من هو المهرج الثاني؟

قامت «نوسة» بإعداد أكواب الليمون المثلَّج، وجلس الأصدقاء في دائرة يتحدثون، وقال «تختخ»: إن جميع المعلومات الخاصة بهذا اللغز العجيب أمامنا … فإذا لم نستطع حله … فلا يصحُّ أن نُسمِّي أنفسنا المغامرين الخمسة بعد ذلك.

لوزة: لقد سمعنا المعلومات على دفعات … نحن نريدك أن تلخص لنا القصة كلها، وكأنك كنت في الحفلة التنكُّرية.

نوسة: هذه فكرة ممتازة.

محب: فعلًا.

عاطف: أوافق.

تختخ: نحن في قصر الأستاذ «مكرم» … الساعة الآن السابعة، وقد استعدوا تمامًا لاستقبال ضيوفهم … صعد الأستاذ «مكرم» إلى الدور الثاني بعد أن اطمأن على الترتيبات … ارتدى ثياب المُهرِّج في السابعة والنصف … في الثامنة طلبت زوجته منه أن يأتي لها بمجوهراتها … اكتشف أنه فقد مفتاح الخزانة.

سكت «تختخ» لحظة ثم مضى يقول: اتصل بمنزله في الإسكندرية فلم يجد المفتاح … انشغل في استقبال الضيوف وعددهم ٤٣ ضيفًا … كان من الممكن أن نتُوه بينهم … ولكن شبهاتنا حصرت في بعضهم فقط … طلب الأستاذ «مكرم» من عم «منصور» أن يُراقِب غرفة المكتب … كان يخشى أن يكون أحد قد عثر على المفتاح، ويذهب إلى غرفة مكتبه ليسرق الخزانة … وكان هو وزوجته يراقبان أيضًا … ولكنهما كان ينشغلان أحيانًا بالضيوف.

وشرب «تختخ» بعض الليمونادة ثم قال: في التاسعة تقريبًا صعد الأستاذ «مكرم» إلى الدور الثاني ليتعاطى الدواء الذي اعتاد أن يأخذه في هذه الساعة كل ليلة، ولم يرَه «منصور» … لأن السلَّم خلفه … ولكن عم «منصور» شاهد رجلًا في ثياب المهرج يدخل غرفة المكتب، وهي بعيدة عنه، والضوء عندها خافت، فظنَّ أنه الأستاذ «مكرم»، ثم شاهد رجلًا يَرتدي ثياب الفارس المقنَّع يدخل غرفة المكتب خلف المهرج، ولم يستطع أن يتأكد أنه «فتحي» أو رجل آخر. وفي هذه اللحظة دق جرس التليفون، وكانت الساعة التاسعة تمامًا، فقد دقت الساعة الكبيرة دقاتها التسع … وانشغل عم «منصور» بالتليفون لحظات قليلة جدًّا، ثوانيَ فقط … وكان المتحدِّث من الإسكندرية هو «مجدي» الذي طلب أن يتكلم مع الأستاذ «مكرم»، وسمع عم «منصور» تكَّة خفيفة … ولما كانت هناك وصلة تليفون في المكتب فقد ظنَّ أن الأستاذ «مكرم» هو الذي رفع السماعة التي في غرفة المكتب … ولكنه وجد الأستاذ «مكرم» أمامه نازلًا من الدور الثاني، فسلَّمه سماعة التليفون، ليتحدث إلى «مجدي»، وفهم من المكالمة أن «مجدي» و«حافظ» قد عثرا على المفتاح في مكتب الأستاذ «مكرم» في الإسكندرية … هل هذا واضح؟

رد الأصدقاء: واضح جدًّا …

تختخ: وتحدث «مكرم» مع «مجدي» و«حافظ»، وقال «حافظ» إنه سيَحضُر ومعه المفتاح … وفي الساعة الحادية عشرة والنصف أو الثانية عشرة تقريبًا ظهر «حافظ» ومعه المفتاح، وسلمه للأستاذ «مكرم» الذي ذهب وفتح الخزانة فوجدها فارغة.

محب: هذه كل المعلومات.

تختخ: نعم … كل المعلومات … ولكن بقي أننا عرفنا أن الفارس المقنَّع كان «فتحي» الذي دخل خلف المهرج، ليتحدث معه على أنه «مكرم»، لكن لم يجده في الغرفة …

نوسة: إذن عندنا فارس مقنَّع واحد هو الذي يُهمُّنا … وعندنا مُهرِّجان.

تختخ: بالضبط.

لوزة: أحدهما هو الأستاذ «مكرم» والثاني لا نعرفه.

تختخ: تمامًا.

عاطف: هناك سؤال هام!

التفت الأصدقاء جميعًا إلى «عاطف» فقال: هل صدقنا أو لم نُصدِّق أن المفتاح قد ضاع من «فتحي»؟

لوزة: ماذا تقصد بالسؤال؟

عاطف: إذا كان المفتاح لم يَضِع، ودخل «فتحي» غرفة المكتب والمفتاح معه، فهو السارق قطعًا … وإذا كان المفتاح قد ضاع فعلًا … فلا شك أن المفتاح الآخر هو الذي فتح الخزانة.

لوزة: ولكن المفتاح الآخر كان في الإسكندرية.

عاطف: ليس هناك حل ثالث … لأن الخزانة كما قال رجال الشرطة فُتحت بمفتاحها الأصلي، لا بمفتاح مزيَّف … وما دام المفتاح كان بالإسكندرية، فلا بد أن «فتحي» كذب عندما ادعى أن المفتاح قد ضاع … وهو الذي سرق الخزانة.

تختخ: الحل الصحيح لهذه المشكلة أن نتتبَّع المفتاحين، وعندنا كل المعلومات اللازمة، وما دامت الخزانة فُتحت بمفتاحها الأصلي، فلا بد أن أحد المفتاحين هو الذي فتحها. أحد المفتاحين كان مع «حافظ» و«مجدي» بالإسكندرية، والثاني كان مع «فتحي» في القاهرة … وعلينا أن ننقسم إلى فريقين؛ فريق يسير خلف المفتاح الأول الذي مع «فتحي»، وفريق خلف المفتاح الذي كان بالإسكندرية مع «حافظ» و«مجدي» … فمن منكم يحبُّ أن يسافر إلى الإسكندرية … ومن يبقى في القاهرة؟

محب: أستطيع أن أسافر إذا بقيت «نوسة» في القاهرة.

نوسة: سافر أنت يا «محب» وسأبقى هنا.

عاطف: للأسف لا أستطيع أن أسافر.

لوزة: ولا أنا.

تختخ: سأسافر مع «محب» وسأتَّصل بكم من هناك … فإذا حصل أحد الفريقين على معلومات يبلغ الآخر … متى تستعد يا «محب» للسفر؟

محب: بعدَ ساعة.

تختخ: بعد ساعة نلتقي على المحطة.

وافترق الأصدقاء، وبعد ساعة كان «تختخ» و«محب» يركبان قطار المعادي إلى محطة باب اللوق، ومنها إلى محطة باب الحديد … ولما لم يجدا قطارًا في موعد مناسب، استقلا سيارة مع ثلاثة آخرين … وبعد دقائق كانت قد تجاوزت حدود القاهرة، وانطلقت على الطريق الزراعي إلى الإسكندرية. كانت السيارة من طراز «مرسيدس» قوية ومريحة … وكان «تختخ» و«محب» يجلسان بجانب سائقها الشاب، وسرعان ما تعرَّفا به، فقال لهما إن اسمه «وجيه»، وهذه السيارة ملكه، وقد اشتراها من معرض سيارات «مكرم» بالإسكندرية.

كانت مصادقة طيبة أن يجدا مادةً للحديث مع السائق عن «مكرم»، فقال لهما «وجيه»: إن «مكرم» تاجر شاطر … لا يُتاجر إلا في السيارات الجديدة … ويبيع بالنقد والتقسيط.

تختخ: وهل تعرف «مجدي» و«حافظ» اللذَين يعملان عنده؟

وجيه: بالطبع أعرفهما … فهما يعملان عند الأستاذ «مكرم» منذ زمن بعيد.

تختخ: وما رأيك فيهما؟

وجيه: لماذا؟

تختخ: مجرد سؤال.

وفي هذه اللحظة انحرفت السيارة انحرافًا شديدًا، وأخذ «وجيه» يُحرِّك يدَيه وقدميه سريعًا لتفادي حمارٍ ظهر في الطريق فجأة … وعندما تمكَّن من تفاديه أخذ يسبُّ ويلعن، فلم يجد «تختخ» فرصة لسؤاله مرةً أخرى. ومضت السيارة تشقُّ طريقها بسرعة … و«تختخ» يبحث عن أسلوبٍ مُناسِب لفتح الحديث مع «وجيه» حتى أخذت السيارة تزيد من سرعتها تدريجيًّا … ونظر «تختخ» إلى عداد السرعة فوجد المؤشر على رقم «٩٠» فقال ﻟ «وجيه»: أليست هذه سرعة كبيرة على هذا الطريق المزدحم؟

وجيه: ليس في إمكان كل سائق أن يسوق بهذه السرعة، ولكن وقتي ثمين، فلا بد من العودة إلى القاهرة مرةً أخرى.

تختخ: ما هو متوسِّط الوقت الذي تقطع فيه السيارة المسافة بين الإسكندرية والقاهرة؟

وجيه: إذا كانت السيارة حديثة وقوية والسائق متمرنًا ويقظًا، فإنه يستطيع أن يقطع المسافة في فترة بين ساعتين ونصف ساعة وثلاث ساعات.

تختخ: ومَن مِن السائقين يستطيع أن يختصرَ هذه المدة؟

وجيه: كان على هذا الخط عدد من السائقين المشهورين بسرعتهم الفائقة، حتى إنهم كانوا يقطعون المسافة في مدة ساعتين تقريبًا؛ أي بسرعة ١١٠ كيلومترات في المتوسط … وكان من أشهرهم «حافظ» الذي يَعمل عند الأستاذ «مكرم».

تختخ: هل كان يعمل في الأصل سائقًا؟

وجيه: نعم؛ وعندما اعتزل هذه المهنة، اشتغل عند الأستاذ «مكرم» سائقًا لتجربة السيارات التي يشتريها وموظَّفًا في وكالة السيارات التي يملكها «مكرم» في الوقت نفسه.

وغاص «تختخ» في تفكير عميق … وساد الصمت السيارة وهي تمضي في طريقها مقتربة من الإسكندرية. وعندما دخلت السيارة المدينة التي ازدحمت بالمصيفين قال «وجيه»: هل تعرفان مكان معرض «مكرم»؟

تختخ: لا، ولكنِّي أظن أنه قريب من محطة الرمل.

وجيه: إذا كنتما ذاهبين إليه فسوف أوصلكُما قريبًا منه.

تختخ: لسنا في الواقع ذاهبَين إلى هناك تمامًا، ولكن شكرًا لك إذا دلَلتنا عليه.

واقتربت السيارة من مكان المعرض، فقال «تختخ»: يكفي هذا … سوف ننزل هنا، وأكرر شكرنا.

توقفت السيارة، ونزل الصديقان يحمل كل منهما حقيبة ثيابه الصغيرة.

قال «محب»: ما هي خُطتك يا «تختخ»؟

تختخ: لا أدري، فلم أفكر في شيء بعد … وسنذهب الآن إلى شقتنا في سيدي جابر حيث والدي ووالدتي، لنَغتسِل من السفر ثم نفكر فيما سنفعل.

واستقلا الترام ذا الطابقين، وصعدا إلى الطابق الثاني، وأشار «محب» إلى معرض فخم للسيارات، له واجهة زجاجية كبيرة، وقال: هذا هو معرض «مكرم»، اسمه مكتوب عليه.

نظر «تختخ» إلى المعرض بتأمُّل عميق، عن حين أخذ الترام يتحرك بعد أن امتلأ بالركاب، ومضي في طريقه، وغابت محطة الرمل بزحامها الشديد عن عيونهما.

قال «تختخ» ﻟ «محب»: هل سمعتَ ما قاله «وجيه» من أن «حافظ» يجيد قيادة السيارات؟! ألم يوحِ لك هذا بفكرة مُعيَّنة؟

محب: هل تفكر أنه استطاع أن يقود سيارة إلى القاهرة، ويقوم بالسرقة ويعود؟! إن هذا مستحيل؛ لسبب بسيط أنه كان يتحدث تلفونيًّا إلى «مكرم» من الإسكندرية هو و«مجدي» ومعه المفتاح، كيف استطاع أن يكون في مكانَين في وقت واحد؟

تختخ: هذا هو السؤال، وكيف يُمكن لإنسان واحد أن يكون في مكانَين في وقت واحد؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤