عم «منصور»

عندما اجتمع الأصدقاء مرة أخرى في المساء، كان «تختخ» يمسك بيده عدة أوراق صغيرة متساوية الحجم. وقالت «لوزة» عندما شاهدت هذه الأوراق: هل سنَلعب لعبة البخت؟

تختخ: تقصدين هذه الأوراق؟

لوزة: نعم؛ إنها تشبه أوراق البخت والنصيب.

تختخ: إن الألغاز لا تُحل بالبخت والنصيب؛ إنها تُحلُّ بالتفكير والحركة والعمل الجاد، وهذه الأوراق مكتوب فيها جدول بالمواعيد التي سمعناها في هذا اللغز؛ فأنا أعرف أن الألغاز التي يعتمد حلها على الساعات والدقائق صعبة الفهم.

عاطف: وثقيلة الدم أيضًا.

تختخ: صحيح، ولكنها فرصة ممتازة لتدريب الذهن وترتيبه، والعقل المُرتَّب المنظَّم يستطيع أن يحلَّ أيَّ شيء.

نوسة: وستعطي كلًّا منا جدولًا.

تختخ: تمامًا، وعلى كل واحد من المغامرين الخمسة أن يفكر في هذا الجدول جيدًا؛ فلعله يعثر على ثغرة في المواعيد التي تُحدِّد لنا اللص.

محب: إنها طريقة معقولة جدًّا.

ووزع «تختخ» الأوراق، وطلب من «نوسة» أن تقرأ الجدول بصوت مرتفع.

وبدأت «نوسة» تقرأ: في الساعة الثامنة صباحًا وضع الأستاذ «مكرم» المجوهرات والنقود والأوراق في الخزانة. وفي الساعة التاسعة صباحًا غادر القاهرة إلى الإسكندرية. وفي الساعة الحادية عشرة والنصف وصل إلى الإسكندرية. وفي الساعة الرابعة غادر الإسكندرية إلى القاهرة. في الساعة السابعة وصل إلى القاهرة، وفي الساعة الثامنة فتح باب المكتب وحاول فتح الخزانة لإحضار مجوهرات زوجته، ولكنه لم يجد المفتاح. في الساعة التاسعة اتصل به «حافظ» و«مجدي» وأخبراه أنهما عثرا على مفتاح صغير فوق مكتبه بالإسكندرية. في الساعة الثانية عشرة ليلًا وصل «حافظ» من الإسكندرية ومعه المفتاح، وبعدها بدقائق فتح «مكرم» الخزانة ووجدها فارغة.

سكتت «نوسة» لحظات فقال «تختخ»: استمري في القراءة.

نوسة: هناك ملحوظة هامة … إن أحدًا لم يدخل المكتب طول النهار مطلقًا … ولم يدخله أحد ليلًا إلا الأستاذ «مكرم» وهو في ثياب المهرج، وكان ذلك في الساعة الثامنة لإحضار مُجوهَرات زوجته.

محب: معنى هذا أن الخزانة سُرقت بين الساعة الثامنة والساعة الثانية عشرة ليلًا عندما فتح الأستاذ «مكرم» الخزانة بالمفتاح الذي أحضره «حافظ» من الإسكندرية.

تختخ: تمامًا.

عاطف: ومعنى هذا أيضًا أن السرقة وقعت في أثناء الحفلة التنكرية.

تختخ: تمامًا.

محب: ولا بد أن أحد المدعوِّين هو السارق.

تختخ: المشكلة أن «مكرم» وزوجته وأحد العاملين عندهم كانوا يراقبون باب المكتب في أغلب الوقت، فلم يشاهدوا أحدًا يدخل المكتب سوى الأستاذ «مكرم» في ثياب المهرج.

محب: معنى هذا أن الأستاذ «مكرم» هو الذي سرَق نفسه.

تختخ: حتى لو كان هذا يُمكن أن يحدث لسببٍ لا نعلمه؛ فإن المفتاح لم يكن معه.

لوزة: قد يكون أحد المدعوِّين قد تنكر في ثياب المهرج ودخل على أنه الأستاذ «مكرم».

تختخ: قال «مكرم» للمُفتِّش «سامي» إنه لم يكن بين المدعوِّين مُتنكِّر في ثياب المهرج إلا هو.

محب: شيء مُحيِّر للغاية!

نوسة: حتى لا نتوه خلف هذه التفاصيل الكثيرة … عندنا شيء يُضيِّق نطاق البحث … إن الخزانة فُتحت بمفتاحها الأصلي … وليس هناك سوى مفتاحَين … واحد ضائع … والثاني كان في الإسكندرية. في أثناء وقوع السرقة … هذا هو ما نعرفه، لكن لا بد أن هناك سرًّا … لا بد أن أحد المفتاحين كان موجودًا في القصر بين الساعة الثامنة والساعة الثانية عشرة ليلًا … فكيف حدث هذا؟

لوزة: قد يكون أحد الرجلين — «حافظ» أو «مجدي» — قد حضر قبل ذلك ومعه المفتاح وسرق الخزانة.

تختخ: إن ذلك مستحيل؛ فقد تحدث «مجدي» إلى الأستاذ «مكرم» من الإسكندرية في التاسعة، وكان المفتاح مع «حافظ»!

عاطف: لا بد أن أحدهما ركب صاروخًا إلى القاهرة، وسرق الخزانة ثم عاد إلى الإسكندرية.

تختخ: للأسف إنه ليس هناك صواريخ ركاب حتى الآن!

عاطف: ما الحل إذن؟ … ألا يجوز ألا تكون هناك سرقة على الإطلاق؟ … أن يكون الأستاذ «مكرم» يحبُّ المزاح؟!

محب: لو لم يكن قد استدعى الشرطة لقلتُ إنها نُكتة.

تختخ: والآن، وأمامنا هذه الحقائق، ما خطتكم في العمل؟

أخذ الأصدقاء جميعًا يفكرون … ومضت فترة صمت طويلة، ثم قال «محب»: أرى أن نبدأ البحث بأسرة المرحوم «بهجت» … أقصد الثلاثة الذين حضروا الحفل من أولاده … إن هناك شبهات قوية ضدَّهم … فهم منافسون للأستاذ «مكرم» في تجارة السيارات، ويُهمُّهم الحصول على الورق الخاص بتجارة الأستاذ «مكرم» … وهم مفلسون، وقد باعوا قصرهم … وقد تكون الأزمة المالية قد دفعتهم إلى ارتكاب الجريمة … وقد كانوا موجودين بالحفلة … وانصرفوا مُبكِّرين.

تختخ: هذا كلام معقول جدًّا، وعلينا أن نبدأ بمعرفة رأي الناس فيهم، والملابس التنكُّرية التي كانوا يلبسونها … ليذهب … «عاطف» … و«نوسة» للسؤال عن سُمعتِهم … وأذهب أنا مع «لوزة» إلى القصر لمعرفة الملابس التي كانوا يَرتدُونها، ويتصل «محب» بالمفتِّش لمعرفة آخر الأخبار.

وتفرَّق الأصدقاء على هذا الاتفاق. وفي الصباح بدأ كل فريق مهمته … فذهب «عاطف» و«نوسة» إلى حيث تسكن أسرة المرحوم «بهجت»، واتجه «تختخ» و«لوزة» إلى قصر «مكرم».

عندما وصل «تختخ» و«لوزة» إلى القصر فوجئا بأن الأستاذ «مكرم» وزوجته قد خرجا مُبكِّرَين … ولكن «تختخ» لم يتراجع، وسأل الرجل الذي فتح الباب: هل هنا أحد ممَّن كانوا يعملون بالقصر قبل بيعه؟

رد الرجل: نعم … عندنا عم «منصور»، وهو أقدم العاملين هنا.

تختخ: إنني صديق للمفتِّش «سامي» الذي يُحقِّق حادث سرقة الخزانة، وأريد مقابلة عم «منصور».

انصرف الرجل بعد أن دعا «تختخ» إلى الدخول … ووقفت «لوزة» تتفرج على القصر مبهورة بضخامته وفخامته، ثم قالت فجأة: لقد قلت لنا يا «تختخ» إنَّ لغرفة المكتب التي بها الخزانة بابًا على الحديقة … فلماذا لا يكون اللصُّ قد دخل من هناك؟

ابتسم «تختخ» وهو يقول: لقد سألتُ هذا السؤال نفسه وعندما دخلت مع المفتش «سامي» إلى الغرفة راقبت الباب … فوجدتُ أنه مُغلَق، وقد سألت الأستاذ «مكرم»، فقال إنَّ الباب لم يُفتَح مطلقًا إلا عند حضور المفتش «سامي».

لوزة: إنه لغز لا حلَّ له.

تختخ: ليس هناك لغز لا حلَّ له … واللص لا بد أن يترك خلفه أثرًا يدلُّ عليه.

بعد لحظات وصل عم «منصور»، وهو عجوز أسمر اللون، مشرق الوجه … سلم عليهما بابتسامة.

قال «تختخ»: لقد جِئنا نسأل عن بعض الضيوف يا عم «منصور».

منصور: إنني أعرف أغلبهم.

تختخ: هل تعرف أصحاب القصر السابقين جيدًا؟

هز عم «منصور» رأسه في حزن قائلًا: طبعًا يا بني … لقد عشتُ في هذا القصر أربعين سنة … وكنت موضع ثقة المرحوم الأستاذ «بهجت».

تختخ: مَن الذي حضر من أولاد المرحوم «بهجت» إلى الحفلة التنكُّرية التي أقيمت هنا؟ وماذا كانوا يلبسون؟

منصور: حضرت السيدة «ناهد» ابنته الكبرى، وكانت تلبس ثوب فلاحة مصرية، و«شاكر» الابن الأكبر، وكان يلبس ثياب فلاح، و«فتحي» الابن الأصغر، وكان يلبس ملابس فارس مُقنَّع.

تختخ: وكيف عرفتهم؟

بدا الحزن على عم «منصور» مرةً أخرى، وقال: وكيف لا أعرفهم يا ولدي؟! لقد ربَّيتُهم على ذراعيَّ هاتين … وهذه الملابس موجودة عندهم من أيام العزِّ والغنى.

تختخ: هل تذكر مفتاح الخزانة الضائع؟

منصور: نعم أذكره.

تختخ: متى ضاع؟ هل ضاع في أيام الأستاذ «بهجت» الكبير؟

منصور: لا طبعًا، لقد كان رجلًا مُنظمًا وذكيًّا، ولم يكن يضيع منه شيء.

تختخ: متى ضاع إذن؟

منصور: ضاع قبل بيع القصر بأيام.

تختخ: بعد أن اتفقوا على بيع القصر؟

منصور: نعم.

تختخ: ومع من كان المفتاح؟

منصور: مع الأستاذ «فتحي» الابن الأصغر.

تختخ: قال لنا الأستاذ «مكرم» وزوجته إنهما طلَبا من أحد الشغالين هنا أن يراقب باب غرفة المكتب ليلة الحفلة، بعد أن اكتشفا ضياع المفتاح، هل تعرف من الذي كان يراقب الباب؟

منصور: إنه أنا.

تختخ: أنت؟

منصور: نعم؛ فقد كان الأستاذ «مكرم» ينشغل أحيانًا باستقبال الضيوف، وكذلك عندما صعد في التاسعة لأخذ الدواء والراحة قليلًا، وكذلك السيدة زوجته، فأخذت أراقب الباب، ولم تغفل عيني دقيقة واحدة عنه.

تختخ: ألم ترَ أحدًا يدخل المكتب عدا الأستاذ «مكرم»؟

اضطرب «منصور» فجأة، ورفع يده إلى رأسه، لكنه استعاد ثباته بسرعة، وقال وهو يهرش رأسه: لا، لم يدخل أحد سوى الأستاذ «مكرم».

لم يخفَ اضطراب «منصور» على عينَي «تختخ»، وأحس أنه عثر على طرف خيط وسط الظلمات، فعاد يسأل بإلحاح: هل أنت مُتأكِّد يا عم «منصور»؟

وقبل أن يجيب عم «منصور» استدعاه أحد العاملين في القصر، فاعتذر، وأسرع بالانصراف.

نظر «تختخ» إلى «لوزة» ونظرت إليه «لوزة»، وكانا يفكران في الشيء نفسه … إن عم «منصور» يُخفي سرًّا! ما هو السر؟ مَن الإنسان الذي يخشى عم «منصور» أن يقول اسمه؟

وانصرفا معًا … وهما يُفكِّران … ولم يتحدثا إلا بعد أن وصلا إلى حيث كان بقية الأصدقاء في انتظارهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤