سَرايا خالِد بْن الوليد (رَضِي اللهُ عَنْه)

وهي ثلاث؛ أولاها لهدم العزى، والثانية إلى بني جذيمة، والثالثة إلى أكيدر بدومة الجندل، وقد ذكرت الأولى في الفتح الأعظم، والأخيرة في غزوة تبوك. بعث خالد في خمسين وثلاث مئة رجل إلى بني جذيمة بناحية «يلملم» ليدعوهم إلى الإسلام، وكان النبي يومئذ بمكة، وكانوا قد قتلوا الفاكه عم خالد في الجاهلية وأخاه، وقتلوا والد عبد الرحمن بن عوف، وكانوا شرارًا يسمون لعقة الدم، وكان في هذه السرية جمع من بني سليم قوم مالك بن الشريد الذي قتله بنو جذيمة قبل ذلك هو وأخوه في موطن واحد، فنشأت عن ذلك حالة كان لها أثرها في أنفسهم، فلبسوا السلاح وخرجوا إلى خالد ومن معه، يظنون شرًّا ويظن بهم كذلك، وكانوا قد أسلموا فلم يعلم النبي وأصحابه بإسلامهم، فلما دعاهم خالد إلى الإسلام، قالوا: صبأنا، يريدون أنهم رجعوا عن جاهليتهم إلى الإسلام، ولكن هذا المعنى لم يقع في نفس خالد على الوجه الذي أرادوه، فأعمل فيهم القتل والأسر، وذهب جماعة منهم إلى النبي يذكرون خبرهم، وما صنع خالد بقومهم، فغضب وبعث عليًّا بن أبي طالب، ومعه مال يدي به قتلاهم ورسالة إلى خالد أن يكف عنهم، ويطلق أساراهم.

بني جذيمة ما في الأمر من عجب
جرى القضاء على ما كان من سبب
أظلَّكم خالد لا شيء يبعثه
إلا الجهاد يراه أعظم القرب
لمَّا دعاكم إلا الإسلام حين دعا
قلتم صبأنا فلم يأثم ولم يحب
إن كان للمرء من أعمامه نسب
فالدين عند ذويه أقرب النسب
بنو سليم وإن خفتم فليس بهم
وبابن عوف سوى الأوهام والريب
فيا لها غمرةً ما اسودَّ جانبها
حتى تجلت سراعًا عن دم سرِب
سيء النبي بها فالنفس آسفة
والقلب مما أصاب القوم في تعب
المسملمون دم لله أو عصب
ما مثله من دم جارٍ ولا عصب
هم في الحوادث إن قلُّوا وإن كثروا
بأسٌ جميعٌ ورأي غير منشعب
كلٌّ حرام على كل فإنْ فئة
بغت على فئة فالله في الطلب
أثارها خالدٌ شعواء عاصفة
ما كان فيها لدين الله من أرب
رمى بها وغواشي الظن تأخذه
من كل صوب فلم يرشد ولم يُصب
إليك أبرأ ربِّي من جنايته
وأنت فيما عناني منه أعلم بي
قم يا عليُّ فوافِ القوم معتذرًا
وانشر عليهم جناح العاطف الحدب
وخذ من المال ما يقضي الديات وما
يُرضي النفوس ويشفيها من الغضب
حقٌّ علينا دم القتلى ونحن على
عهد وثيق وحبل غير مضطرب
القوم إخوتنا في الله يجمعنا
دين الإخاء على الأيام والحقب

•••

ردَّ الإمام نفوس القوم فائتلفت
واستحكم الودُّ وانحلَّت عرى الشغب
بالجاهلية مما هيض جانبها
ما ليس ينفذ من همٍّ ومن وصب
سلها وقد رجعتْ حسرى مذمَّمة
هل زادها الله إلا سوء منقلب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤