الفصل السابع عشر

كان توماس زافير ميرديث شابًّا حاذقًا ماكرًا. فقد قال عنه السيد باولو كوسيلي، الخبير البارز في علم الجريمة، إن لديه مَلكةَ حَدْس غيرَ عادية. ربما كان قد حلَّ لغز الشمعة الملتوية قبل أن يخطُر لأي شخص في العالم أدنى اعتقاد بإمكانية حله بفترة طويلة.

كان المنزل الكائن في كادوجان سكوير لا يزال في أيدي الشرطة. وكان تي إكس من آنٍ لآخر يقصد هذا المنزل، ويتردَّد بصفةٍ خاصة على غرفة نوم كارا، ويستنسخ، قدْر الإمكان، الظروف التي وُجدت ليلة الجريمة. أوجد نفس النيران الخانقة، ونفس الباب الموصَد. كان المزلاج مستقرًّا في موضعه، بينما أجرى تي إكس حساباتٍ معقدة، وفي يده ساعة إيقاف، وحاكى مواقفَ بعينها لم يَبُح بها لأي مخلوق.

ثلاث مرات توجَّه فيها إلى المنزل، بصحبة مانسوس، وثلاث مرات توجَّه إلى غرفة الموت التي شهدت الجريمة، وكان بمفرده في إحدى المرات مدةَ ساعة ونصف الساعة بينما كان مانسوس ينتظر بالخارج في صبر. ثلاث مرات بدا بعدها في كلٍّ منها أكثر تجهمًا وكآبة، وبعد الزيارة الثالثة استدعى جون لكسمان للتشاور معه.

كان لكسمان يُمضي بعض الوقت في الريف، بعد أن أرجأ رحلته إلى الولايات المتحدة.

قال تي إكس وقد خرج عن شخصيته الصاخبة المعتادة: «هذه القضية تزيدني حيرةً يا جون، وأشكر الربَّ أنها تُقلِق آخرين معي. فقد جاءني دي ماينو من فرنسا منذ بضعة أيام وأحضر معه أفضلَ مخبريه جميعًا، بينما جاء أوجرادي من شرطة نيويورك المركزية في زيارةٍ خاطفة فقط للوقوف على وقائع القضية. لم يقدِّم لي أحدٌ منهم الحل الحقيقي، مع أنهم جميعًا كانوا بارعين نوعًا ما. لقد اختفى جاذركول وعلى الأرجح أنه في طريقه إلى منطقةٍ لا يمكن اكتشافها، ولم يستطِع رجالنا بعدُ العثورَ على الخادم.»

قال جون لكسمان متأملًا: «من المفترض أن يكون الأسهل في تتبُّعه بالنسبة إليك.»

تابع تي إكس حديثه قائلًا: «لا أفهم لماذا غادر جاذركول.» وأضاف: «وفقًا للقصة التي سردها لي فيشر، كانت آخرُ كلماته لكارا عن انتظاره شيكًا، أو تلقيه شيكًا. ولم يُقدَّم أو يُسحب أيُّ شيكات، ويبدو أن جاذركول قد غادر دون انتظار تلقي أيِّ مبالغ. ومِن فحص حسابات كارا، لا يوجد أيُّ تعاملات بينه وبين حساب جاذركول عدا مبلغ ٦٠٠ جنيه كان قد دفعه له مقدمًا، والآن يأتي هذا ليفسد كلَّ حساباتي، انظر.»

وأخرج من محفظةِ جيبه قصاصةً من جريدةٍ ودفعها إليه عبر الطاولة؛ إذ كانا يتناولان العشاء معًا في كارلتون. التقط جون لكسمان القصاصةَ وقرأها. كان واضحًا أنها من جريدة نيويورك:

وردت أخبار جديدة من الباخرة سايبرس، التابعة لشركة «أنتاركتيك تريديج»، بخصوص تحطُّم الباخرة «ذا سيتي أوف أرجنتين». يُعتقد أن تلك السفينة المنكوبة، التي كانت متوقفةً في موانئ أمريكا الجنوبية، قد فقدت رفَّاصها وانحرفت جنوبًا بعيدًا عن مسارها الملاحي. وقد تأكدتْ هذه النظرية الآن. يبدو أن السفينة قد اصطدمت بجبلٍ جليدي في الثالث والعشرين من ديسمبر وغرقت بكلِّ ركَّابها عدا بضعة أشخاص استطاعوا إنزال قارب إلى البحر والتقطتهم السفينة سايبرس. وفيما يلي قائمة بأسماء الركَّاب.

راجع جون لكسمان القائمة سريعًا حتى وجد الاسم الذي من الواضح أن تي إكس قد وضع تحته خطًّا بالقلم الحبر. كان ذلك الاسم هو جورج جاذركول ووُضِع بعده بين قوسين كلمة «مستكشف».

«إن كان ذلك صحيحًا، فإذن لا يمكن أن يكون جاذركول قد جاء إلى لندن.»

قال تي إكس: «ربما أخذ قاربًا آخر، وقد أبرقت إلى شركة البواخر دون تحقيق أي نجاح يُذكر. يبدو أن جاذركول كان شخصًا غريب الأطوار وكان يعيش في ذعرٍ من الازدحام. فكان من عادته أن يقوم بأكثر من حجزٍ احتياطيًّا على متن كل سفينة متاحة. كل ما استطاعت الشركة أن تخبرني به أنه قد حجز مكانًا له، ولكنهم لا يعرفون إن كان استقل الباخرة ذا سيتي أوف أرجنتين أم لا.»

قال جون لكسمان ببطء وتروٍّ: «بإمكاني القول إن جاذركول ليس بالرجل الذي يستطيع أن يؤذي ذبابة. ولم يكن يستطيع أن يقتل أيَّ إنسان؛ إذ كان بطبيعته معارضًا لفكرة القتل بأي شكل. ولهذا السبب لم يكوِّن أيَّ مجموعات من الفراشات أو النحل، وأعتقد أنه لم يصطَد حيوانًا واحدًا قطُّ طَوال حياته. وقد كان متمسكًا بمبادئه إلى حدِّ أنه كان نباتيًّا»، ثم أردف مبتسمًا، وكانت أول ابتسامة يراها تي إكس على وجهه منذ عودته: «مسكين جاذركول العجوز!»

قال تي إكس في تجهُّم: «إن أردت أن تتعاطف مع أحد، فلتتعاطف معي.»

في اليوم التالي، استُدعي تي إكس إلى وزارة الداخلية وذهب متأهبًا تمامًا لتلقي توبيخٍ مروع. استقبله وزير الداخلية، الذي كان رجلًا ضخمَ البنية مهيبَ الهيئة، مولعًا بإلقاء الخُطَب في كل مناسبة، ولكنه استقبله بلطفٍ غيرِ مألوف.

قال: «لقد أرسلت إليك يا سيد ميرديث بخصوص هذا اليوناني التَّعِس الحظ. لقد أمرتُ بفحص كل أوراقه الخاصة وترجمتِها، وحلِّ شفرتها في بعض الحالات؛ لأن يومياته والكثير من مراسلاته، كما قد تعلَم، كانت مكتوبة بشفرة استرعت انتباه الخبراء.»

لم يشغل تي إكس نفسه كثيرًا بأوراق كارا الخاصة، ولكنه سلَّمها، حسبما تقضي التعليمات، إلى السلطات المختصة.

تابع وزير الداخلية مبتسمًا إليه عبر طاولته الكبيرة قائلًا: «نتوقَّع منك بالطبع يا سيد ميرديث أن تواصل بحثك عن القاتل، وإن كان لا بد أن أعترف بأن سجينك سيكون لديه حجَّةٌ ممتازة جدًّا ليقدِّمها أمام أي هيئة محلفين، عندما تعتقله.»

قال تي إكس: «أنا واثق من ذلك تمامًا، يا سيدي.»

استهل وزير الداخلية حديثه بأسلوبه البلاغي الرائع: «خلال مسيرتي المهنية الطويلة قلما فحصت سجلًّا شائنًا ومخزيًا إلى هذا الحد السافر كسجل ذلك القتيل.»

وقدَّم له بضعة أمثلة كانت كفيلة بأن تدهش حتى تي إكس.

تابع وزير الداخلية قائلًا: «لقد كان رجلًا معتوهًا، وفاسدًا وشريرًا، يحب القسوة لأجل القسوة. لدينا في دفتر اليوميات هذا وحده أدلةٌ كفيلة بإدانته بثلاث جرائم قتل مختلِفة، ارتُكبت إحداها في هذا البلد.»

بدا تي إكس مشدوهًا.

«ستتذكر، يا سيد ميرديث، كما رأيت في أحد تقاريرك، أنه كان لديه سائق خاص، يوناني الجنسية يُدعى بروبولوس.»

أومأ تي إكس بالإيجاب.

وقال: «لقد توجَّه إلى اليونان في اليوم التالي لحادث إطلاق النار على فاسالارو.»

هزَّ وزير الداخلية رأسه.

ثم قال: «لقد قُتل في الليلة نفسها، ولن تواجه أيَّ صعوبة في العثور على رُفاتِه في المنزل المهجور الذي استأجره كارا لهذا الغرض. ربما يمكنك أن تفترض أنه قد قتل عددًا كبيرًا من الأشخاص في ألبانيا. قرًى كاملة أُبيدت كي توفِّيه نزْرًا يسيرًا من المتعة. لقد كان الرجل أقرب إلى نيرون ولكن دون مثالبه الرقيقة. كان مهووسًا بفكرة أنه هو نفسه معرَّض للاغتيال، ويرى حتى في خادمه الأمين عدوًّا. لا شك أن السائق بروبولوس كان على اتصال بالعديد من الدوائر الحكومية الأوروبية.» ثم اختتم الوزير حديثه قائلًا: «أنت تفهم بالطبع أنني أخبرك بهذا، لا لأنني أتوقَّع منك التراخي في جهودك للعثور على القاتل وحلِّ لغزِ الجريمة، ولكن لكي تعرف شيئًا عن الدافع المحتمل وراء قتل هذا الرجل.»

أمضى تي إكس ساعةً يتفحَّص دفتر اليوميات والوثائق المترجَمة وغادر مقرَّ وزارة الداخلية وهو يرتعد قليلًا. كان الأمرُ غيرَ معقول، ولا يُصدَّق. لقد كان كارا معتوهًا، ولكن العبقري الذي واجهه كان شيطانًا.

كان لدى تي إكس شقَّةٌ في وايتهول جاردنز فتوجَّه إليها لتبديل ثيابه استعدادًا للعشاء. كان قد ارتدى نصف ثيابه حين وصلت الجريدة المسائية وألقى نظرةً سريعة عليها؛ إذ كانت عادته أن يطالع أولًا صفحةَ الأخبار ثم عمود الإعلانات. نظر إلى العمود المعنون بكلمة «إعلانات شخصية» دون أيِّ توقُّعٍ منه أن يجد أيَّ شيءٍ ذي أهمية خاصة له، ولكنه رأى ما جعله يلقي الجريدة أرضًا ويطير عبر الغرفة في اهتياج ليكمل ارتداءه لملابسه.

كان نصُّ الإعلان المقتضب: «تومي إكس، عاجل للغاية، ٨ ماربل آرتش.»

كان أمامه خمس دقائق ليصل إلى هناك، ولكنها بدت خمس ساعات. كان يَعلَق في كل معبَر مشاة، ومع أنه كان يستطيع استخدام سلطته للحصول على حق المرور المباشر، فقد منعه حسُّ النزاهة الغريب لديه من الإقدام على هذه الخطوة. قفز من السيارة الأجرة قبل أن تتوقَّف، ودسَّ الأجرة في يدَي السائق وأخذ ينظر حوله بحثًا عن الفتاة. وأخيرًا رآها واتجه سريعًا نحوها. وبينما كان يدنو منها، تلفتت حولها وانصرفت بعيدًا ملوِّحة بيدها بإشارةٍ غيرِ ملحوظة. تتبَّعها عبر طريق بايسووتر وبالتدريج تساوت خطاهما.

قالت بصوتٍ خفيض: «أخشى أن أكون تحت المراقبة.» وتابعت: «هلا تستوقف سيارة أجرة؟»

أشار إلى سيارة أجرة، وساعدها على الدُّلُوف بداخلها وطلب من سائقها التوجُّه إلى أول مكان يخطُر بباله، وكان متنزه فينسبيري.

قالت: «أنا في شدة القلق، ولا أعرف أيَّ شخص يمكنه مساعدتي سواك.»

سألها قائلًا: «هل الأمر يتعلق بالمال؟»

قالت في امتعاض: «مال، بالطبع لا صلة للأمر بالمال.» ثم قالت بعد وهلة: «أريد أن أطلعك على خطاب.»

أخرجَتِ الخطاب من حقيبتها وأعطته له، وأشعل عود ثقاب وقرأه بصعوبة.

كان مكتوبًا بخط شخصٍ غير متعلمٍ يثابر من أجل كتابته.

الآنسة العزيزة

أعلم مَن أنتِ. أنت مطلوبة من قِبل الشرطة ولكني لن أشيَ بك. الآنسة العزيزة. أنا في عسرة شديدة و٢٠ جنيهًا سوف تنفعني كثيرًا ولن أزعجكِ مرةً أخرى. الآنسة العزيزة. ضعي المال على عتبة نافذة غرفتك. أعلم أنكِ تُقيمين في الطابَق الأرضي وسوف أدخل وآخذه. وإذا لم تفعلي … حسنًا، لا أريد أن أسبِّب لكِ أيَّ أذًى.

المخلص،
صديق

تساءل: «متى وصلك هذا الخطاب؟»

أجابته: «صباح اليوم.» وتابعت: «لقد أرسلت الإعلان إلى الجريدة عبر الإبراق، وعرفتُ أنك ستأتي.»

قال: «أوه، حقًّا، حقًّا كنتِ تعرفين؟»

كان تأكيدها مبعثَ سرورٍ شديدٍ له. ومنحته الثقةُ التي لاحت من بين كلماتها شعورًا طفيفًا غريبًا بالراحة والسعادة.

ثم أضاف قائلًا: «أستطيع بسهولة أن أخرجكِ من هذا؛ أعطيني عنوانكِ وحين يأتي هذا الرجل …»

ردَّت سريعًا: «هذا مستحيل.» وأضافَت: «أرجو ألا تظن بي الجحودَ ولا تظن أنني سخيفة … أنت تعتقد أنني سخيفة، أليس كذلك؟»

قال بنبرة صادقة: «لم أضمر في نفسي قط مثل هذه الفكرة السخيفة.»

قالت في إصرار: «بل فعلت، ولكني حقًّا لا أستطيع أن أخبرك بمحل سكني. ولدي سبب خاص جدًّا لذلك. لا أفكِّر في نفسي، ولكن الأمر يتعلق بحياة شخص.»

كانت عبارةً مؤثِّرة نوعًا ما، ما جعلها تشعر بأنها بالغت أكثر مما ينبغي.

قالت: «ربما لا أقصد ذلك»، ثم خفضت صوتها وأضافت: «ولكن يوجد شخص أهتم لأمره …»

قال تي إكس في دهشة: «أوه، حقًّا!»

كان كمن سقط من مرتفعاتٍ وردية مزهرة إلى ظِل وظلامِ وادٍ معتِمٍ كئيب.

قال بعد وهلة مرددًا ما قالته: «شخص تهتمين لأمره.»

«أجل.»

ساد صمت طويل آخر، وبعدها قال تي إكس:

«أوه، حقًّا.»

ومرة أخرى ساد فاصل من الصمت لم يقطعه شيء، وبعد بعض الوقت قالت بصوت خفيض: «ليس كما فهمت.»

تساءل تي إكس بصوت مبحوح: «ليس كما فهمت؟!» وارتفعت معنوياته قليلًا.

قالت: «أعني الطريقة التي تقصدها.»

قال تي إكس: «أوه.»

وعاد مجددًا وسط ثلوج الفجر الوردية، وكان يتسلق دَرجًا شاهقًا على أعلى قمم الأمل حين جذبت السلَّم من تحته.

فقد قالت بحسمٍ متزمت: «بالطبع لن أتزوج مطلقًا.»

سقط تي إكس برطمة ثقيلة خامدة، ليكتشف أن ثلوجه الوردية لم تكن تختلف عن الجليد الصلب البارد في افتقاده لليونة والمرونة.

تساءل بنبرة واهنة، ولكنها لم تخلُ من الدفاع عن نفسه: «ومَن قال إنك ستفعلين؟»

قالت: «أنتَ»، وشعر بأنفاسه تحتبس من جرأتها.

سألها بعد وهلة: «حسنًا، كيف لي أن أساعدك؟»

قالت: «بأن تسدي لي نصيحة، هل تعتقد أن عليَّ أن أضع النقود هناك؟»

قال تي إكس مستعيدًا بعضًا من تسلُّطه الفطري: «في الواقع لا أعتقد ذلك؛ ففضلًا عن أنك بذلك تتسترين على جريمة، فإنكِ ستضعين نفسكِ في مأزِقٍ في المستقبل. فإذا استطاع أن يحصل منكِ على ٢٠ جنيهًا بهذه السهولة، فسوف يأتي ليحصل على ٤٠ جنيهًا. ولكن لماذا لا تبقين بعيدًا، لماذا لا تعودين إلى المنزل؟ فلا يوجد ضدكِ أيُّ تهمة أو ذرة شك.»

قالت بنبرةِ عزمٍ وتصميمٍ في صوتها: «لأن لدي شيئًا عقدت العزم على أن أفعله.»

قال مشجعًا إياها: «يمكنكِ بالتأكيد أن تأتمنيني على عنوانكِ بعد كلِّ ما دار بيننا، يا بليندا ماري، بعد كل تلك الفترة الطويلة التي عرف بعضُنا بعضًا خلالها.»

قالت في ثبات وهدوء: «سوف أخرج وأتركك.»

قال معترضًا: «ولكن كيف سأساعدكِ بحق الجحيم؟»

ربما كانت حادة للغاية حقًّا إذ قالت: «لا تسبَّ؛ الطريقة الوحيدة التي يمكنكَ مساعدتي بها هو أن تكون رءوفًا ومتعاطفًا.»

تساءل في سخرية: «أتريدينني أن أنفجر في البكاء؟»

قالت: «لا أطلب منك شيئًا أكثر إيلامًا أو بغضًا لمشاعرك الطبيعية من أن تكون دمثًا مهذبًا.»

قال تي إكس: «أشكركِ من كل قلبي»، وأسند ظهره في السيارة وقد بدا في استكانةٍ شديدة.

قالت بنبرةِ اتهام: «أعتقد أنك تقوم بتعبيرات ساخرة بوجهك في الخفاء.»

بادر بالرد سريعًا قائلًا: «حاشا للرب أن أقوم بأيِّ تصرُّفٍ بهذه الوضاعة، ما الذي جعلكِ تظنين ذلك؟»

اعترفت قائلة: «لأنني كنت أُخرِج لك لساني»، وسمع سائق السيارة الضحكات الصاخبة في السيارة من خلفه تغطي على أزيز محرك سيارته المنهك.

في الثانية عشرة من تلك الليلة وفي إحدى ضواحي لندن كان رجل يرتدي معطفًا يتحرك خلسة عبر إحدى الحدائق. كان يتحسَّس طريقه بحذرٍ عَبْر سور المنزل، ويتلمَّس الطريق عَبْر عتبة النافذة مسلحًا بالأمل، ولكن دون قدْر كبير من اليقين. وجد مظروفًا أخبرته أصابعه، التي كانت تتمتع بقدْر من الحساسية من طول استخدامها في أفعال شائنة، أنه لا يحوي أيَّ شيء ذي قيمة سوى خطاب.

عاد عَبْر الحديقة وانضم إلى رفيقه، الذي كان ينتظره أسفل عمود إنارة مجاور.

تساءل الآخر في لهفة: «هل وَضَعَتِ النقود؟»

زمجر الرجل الذي جاء عَبْر الحديقة: «لا أعرف بعد.»

فتح المظروف وقرأ السطور القليلة.

وقال: «لم تحضر المال، ولكنها ستحضره. لا بد أن أقابلها عصر الغد عند تقاطع شارعي أكسفورد وريجينت.»

تساءل الآخر: «متى؟»

قال الرجل الأول: «في السادسة.» وأضاف: «ولا بد أن يكون الرجل الذي سيأخذ النقود حاملًا نسخةً من جريدة «ذا ويستمينستر جازيت» في يده.»

قال الآخر بيقين: «أوه، إذن فهو فخ.»

ضحك الآخر.

«لن تنصب أيَّ فخاخ. أراهن أنها مرعوبة.»

أخذ الرجل الثاني يقضم أظافره وينظر إلى الشارع يَمنة ويَسرة في خوف.

ثم قال في استياء: «نحن في موقف عصيب، خرجنا كي نجني آلافًا ووصل بنا الحال أن نتوسل من أجل ٢٠ جنيهًا.»

قال الآخر بأسلوب متفلسف: «إنه الحظ، كما أنني لم أنتهِ منها بأي حال. علاوة على ذلك، لا تزال لدينا فرصة لاصطياد الغنيمة الكبرى يا هاري. أحسب أنها تستطيع دفع مائة أو مائتين، على أي حال.»

في الساعة السادسة عصر اليوم التالي، وقف رجلٌ بغير مبالاة يرتدي معطفًا داكنًا، ويعتمر قبعة من اللباد المرن تغطي عينيه، بجوار حافة الرصيف القريب من نقطة توقُّف الحافلات في شارع ريجينت، وكان يخبِط على يده برفق بنسخة مطوية من جريدة «ذا ويستمينستر جازيت».

وقف في أقربِ موضعٍ ممكن من أحد أعمدة الإنارة حتى لا يخطئ أحدٌ الجريدةَ الليبرالية التي يقرؤها؛ ومن ثَم هيَّأ نفسه ووضعيته بحيث يسقط القدْرُ الأقل من الضوء على وجهه والقدْرُ الأكبر على تلك الجريدة التي تحظى بمكانةٍ كبيرةٍ في أوساط الرأي العام. بعد السادسة بقليل رأى بطرف عينه الفتاة تقترب، فسار نحوها لمقابلتها. واندهش حين تجاوزته وكان يستدير ليتبعها حين أمسكت بذراعه يدٌ خشنة.

قال صوت لطيف: «السيد فيشر، على ما أظن.»

قال الرجل وهو يغالبه ويرتد للخلف: «ماذا تعني؟»

تساءل المفتش مانسوس اللطيف: «هل ستسير معي في هدوء؟ أم أسلط عليك عصاي؟»

فكَّر السيد فيشر بعض الوقت.

حدَّث نفسه معترفًا: «إنه شرطي»، وترك نفسه يُقتاد إلى داخل سيارة الشرطة الواقفة بالانتظار.

وصل إلى مكتب تي إكس وحيَّاه ذلك الرجل المهذَّب وكأنه صديق.

سأله: «وكيف حال السيد فيشر! — أظن أنك ما زلت السيد فيشر، وليس السيد هاري جيلكوت أو السيد جورج بورتن.»

ابتسم فيشر ابتسامتَه القديمة المطيعة الاستنكارية.

«دائمًا ما سيكون لك حِيَلك، يا سيدي. أعتقد أن الآنسة الشابة قد أوشت بي.»

قال تي إكس: «أنت مَن أوشيت بنفسك، أيها المسكين فيشر»، ووضع أمامه قطعةً من الورق، ثم أردف قائلًا: «ربما يمكنك أن تزيِّف خطَّك، وتدَّعي جهلَك باللغة البريطانية بمنتهى التواضع، وهو ما لا يليق بمؤهلاتك المتعددة، ولكن ما يجب أن تحرص عليه أشد الحرص في المستقبل عند كتابة مثل هذه الرسائل هو أن تغسلَ يديك.»

قال فيشر مكررًا في حيرة: «أغسل يديَّ!»

أومأ تي إكس.

«كما ترى، لقد تركتَ بصمةً صغيرة لإبهامك، ونحن بارعون إلى حدٍّ ما في كشف بصمات الإبهام في سكوتلاند يارد، يا فيشر.»

«أرى ذلك. والآن ما التهمة الموجهة إليَّ، يا سيدي؟»

«لن أوجِّه لك أيَّ اتهام عدا ذلك الاتهام التقليدي بكونك متهمًا حاصلًا على إفراجٍ مشروطٍ والتقاعس عن الإبلاغ عن تحركاتك.»

أطلق فيشر تنهيدةً عميقة.

«هذا يعني اثني عشر شهرًا سجنًا فقط. هل ستتهمني بهذا الأمر؟» وأومأ برأسه ناحية الورقة.

هزَّ تي إكس رأسه نافيًا.

«أنا لا أضمر لك أيَّ نوايا سيئة مع أنك قد حاولت ترويع الآنسة بارثولوميو. أوه، نعم، أنا أعرف أنها الآنسة بارثولوميو، وطوال الوقت كنت أعرف ذلك. إن السيدة موجودة هناك لسببٍ لا شأن لك أو لي به. لن أتهمك بمحاولة ابتزازها، ومكافأة لي على تساهلي معك، أتمنى أن تخبرني بكل شيء تعرفه عن جريمة مقتل كارا. أظنك لن تودَّ أن أتهمك بذلك، هل تودُّ ذلك بأي حال؟»

أخذ فيشر نفسًا طويلًا.

وقال بجدية: «لا، يا سيدي، ولكن أستطيع إثبات براءتي لو فعلت.» وأضاف: «لقد أمضيتُ المساء بأكمله في المطبخ.»

قال تي إكس: «عدا ربع ساعة.»

أومأ الرجل مؤيدًا ذلك.

وقال: «هذا صحيح، يا سيدي، خرجتُ لمقابلة صديق لي.»

سأله تي إكس: «الرجل المتواطئ معك في هذا الأمر؟»

تردَّد فيشر.

«أجل، يا سيدي. لقد كان معي في هذا الأمر ولكن لم يكن ثمَّة إساءة في هذا الأمر … إلى الحد الذي وصلنا إليه. لا مانع لدي من الاعتراف بالتخطيط لأمرٍ جلل. ولن أفصح عن أي معلومات بشأنه، إذا كان سيجرني إلى مأزق، ولكن إذا وعدتني بأن ذلك لن يحدث، فسأخبرك بالقصة كاملة.»

«ضد مَن كانت ضربتك التي خطَّطت لها؟»

قال فيشر: «ضد السيد كارا، يا سيدي.»

أومأ تي إكس وقال: «أكمل قصتك.»

كانت القصة قصيرة وعادية. كان فيشر قد التقى رجلًا كان على معرفةٍ برجلٍ آخرَ كان تركيًّا أو ألبانيًّا. علموا أن كارا قد اعتاد الاحتفاظَ بمبالغَ كبيرة من المال في المنزل وخططوا لسرقته. كانت هذه هي القصة باختصار. في مرحلةٍ ما فشِلت الخطة. وبدأ تي إكس يتابعه بأقصى اهتمام حين أتى على سرد الأحداث التي وقعت ليلة الجريمة.

قال فيشر: «دخل السيد العجوز وأوصلتُه إلى الغرفة في الطابَق العلوي. وسمعته وهو يخرج وصعدتُ إلى أعلى وتحدثتُ إليه بينما كان يتبادل الحديث مع السيد كارا عند الباب المفتوح.»

«هل سمعتَ السيد كارا يتحدَّث؟»

قال فيشر: «أعتقد أنني قد سمعته، يا سيدي، على أيِّ حال كان السيد العجوز في غاية السعادة بنفسه.»

سأله تي إكس: «لماذا تقول «السيد العجوز»؛ فهو لم يكن عجوزًا.»

قال فيشر: «ليس بالضبط، يا سيدي، ولكن كان له أسلوب انفعالي صاخب كذلك الذي يتسم به السادة العُجُز أحيانًا، وقد ثبت في ذهني بطريقةٍ ما أنه عجوز. ولكنه في الواقع كان في حوالي الخامسة والأربعين، وربما كان في الخمسين.»

«أخبرتني بكلِّ هذا من قبل. هل كان به أي شيء غريب؟»

تردَّد فيشر.

«لا شيء، يا سيدي، عدا أن إحدى ذراعيه كانت مركبة.»

«تعني أنها كانت …»

«أعني أنها كانت ذراعًا اصطناعية، يا سيدي، حسب استنتاجي.»

قاطعه تي إكس قائلًا: «هل كانت الذراع الاصطناعية اليسرى أم اليمنى؟»

«ذراعه اليسرى، يا سيدي.»

«هل أنت متأكد؟»

«أقسمُ على ذلك، يا سيدي.»

«حسنًا جدًّا، أكمل.»

«نزل إلى الطابَق السفلي وخرج ولم أرَه مجددًا قط. حين جئتَ واكتُشِفت الجريمة، ولعلمي أن مخططي في حيِّز التنفيذ وأن أحدَ أعوانك قد يعتقلني، اضطربتُ بعض الشيء. نزلت إلى الرَّدهة وكان أولُ شيء رأيته ممددًا على الطاولة خطابًا. كان موجَّهًا لي.»

توقَّف عن الحديث وأومأ تي إكس.

ثم قال مرة أخرى: «استمر.»

«لا أفهم كيف وصل إلى هناك، ولكن بما أنني كنتُ موجودًا في المطبخ طوال المساء إلا حين خرجتُ لمقابلة صديقي لأخبره بأن العملية قد أُلغيَت الليلة، فربما قد جاء إلى هناك قبل وصولك. فتحتُ الخطاب. لم يكن به سوى بضع كلمات وأستطيع أن أخبرك أن تلك الكلمات القليلة جعلت قلبي يقفز إلى حلقي، وجعلت جسدي يقشعر من البرودة.»

تساءل تي إكس: «ماذا كانت تلك الكلمات؟»

قال الرجل بنبرة جادة: «لن أنساها أبدًا يا سيدي. ستظل عالقةً دائمًا في عقلي، لقد بدأت الرسالة بالرموز «إيه سي ٢٧٤».»

تساءل تي إكس: «ماذا يعني ذلك؟»

«هذا رقمي حين كنت في سجن دارتمور، يا سيدي.»

«ماذا قالت الرسالة؟»

««اخرج من هنا فورًا» … لا أدري مَن وضعها هناك، ولكن من الواضح أن أمري قد انكشف ولم يكن أمامي مجالٌ للمجازفة. تلك هي القصة كاملة من الألف إلى الياء. وتصادف أن التقيتُ بالآنسة الشابة، الآنسة هولاند … أو الآنسة بارثولوميو في الحقيقة … وتتبعتها إلى منزلها في بورتمان بليس. كان ذلك في الليلة التي كنتَ موجودًا فيها هناك.»

انزعج تي إكس أشد الانزعاج حين وجد الغضب قد بلغ منه مبلغه.

سأله: «ألَا تعرف أي شيء آخر؟»

«ليس لديَّ أي شيء آخر، يا سيدي … ولو أُرديتُ صريعًا …»

قال تي إكس ناصحًا إياه: «دع أحاديث السبت تلك إلى الكاهن»، وأخذوا السيد فيشر الذي لم يكن ساخطًا إلى حدٍّ كبير.

في تلك الليلة تحدَّث تي إكس مع سجينه في مركز شرطة كانون رو وطرح عليه بعض الأسئلة الأخرى.

قالت الفتاة حين قابلها في صباح اليوم التالي في متنزه جرين بارك: «يوجد شيء واحد أريد أن أسألك عنه.»

قال محذرًا إياها: «إذا كنتِ ستسألين عما إذا كنت قد أجريت تحريات عن محل سكنك، فأرجوك أن تمتنعي عن السؤال.»

كان يحدِّث نفسه بأنها تبدو غاية في الجمال ذلك الصباح. فقد أضفى الهواء الشديد إشراقةً على وجهها وخفَّة على مِشيتها، وبينما كانت تهرول بجواره بحيوية الشباب الحرة الهوجاء، كانت عنوانًا للحياة التي كانت تتفتح على كل شجرة في المتنزه حتى في ذلك الوقت.

قال: «لقد عاد والدكِ إلى المدينة، بالمناسبة، وينتظر لقاءكِ على أحر من الجمر.»

قطبت وجهها قليلًا.

«أرجو ألا تكون قد تحدثتَ مع أبي بشأني.»

قال في قلة حيلة: «بالطبع تحدثت معه، كما استدعيت كلَّ الصحفيين من مقرات عملهم في شارع فليت وقدَّمت لهم وصفًا وافيًا لمغامراتك.»

نظرَت إليه وفي عينَيْها ضحكة.

ثم قالت: «لديك كل طبائع الشهداء المسيحيين الأوائل.» وتابعت: «يا لك من مسكين! هل تودُّ أن تُلقَى إلى الأُسود؟»

قال في كآبة: «أفضِّل أن أُلقى إلى البط المعلون.»

قالت موبخةً إياه: «أنت رجل بائس، ولكن لديك كل ما يجعل الحياة تستحق أن تُعاش.»

قال تي إكس: «ها، ها!»

«بالطبع لديكَ كل شيء! لديك منصب مرموق. الجميع يتطلع إليك ويتحدَّث عنك. لديك زوجة وأسرة يحبونك …»

توقَّف عن السير ونظر إليها وكأنها حشرة غريبة.

تساءل في سذاجة: «لدي ماذا؟»

سألته في براءة: «ألست متزوجًا؟»

أطلق صوتًا غريبًا من حنجرته.

تابعت قائلة: «أتعرف أنني طالما تصورتك متزوجًا، كثيرًا ما أتصورك في محيط منزلك تقرأ لأطفالك تلك القصص الشيقة للغاية من «ذا ديلي ميجافون» عن ويلي بَق الماء الصغير.»

تمسَّك بقضبان السور كي يستند إليها.

تساءل في وهن: «هل يمكننا الجلوس؟»

جلست إلى جواره في خجلٍ وهيام، مستديرة نحوه نصف استدارة.

وأخيرًا قال: «لا شك أنكِ محقة في جانب واحد، ولكنكِ مخطئة تمامًا بشأن الأطفال.»

تساءلت بلا أي دلالة على فكاهةٍ في صوتها: «أأنت متزوج؟»

سألها: «ألم تكوني تعرفين ذلك؟»

ابتلعت شيئًا ما.

«بالطبع هذا ليس من شأني وأنا واثقة أنني أتمنى أن تكون في غاية السعادة.»

قال تي إكس بنبرةِ رضا: «في غاية السعادة.» وأردف: «لا بد أن تأتي وتشاهديني عصر السبت وأنا أزرع البطاطس. حين يطلقون لي العِنان في حديقة الخضراوات تدبُّ فيَّ فورة نشاط لا تُوصف.»

قالت: «هلا نواصل المسير؟»

كان سيُقسم على أن عينيها ترقرقت بالدموع، وبطبيعة الرجال، ظن أنها قد تضايقت منه لخداعه لها.

سألها: «أنا لم أغضبكِ، أليس كذلك؟»

أجابت: «أوه، كلا.»

«أعني أنك لا تصدقين كل هذه التُّرهات بشأن زواجي وكل هذه الأشياء؟»

قالت وهي تهز كتفَيْها في لا مبالاة: «لست مهتمة كثيرًا. لقد كنت في غاية المروءة معي ومن الوقاحة مني ألا أكون ممتنة لك. بالطبع لستُ عابئةً بما إذا كنت متزوجًا أم لا، فهذا أمر لا يعنيني، أليس كذلك؟»

أجاب: «بالتأكيد لا يعنيك. أظن أنك لست متزوجة؟»

كرَّرت الكلمة بامتعاض: «متزوجة، أتريد أن تكون زوجي الرابع؟»

كانت الكلمات تخرج من ثغرها بجرأة قبل أن تدرك خطأها الفادح. وبعد ثانية ارتمت بين ذراعيه وراح يقبِّلها على مرأًى من حارسٍ مسنٍّ من حراس المتنزه، وصبي صغير ضئيل الجسد ذي وجه متسخ، وذكر بط منسول الريش بدا هازئًا مما يحدث وكان يراقبه بعين صفراء وحاقدة.

قال تي إكس عند افتراقهما: «بليندا ماري، لا بد أن تبتعدي عن منزلكِ الريفي الصغير، حيثما قد يكون، وتعودي إلى شقاء بورتمان بليس. أوه، أعلم أنكِ لا تستطيعين العودة بعد. إن ذلك «الشخص المجهول» موجود هناك، وأستطيع أن أخمِّن هُوِيته إلى حدٍّ كبير.»

قالت في تحدٍّ: «مَن هو؟»

قال: «أظن أن والدتك قد عادت.»

سكنت نظرةُ استنكارٍ وجهها الجميل.

وقالت في اشمئزاز: «يا إلهي، تومي! أتظن أنني سأجعل أمي قابعةً في الضواحي دون أن أخبرها بكلِّ ما يدور حولها؟!»

قال: «أنت فتاة عاقة.»

وصلا إلى مبنى هورس جاردز في وايتهول وكان يودعها.

ردت قائلة: «إذا تعلَّق الأمر بالواجب، فربما سيكون من واجبك أن توقف حركة المرور من أجلي كي أعبر هذا الطريق.»

قال محتجًّا: «فتاتي العزيزة، أتريديني أن أوقف حركة المرور؟»

قالت في سخط: «بالطبع، أنت شرطي.»

رد بسرعة قائلًا: «فقط حين أكون بالزي الرسمي»، وأرشدها عبر الطريق.

كان ذلك الرجل الذي عاد إلى المكتب الكئيب في وايتهول شخصًا جديدًا. كان رجلًا ذا قلب يموج وينبض بزهوة وفرحة أغلى شيء في الحياة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤