المغامرون الخمسة

في صباح اليوم التالي، مرَّ المفتش «سامي» بمنزل «تختخ»، وكان الأصدقاء جميعًا قد اجتمعوا هناك للاتفاق على رحلة إلى حلوان. وروى لهم المفتِّش ما حدث أمس في الحفلة التنكرية، وكيف سُرقت الأموال والمجوهرات والأوراق.

فقال «تختخ»: هل تأكدتم تمامًا أن الخزانة لم تُفتح بغير مفتاحها الأصلي؟

المفتش: بالتأكيد؛ فقد قام أحد زملائي بفحصها فحصًا دقيقًا، وتأكَّد أنها فُتحت بمفتاحها الأصلي.

تختخ: إذن فهناك احتمالان؛ أن تكون قد فُتحت بالمفتاح الذي كان مع الأستاذ «مكرم»، وهذا المفتاح كان في الإسكندرية حتى التاسعة ووصل في منتصف الليل عندما فتح الأستاذ «مكرم» الخزانة؛ وإما أن تكون قد فُتحت بالمفتاح الآخر الذي قال أصحاب القصر إنه قد ضاع منهم منذ زمن بعيد.

المفتش: هذا هو ما فكرت فيه، وبخاصة أن ثلاثة من أصحاب القصر السابقين كانوا في الحفل، ويُمكِن أن يتسلل واحد منهم إلى غرفة المكتب في ملابسه التنكرية، ويفتح الخزانة، ويعود إلى الحفل بدون أن يلحظ أحد.

نوسة: قلت إنَّ أحدًا لم يدخل غرفة المكتب سوى صاحب القصر؛ فهناك احتمال ثالث.

والتفت الجميع إليها، وعلى وجوههم أمارات الدهشة فقالت: أن يكون الأستاذ «مكرم» لم يغلق الخزانة، وتركها مفتوحة بدون أن يدري، وبهذا يمكن أن تكون قد سُرقت في الفترة من ساعة خروجه من منزله مسافرًا إلى الإسكندرية حتى عودته.

المفتش: ولكنه قال إنه متأكد من إغلاقها بالمفتاح، وإنه فتحها فعلًا عندما أحضر «حافظ» المفتاح من الإسكندرية!

نوسة: إنه لم يستعمل هذه الخزانة إلا مرة أو مرتين، وربما لم يستعملها إلا في هذا اليوم؛ ومعنى هذا أنه غير متمرِّن عليها، وكل واحد منا عند استعمال المفاتيح الجديدة يخطئ في الإغلاق والفتح، وقد حدث لي هذا مرارًا عندما سكنَّا في الفيلا الجديدة.

المفتش: هذا احتمال قائم على كل حال.

تختخ: هل أستطيع أن أذهب معك الآن إلى القصر؟

المفتش: لا مانع، وستجد الشاويش «علي» هناك.

تختخ: شيء عظيم؛ فمنذ فترة طويلة لم نرَ الشاويش، ولعله يستطيع هذه المرة أن يقبض على اللص.

المفتش: هيا بنا.

وانصرف «تختخ» بعد أن اتفق مع الأصدقاء أن يعود إليهم بعد انتهاء مهمته، وكان مكان اللقاء هو حديقة منزل «عاطف» كالمعتاد.

اقتربت سيارة المفتش من القصر الضخم، وأخذ «تختخ» يتأمله في إعجاب؛ فقد كان يحب المباني القديمة الكبيرة ذات الشرفات الرحبة، والغرف الواسعة … وعندما دخلوا القصر أفاق من تأملاته على صوت قدمَي الشاويش «علي» وهو يضمهما في قوة لتحية المفتش.

وعندما شاهد الشاويش «علي» «تختخ» احمرَّ وجهه، ورقص شاربه، وأحس بالدماء تندفع إلى رأسه، ولكنه مدَّ يده وسلم عليه إكرامًا للمفتش.

وبعد لحظات جاء الأستاذ «مكرم» وفي يده قائمة بأسماء المدعوِّين الخمسين، وقد وضع علامة على الذين لم يَحضُروا.

أخذ المفتش يفحص الأسماء جيدًا، ثم سلَّم القائمة إلى «تختخ» قائلًا: هل تعرف أحدًا من هؤلاء؟

قرأ «تختخ» القائمة سريعًا ثم قال: نعم، إن بينهم عددًا من الشخصيات المهمة في المعادي التي لا ترقى إليها الشبهات.

المفتش: وهل تعرف أسماء أصحاب القصر السابقين؟

تختخ: نعم؛ لقد كانوا من أغنى عائلات المعادي، كما سمعت، ثم تدهورت أحوالهم المالية بعد وفاة والدهم، فبدَّدُوا الثروة التي تركها.

والتفت المفتش إلى الأستاذ «مكرم» قائلًا: وما عمل أصحاب القصر السابقين؟

مكرم: إنهم يعملون مِثلي في تجارة السيارات.

ولمعت عينا المفتش وقال: في تجارة السيارات؟!

مكرم: نعم.

المفتش: وهل الأوراق التي سُرقت منك لها علاقة بالسيارات؟

مكرم: طبعًا؛ وتسرُّب ما فيها من معلومات إلى تجار السيارات الآخرين، يضرُّ بعملي ضررًا بليغًا.

المفتش: إن ذلك يدعو إلى الاهتمام.

وكطلب «تختخ» طلب المفتش من «مكرم» أن يسمح لهم بزيارة غرفة المكتب مرة أخرى … فذهبوا إليها … وعندما دخلها «تختخ» أخذ يتفرَّج بإعجاب على اللوحات التي تغطي الجدران، والتماثيل الضخمة التي تقف في الأركان تشبه الإنسان شكلًا وحجمًا … بعضها من البرونز القديم … أو الخشب اللامع … قال المفتش «سامي»: «توفيق» … هل يُعجبك هذا الطراز من الغرف؟

تختخ: جدًّا … اللوحات والتماثيل واتساع الغرفة … والكتب … كلها أشياء تشدني. وأزاح «مكرم» اللوحة التي تُغطِّي الخزانة ليراها المفتش مرة أخرى، واقترب «تختخ» يتأملها ثم سأل «مكرم»: هل هناك من يعرف مكان الخزانة سواك؟

فكر «مكرم» قليلًا ثم قال: إنَّ الشغالين جميعًا يعرفون. فعندمًا اشتريت القصر كان يحتاج إلى طلاء جديد؛ فرفعنا كل اللوحات، وكان في إمكان أيِّ شخص أن يعرف.

تختخ: وفي أثناء حفلة أمس، ألم ترَ أحدًا يدخل غرفة المكتب؟

مكرم: لا، مُطلقًا.

ودخلت زوجة «مكرم» في تلك اللحظة، وسمعت السؤال فقالت: عندما لم يجد «مكرم» المفتاح معه انشغلتُ جدًّا، وأخذت طول الوقت أراقب غرفة المكتب خشية أن يدخلها أحد غريب. لكن أحدًا لم يدخلها إلا زوجي؛ فقد كان هو الوحيد الذي يرتدي ثياب المهرج، وقد أوصيت أحد العاملين الذين أثق بهم عندنا أن يراقب بابها، وأكد أن أحدًا لم يدخلها سوى زوجي بملابس المهرج.

المفتش: وهل كانت الغرفة مُغلقة نهارًا؛ أي في أثناء سفر الأستاذ «مكرم» إلى الإسكندرية؟

رد «مكرم» قائلًا: نعم؛ كانت مغلقة، وكانت المفاتيح معي في الإسكندرية.

المفتش: وكيف نسيت مفتاح الخزانة، ولم تنسَ مفتاح المكتب؟

مكرم: كان مفتاح الخزانة وحده، فلم أكن قد وضعته في سلسلة مفاتيحي بعد! وقد تذكَّرتُ أنني أخرجته من جيبي وأنا في مكتبي بالإسكندرية؛ لأنه وقع مني على الأرض ساعة أخرجته، ثم رفعته من على الأرض ووضعته على المكتب حتى أشعل سيجارة، ونسيته هناك.

تختخ: معنى ذلك أن السرقة تمَّت بين الساعة الثامنة تقريبًا عندما فتحت باب المكتب، والساعة الثانية عشرة عندما فتحت الخزانة لإخراج المجوهرات.

مكرم: تمامًا.

المفتش: ولماذا لم تُغلِق باب المكتب بعد أن اكتشفت ضياع مفتاح الخزانة؟

رد الأستاذ «مكرم»: عندما فتحتُه في المساء الْتَوى المفتاح فيه ولم أستطع إخراجه منه ولا إغلاقه، واضطُررنا لمراقبته أغلب الوقت!

أخذ المفتش يدور في أنحاء الغرفة مُفكِّرًا، في حين كان الشاويش «علي» يقوم بتدوين محضر السرقة، أما «تختخ» فكان يتفرَّج على التماثيل، وكأنه نسي السرقة والتحقيق.

انصرف المفتش مع «تختخ»، وعندما ركبا السيارة قال: ما رأيك أيها المغامر الذكي في هذه السرقة؟

تختخ: إنها سرقة عجيبة حقًّا، تحتاج إلى مجهود كبير لحلها، لكن ما دامت الخزانة لم تُفتح إلا بمفتاحها الأصلي فإن ذلك يُضيِّق نطاق البحث؛ فهناك مفتاحان؛ الأول كان في الإسكندرية ساعة وقوع الجريمة، والثاني مفقود، كما يقول أصحاب القصر الأصليون.

المفتش: لعلَّه لم يَضِع.

تختخ: إن هذا ما أفكر فيه؛ فأصحاب القصر مُنافسُون للأستاذ «مكرم» في التجارة، وقد باعوه هذا القصر، وهم يَعلمُون أنه رجل غنيٌّ، وأنه لا بد أن يضع أوراقه وبعض نقوده أو مجوهرات زوجته في الخزانة، وهكذا أعطوه مفتاحًا واحدًا واحتفظوا بالثاني لعلهم يستفيدون منه.

المفتش: وبخاصة إذا علمنا أنهم أضاعوا ثروتهم، وقد اتضح لنا هذا الصباح أن أحدهم متهم بإعطاء شيك بدون رصيد؛ أي إن موقفهم المالي سيِّئ، ويُمكن أن يلجئوا إلى الجريمة لإصلاح حالهم.

تختخ: إنها جريمة من اختصاص الشرطة، وليست من اختصاص المُغامرين الخمسة؛ فالمتهمون واضحون، وما عليكم إلا البحث والمراقبة وسوف تصلون إليهم.

المفتش: ولكن لا تنسَ أن غرفة المكتب كانت مُراقَبة من الأستاذ «مكرم» وزوجته وأحد العمال، فلم يدخلها سوى الأستاذ «مكرم».

تختخ: شيء مُحيِّر حقًّا، لكني سوف أحاول أنا وبقية المغامرين بحث هذا اللغز.

ونزل «تختخ» قرب منزل «عاطف»، حيث اعتاد الأصدقاء أن يَجتمعُوا، ووجدهم جميعًا في انتظاره، وأسرعت «لوزة» تسأل: هل عندنا لغز للحل؟

تختخ: وأي لغز؛ إنه في غاية الصعوبة؟

عاطف: كأيِّ لغز آخر.

نوسة: نريد أن نسمع القصة كاملة بعد أن شاهدت القصر.

تختخ: لقد شاهدت مكان السرقة أيضًا، وسمعت معلومات جديدة.

محب: لنجلس إذن ونستمع إلى الوقائع مرتَّبة حتى نستطيع أن نتصوَّر كيف تمَّت السرقة.

فكر «تختخ» قليلًا ثم بدأ يقول: سأرويها لكم كحكاية أو «حدوتة» و«الحدوتة» تبدأ بالقصر الذي كان يملكه المرحوم «بهجت»، ومات «بهجت» وترك أولاده الذين لم يُحسنُوا تدبير ثروتهم، فأضاعوها، وباعوا القصر لمنافسهم في التجارة الأستاذ «مكرم». وكان في هذا القصر خزانة سرية في جدار غرفة المكتب لها مفتاحان؛ قالوا للأستاذ «مكرم» عندما باعوا القصر إنَّ أحد المفتاحين قد ضاع، وأعطوه الثاني. وجدَّد «مكرم» القصر، وأقام حفلًا تنكُّريًّا بهذه المناسبة وجد من الواجب أن يدعو إليه أصحاب القصر القدماء.

وسكت «تختخ» لحظات ثم مضى يقول: ووضع الأستاذ «مكرم» في الخزانة، صباح يوم الحادث، ثروةً من النقود والمُجوهَرات وأوراقًا مهمة تتعلَّق بتجارته. وفي اليوم نفسه سافر إلى الإسكندرية لمتابعة تجارته هناك، وظلَّ بالإسكندرية حتى الساعة الرابعة، وكان معه المفتاح هناك، ثم عاد إلى القاهرة فوصل في السابعة تقريبًا، وطلبت منه زوجته في الثامنة تقريبًا أن يحضر لها مجوهراتها من الخزانة، ولكنه اكتشفَ أنه نسي المفتاح في الإسكندرية، فاتصل بمنزله هناك، وفي التاسعة تقريبًا اتصل به «مجدي» و«حافظ» اللذان يعملان عنده، وأخبراه أنهما عثرا على المفتاح، فطلب من «حافظ» الحضور إلى القاهرة، وإحضار المفتاح معه، فحضر في منتصف الليل تقريبًا حيث سلمه المفتاح وذهب الأستاذ «مكرم» لفتح الخزانة؛ فوجدها خالية. وقد اختفت المجوهرات والنقود والأوراق!

شرب «تختخ» كوبًا من الماء، ثم مضى يتحدث: وهناك عدة ملاحظات … إنَّ غرفة المكتب كانت مغلقة طول النهار … وبعد أن اكتشف غياب مفتاح الخزانة — وكان المفتاح قد الْتَوى في الباب ولم يتمكَّنوا من إغلاقه — ظلت غرفة المكتب مراقبة من زوجته ومنه ومن أحد العاملين في المنزل أغلب الوقت، فلم يدخلها إلا الأستاذ «مكرم» في ثياب المهرج.

محب: إنها مشكلة صعبة حتى على الفهم، وقد حان موعد الغداء، وأقترح أن نعود للاجتماع في المساء، وكلٌّ منا معه بعض الأفكار حول السرقة.

فوافق الجميع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤