تمهيد

تأمُّل في مصادر الإلهام

استهوتني مسألةُ السَّفر عبْر الزمن منذ بدأتُ القراءة؛ كنت سأقول منذ بدأتُ القراءة عن الخيال العلمي، لكنَّ بعض ذكرياتِ قراءاتي الأولى تتمحور حول جول فيرن (عشرون ألف فرسخ تحت الماء) وإتش جي ويلز (آلة الزمن)، تَبِعهما سريعًا أيُّ شيء وكلُّ شيء بقلم آرثر سي كلارك وإسحاق أسيموف، مع جرعاتٍ شهرية من مجلة «أستوندينج»١ تحت رئاسة جون دبليو كامبل للتحرير، وذلك قبل فترة طويلة من تحوُّلها لتصبح باسم «أنالوج». ولعل أحدَ الأشياء العظيمة بشأن مجلة «أستوندينج» أنَّ كل إصدار منها كان يحوي مقالًا واقعيًّا، يصف اكتشافاتٍ علميةً حقيقية من النوع الذي يروق محبي الخيال العلمي. وكان فيرن وويلز وكلارك وأسيموف بالطبع كتَّابًا يُضمِّنون جرعة صحيَّة من العِلم الحقيقي في قصصهم. وقد أصبحوا — إلى جانب مجلة «أستوندينج» — مصادرَ إلهامي الشخصية؛ الإلهام الذي استوحيته في مسيرتي في الكتابة عن العِلم الذي يبدو في بعض الأحيان كالخيال، و(في نهاية المطاف) الخيال المبني على العلم؛ ولعل أحدَ أبرز اللحظات في مسيرتي كان حين نُشِرت لي أول قصة في مجلة «أنالوج»، مع أنَّ كامبل حينها لم يَعُد بيننا.
figure
غلاف مجلة أستوندينج

بيني بابليكيشنز/ديل ماجازينز

figure
أورانيا

سيبيا تايمز/جيتي

على امتدادِ مسيرتي المهنية، لطالما عُدتُ إلى موضوعات الزمن والسفر عبْر الزمن، وتبدو لي فكرةً حسنةً أن أجمع الخيوطَ معًا في نسيجٍ واحد. هذه ليست مجموعة موضوعات معادة الطبع، بل إعادة صياغة لأبرز النقاط الأساسية، التي قد يكون بعضها مألوفًا لك وقد يفاجئك بعضها الآخر، مع إضافةِ مواد وتحديثات جديدة. ويحدوني الأملُ في أن يكون هذا الكتاب في مجموعه أفضلَ من أجزائه، وقد استمتعت بكتابته بقدرِ ما استمتعت برؤية أولى قصصي القصيرة منشورةً في مجلة «أنالوج».

وقد أمدَّتني فكرة مصادر إلهامي الشخصية الخمسة بنمطٍ لهذا المشروع. فقد ذكَّرتني بِربَّات الإلهام التسع من اليونان القديم: كليو، ويوتيربي، وتاليا، وميلبوميني، وتيربسيكوري، وإراتو، وبوليمنيا، وأورانيا، وكاليوبي. لقد كن الربَّات اللائي جسَّدن العلومَ والأدب والفنون؛ وإن كانت إحداهنَّ تطل من فوق كتفي، فلا بد أنها كانت أورانيا، مبتكِرة عِلم الفلك وملهِمة الكتابات الفلكية.

لكن ربَّات الإلهام هؤلاء كن — أو ما زِلن — متعدِّدات المواهب. فقد ابتكرت اثنتان منهنَّ نظريةَ التعلُّم، وابتكرت ثلاثٌ الذبذبات الموسيقية، وابتكرت أربعٌ منهنَّ اللهجاتِ الأربع لليونان القديم، وابتكرت خمسٌ منهنَّ الحواس البشرية الخمس. لا بد أنك لاحظت أن مجموع كلِّ هذا بالفعل يساوي أكثرَ من تسعة؛ فلكلِّ ربةِ إلهام عدةُ أدوار تضطلع بها. والواقع أنه لا يزال هناك المزيد من الأدوار؛ إذ ابتكر سبعٌ منهنَّ أوتار القيثارة السبعة، ومناطقَ القبة السماوية السَّبع، والكواكب السَّبعة المعروفة لدى القدماء، والحروف المتحركة السبعة في الأبجدية اليونانية. وتقديرًا لهن، ولأنني لم أستطِع تضمينَ كلِّ شيء في خمسة تصورات، وزَّعت تصوراتي حول الزمن، وبالأخص السفرُ عبر الزمن على تسعة موضوعات أساسية؛ تسعة تصورات عن الزمن.

جون جريبين، أبريل ٢٠٢٢

هوامش

(١) خلال تاريخها الطويل، ظهرت مجلة «أستوندينج» بأسماءٍ عديدة مختلِفة وأطول، لكنها دائمًا ما كانت تحوي كلمة «أستوندينج» إلى جوارِ بقية الاسم، وذلك قبل تحوُّلها إلى اسم «أنالوج» في عام ١٩٦٠. ومراعاةً للتبسيط سأشير إليها دائمًا باسمها المختصَر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤