ذكريات قديمة

رحب والد «تختخ» ووالدته بالصديقين ترحيبًا حارًّا؛ فقد كان حضورهما مفاجأة.

قال الوالد: سنتغدى جميعًا في نادي اليخت، فهو يُقدِّم سمكًا طازجًا ممتازًا.

قال «تختخ»: ولكنَّنا لن نذهب معكما … سنلحق بكما هناك.

الأب: لماذا؟

تختخ: إننا سنقوم بجولة في المدينة … فهناك عمل نريد أن ننتهي منه.

ابتسم الوالد قائلًا: عمل خاص بالألغاز؟

رد «تختخ» بابتسامة مُماثلة قائلًا: نعم … إنها مشكلة خاصة بوجودِ إنسان في مكانَين مختلفين في وقت واحد … وبخاصة أن المسافة بين المكانين ٢٥٠ كيلومترًا تقريبًا!

الوالد: حتى لو كانت المسافة مترًا واحدًا … فالإنسان لا يوجد في وقت واحد … إلا في مكان واحد.

تختخ: إننا نُريد أن نثبت المستحيل.

الوالد: لن تستطيعا ذلك مطلقًا.

تختخ: وإذا استطعنا!

الوالد: سيكون ذلك حدثًا عالَميًّا … بل إنني سأشك في معلوماتي عن الحياة كلها إذا صح هذا.

تختخ: إذن ستَسمح لنا بالذهاب للبحث.

الوالد: طبعًا … إنها مسألة مثيرة جدًّا.

تختخ: هذه أول مرة أراك مُتحمِّسًا فيها لحل لغز.

الوالد: إنه ليس لغزًا … إنه المستحيل.

تدخلت الوالدة في الحديث قائلة: في النهاية سيكون هذا كله مجرَّد تخريف.

تختخ: سنرى … هيا بنا يا «محب».

وانطلق الصديقان عائدين إلى محطة الرمل، وعندما اقتربا من معرض «مكرم» توقف «تختخ» وأمسك بذراع «محب» قائلًا: أريد أن أرى «حافظ» هذا بدون أن يرانا. أريد أن أتأمَّله لحظات!

محب: لماذا؟

تختخ: لا أدري … عندي إحساس أنه شخص غريب!

محب: من الفضاء الخارجي مثلًا؟!

تختخ: لا أقصد هذا … إني أحسُّ أنه مفتاح اللغز.

محب: إنني أميل إلى اعتبار «فتحي» هو اللص … لقد كانت كلُّ الظروف مهيأة له للسرقة … المفتاح الذي زعم أنه ضاع … وملابس الفارس المقنَّع … ودخوله المكتب.

تختخ: على العكس … إنني أعدُّ كل هذا دليل براءته … هل تظن أن إنسانًا يريد أن يسرق شيئًا يفعل هذا أمام ٥٠ مدعوًّا إلى الحفل؟!

محب: إذا كان عنده من الجرأة والدهاء ما يكفي.

تختخ: ربما … على كل حال تعالَ نبحث عن «حافظ» هذا أو «مجدي».

واقتربا من معرض السيارات، ثم وقفا أمام الواجهة الزجاجية يتأملان السيارات الفاخرة تقف ساكنة في انتظار المشتري.

قال «محب»: إنها مجموعة رائعة من السيارات … أحلم في يوم ما أن تكون عندي سيارة منها … هذه المرسيدس مثلًا.

تختخ: لك أن تحلم … ولكن المهم أن تعمل وتكسب لتحقق حلمك … إن الأحلام بدون عمل إضاعة للوقت.

محب: هل ترى الشخص الذي يَجلس على كرسي هناك عند الباب ويَشرب الشاي؟ إنه يجلس أمام المعرض، ولعله «حافظ» أو «مجدي».

التفت «تختخ» إلى حيث أشار «محب»، وفجأةً أمسك بذراع «محب» بقوة قائلًا: «محب» … «محب» مستحيل!

دهش «محب» وأخذ يشدُّ يدَه التي آلمتْه قائلًا: ما هو المستحيل؟ إنك تعيش في المستحيلات هذه الأيام.

تختخ: ألا تذكر هذا الرجل؟

محب: لم أرَه من قبل في حياتي.

تختخ: إن ذاكرتك ضعيفة.

محب: دعْني أتذكر … هذا الوجه فعلًا ليس غريبًا عليَّ.

تختخ: إنه «عوض» … «عوض» … الذي اختطف «هدى» … في مغامرتنا «لغز الألغاز»!

محب: تمامًا في المغامرة رقم «٦»!

تختخ: لقد تغيَّرت ملامحه قليلًا … فقد حلق شاربه.

محب: وهل هذا يعني شيئًا بالنسبة لك؟

تختخ: إنه يعني الكثير … فإذا كان «عوض» … يعمل في معرض «مكرم» فلا بد أنه هرَب من السجن، وغيَّر اسمه إلى «مجدي» أو «حافظ».

محب: وماذا نفعل الآن؟

تختخ: لا أدري بالضبط … لكن لعلَّه لا يتذكرنا … تعال ندخل المعرض وكأننا نتفرج على السيارات، ولنرَ ما سيحدث … وحاول أن تُخفيَ وجهك.

واتجه الصديقان إلى الباب … فالتفت إليهما الرجل الجالس في دهشة … فليس من المعتاد أن يدخل الأولاد معارض سيارات، ولكنه لم يهتَمَّ كثيرًا … وبخاصة أنه لم يتبين ملامحهما.

كان أحد الفراشين يقوم بتنظيف إحدى السيارات، فاقترب منه «تختخ» قائلًا: هل الأستاذ «حافظ» أو الأستاذ «مجدي» هنا؟

قال الرجل: الأستاذ «مجدي» في المكتب، والأستاذ «حافظ» يَجلس أمام الباب … هل هناك خدمة أؤديها لكما؟

تختخ: لا، أبدًا … إننا نسأل فقط.

وفجأةً وجَدا «حافظ» يتجه إليهما، وقد وضع يديه في جيبي بنطلونه، وأخذ ينظر إليهما في تأمُّل وضيق …

وأحسَّ الصديقان بالاضطراب … ماذا يحدث في اللحظات التالية؟

قال «حافظ» بصوتٍ خَشِن: هل هناك أي خدمة؟

ردَّ «تختخ» بثبات: إننا أقارب الأستاذ «مكرم»، وقد جئنا نسأل عنه.

أخذ «حافظ» يتأملهما في عمق، وكأنه يتذكَّر شيئًا، ثم قال: ألم أركما من قبل؟

ابتسم «تختخ» ابتسامة مُصطَنعة قائلًا: لعلك رأيتنا عند الأستاذ «مكرم» في قصره بالمعادي.

حافظ: ربما … لكن لا، لقد رأيتكما قبل ذلك.

حاول «تختخ» أن يقطع حبل الاستجواب هذا، فقال: هل الأستاذ «مكرم» هنا؟

رد «حافظ» وقد بدَت في عينيه نظرة غريبة: لا، ليس هنا.

تختخ: سنعود إذن في وقت آخر.

ثم سحب «محب» من ذراعه خارجَين … لكن «حافظ» سار خلفهما … همس «تختخ» في أذن «محب»: تظاهر بالثبات ولا تُسرع في المشي.

وسار الصديقان في بطء … وزيادة في التظاهر أخذا يعاودان النظر إلى السيارات حتى وصلا إلى الباب الخارجي، وفي تلك اللحظة سمعا «حافظ» يقول: اسمع أنت … ولكن «تختخ» جذب «محب» وأسرعا يختفيان في الزحام.

بعد لحظات قال «تختخ»: تعالَ نَعُد.

محب: نعود إلى أين؟

تختخ: إلى معرض السيارات.

محب: هل أنت مجنون؟ … من الواضح أن «حافظ» اشتبه فينا.

تختخ: تعالَ … لا بد أن نراقب «حافظ» إذا لم يكن قد اختفى إلى الأبد!

عاد الصديقان مسرعَين إلى المعرض، وقبل أن يصلا بأمتار قليلة فوجئا بسيارة خضراء تخرج من المعرض مسرعة، وكان في مقعد القيادة «حافظ» وبجواره رجل آخر.

تقدم «تختخ» مسرعًا إلى السيارة فاندفعت إليه وكادت تدهمه … ولكنه استطاع في آخر لحظة أن يقفز على الرصيف وقبل أن يُدرك ما حدث … كانت السيارة قد شقت طريقها وسط الزحام مسرعة برغم صيحات المارة.

أسرع «محب» بانزعاج إلى «تختخ» … قائلًا: هل أصبت؟

تختخ: لا، لم أصَب!

محب: لقد كادت السيارة أن تدهمك!

تختخ: إنه «حافظ» … لقد تذكرنا وأدرك أنَّ المغامرين الخمسة خلفه!

محب: وماذا نفعل؟

تختخ: لا أدري … نتَّصل بالمفتش «سامي» … هل لاحظت ماركة السيارة؟

ابتسم «محب» قائلًا: طبعًا … ماركة شيفروليه، وأرقامها ٦٥٢ ملاكي الإسكندرية.

قال «تختخ»: إنك ولد رائع.

ثم التفت إلى إشارة المرور، كانت السيارة الشيفروليه الخضراء قد حجزت في الإشارة فصاح «تختخ»: هيا يا «محب»، فرصتنا الوحيدة!

وقبل أن يفيق «محب» كان «تختخ» يشده بسرعة إلى حيث تقف سيارة «وجيه» قريبة منهما، وكان «وجيه» قد انتهى من تنظيف السيارة ويهمُّ بركوبِها، فقال له «تختخ» مسرعًا: لك مكافأة ضخمة إذا استطعت أن تلحق بالسيارة الشيفروليه التي تقف في الإشارة هناك.

وجيه: لماذا؟

قال «تختخ» وهو يقفز إلى السيارة وخلفه «محب»: لا وقت للأسئلة … هيا!

عندما وصلت المرسيدس إلى الإشارة كان شرطيُّ المرور قد أدار الإشارة فأعطت اللون الأخضر وانطلقت السيارات، وقال «تختخ» ﻟ «وجيه»: مطلوب منك أن تُثبت براعتك في قيادة السيارات … إن أمامنا أحسن سائق في مصر كما قلت لي.

وجيه: من؟

تختخ: «حافظ» …

وجيه: «حافظ السيد» الذي يعمل عند «مكرم»؟

تختخ: هذا ليس اسمه الأصلي … إنه مُجرِم فارٌّ من العدالة، وقد سرق مؤخرًا ثروة ضخمة … وصاحبها لن يَتردَّد في أن يعطيك مكافأة كبيرة إذا استطعنا القبض عليه.

وجيه: نقبض عليه … مَن أنتما؟

تختخ: إننا لن نقبض عليه بأنفسنا طبعًا … ولكن سنطلب المساعدة من الشرطة.

محب: ولكن يا «تختخ» نحن لم نحلَّ اللغز بعدُ … فكيف تُثبت أن «حافظ» كان في الإسكندرية والمعادي في نفس الوقت؟!

تختخ: إنني أفكر … ألم أقل لكم إننا لا بد أن نُفكِّر … ونفكر … إن الحل قريب جدًّا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤