الفصل السابع

لغز في كثبان رملية

أتساءل في بعض الأحيان كم مرة تطرقُ الألغازُ والرومانسية أبوابَ حياتنا نحن الأشخاص العاديين ولكنها تمرُّ بنا من دون أن نُلقيَ لها بالًا. وفي كثير من الأحيان، تُساورني الشكوكُ أكثر مما يتخيَّل معظمُنا. الميول الغريبة لدى صديقي الموهوب جون ثورندايك في أن يكون في قلب الأحداث الغريبة والغامضة وغير العادية جعلته مصدرًا لصياغة النكات عليه، ولكن عندما أفكِّر، فإني أميل إلى الاعتقاد بأن تجاربَه لم تختلف اختلافًا جوهريًّا عن تجارب الرجال الآخرين فحسب، بل إن قدراتِه الاستثنائية على الملاحظة وسرعة البديهة مكَّنته من اكتشاف العناصر غير العادية في الأحداث التي تبدو عاديةً للرجل العادي. بالطبع كان الأمر كذلك في قضية روسكوف الفريدة التي لو كنتُ تولَّيتُها بمفردي، فلا ريب أنني لم أكن لأوليَها ميزةً أكثر من اهتمامٍ عابر.

ما حدث أنه في صباح أحد أيام الصيف — يوم الرابع عشر من أغسطس بالتحديد — كنا نتناقش في موضوع معين ونحن نتنزَّه سيرًا عبر ملاعب الجولف من بلدة ساندوتش باتجاه البحر. كنت أقضي إجازة في تلك البلدة القديمة مع زوجتي، حيث يمكنها أن ترسمَ لوحاتٍ للشوارع القديمة، وأقنعنا ثورندايك أن يأتيَ ويقضيَ معنا بضعة أيام. كان صباحه الأخير، انطلقنا في الوقت المناسب كي نتجولَ عبر الكثبان الرملية إلى شيلنس.

كان المكان رائعًا في تلك الأيام. عندما انتهينا من الكثبان الرملية ونزلنا إلى الشاطئ ذي الرمال الناعمة، لم نرَ أيَّ مخلوق على مدى بصرنا، وكانت آثارُ أقدامنا هي أولَ ما يطأ شريط الرمال الثابتة بين علامة ذروة المد وحافة الأمواج الهادئة.

مشينا مائة ياردة أو ما يقاربها ثم توقَّف ثورندايك ونظر إلى الرمال الجافة فوق علامات المد والجزر بطول الشاطئ المبتل.

أشار إلى بعض آثار أرجل عارية على الرمال، ثم قال بعد تأمُّل: «هل هذه آثار صائد جمبري؟ إذا كان كذلك، فلا بد أنه ليس من بيجويل؛ لأن نهر ستور يحجب الطريق، ولكنه أتى من البحر ويبدو أنه توجَّه إلى الكثبان الرملية مباشرة.»

لم أُبدِ اهتمامًا بالغًا، وقلتُ: «إذن ربما كان صائدَ جمبري.»

ثورندايك: «ولكن الوقت ليس الوقتَ الملائم لصيد الجمبري.»

سألتُ: «ماذا تقصد بالوقت غير المناسب؟» نظر ثورندايك في ساعته، وقال:

«خرج من البحر في هذا المكان، في حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف من الليلة الماضية، أو في الوقت من الحادية عشرة والنصف إلى الساعة الثانية عشرة.»

قلتُ متعجبًا: «بربِّك يا ثورندايك! كيف تعرف هذا يا رجل؟»

ردَّ قائلًا: «هذا واضح يا أنستي. الساعة الآن التاسعة والنصف، وسيرتفع المد في الساعة الحادية عشرة، حسبما تأكدنا قبل أن نأتيَ. وإذا نظرتَ إلى هذه الآثار على الرمال الآن، فستجد أنها توقفت — أو بالأحرى بدأت المشي — فجأة بعد ثلثَي المسافة تقريبًا من علامة ذروة المد إلى حافة الأمواج. وبما أنها مرئية ومميزة، فلا بد أنها تُركت بعد انتهاء المد الليلة الماضية. ولمَّا لم تصل الأمواج إلى حافة مدِّ المياه، فلا بد أن الآثار تُركت عندما كان المدُّ منحسرًا، كما أن المكان الذي بدأ منه هو المكان الذي وصلتْ إليه نهاية المد عندما تُركت الآثار. وكما نرى، المكان الذي وقف فيه هو مكان وصول المدِّ بعد ذروته بحوالي ساعة؛ ولذلك عندما خرج من البحر، كان المدُّ منحسرًا عند مسافة وصوله بعد ساعة تقريبًا من ذروته. لما ارتفع المدُّ في الساعة الحادية عشرة هذا الصباح، فقد ارتفع المدُّ في حوالي الساعة الحادية عشرة إلا الثلث ليلة أمس؛ ولما خرج الرجل من البحر بعد ساعةٍ تقريبًا من ارتفاع المد، فلا بد أنه خرج في حوالي الساعة الثانية عشرة إلا الثلث أو قريبًا من ذلك. هل هذا واضح؟»

رددتُ وأنا أضحك: «فهمتُ تمامًا، يسهل فهمُ الأمور كثيرًا عند التفكير فيها مليًّا، ولكن كيف تستطيع يا رجل أن تستشفَّ هذه الأمور الواضحة بنظرة؟ معظم الناس سينظرون إلى تلك الآثار ويمرون عليها من دون تفكير ولو للحظة.»

رد قائلًا: «هذه مسألة اعتياد؛ عادةُ محاولة استخلاص المعلومات المهمة من الأمور الظاهرة البسيطة. وأصبح الأمر تلقائيًّا معي.»

في أثناء المناقشة، كنا نتمشى على مهل ونشرد إلى حافة الكثبان الرملية. وفجأةً، وفي حفرة بين الكثبان، وقعتْ عيناي على كومة من الملابس، وبناءً على طريقة وضع الملابس المرتبة، فمن الواضح أنها لسباح. لاحظها ثورندايك أيضًا واقتربنا معًا ونظرنا إليها والفضول يتملك ألبابَنا.

قلت: «أتتْ إليك قضية أخرى. اعثر على السباح؛ فأنا لا أراه في أي مكان.»

ثورندايك: «لن تجدَه هنا. تُركت الملابس طيلة الليل. أما ترى شبكة العنكبوت على الأحذية وبها بضع قطرات من الندى لا تزال عالقةً بها؟ لم تكن هناك قطرات ندى تتشكل منذ بضع ساعات. لنُلقِ نظرة على الشاطئ.»

انطلقنا عبر الرمال الناعمة والحشائش اليابسة القصبية إلى الشاطئ الناعم، وهناك وجدنا خطَّ آثار واضحًا لأقدام عارية تمشي مباشرة إلى البحر، ولكنها تنتهي فجأة عند ثلثي الطريق إلى حافة المياه تقريبًا.

قلت: «يبدو أن هذا صائد الجمبري الذي يعمل في الليل. يبدو أنه نزل إلى البحر من هنا وخرج منه من المكان الذي كنا عنده، ولكن إذا كانت آثار الأقدام لشخص واحد، فلا بد أنه نسي ارتداء ملابسه قبل الذهاب إلى المنزل. إنها مسألة عجيبة.»

قال ثورندايك موافقًا: «إنها مسألة لافتة للنظر، وإذا لم تكن آثار الأقدام لشخص واحد، فهذا سيزيد من غموض المسألة.»

أخرج من جيبه شريط قياس صغيرًا زنبركيًّا وبه أخذ طول اثنين من أكثر الآثار الواضحة وطول الخطوة. ثم عُدْنا بطول الشاطئ إلى مجموعة الآثار الأخرى، وقاس أثرين منها بالطريقة نفسها.

بعدما أبعد شريط القياس، قال: «من الواضح أنها لشخص واحد. وفي الحقيقة يصعب أن يكون غير ذلك، ولكن السؤال هو: ما الذي حدث للرجل؟ لا يمكن أن يذهب بدون ملابسه إلا لو كان مخبولًا، وهذا ما تنمُّ عليه أفعاله. ليس هناك احتمالٌ سوى أنه نزل إلى البحر وغرق. هل سنمشي باتجاه شيلنس ونرى هل يمكننا العثور على المزيد من الآثار؟»

مشينا ما يُقارب نصف ميل بطول الشاطئ، ولكن لم يطأ أحدٌ أيَّ جزء من سطح هذه الرمال الناعمة. وبعدما مشينا مسافة، ارتددنا على آثارنا، وفي هذه اللحظة شاهدتُ رجلين يعبران الكثبان الرملية. حينما وصلنا إلى كومة الملابس الغامضة، كانَا على مسافة قريبة للغاية ولكن لم يُثيرَا أيَّ شكوك بشأن النية التي قصدنا بها الملابس؛ فقد غيَّرَا مسارهما كي يريَا ما ننظر إليه. لما اقتربَا، تعرفتُ على واحد منهما وعرفتُ أنه المحامي هاليت، جاري في تمبل وسبق أن قابلتُه في المدينة وتبادلنا التحية.

لما نظر إلى كومة الملابس ثم نظر بطول الشاطئ الصحراوي، قال: «ما هذا الشيء المثير؟ وأين هو صاحب الثياب؟ فأنا لا أراه في أي مكان.»

قلت: «هذه هي المشكلة، يبدو أنه اختفى.»

قال هاليت متعجبًا: «يا إلهي! إذا ذهب إلى منزله بدون ملابس، فسيكون حديث الساعة في المدينة! ما هذا؟»

عندئذٍ انحنى الرجل الآخر الذي يحمل مجموعة من مضارب الجولف على الملابس ونظر إليها باهتمام بالغ.

«أعتقد أنني أعرف هذه الملابس يا هاليت؛ في الحقيقة أنا متأكد من أنني أعرفها. أعرف هذه الصدرية على سبيل المثال. لا بد أنك لاحظت تلك الصدرية. رأيتُك تلعب مع هذا الرجل منذ يومين. إنه رجل طويل حليق الذقن وذو بشرة داكنة. عضو مؤقت، أنت تعرفه. ماذا كان اسمه؟ روبوف، أو اسمًا قريبًا منه، أليس كذلك؟»

هاليت: «روسكوف، بلى، أقسم على ذلك، وأعتقد أنك على حق. تذكَّرتُ الآن، ذكر لي أنه يأتي إلى هنا في بعض الأحيان من أجل السباحة. قال إنه يحب التجديف في ضوء القمر على وجه الخصوص وقلت له إنه مجنون كي يخوضَ تلك المخاطرة بالسباحة في مكان منعزل مثل هذا، خاصةً في الليل.»

ثورندايك: «يبدو أن هذا ما حدث؛ لأن هذه الملابس يبدو أنها هنا طوال الليل، بناءً على ما تراه من شبكة العنكبوت تلك.»

هاليت: «أتى إلى حتفه إذن، يا له من بائس! ربما جرفه التيار بعيدًا. يرتفع المد هنا كثيرًا لدرجة الطوفان.»

بدأ في المشي باتجاه الشاطئ، ثم تبعه الرجل الآخر بعد أن رمى مضارب الجولف.

هاليت: «نعم، هذا ما حدث. يمكن أن ترى هذه الآثار بوضوح تام وهي تنزل إلى البحر، ولكن لا توجد آثار تدل على الخروج منه.»

قلت: «توجد بعض الآثار الخارجة من البحر في مكان بعيد على الشاطئ، ويبدو أنها مماثلة لتلك الآثار.»

هزَّ هاليت رأسه قائلًا: «لا يمكن أن تكون آثارَ أقدامه لأنه من الواضح أنه لم يخرج من البحر بتاتًا. ربما كانت آثار أقدام صائد جمبري. السؤال الآن: ما الذي ينبغي لنا فعله؟ من الأفضل أن نأخذ أغراضه إلى استراحة اللاعبين ثم نُخبر الشرطة بما حدث.»

عُدنا وبدأنا في جمْع الملابس، وأخذ كلٌّ منَّا قطعة أو قطعتين.

لما رفع هاليت القميص قال: «كنتَ على حق يا موريس، ها هو اسمه، «بي روسكوف»، وأراه على السترة والسروال القصير كذلك. تعرَّفت على العصا الآن ولكن هذه المسألة ليست مهمة؛ إذ إن ملابسه تُميِّزه.»

تعرَّف بعضنا على بعض ونحن نقطع الملاعب إلى استراحة اللاعبين. كان موريس محاميًا في لندن، وكلاهما هو وهاليت يعرفان ثورندايك بالاسم.

لما دخلنا الاستراحة، قال هاليت: «سيحظى المحقق في أسباب الوفاة بشهادة خبير؛ ومن ثَمَّ لن يُهدر الوقت في قضية بسيطة كهذه. من الأفضل أن نضع الملابس هنا.»

فتح باب غرفة صغيرة مؤثثة بطاولة كبيرة ومجموعة من الخزانات، وفتح خزانة منها.

ثورندايك: «قبل أن نُغلق عليها، أقترح أن نكتب قائمةً بها وبمحتويات الجيوب ونوقِّع عليها ونضعها معها.»

هاليت: «جيد جدًّا، أنت تعرف كيف تُمسك أطراف الخيوط في هذه القضايا. سأدوِّن المواصفات، فأرجو أن تُمليَها عليَّ.»

تفحَّص ثورندايك مجموعة الأغراض وعدَّ العناصر التي احتوت على سترة من نسيج التويد، وسروال، وصدرية خفيفة من الصوف المحبوك، وقميص من القطن أزرق اللون وبه أشرطة باللونين الأسود والأصفر، وفيست وسروال قصير مطبوع عليهما اسم «بي روسكوف»، وجورب بُنِّي من صوف الميرينو، وحذاء بُنِّي، وقبعة من نسيج التويد، وعصا مشي — عصًا من قصب المالاكا بها قبضة ملتوية على شكل بوق — عندما كتب هاليت هذه القائمة، وضع ثورندايك الملابسَ على طاولة وبدأ في تفريغ الجيوب واحدًا تلو الآخر، وأخذ يُملي أوصاف الأغراض لهاليت وكان موريس يأخذها منه ويضعها على ورقة جرائد. احتوت جيوب السترة على منديل مكتوب عليه «P. R.»، ومحفظة أوراق تحتوي على عدة طوابع وفاتورة أو فاتورتين لفندق وإيصالات من متاجر محلية، وبعض بطاقات الزيارات مكتوب عليها «السيد بيتر روسكوف، فندق بيل، ساندوتش»، وعلبة سجائر من الجلد، وقلم رصاص 3B مزود بغطاء للسن، وقطعة من فحم العنب كما يسميه ثورندايك.

قال موريس وهو يحملق في جيوب محفظة الأوراق: «يبدو أنها لا تحتوي على كثير من المعلومات. لا يوجد خطابٌ أو أيُّ شيء يشير إلى عنوانه الدائم، ولكن هذه ليست المشكلة.» وضع محفظة الأوراق جانبًا وأخذ سكينًا صغيرًا أخرجه ثورندايك من جيب السروال وتفحَّصه باهتمام بالغ. قال: «سكين غريب، فهذه الشفرة المعدنية حادة للغاية، وكذلك مبرد الأظافر وشفرة من العاج. يبدو أنها أشياء سخيفة. سكين الورق مريح أكثر في حمله، ولا يحتاج إلى مقبض.»

هاليت: «ربما كان الغرض منها تقطيع الفاكهة.» وأخذ يُضيف إلى القائمة وينظر إلى كومة صغيرة من العملات الفضية التي وضعها ثورندايك لتوِّه. أضاف: «أتساءل ما الذي حوَّل هذا المال إلى اللون الأسود. انظر! وكأنه كان يأخذ أدوية تحتوي على الكبريت. ما تقول في ذلك يا دكتور؟»

ثورندايك: «إنه تفسير مرجح، ولكننا لا نمتلك أيَّ وسائل لاختباره، ولكن توجد علبة ثقاب في الجيب الآخر، وبالأحرى تدحض نظريتك.»

أخرج علبة فضية صغيرة محفورًا عليها الحروف P. R.، ويتطابق سطحُها المصقول تطابقًا كبيرًا مع لون العملات الأسود المائل إلى البنيِّ. نظر إليها هاليت نظرةً ثاقبة ولما أدخلها ضمن القائمة وأضاف مجموعةً من المفاتيح وساعةَ يد من جيب الصدرية، وضع القلم جانبًا.

لما نهض وبدأ في جمْع الملابس، قال: «هذا كثير، أليس كذلك؟ يا إلهي! انظر إلى الرمال على الطاولة! ألم تندهشوا كيف أن ملابس شخص ممتلئة بالتراب أصبحت في النادي هنا بعد يوم؟ عندما أخلع ملابسي في الليل، تجد أرضية الحمام وكأنها أرضية لقفص طائر. هل أضع تلك الأشياء في الخزانة الآن؟»

ثورندايك: «بما أنني قد أُدلي بشهادة، فأعتقد أنه من الأفضل أن أُلقيَ نظرة عليها قبل أن تضعها في الخزانة.»

ابتسم هاليت قائلًا: «ستكون هناك شهادة من خبير في النهاية. يمكنك البدءُ وأخبرْني عندما تنتهي. سأدخن سيجارة في الخارج.»

بذلك، خرج هو وموريس ورأيتُ أنه من الأفضل أن أخرج معهما على الرغم من أنني كنتُ مهتمًّا بعض الشيء بشأن موضوع زميلي في فحص هذه الملابس المتروكة. ومع ذلك، لم يكن هناك ما يعيق فضولي، فلم يذهب أصدقائي إلى مكان أبعد من الحديقة الصغيرة التي تُحيط بالاستراحة، ومن المكان الذي وقفتُ فيه، تمكَّنتُ من النظر من النافذة ورؤية الإجراءات التي يقوم بها ثورندايك.

كانت الإجراءات منهجية للغاية. بدايةً بسط ورقة جرائد على الطاولة ووضع عليها السترة؛ ومن ثَم شرع في فحص كلِّ جزء منها بعناية، وأخرج منها بعض الأشياء من الجزء الأمامي، وأولى اهتمامًا خاصًّا بالبقعة الكثيفة للدهان؛ إذ إنني لاحظتُها على طرف الكمِّ الأيسر. وباستخدام شريط القياس الزنبركي، قاس طولَ الأكمام وبعض الأبعاد الأساسية الأخرى. وفي النهاية قلب السترة على الجهة الأخرى وأخذ يضرب عليها برفق باستخدام عصاه مما أدى إلى سقوط قدر كبير من الرمال على الورقة. عندئذٍ وضع السترة جانبًا، وأخرج من جيبه مظروفين صغيرين (وأظن أنه كان يحملهما معه دائمًا)، ووضع في واحد منهما الرمال التي كانت على الورقة وكتب بضع كلمات عليه — أظن أنه كتب مصدر الرمال — وبالطريقة نفسها وضع الشيء الصغير الذي التقطه من فوق السترة.

تكرَّر هذا الإجراء الغريب مع الملابس الأخرى؛ إذ إنه كان يستخدم ورقة جرائد جديدة لكل قطعةٍ وكذلك مع الجورب والحذاء والقبعة. فحص القبعة فحصًا دقيقًا، خاصةً من الداخل، وأخرج منها شيئين أو ثلاثة أشياء صغيرة لم أستطع أن أراها، ولكني أخمِّن أن تكون شعرًا. حتى عصا المشي فحصها وقاس طولها ولم ينسَ بالطبع فحْص الأشياء التي أُفرغت من الجيوب من جديد، خاصةً سكين الجيب المثير للاهتمام وشفرة العاج؛ إذ فحصهما من الجوانب كلها باستخدام عدسته.

اختلس هاليت وموريس النظرَ إليه من وقتٍ لآخر، وقال هاليت:

«أحبُّ الحماس المفعم بالأمل لدى هذا الخبير النابغة بحقٍّ، والطريقة التي يرفض بها الاعترافَ بوجود شيءٍ عادي ومألوف. إني أتساءل ما الذي توصَّل إليه من هذه الأشياء، ولكن ها هو. حسنًا يا دكتور، ما الذي توصلتَ إليه؟ هل كان الأمر جنونًا مؤقتًا أم مغامرة؟»

هزَّ ثورندايك رأسَه ورد قائلًا: «سيتأجَّل الردُّ على السؤال حتى ظهور أدلةٍ جديدة. طبقتُ الملابس ووضعتُ جميع المتعلقات مع بعضها في علبة ورقية، باستثناء العصا.»

لمَّا وضع هاليت المتعلقات في الخزانة، خرج ونظر عبر الملاعب وبدا أنه لم يقرر وجهتَه.

قال: «أعتقد أننا يجب أن نُبلغَ الشرطة. سأفعل ذلك. في رأيك، متى تطفو الجثة على السطح وأين؟»

ثورندايك: «التنبؤ بذلك مستحيل. اتجاه التيار ماضٍ نحو نهر التيمز، ولكن يمكن أن تطفوَ الجثة في أي مكانٍ بطول الشاطئ. سُجلت حالة انجراف سباح قبالة برايتون وطفَا جثمانُه بعد ستة أسابيع في مدينة ولتون أون ذا نيز، ولكن كانت هذه الحالة استثنائية تمامًا. سأُرسل بلاغًا إلى المحقق في أسباب الوفاة وقائد الشرطة يتضمَّن عنواني وأعتقد أنه من الأفضل أن تفعلوا مثلي. وهذا كلُّ ما نستطيع فعله إلى أن يتمَّ استدعاؤنا في التحقيقات إذا أُجريت.»

اتفقنا جميعنا على هذا، وبما أن الصباح انجلى في ذلك الوقت، عُدْنا جميعًا عبر ملاعب الجولف إلى المدينة، وهناك أقنعنا زوجتي بالعودة إلى البيت مع أدوات الرسم التي معها. حملتُ أنا وثورندايك هذه الأدوات وانفصلنا عن هاليت وموريس عند باربيكان؛ ومن ثَم سلكنا الطريق إلى المنزل كي نُعِدَّ الغداء. وكان طبيعيًّا أن نقصَّ الأحداث في الصباح على زوجتي وأن نتناقش فيها جميعُنا، ولكني لاحظتُ أن ثورندايك لم يذكر شيئًا عن فحْصه للملابس؛ وبالتالي لم أقُلْ شيئًا عن هذه المسألة أمام زوجتي، ولم تأتِ مناسبةٌ لفتح الموضوع حتى المساء عندما صحبتُه إلى المحطة. ولما وصلنا إلى الرصيف وجلسنا ننتظر قطاره، طرحتُ السؤال:

«على أية حال، هل استخلصتَ أيَّ معلومات من هذه الملابس؟ رأيتُكَ تتفحصها بدقة بالغة.»

ردَّ قائلًا: «خمَّنتُ اقتراحًا منها، ولكنه اقتراح غريب وبالتالي لا أحبُّ أن أذكرَه. باتخاذ الأمور الظاهرة على المعنى الظاهري لها؛ فالاقتراح هو أن هذه الملابس ليست جميعها لشخص واحد. توجد آثار تقترح وجودَ رجلين؛ واحد منهما يبدو أنه من هذه المقاطعة، أما الآخر فيبدو أنه قادم من الساحل الشرقي لمقاطعة ثانيت بين رامسجيت ومارجيت، وبناءً على الاحتمالات، فغالبًا ينتمي إلى دامبتون أو برودستيرز.»

سألتُ: «كيف يا رجل توصَّلتَ إلى المدن المحلية؟»

ردَّ: «في المقام الأول، من خلال خصائص الرمال التي سقطت من الملابس، وهذه الرمال لم تكن متماثلة في جميع الملابس. فكما ترى يا أنستي، الرمال مشابهة للتراب. فكلاهما يتكوَّن من جزيئات دقيقة تُفصل من كتل أكبر؛ وبمجرد فحص تراب غرفة تحت المجهر، يمكنك التأكد من اللون والمادة التي صُنع منها السجاد والستائر وأغطية الأثاث والنسيج الآخر، وهذا النسيج تتكون منه جزيئات الأتربة في تلك الغرفة. وبفحص الرمال، يمكنك تحديد خصائص الجرف والصخور والكتل الكبيرة الأخرى التي تنجرف من الأرض بسبب المد وتدخل إلى رمال الشاطئ. بعض الرمال التي نزلت من هذه الملابس لها خصائص فريدة ومن المحتمل أن تكشف المزيد من المعلومات عندما أفحصها تحت المجهر.»

قلتُ معترضًا: «ولكن ألا يوجد خطأ في مسار الاستنتاج هذا؟ أليس من المحتمل أن الرجل ارتدى ملابس مختلفة في أوقات وفي أماكن مختلفة؟»

ردَّ قائلًا: «هذا احتمال ويجب ألَّا نغفلَه، ولكن قد أتى قطاري. سنؤجل هذه المناقشة حتى تعود إلى مطحنة العمل.»

في واقع الأمر، لم تُستأنف المناقشة مطلقًا؛ وعندما عدتُ إلى «مطحنة العمل»، تلاشَتِ المسألة من عقلي كما أن تراكماتِ الأعمال شغلتْ ذهني، ومن المحتمل أن تكون المسألة راحت في طي النسيان ولكن حدث أن طُرحت للنقاش من جديدٍ وبطريقةٍ فريدة، وهذا ما سنتعرف عليه فيما يلي.

في أحد الأيام بعد الظهيرة في منتصف أكتوبر تقريبًا، اتصل بي صديقي القديم السيد برودريب — المحامي المعروف — كي يعطيَني بعضَ التعليمات الشفهية. عندما انتهى من المسألة التي طلبني لها، قال:

«لديَّ عميلٌ ينتظر بالخارج وأحاول أن أعرِّفه على ثورندايك. ومن الأفضل أن تأتيَ معنا.»

سألتُ: «ما طبيعة قضية العميل؟»

قال محاولًا إخفاءَ ضحكه: «لستُ أدري؛ فهو لن يقول. وهذا هو السبب الذي جعلني آخذه إلى صديقنا. لم أعرف أن قضيةً أعجزت ثورندايك، ولكني أظن هذه القضية ستعجزه. هل ستأتي؟»

قلت: «بلا شك، هذا إن لم يعترض عميلُك.»

برودريب: «لن أطلب منه الإذن؛ وبالتالي سيظن أنك تعمل معنا. ها هو إذن.»

في مكتبي الخارجي، وجدنا رجلًا ذا مظهر محترم في منتصف العمر وقدَّمني له برودريب؛ ومن ثَم نزلنا من على السلم وانطلقنا عبر كينجز بنش واك إلى مسكن ثورندايك. وهناك وجدنا زميلي منكفئًا على دراسة وصية باستخدام نظارة عين مكبرة، وبدأ برودريب الحديثَ بدون مقدمات:

«أحضرتُ أحد عملائي السيد كيبس كي يراكَ يا ثورندايك. لديه مشكلة صغيرة ويريدك أن تحلَّها.»

أومأ ثورندايك إلى العميل ثم سأل:

«ما طبيعة المشكلة؟»

برودريب بنظرة انزعاج: «آه! هذا ما ينبغي أن تتوصَّل إليه، فالسيد كيبس رجل نبيل كتوم بعض الشيء.»

رمق ثورندايك العميل بنظرةٍ خاطفة ثم نظر إلى المحامي. لم تكن المرة الأولى التي تطغى فيها الروحُ المعنوية العالية لدى برودريب الكبير وتتحوَّل إلى شكلٍ من أشكال الخداع المازح، على الرغم من أن ثورندايك لم يكن لديه معجبٌ مخلص أكثر من هذا المحامي الكبير الداهية المرح.

ابتسم السيد كيبس ابتسامة استنكار قائلًا: «الأمر ليس سيئًا إلى هذه الدرجة، ولكني حقًّا لا أستطيع أن أعطيَك معلوماتٍ كثيرة. فالمسألة لا تخصني كي أعطيَك المعلومات التي تريد؛ فأنا أخشى أن أفشيَ أسرار شخص آخر إذا ذكرتُ الكثير من المعلومات.»

ثورندايك: «بالطبع يجب ألَّا تفعلَ ذلك، ولكن أعتقد أنه يمكنك استخدامُ لغةٍ عامة للإشارة إلى طبيعة المشكلة ونوع المساعدة التي تريدها منا.»

السيد كيبس: «أعتقد أنه يمكنني ذلك. على أية حال، سأحاول. مشكلتي هي أن هناك شخصًا معينًا أُحب التواصل معه وقد اختفى، ويبدو لي أنه اختفى في ظروفٍ لافتة للنظر. في آخر مرة تعرفتُ على أخباره، كان يُقيم في منتجع معين على البحر وقال في خطابه إنه سيعود في اليوم التالي إلى مسكنه في لندن. وبعد بضعة أيام، اتصلتُ بمسكنه هاتفيًّا ووجدت أنه لم يَعُد بعدُ، ولكن أمتعته — التي أُرسلت من دونه — وصلتْ في اليوم الذي ذكره؛ وبالتالي أنا متأكد من أنه غادر المنتجع على البحر، ولكن منذ ذلك اليوم حتى الآن لم يتصل بي، ولم يَعُد إلى مسكنه ولم يُرسل خطابًا إلى صاحبة المسكن.»

سأل ثورندايك: «منذ متى هذا الأمر؟»

«مضى حوالي شهرين منذ آخر مرة اتصلتُ به.»

«لا تريد أن تذكر اسم المنتجع الذي كان يقيم فيه على البحر.»

أجاب السيد كيبس: «أظن أنه من الأفضل ألَّا أذكرَه. وقعت أحداث لا تهمني، ولكنها تهمُّه كثيرًا، وهذا الأمر يُلزمني بعدم البوح إلا بأقل قدرٍ ممكن.»

«ألا يوجد شيء آخر يمكنك إخبارُنا به؟»

«أظن أنه لا يوجد، إلا إذا استطعتُ أن أتصل به، فيمكنني أن أخبره بشيءٍ بالغ الأهمية له وربما يمنعه من فعل شيء ما كان له أن يفعله.»

فكَّر ثورندايك مليًّا وأخذ برودريب يُراقبه بانتباه لا يخفى على وجهه. في الوقت الحالي، فكَّر زميلي وخاطب العميل الكتوم.

«هل سبق أن لعبتَ لعبة «أسألك وتُجيب بنعم أو لا» يا سيد كيبس؟ إنها لعبةٌ تتخذ شكلًا مشروعًا وفيها يطرح اللاعب أسئلةً على الآخرين ويطلب منهم الإجابة ﺑ «نعم» أو «لا» وكأنه يقف على منصة الشهود في المحكمة.»

بدا بعضُ الارتباك على كيبس وقال: «أعرف اللعبة، ولكن …»

سأل ثورندايك بنبرة هادئة: «هل نُجرِّب مرة أو مرتين؟ أنت لا تريد أن تُدليَ بأي بيانات، ولكن إذا طرحتُ عليك أسئلة معينة، فهل تُجيب ﺑ «نعم» أو «لا»؟»

فكَّر السيد كيبس لبرهة. وفي النهاية قال: «أخشى أن أعدَ بذلك ولا أوفي، ولكن إذا كنتَ تريد طرحَ سؤال أو اثنين، فسأُجيب عنهما إذا أمكنني ذلك.»

ثورندايك: «جميل جدًّا، لنبدأ إذن. هل أفترض أن تاريخ الخطاب الذي تلقيتَه كان في الثالث عشر من أغسطس؟ بماذا تجيب؟ نعم أم لا؟»

جلس كيبس مشدوهًا وأخذ يحملق في ثورندايك فاغرًا فاه.

سأل متعجبًا وبنبرة يملؤها الذهول: «بربِّك، كيف خمَّنت هذا التاريخ؟ هذا تخمين غير عادي! ولكنك على حقٍّ. كان في الثالث عشر.»

ثورندايك: «بما أننا اتفقنا على التاريخ، سنحاول تخمين المكان. ماذا تقول إذا خمَّنت أن المنتجع على البحر كان في حي برودستيرز؟»

صُعق السيد كيبس للغاية. لما جلس يحملق في ثورندايك، بدا وكأن الدهشة متجسدةٌ في شخصه.

قال متعجبًا: «ولكن، لا يمكن أن يكون هذا تخمينًا! أنت تعرف! أنت تعرف أنه كان في برودستيرز، ولكن كيف عرفت ذلك؟ أنا حتى لم ألمح إلى شخصه.»

ثورندايك: «أنا أفكر في رجلٍ معين ويُحتمل أنه اختفى من برودستيرز. هل يمكنني تخمين بعض السمات الشخصية؟»

أومأ السيد كيبس باديًا رغبته ومن ثَم تابع ثورندايك:

«إذا افترضنا على سبيل المثال أنه كان فنانَ رسم بالزيت، فهل يمكننا القول بأنه كان مدققًا بشأن صبغات التلوين؟»

كيبس: «نعم، وهذا غير ضروري في رأيي، فأنا فنان أيضًا. ماذا أيضًا؟»

«هل كان يُمسك لوح الألوان بيده اليمنى ويُمسك الفرشاة باليد اليسرى؟»

نهض كيبس من مقعده ولكن ليست وقفة كاملة: «نعم، نعم، وكيف هو شكله؟»

برودريب بصوت خافت: «يا لَلحظ! لم نستطع أن نخرج منه بشيء بعد الجهد الذي بذلناه معه.»

بالتأكيد لم نستطع، تابع قائلًا: «بالنسبة إلى صفاته الجسدية، أظن أنه رجلٌ مائل إلى القصر — حوالي خمس إلى سبع أقدام — وبدين نوعًا ما وبشعر ذي لون فاتح وأصلع قليلًا، وله لحية كبيرة وشعثاء.»

أصيب السيد كيبس بالذهول — وأنا أيضًا بالنسبة إلى هذه المسألة — وخيَّم الصمت بضع لحظات حتى قطعه صوتُ برودريب الكبير الذي جلس يضحك خفية ويفرك يديه. بعد مدة، قال السيد كيبس: «وصفتَه وصفًا دقيقًا، ولكن لم تكن هناك ضرورة لإخبارك بهذا. ما لا أفهمه على الإطلاق هو كيف عرفتَ أنني كنتُ أتحدث عن هذا الرجل بالتحديد، فأنا لم أذكر اسمه. على أية حال، هل لي أن أسأل متى رأيتَه آخر مرة؟»

ثورندايك: «لا يوجد سببٌ يقول إنني رأيته على الإطلاق.» هذه الإجابة جعلت السيد كيبس في حالة ذهول وجعلت صديقنا الكبير برودريب على وشك الإصابة بسكتة. تابع ثورندايك: «هذا الرجل شخصية افتراضية بالكامل ووصفتُه بناءً على آثار معينة تركها خلفه. لديَّ ما يجعلني أظن بأنه غادر برودستيرز في الرابع عشر من أغسطس ولديَّ آراء أكيدة بشأن ما آل إليه أمرُه بعد ذلك. ولكن ستُفيد بضع تفاصيل أخرى؛ ومن ثَم سأستمر في طرح أسئلتي. والآن، أرسل هذا الرجل أمتعته في رحلة منفصلة. وهذا يفترض أنه ربما قصد قطع رحلته إلى لندن. ما قولك في ذلك؟»

كيبس: «لا أعرف، ولكن أظن أن هذا محتمل.»

«أظن أنه قطع رحلته بغرض مقابلة شخص آخر.»

كيبس: «لا يمكنني الجزمُ، ولكن لو قطع رحلته بالفعل، فستكون من أجل هذا الغرض.»

«على افتراض أن المقابلة تمت، فهل كانت مقابلة ودية؟»

«أظن أن الإجابة لا. أشك في أن صديقي ربما وضع اقتراحات معينة وكانت غير مقبولة، ولكن ربما تمكَّن من تنفيذها. غير أن هذا مجرد تخمين.» أضاف العبارة الأخيرة متعجلًا وتابع قائلًا: «في الحقيقة لا أعرف أكثر مما أخبرتُك به باستثناء اسم الرجل، وما كان لي أن أذكره.»

ثورندايك: «الاسم ليس مهمًّا، على الأقل في الوقت الحالي. وإذا وجدت أن معرفته ضرورية، فسأخبرك.»

السيد كيبس: «اممم … نعم، ولكنك قلتَ إن لديك آراء معينة بشأن ما آل إليه أمرُ هذا الشخص.»

ثورندايك: «نعم، آراء تخمينية، ولكن سأتأكد منها. وإذا تبيَّنت صحتها — أو عدم صحتها — فسأُخبرك في غضون بضعة أيام. هل السيد برودريب معه عنوانك؟»

«نعم، ولكن من الأفضل أن تأخذَه أنت أيضًا.»

أخرج بطاقته ولما فشل في الحصول على أي معلومات أخرى من ثورندايك، عاد أدراجه.

افتُتح الفصل الثالث من هذه الدراما على المشهد نفسه في الفصل الأول؛ ففي صباح الأحد التالي، كنت أنا وصديقي نمشي في طريقنا من بلدة ساندوتش إلى البحر، ولكن لم نكن بمفردنا هذه المرة؛ فقد كان يسير بجانبنا الرائد روبرتسون، مدرب الكلاب المعروف، وكان يُسرع من خلفه واحد من الكلاب البارعة في صيد الثعالب.

وصلنا إلى البقعة نفسها التي بدأنا منها المرة السابقة على الشاطئ، واتجهنا إلى شيلنس ومشينا على الرمال الناعمة وأعينُنا حريصة على التقاط المعالم التي يصعب تمييزها. وبعد فترة، توقف ثورندايك.

قال: «هذا هو المكان. ثَبَّتُّ المكان في عقلي بتلك الشجرة البعيدة، التي تتساوى في ارتفاعها مع المدخنة في ذلك الكوخ في المستنقعات. كانت الملابس في تلك الحفرة بين اثنتين من الكثبان الرملية الكبيرة.»

تقدمنا إلى البقعة ولكن لما كانت الحفرة معلمًا لا فائدة منه، صعد ثورندايك إلى أقرب كثبان رملية وثبَّت عصاه في القمة وربط منديله في مقبض العصا.

قال: «ستمثل العصا المركز الذي نُبقي أعينَنا عليه، وإذا رسمنا سلسلة من الدوائر المتحدة المركز تدريجيًّا حولها، فسنغطي تلك البقعة بكاملها.»

الرائد: «ما المسافة التي تقترح أن نقطعها؟»

ثورندايك: «يجب أن تكون العلامة الاسترشادية لنا هي ظهور تلك البقعة، ولكن الملابسات تقول بأنه إذا كانت هناك جثة مدفونة، فلن تبعد عن المكان الذي وُجدت فيه الملابس بمسافة بعيدة. ومن المؤكد أن المكان سيكون حفرة.»

أومأ الرائد؛ وعندما ربط حبلًا طويلًا في طوق الكلب، بدأنا أولًا في تطويق قاعدة التل الرملي، ثم تتبعنا آثار أقدامنا في الرمال السائبة وبدأنا تدريجيًّا في زيادة المسافة من التل المرتفع الذي كان منديل ثورندايك يرفرف فوقه في النسيم العليل. وبذلك استمررنا في المشي ببطء ولم نرفع أعيننا عن الدائرة التي رسمناها مسبقًا بآثار الأرجل ونشاهد الكلب الذي شمَّ مساحة واسعة بالتأكيد، ولكنه بدا وكأنه مشغول بالبحث عن طريدة أرنب.

مضينا في هذا الطريق نصف ساعة، وبدأ يراودني هل ستبوء تلك المحاولةُ بالفشل أم لا، ولكن حدث تغييرٌ مفاجئ في سلوك الكلب. في اللحظة التي كنا نعبر فيها مجموعةً من الكثبان الرملية المغطاة بالحشائش اليابسة القصبية ونبات القندول القصير، وجدنا أمامنا حفرةً عميقة خالية من الغطاء النباتي وتظهر رمالُها العارية والناعمة وذات اللون الأصفر المائل إلى الرمادي. وعلى جانب التل، ظلَّ الكلب يشمُّ ولما رفع أنفه بدأ في شم الهواء بتعبير ينمُّ عن الفضول والشك، ومن الواضح أنه ليس سعيًا وراء مطاردة أرنب. وبناءً على ذلك، ترك الرائدُ الحبل واعتمد الكلب على حواسه الخاصة ووضع أنفه على الأرض وبدأ مسرعًا في الاستكشاف ذهابًا وإيابًا، وبدأ في التعرج إلى أسفل التل وأخذت الإثارةُ في التنامي مع مرور كل لحظة. وبهذه الطريقة المتعرجة، بدأ في مسح الحفرة إلى أن وصل إلى بقعة في المنتصف؛ ومن هنا توقف فجأة وبدأ في حفر الرمال بلهفة شديدة.

قال الرائد متعجبًا: «هناك اكتشاف، أنا واثق تمام الثقة!» كانت الدهشة باديةً على عينيه، وفي أثناء حديثه، نزل من فوق التل مهرولًا وتبعتُه أنا وثورندايك، ولما وصلنا إلى السفح، أخرج ثورندايك من «جيب حقيبته» مالج سرخس كبيرًا ذا غمد جلدي. لم يكن الحفر عملية فعالة، ولكنه أخلى الرمل السائب بسرعة أكبر من حفر الكلب.

كانت الأرض سهلة الحفر. بالعمل في البقعة التي حددها الكلب، حفر ثورندايك تجويفًا صغيرًا بسرعة بلغ عمقه حوالي ثماني عشرة بوصة. وفي قعر التجويف غرز الشفرة المدببة للمالج. ثم توقف مؤقتًا وأخذ ينظر إلى الرائد وإليَّ، واشرأبَّت أعناقنا بشغف من فوق الحفرة الصغيرة.

قال: «هناك شيء ما. وأخذ يتحسس يد المالج.»

سحبتُ اليد الخشبية وأخذتُ أدفعها برفق إلى الأعلى والأسفل، وشعرت بوجود مقاومة مؤكدة غير أنها خفيفة نوعًا ما. تأكد الرائد من ملاحظتي؛ ومن ثَم استأنف ثورندايك الحفر وأخذ يوسع الحفرة وبدأ يحفر بحذرٍ أكبر. بعد عشر دقائق من الحفر الحذر، أنتج عن شكل يمكن التعرفُ عليه، كشف عن كتف والجزء العلوي من الذراع وباتباع الحفر، انكشف شكلُ الرأس والأكتاف جليًّا على الرغم من أنه لا يزال مغمورًا في الرمال. وفي النهاية، وباستخدام طرف المالج والمنديل الذي اقترضوه مني، أزيحت الرمال اللاصقة، ومن الحفرة العميقة التي تُشبه القمع، انكشف أمامنا وجهُ رجل مشوَّه وتبدو عليه أغربُ المناظر وأفظعها.

تركت الأسابيعُ التي مرَّت أثرَها في وجه الجثة، ولا أريد التحدث عنها كثيرًا، ولكن استطعنا التعرف على الملامح بسهولة، واستطعتُ من نظرة واحدة أن أعرف بأن أوصاف الرجل تتطابق تمامًا مع ما ذكره ثورندايك. الوجنتان مكتنزتان، والشعر على الصدغين بلونٍ بنِّيٍّ شاحب مائل إلى الأصفر؛ والشارب ذو لون أصفر فاتح ومبعثر الشعرات ويغطي الفم؛ وعندما أُزيحت الرمال بالقدر الكافي، رأيتُ جزءَ صلع صغيرًا يشبه الشعر المحلوق بالقرب من قمة الرأس، ولكني استطعتُ رؤية ما هو أكثر من ذلك. على الصدغ الأيسر بعد الحاجب مباشرةً، شاهدت جرحًا مهترئًا غير محدد الشكل وكأنه نتيجة لضربة بمطرقة.

أخذ ثورندايك يضغط برفق على الجمجمة حول الجرح وقال: «ما خمَّنتُه من قبلُ بات حقيقة مؤكدة الآن. لا بد أن هذا الجرح قتله في الحال؛ فالجمجمة مهشمة وكأنها قشرة بيض. ولا شك أن هذا هو السلاح.» وأخرج مسمارًا ملولبًا كبيرًا برأس سداسي من الرمال، ثم أضاف: «دُفن مع الجثة بحكمة بالغة. وهذا كل ما يهمُّنا في الحقيقة. سنترك الشرطة تُكمل عملية النبش، ولكنك ترى يا أنستي أن الجثة عارية وليس عليها سوى الصدرية وربما ملابس داخلية. اختفى القميص. وهذا متطابق تمامًا مع ما توقعناه.»

لما شعرنا أننا أنجزنا شيئًا، سلكنا طريقنا مرة أخرى إلى المدينة على مهل، وأخذنا عصا ثورندايك في طريقنا. تركنا الرائد الآن للبحث عن صديق في ملاعب الجولف بالنادي. وبمجرد أن أصبحنا بمفردنا، طلبتُ استجلاء الأمور.

قلتُ: «أرى التوجه العام لعمليات التحقيق التي أجريتَها، ولكن لا يمكنني أن أتخيل كيف أدت إلى كل هذه التفاصيل؛ ومن هذه الأمور الصفات الشخصية للرجل على سبيل المثال.»

ردَّ: «تزامنت الأدلة في هذه القضية مع أدلة ظرفية. اعتمد الأمر على الأثر التراكمي لعدد من الوقائع، كل واقعة ليست حاسمة بمفردها، ولكن الوقائع جميعها تشير إلى النتيجة نفسها. هل سأسرد البيانات بالترتيب وبما يتفق مع عوامل الربط؟»

أجبتُ بالتأكيد على ذلك؛ ومن ثَم تابع قائلًا:

«من الطبيعي أن نبدأ بالواقعة الأولى؛ إذ إنها بالطبع هي الأهم؛ إنها الواقعة التي تأسر الانتباه والتي تقول إن هناك شيئًا بحاجة إلى الشرح وربما تطرح سلسلة من الاستفسارات. تتذكر أني قستُ آثار الأقدام في الرمال لمقارنتها بالآثار الأخرى؛ ومن ثم أصبح لديَّ أبعادُ أقدام السباح الذي افترضناه، ولكن بمجرد أن نظرت إلى الحذاء الذي افترضنا أنه يخصُّ ذلك السباح، شعرتُ أن لديَّ قناعةً بأن هذه الأقدام لا يمكن أن تدخل في هذا الحذاء.

كانت هذه الواقعة مفاجأة — إذا اعتبرناها واقعة — وتقدمت على واقعة أخرى أقل منها ذهولًا، نزل السباح إلى البحر، وليس هناك جدال في أنه خرج من البحر مرة أخرى على مسافة كبيرة. لا يوجد شك في ذلك. وجدت تطابقًا في قياس القدم وطول الخطوة في المسارين، ولم تكن هناك مسارات مشي أخرى. هذا الرجل أتى إلى الشاطئ وظل على الشاطئ، ولكنه لم يرتدِ ملابسه. لا يمكن أن يكون غادر المكان عاريًا، ولكن من الواضح أنه لم يكن هناك. باعتبارك محاميًا في القضايا الجنائية، فيجب أن تعترف بوجود دليلٍ ظاهري على أن الأمر تحوم حوله شبهاتٌ غير عادية وربما تكون جناية.

في طريقنا إلى استراحة اللاعبين، حملتُ العصا باليد نفسها التي أحمل بها عصاي ولاحظتُ أن عصاي أقصر بقليل؛ وبالتالي كانت العصا لرجل طويل؛ ومن ثَم بات واضحًا أن العصا لا علاقة لها بصاحب الحذاء ولكنها تخصُّ الرجل الذي ترك الآثار. وعندما أتينا إلى استراحة اللاعبين، ظهرتْ واقعة أخرى مذهلة من تلقاء نفسها. تتذكر أن هاليت علَّق على كمية الرمال التي سقطت من الملابس على الطاولة. ذُهلت من أنه لم يلاحظ الخصائص المميزة في تلك الرمال؛ فهي لم تكن تُشبه الرمال التي سقطت من ملابسه البتة. الرمال في الكثبان الرملية كثيبة، أي رمال تحملها الرياح، أو وفقًا للمسمَّى الجغرافي رمال ريحية؛ وهي مميزة للغاية. ولما كانت الرمال محمولة بفعل الرياح، فبالضرورة أن تكون ناعمة. حبيبات الرمال صغيرة، وتتراكم بفعل الرياح؛ وبالتالي تجدها متسقة في حجمها. إضافة إلى ذلك، باستمرار حركة حبيبات الرمال واحتكاكها مع بعضها، تُصبح دائرية بفعل التآكل بالاحتكاك بين بعضها البعض. كذلك تمتاز الرمال الكثيبة بكونها نقيةً نوعًا ما؛ إذ إنها تتكوَّن من حبيبات السيليكا غير المخلوطة بمواد أخرى.

رمال الشاطئ مختلفة تمامًا. تتكون النسبة العظمى من الرمال من السيليكا المكسورة حديثًا وذات نصف تكوين وغالبًا ما تكون خشنة، وكما أشرت في ذلك الوقت، تختلط بها جميع أنواع الأجسام الغريبة المستخرجة من الكتل في المنطقة. هذه الرمال على وجه الخصوص محملة بالجزيئات السوداء والبيضاء، ومعظم الجزيئات البيضاء من الطباشير والجزيئات السوداء من الفحم. الآن، تحتوي الرمال في شيلنس على نسبة ضئيلة من الطباشير ولا توجد أجراف على مسافة قريبة كما أن الطباشير يختفي بسرعة من الرمال بسبب نعومته؛ ولا يوجد فحم.»

سألتُ: «من أين يأتي الفحم؟»

ردَّ قائلًا: «يأتي من جودوينز في المقام الأول. يأتي الفحم من حمولات مناجم الفحم التي يوجد حطامها في تلك الرمال، ومن غرف تخزين الفحم للبواخر المحطمة. يغوص الفحم في الرمال بطول سبعين قدمًا تقريبًا ثم يتراكم في النهاية في القاع حيث ينجرف ببطء عبر قاع البحر نحو الاتجاه الشمالي الغربي إلى أن تجرفه عاصفة شرقية على شاطئ ثانيت بين رامسجيت وفورنيس بوينت. يتراكم معظمه في دامبتون وبرودستيرز، ويمكن أن ترى الفقراء في هذا المكان في الشتاء يجمعون حصى الفحم من أجل إشعال النار.

وبالتأكيد أتت هذه الرمال من ساحل ثانيت، ولكن الرجل المفقود — روسكوف — كان يمكث في بلدة ساندوتش ويلعب الجولف على الكثبان الرملية. كان هذا فرقًا مذهلًا آخر، وهذا ما دفعني إلى فحص الملابس فحصًا شاملًا، قطعة قطعة. فحصتُها وكانت النتيجة كالتالي.

السترة والسروال والجورب والحذاء كانت تخصُّ الرجل القصير البدين، وهذا ما توضحه القياسات كما أن القبعة كانت ملكَه لأنها مصنوعة من النسيج نفسه المصنوع منه السترة والسروال.

الصدرية والقميص والملابس الداخلية والعصا كانت تخصُّ رجلًا طويل القامة.

ملابس الرجل القصير وجوربه وحذاؤه كانت محملة برمال الشاطئ من ثانيت ولم تحمل رمالًا كثيبة باستثناء القبعة التي ربما وقعت على الكثبان الرملية.

الصدرية كانت ممتلئةً بالرمال الكثيبة ولم تكن محملة برمال الشاطئ، ووُجدت الرمال الكثيبة في القميص والملابس الداخلية بنسبة ضئيلة. وبذلك يمكننا القول إن ملابس الرجل القصير لم يلتصق بها سوى رمال الشاطئ، وملابس الرجل الطويل لم يلتصق بها سوى الرمال الكثيبة.

ملابس الرجل القصير كلُّها ليس عليها علامات؛ أما ملابس الرجل الطويل فكانت إما عليها علامات أو يمكن التعرف عليها بسهولة، من الصدرية وكذلك العصا.

ملابس الرجل القصير التي وجدناها متروكة هي الملابس التي لم يستطع الرجل الطويل ارتداءَها كي لا يلفتَ الانتباه على الفور ولم يتمكن من ارتداء الحذاء على الإطلاق؛ أما ملابس الرجل القصير التي اختفت — الصدرية والقميص والملابس الداخلية — فهي الملابس التي يمكن ارتداؤها من دون لفت الانتباه. كان التخمين الواضح أن الرجل الطويل غادر المكان بقميص الرجل القصير وصدريته، أما باقي الملابس فكانت ملابسه الخاصة.

نأتي الآن إلى السمات الشخصية للرجل القصير. أخذتُ خمس شعرات من القبعة. كانت جميع الشعرات شقراء اللون، وكانت هناك شعرتان من نوع الشعر القصير والمميز الذي ينمو في منطقة الصلع، وهذه أثارت استغرابي؛ وبالتالي عرفتُ أنه ذو شعر لونه فاتح وأصلع جزئيًّا. في السترة من الداخل، ولما تفحصتُ التويد الخشن، وجدتُ شعرة شارب طويلة ورفيعة وذات لون فاتح، وهذا أوحى بأن الشارب طويل وناعم. حافة طرف الكم الأيسر كانت ملطخةً بكمية كبيرة من دهان الزيت، ولكن تتراكم مادة الرسم هذه عندما تصل يدُ الرسام التي تحمل الفرشاة إلى اللوحة المحملة بألوان الزيت. وكان الاقتراح هو أن الرجل كان رسامًا بالزيت وأعسر، غير أن هذا الاقتراح لم يكن قاطعًا بالدرجة الكافية، ولكن كان هناك تأكيدٌ قوي. وجدتُ قلم رصاص يستخدمه الفنانون — 3B — وقطعة من فحم العنب مثل التي يمكن أن يحملها الرسام بالزيت. تحولت العملات المعدنية الفضية في جيبه إلى اللون الأسود بفعل الكبريتيد وكأنه كانت معها قطعة من مطاط ناعم معالَج بالكبريت. كذلك وجدنا سكين الجيب. امتاز السكين بنصل حاد لبري القلم الرصاص، ومبرد لفحم العنب ونَصْل عريض من العاج؛ والنصل العريض استخدمه رجل أعسر.»

سألتُ: «كيف توصلتَ إلى هذه الاستنتاجات؟»

ردَّ: «بميل الحواف المتآكلة. في سكين الرسم القديم التي يستخدمها رجل أيمن اليد، يُصبح ميل التآكل في الحافة جهة اليسار من الأسفل وفي الحافة جهة اليمين من الأعلى؛ أما في حالة الرجل الأعسر، يُصبح ميل التآكل في الحافة جهة اليمين من الأسفل وفي الحافة جهة اليسار من الأعلى. ولأن السكين مصنوعٌ من العاج، فقد ظهر التآكل بوضوح شديد وثبت ثبوتًا قاطعًا أن المستخدم كان أعسر؛ ولما كان سكين الرسم المصنوع من العاج لا يستخدمه سوى الرسامين الشديدي التدقيق بشأن صبغات التلوين مثل الكادميوم الذي يمكن أن يبهت لونُه بسبب السكين المعدني، كان هناك ما يبرر الافتراض بأنه كان مدققًا نوعًا ما بشأن صبغات التلوين.»

لما كنتُ أستمع إلى شرح ثورندايك، أُعجبت بشرحه كثيرًا. وفيما يتعلق باستنتاجاته التي بدت وكأنها مجرد تخمينات تأملية، بتُّ أُدرك الآن أنها اعتمدت على تحليل الأدلة بدرجة الحرص والحيادية نفسها المتبعة في تلخيص حيثيات الحكم. كذلك استخلص هذه الاستنتاجات على الفور من الأمور الظاهرية للأشياء التي كانت أمام عيني طوال الوقت ولم أصِل منها إلى شيء.

سألتُ على الفور: «ما تقول فيما تحمله هذه القضية من معانٍ؟ ما الدافع وراء ارتكاب جريمة القتل؟»

ردَّ قائلًا: «لا يسعني سوى التخمين، ولكن بتفسير تلميحات كيبس، أشكُّ في أن صديقنا الفنان كان مبتزًّا؛ ومَن ثَم أتى إلى هنا كي يبتزَّ روسكوف — وربما لم تكن المرة الأولى — وربما استدرج ضحيتَه إلى الكثبان الرملية من أجل محادثة خاصة ثم اتخذ الوسيلة الفعالة فقط كي يخلصَ نفسه ممن يضطهده. هذه وجهة نظري في القضية، ولكن بالطبع هذا مجرد تخمين.»

كان تخمينًا، إلا أنه تبيَّنت صحتُه حرفيًّا. في التحقيق، اضطر كيبس إلى ذكْرِ كلِّ ما يعرفه وكانت معلومات قليلة للغاية، على الرغم من أنه لم يتمكن أحدٌ من الإضافة إليها. لم ينفكَّ الرجل المقتول جوزيف بيرتراند عن روسكوف ومن ثَم حقق لنفسه دخلًا منتظمًا عن طريق ابتزازه. هذا القدر عرفه كيبس، وكان يعرف أن الضحية دخل السجن وهذا هو السر، ولكنه لم يعرف مَن يكون روسكوف وما هو اسمه الحقيقي؛ لأنه من الواضح أن اسمَ روسكوف اسمٌ حركيٌّ؛ ومن ثَم لم يستطع مساعدة الشرطة. اختفى القاتل ولم يكن هناك ما يُشير إلى أي مكان للبحث عنه، وعلى حدِّ علمي، لم يُسمَع عنه أيُّ شيء منذ ذلك الحين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤