الفارس المقنع

اجتمع الأصدقاء، و«تختخ» صامت يفكر بعمق … وكان «عاطف» و«نوسة» قد حصلا على المعلومات المطلوبة عن سُمعة سكان القصر السابقين، وهي المهمة التي كُلفا بها … قال «عاطف»: سألنا بعض الجيران، والبقال والمكوجي … لقد ترك الأستاذ «بهجت» ثلاثة أبناء … هم «هدى» و«شاكر» و«فتحي» … أما «هدى» فهي متزوِّجة من مهندسٍ شابٍّ ناجح، وقد حضرت وحدها لسفره. والدكتور «شاكر» وهو طبيب يتمتَّع بسُمعة طيبة جدًّا … أما «فتحي» الابن الأصغر فليس له عمل مُعيَّن … إنه يقوم بصفقات تجارية وعمليات استيراد وتصدير … ولم يَنجح في مشروعاته … وتسبب في تبديد الثروة الكبيرة التي تركها والده … وكان آخرها القصر الذي أصر على بيعه.

كان «تختخ» يستمع باهتمام … فلما انتهى «عاطف» من تقديم تقريره قال «تختخ»: إنها معلومات هامة جدًّا … إننا نُريد أن نعرف كل شيء عن «فتحي» هذا … لقد كان يلبس ملابس الفارس المقنَّع ليلة الحفلة … وواضح من هذا أنه كان يُخفي وجهه … فلماذا اختار هذه الثياب بالذات؟ وماذا كانت تحركاته ليلة الحفلة؟

لوزة: وهناك أشياء أخرى … إنه هو الذي تسبب في تبديد ثروة والده … وهو الذي كان معه مفتاح الخزانة الذي زعم أنه ضاع، وهو الذي أصرَّ على بيع القصر.

محب: إن الشبهات تحيط به من كل جانب … لكن المشكلة أن أحدًا لم يدخل غرفة المكتب حيث توجد الخزانة إلا الأستاذ «مكرم» في ثياب المهرج … وثياب المهرج تختلف كثيرًا عن ثياب الفارس المقنَّع.

تختخ: لم نَقُل لكم بعد كل المعلومات التي حصلنا عليها … لقد سألنا عم «منصور»، وهو أقدم الشغالين في القصر … والذي كان يُراقب غرفة المكتب، هل دخل حجرة المكتب أي إنسان آخر عدا الأستاذ «مكرم»؟ فبدا عليه الاضطراب، وأظنُّ أنه يُخفي سرًّا ويحاول حماية إنسان ما.

نوسة: وهذا الإنسان هو «فتحي».

تختخ: نعم … أعتقد أن عم «منصور» شاهد «فتحي» وهو يدخل غرفة المكتب … لكنه لا يريد أن يقول هذا حتى لا يضعه موضع الاتهام.

عاطف: ربما كان عم «منصور» مشتركًا معه.

تختخ: لا أدري لماذا لا أظن هذا … إن عم «منصور» يبدو رجلًا طيبًا لا يُمكن أن يشترك في جريمة سرقة … لكنه ربما يريد أن يخفي ما حدث وفاءً لذكرى الأستاذ «بهجت» … إنه لا يريد أن يكون المتسبِّب في دخول «فتحي» السجن … لقد رباه صغيرًا … ورعاه شابًّا … إنه في منزلة ولده …

محب: ولكن هذه العواطف النبيلة شيء … ووقوع جريمة سرقة شيء آخر.

تختخ: طبعًا.

عاطف: إننا يَجب أن نُبلغ هذه المعلومات للمفتش «سامي» … حتى يستجوب عم «منصور» أولًا … فإذا اعترف بالحقيقة يَقبض على «فتحي»، وسوف يضطر إلى الاعتراف أيضًا أمام هذه الحقائق.

تختخ: هل يُمكن أن تأتي بالتليفون يا «لوزة»؟

لوزة: حالًا.

وأسرعت «لوزة» إلى داخل المنزل … وأحضرت التليفون … ووضعت «الفيشة» قريبًا منهم حيث يجلسون، وأمسك «تختخ» بسماعة التليفون ثم أدار رقم المفتِّش وسمعه الأصدقاء يتحدث.

قال «تختخ» للمفتش: إن عندنا معلومات هامة عن السرقة … نعم … نعم … نحن نحتاج إلى معونتك … إننا نركز شكوكنا في «فتحي» الابن الأصغر للمرحوم الأستاذ «بهجت» … نعم … علمنا أنه بدد ثروة والده في مشروعات غير ناجحة … وكان معه مفتاح الخزانة قبل بيع القصر بأيام قلائل … تمامًا … المفتاح الذي قال لنا الأستاذ «مكرم» إنه ضاع … نعم … لكن!

سكت «تختخ» قليلًا يستمع إلى المفتش ثم عاد يقول: لا … إن المهم أن نستجوب عم «منصور» … إنني أشك في أنه يُخفي بعض الحقائق عنا … نعم … هو الذي كان يُراقب حجرة المكتب … أرى أن تراقبوا «فتحي» من الآن حتى لا يُحاول الهرب … تمامًا كما تقول سيادتك، إنه قد يحاول الاستفادة من الأوراق التي كانت في الخزانة … الأوراق التي تخص الأستاذ «مكرم» وتتصل بتجارة السيارات.

وصمت «تختخ» مرة أخرى والأصدقاء جميعًا يُركزون أبصارهم عليه وهو يستمع.

وعاد «تختخ» إلى الحديث: أريد أن أحضر استجواب عم «منصور» … لقد بدا مُضطربًا عندما كنت أتحدث معه عن الذين دخلوا غرفة المكتب في أثناء الحفلة، وأعتقد أنه شاهد إنسانًا آخر يدخل غرفة المكتب غير الأستاذ «مكرم». ومرة ثالثة أخذ «تختخ» يستمع ثم قال: سأذهب إلى قسم الشرطة وأنتظرك هناك.

وعاد مرة رابعة إلى الصمت ثم قال: كما ترى … تستجوبه في القصر … هذا أفضل طبعًا … نُريده أن يقول لنا بالضبط ماذا شاهد … والأماكن التي تنقَّل فيها «فتحي» في أثناء الحفل … بعد ساعة في القصر … اتفقنا … إلى اللقاء!

ووضع «تختخ» السماعة ثم قال: سأذهب إلى مقابلة المفتش «سامي» في القصر بعد ساعة كما سمعتم … وسنلتقي في المساء.

وهكذا تفرق الأصدقاء، وبعد ساعة كان «تختخ» يقف أمام القصر في انتظار المفتِّش «سامي» الذي وصل في موعده تمامًا.

تحدث «تختخ» والمفتش لحظات قبل أن يدخلا القصر … ثم ضغط المفتش جرس الباب، وبعد فترة فتح أحد الشغالين الباب فقال له المفتش «سامي»: المفتش «سامي» مدير البحث الجنائي.

رد الرجل في أدب: إنني أعرفك يا سيدي … تفضَّل.

دخل المفتش وخلفه «تختخ» وجلسا في الصالون … وبعد لحظات أقبل الأستاذ «مكرم» فرحَّب بهما، فقال له المفتش: أرجو أن تسمح لنا بمقابلة عم «منصور» على انفراد؛ فلنا حديث معه.

وبعد أن شرب المفتش فنجان قهوة، وشرب «تختخ» زجاجة ليمون، أقبل عم «منصور» بوجهه الأسمر الطيب، وكان واضحًا أنه مُرتبك، لم يستطع أن يرفع عينيه إليهما مطلقًا.

قال المفتش: قال لي صديقي «توفيق» إنه التقى بك منذ نحو ساعتين ودار بينكما حديث لم يكتمل.

أحنى عم «منصور» رأسه بدون أن يجيب، فقال المفتش: أرجو أن أُنبِّهَك إلى أن إخفاء الحقائق في الجرائم يُعدُّ جريمة أيضًا، ومن الأفضل لك أن تقول كل شيء … كل شيء، ولا تخفي شيئًا!

قال عم «منصور» بصوت مضطرب: إنني لم أُخفِ شيئًا عنكم.

المفتش: إنكَ تُخفي معلومات على جانب كبير من الأهمية بالنسبة لنا، إنك تُحاول حماية إنسان لا يستحقُّ الحماية.

قال عم «منصور» بحزن: أرجوك يا سيدي أن تُقدِّر موقفي!

المفتش: إنني أقدِّر موقفك … لكن قدِّر أنت أيضًا موقفي. إن هناك جريمة ارتُكبت في هذا القصر … ومن واجبي أن أصِل إلى الفاعل … إلى اللص مهما كان … إن العدالة فوق كل شيء.

منصور: ماذا تريد أن تعرف؟

المفتش: أريد أن أعرف كل شيء حدث في الحفلة، كل شيء قد يتصل بحادث السرقة.

منصور: إني على استعداد للإجابة عن أي سؤال.

المفتش: هل كنت تراقب باب حجرة المكتب كما طلب منك الأستاذ «مكرم»؟

منصور: نعم.

المفتش: طول الوقت؟

منصور: تقريبًا … هناك طبعًا لحظات قصيرة لم أراقب فيها الباب لانشغالي بعمل، ولكن عمومًا كنت أراقب الباب طول الوقت.

المفتش: هل رأيت كل مَن دخل المكتب؟

منصور: طبعًا.

المفتش: من الذي دخل المكتب؟

منصور: الأستاذ «مكرم».

المفتش: وكيف عرفته وهو مُتنكِّر؟

منصور: لأنه الوحيد الذي كان يرتدي ثياب المهرج.

المفتش: ومن الذي دخل غير «مكرم»؟

تردد «منصور» قليلًا، فقال المفتش في صوت خشن: قل الحقيقة وبسرعة!

منصور: دخل شخصٌ يَرتدي ملابس الفارس المقنَّع.

المفتش: يعني «فتحي» ابن المرحوم «بهجت»!

منصور: لست متأكدًا؛ فقد كان هناك شخصان يرتديان ثياب الفارس المقنَّع.

المفتش: ألا تعرف «فتحي» من غيره؟

منصور: لم يكن في إمكاني أن أتأكد؛ فقد كنت أقف في طرف «الصالة» بعيدًا عن غرفة المكتب … ولم يكن الضوء أمام المكتب كافيًا لأُفرِّق بين هذا وذاك.

المفتش: وهل تتذكر متى دخل الفارس المقنَّع إلى غرفة المكتب؟

منصور: لقد دخل بعد أن دقت الساعة الكبيرة التاسعة. وقد دخل مباشرة بعد الأستاذ «مكرم».

المفتش: بعد أن دخل الأستاذ «مكرم»؟

منصور: نعم.

المفتش: كان الفارس المقنع والأستاذ «مكرم» معًا في الغرفة في وقت واحد؟

منصور: نعم … ألم يقل لكُم الأستاذ «مكرم» هذا؟

المفتش: هل أنت متأكِّد؟

منصور: طبعًا.

المفتش: شيء لا يصدق!

تختخ: هل يمكن يا عم «منصور» أن تروي لنا ما حدث في هذه اللحظة مرة أخرى؟

قال «منصور» وهو يتحرك من مكانه ليقف بعيدًا عنهما بحوالي مترين مشيرًا بيده إلى الأمام: كنت أقف هنا … ولاحظت أن الأستاذ «مكرم» وهو في ثياب المهرِّج يتجه من باب القصر إلى المكتب … ثم دخل بعده مباشرة الفارس المقنَّع، ودقَّ جرس التليفون في تلك اللحظة في الصالة، فأسرعتُ إليه لأرد … وكان المتحدث هو الأستاذ «مجدي» من الإسكندرية، وكان يريد التحدث مع الأستاذ «مكرم»، وهناك وصلة للتليفون في غرفة المكتب … فانتظرت لحظة والسماعة على أذني لعل الأستاذ «مكرم» يردُّ ما دام في غرفة المكتب … وبدا لي أنني سمعتُ فعلًا السماعة تُرفع … ولكن يبدو أنني كنت واهمًا؛ لأنني وجدت الأستاذ «مكرم» ينزل من الدور الثاني، فطلبت منه التحدث في التليفون … ويبدو أنه كان قد خرج من غرفة المكتب بدون أن أراه … وتحدث الأستاذ «مكرم» مع «مجدي» و«حافظ»؛ وهما الموظفان اللذان يعملان عنده في الإسكندرية … وفهمت أنهما وجدا المفتاح …

المفتش: ولماذا لم تُقدم هذه المعلومات لنا من قبل؟

منصور: لم يسألني أحد يا سيدي أولًا … وثانيًا كنت أتصور أن الأستاذ «مكرم» قد قال لكم ما حدث … وأن الفارس المقنع دخل بعده مباشرة … فلا بدَّ أنهما التقيا في المكتب … ثالثًا لم أكن أريد إلقاء شبهات على ابن سيدي المرحوم «بهجت».

تختخ: ألم يدخل أحد بين التاسعة ومنتصف الليل حجرة المكتب؟

منصور: لا يا أستاذ، مطلقًا.

المفتش: انصرف أنت يا عم «منصور».

ثم التفت المفتِّش إلى «تختخ» قائلًا: والآن ما رأيك يا «توفيق»؟

تختخ: رأيي أن هذه المعلومات على أكبر جانب من الأهمية … ولكنها بدلًا من أن تحل اللغز تزيده تعقيدًا.

المفتِّش: كيف؟

تختخ: أليس شيئًا غريبًا أن يخفي الأستاذ «مكرم» عنَّا لقاءه مع الفارس المقنع في غرفة المكتب؟! لقد أكد أكثر من مرة أن أحدًا غيره لم يدخل المكتب، ولكن هذا لم يكن صحيحًا.

المفتش: هل تقصد أن «مكرم» يُخفي شيئًا؟

تختخ: من المؤكد أنه يخفي أشياء … لهذا أقترح أن ننصرف الآن، ولا نقول ﻟ «مكرم» شيئًا حتى ندرس كل هذه المعلومات ونخرج منها بنتيجة.

أقبل «مكرم» في هذه اللحظة وقال: هل وصلتما إلى شيء؟

المفتش: حصلنا على بعض المعلومات … لكننا لم نُكوِّن فكرةً بَعدُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤