا ثقيلًا كان يجرجر عبر الغرفة ورأى أن هذا الأثر يقوده إلى حمَّام صغير. كان قد قام بمعاينةٍ سريعة لهذا الحمَّام المجهَّز جيدًا، وفي هذه اللحظة شرع في إجراء معاينة دقيقة وجاءت بنتائج مثمرة للغاية.

كان الحمَّام هو المكان الوحيد الذي يحوي أيَّ شيء يشبه الباب، وكان حاجزًا مزدوجًا، وعندما دفعه للخلف، شعر بشيء يحول دون أن يتخذ امتداده الأوسع. انسل إلى داخل الغرفة وسلَّط ضوء مصباحه على المساحة الكائنة خلف الحاجز. وهناك وجد كلبًا كبيرًا أعجفَ يرقد نافقًا وقد تَيبَّست جثته وكانت عيناه شاحبتين ولسانه متدليًا، مكشرًا للمرة الأخيرة عن أنيابه الصفراء كاشفًا إياها.

كان عنقه محاطًا بطوقٍ وكان معلقًا به بضع حلقات من سلسلة مكسورة. ارتقى تي إكس درجات السلَّم وهو مستغرق في التفكير واتجه إلى المطبخ.

هل طعنت بليندا ماري كارا، أم قتلت الكلب؟ من المؤكد أنها قد قتلت أحد الكلبين. أما أن تكون قد قتلت كليهما، فهذا احتمال وارد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤