منديل الشاويش «علي»

استيقظت «لوزة» مبكرةً جدًّا. كان «عاطف» شقيقها ما زال نائمًا، فنظرت إلى المنبه الصغير، واستطاعت أن تعرف الساعة. كانت السادسة والنصف صباحًا. ما زال الوقت مبكرًا على موعد لقائهما مع بقية الأصدقاء، للخروج إلى نزهةٍ طول النهار في الحقول.

وأخذت «لوزة» تفكر: لقد مضى جزءٌ كبير من الإجازة دون أن يجدوا لغزًا واحدًا يحُلُّونه، ولا مغامرةً مثيرةً يدخلون فيها … هي وبقية الأصدقاء الخمسة الذين يسمُّون أنفسهم المغامرين الخمسة؛ «مُحب» وشقيقته «نوسة»، وهي وشقيقها «عاطف»، ثم رئيس المغامرين الخمسة «تختخ» وكلبه الأسود الجميل «زنجر». لقد استطاعوا حتى الآن أن يحُلُّوا ستة ألغاز صعبة قبل أن يحُلَّها الشاويش «علي»، الذي يطلقون عليه اسم «فرقع»؛ لأنه كلما رآهم صاح بهم: فرقعوا من هنا.

نظرتْ «لوزة» إلى المنبه مرةً أخرى. لم تمضِ سوى خمس دقائق فقط. ولكنها لن تبقى في الفراش أكثر من هذا. فقامتْ بهدوء، ورفعَت الستائر، ووقفَت تنظر إلى الشارع الساكن.

فجأةً أحسَّت «لوزة» بمن يضع يديه على عينيها، فأدركت أن «عاطف» قد استيقظ، فقالت بهدوء: صباح الخير … لقد استيقظتُ قبلك بمدةٍ طويلة.

ولكنها أدركت أنها مُخطئة؛ فقد كانت اليدان أكبر من يدَيْ «عاطف». من يكون أو من تكون إذن؟ وقبل أن تواصل التفكير سمعت صوتًا رقيقًا يقول لها: صباح الخير يا «لوزة».

كان صوت «سوسن» قريبتهم، وكانت «لوزة» تحبُّها جدًّا، فالتفتت إليها واحتضنتها.

قالت «سوسن»: لقد أعددت لكما كل مستلزمات الرحلة؛ السندوتشات … وزجاجات الماء… والفاكهة … وكل شيء.

واستيقظ «عاطف» على الأصوات التي ملأت الغرفة، فنزل الجميع للاغتسال والإفطار.

وفي الثامنة والنصف، كان «عاطف» و«لوزة» يقفان في حديقة منزلهما في انتظار حضور «مُحب» و«نوسة»، ثم يتجه الجميع بعد ذلك لمقابلة «تختخ» في منزله، وكانت «سوسن» تقف معهما، في حين كانت الست «فتنة» الشغَّالة تقف بباب المطبخ وهي تنقي كميةً من الأرز للغداء.

لم تكن «سوسن» تضحك كعادتها … بل كانت حزينةً تحاول التغلُّب على حزنها بالكلام، ولكن «لوزة» كانت تُحس أن «سوسن» على غير عادتها، فقالت «لوزة» في نفسها: لعلها تذكرت موت أمها منذ شهرين، إذ لم يعد لها أحد … فقد مات أبوها أيضًا … وكانت تعيش مع قريبةٍ لها حتى استدعتها «أم عاطف» لتقيم معهم بعض الوقت، وحتى تجد عملًا آخر غير العمل الذي فقدته منذ شهور.

كانت «لوزة» مستغرقةً في أفكارها، عندما ظهر «مُحب» وأخته «نوسة» على دراجتيهما، فنسيت «لوزة» كل شيء، وأسرعت لاستقبالهما.

صاح «مُحب»: صباح الخير … هل كل شيء جاهز؟

ورد «عاطف» و«لوزة» في نَفَسٍ واحد: نحن على استعداد.

والْتقى الأصدقاء الأربعة، واستعدوا للاتجاه إلى منزل «تختخ»، ولكن في هذه اللحظة حدثت عدة أشياء.

فقد ظهر الشاويش «فرقع» … فجأةً على دراجته في أول الشارع. ورآه الأصدقاء متجهًا إليهم، فتعلَّقت أبصارهم به، وفعلًا أخذ الشاويش يقترب من منزل «عاطف» في هدوء … وفجأةً وقبل أن يصل إلى باب الحديقة، ظهر ولدٌ أصفر الشعر يرتدي ملابس «بوسطجي»، ويسير بدراجته بسرعةٍ كبيرة متجهًا إليهم أيضًا … وظل الولد الأصفر الشعر يتقدَّم مسرعًا، وهو يلوِّح بورقةٍ في يده، وكان ينظر إليهم مباشرة، فلم يرَ الشاويش الذي كان يسير في نفس الاتجاه، فاصطدم به وسقط الاثنان على الأرض.

لم تكن الصدمة قوية، فلم تحدث إصابات، ووقف الولد بسرعة، وكأن لم يحدث شيء … ثم اتجه ناحية الأولاد وصاح: تلغراف للأستاذ «عاطف» … ودُهش «عاطف» عندما سمع الصيحة، فلم يسبق له أن تلقى أي تلغراف في حياته.

وبينما كان «عاطف» يقرأ التلغراف، كان الشاويش «فرقع» قد وقف وأخذ يسب ويلعن، متجهًا إلى الولد ليمسك به، ولكن قبل أن يتمكَّن، كان الولد قد ركب دراجته وطار.

أخذ الشاويش يقذف بشتائمه خلف الولد، في حين كان «عاطف» يقرأ التلغراف الذي وصله … وكان من «تختخ».

وكان «تختخ» يقول لهم: آسف … لن أستطيع أن أخرج معكم … فقد سافرت فجأةً إلى مدينة «تيبي لولو» بالطائرة. أتمنَّى لكم يومًا سعيدًا.

لم يصدِّق الأصدقاء عيونهم … ما معنى هذه البرقية؟ ومتى سافر «تختخ»؟ وكيف سافر بالطائرة فجأة؟ وأين هي مدينة «تيبي لولو» هذه! ولماذا يرسل برقية؟

أمضى الأصدقاء فترةً يتحدثون، وقد نسوا الشاويش «فرقع»، وما حدث له، ثم اتفقوا على أن يذهبوا إلى منزل «تختخ» لحل هذا اللغز العجيب.

وانطلق الأربعة مسرعين على دراجاتهم إلى منزل «تختخ»، فاستقبلهم الكلب «زنجر» بسيلٍ من النباح السعيد. ولمَّا استقبلتهم «أم تختخ»، وسمعت قصة البرقية وسفر «تختخ» المفاجئ … بالطائرة … إلى «تيبي لولو»؛ أصابتها دهشة شديدة وقالت: ما هذا كله؟! لقد كان «تختخ» هنا حتى أمس، ولكني لم أرًه اليوم، ولعله ما زال في فراشه … هذه حكايةٌ مضحكة! بالطائرة …! شيءٌ غريب.

ولكن «تختخ» لم يكن في المنزل … لا في فراشه، ولا في أي مكانٍ آخر … ووقف الجميع في حيرةٍ من أمرهم، ثم قرَّروا أن يلغوا رحلتهم، ويعودوا إلى منازلهم … وخرجوا إلى الطريق، وقبل أن يركبوا دراجاتهم، شاهدوا الولد الأصفر الشعر طائرًا بدراجته متجهًا إليهم.

قال «مُحب»: تعالَوا نمسك بهذا الولد … لعله يفسِّر لنا سر هذه البرقية.

وفعلًا … وقف الأصدقاء الأربعة في صفٍّ واحد يعترضون طريق الولد، ولكنه لم يكن في حاجةٍ إلى من يوقفه؛ فقد وقف أمامهم، ثم نزل من على دراجته، واتجه إليهم في هدوء. وفي هذه اللحظة انطلق «زنجر» نابحًا، وأخذ يدور حول الولد في فرحٍ شديد فصاحت «لوزة»: «تختخ» … «تختخ»، إنه «تختخ» وليس البوسطجي … وفعلًا، رد الولد ضاحكًا: لماذا تقفون هكذا؟! هل هذا كل ما يستطيع المغامرون عمله أمام لغزٍ صغير؟ … إن «لوزة» وحدها هي التي تستحق لقب المغامر … أمَّا أنتم فأحسن تسمية لكم هي المغفلون الثلاثة … هيا ندخل المنزل.

وبسرعة نزع «تختخ» أدوات التنكُّر … الشعر الأصفر … والأسنان الزائفة، ومسح وجهه بمنديله، ثم خلع ثياب رجل البريد التي كان يلبسها … فظهر «تختخ» الحقيقي.

قال «تختخ» موضحًا موقفه للأصدقاء: لقد فكرت أن نبدأ اليوم بدايةً مثيرة، وقرَّرت أن أمتحن قدرتكم على حل الألغاز بعد أن قضينا فترةً طويلةً دون أن نحلَّ لغزًا واحدًا … وللأسف لقد وجدت أنكم نسيتم كل شيء … المهم الآن … هيا بنا نقوم برحلتنا، فقد تأخرنا نحو ساعة.

وانطلقت الدراجات الخمس تحمل الأصدقاء في طريقهم إلى قضاء نزهتهم، في حين كان «زنجر» يجلس في سلته الطرية خلف «تختخ».

كان يومًا من أيام الصيف الجميلة، لم تشتدَّ حرارته، فقضى الأصدقاء نزهةً لطيفة، استمتعوا فيها بأنواعٍ مختلفة من اللعب. فلمَّا أقبل العصر، جلسوا تحت شجرةٍ يتبادلون الأحاديث فقالت «لوزة»: لقد نسينا الشاويش «فرقع» تمامًا … ولم نسأل أنفسنا: لماذا كان حضوره هذا الصباح إلى شارعنا؟

نوسة: صحيح، لم نفكر في هذا الحدث الهام.

عاطف: ربما حضر لسببٍ تافه، أو لشكوى من أحد الجيران.

ولم يعلِّق «تختخ» بشيء، ولكنه قال: على كل حال، عندما نعود قد تتضح المسألة.

وعندما مالت الشمس إلى الغروب، ركب الأصدقاء دراجاتهم، وأخذوا يبحثون عن «زنجر» الذي كان مشغولًا بالجري بين الحشائش مطاردًا الفيران وغيرها من حيوانات الحقول.

ووصل الأصدقاء إلى «المعادي» فتفرَّقوا، كل إلى منزله بعد أن اتفقوا على الالتقاء في الصباح التالي بمنزل «عاطف» كالمعتاد.

عندما وصلت «لوزة» إلى منزلها، كان أهم ما فكرت فيه أن تقابل «سوسن» لتحكي لها قصة اليوم الجميل الذي قضوه في الريف، ولكن «سوسن» لم تكن موجودة … ظنت «لوزة» أنها خرجت هنا أو هناك، ولكن أقبل الليل ولم تعد «سوسن»، فسألت «لوزة» والدتها: أين «سوسن» يا ماما، إنني لم أرها منذ عدت؟

قالت الأم في ضيق: لقد حان وقت نومك، فهيا اذهبي إلى فراشك.

لوزة: ولكن «سوسن» يا ماما؟

الأم: لا داعي لمزيدٍ من الأسئلة عنها، لقد حان وقت نومك.

ولفت انتباه «عاطف» هذا الحوار بين أمه وأخته حول «سوسن»، فأشار إلى «لوزة» أن تسكت، ثم انصرفا معًا في طريقهما إلى غرفة النوم.

قالت «لوزة» هامسة: ما هي المسألة يا «عاطف»؟ أين «سوسن»؟ إنني أحس أن مكروهًا قد وقع لها … فماذا تظن؟

قال «عاطف» مفكرًا: لا أدري، تعالَي نسأل الست «فتنة»، لعلها تقول لنا.

وتسلَّل «عاطف» و«لوزة» إلى المطبخ حيث كانت الست «فتنة» تحاول قراءة إحدى المجلات القديمة، فقالت لها «لوزة» متلطفة: أرجو أن تجدي شيئًا مسليًا في هذه المجلة، يا ست «فتنة».

الْتفتت «فتنة» إليها ونظرت من خلف نظارتها السميكة قائلة: لم تعد هناك أشياء مسلية هذه الأيام … ولكن ما سبب حضوركما إلى المطبخ؟

رد «عاطف»: لقد جئنا نسألك عن «سوسن»، إننا لم نرها في غرفة الصالون، فتصوَّرنا أنها قد تكون هنا معك.

هزت الست «فتنة» رأسها قائلة: لا تسألوني إنني لا أعرف شيئًا، ولست سوى شغَّالة هنا، ولا دخل لي في شيء، ثم عادت إلى قراءة مجلتها.

خرج «عاطف» … و«لوزة» وقد أحسا أن شيئًا غير عادي يحدث في البيت. وفجأةً قالت «لوزة» بصوتٍ يرتجف: «عاطف» … إنني أشعر أن شيئًا سيئًا قد حدث ﻟ «سوسن» … ولعل حضور الشاويش إلى شارعنا في الصباح له صلة بهذا الموضوع … إنني خائفة … خائفة … وسالت دموع «لوزة» فأسرع «عاطف» إليها قائلًا: ما هذا يا «لوزة»؟! لماذا تبكين وليس لدينا أية معلومات عن أي شيء؟ … على كل حال … تعالَي نتسلَّل إلى غرفتها لعلها موجودة هناك، وسنعرف ماذا حدث.

وتسلَّل «عاطف» و«لوزة» إلى غرفة «سوسن»، وكان واضحًا من النظرة الأولى إلى الغرفة أنها ليست موجودة، وأنها غادرت البيت؛ فقد كان دولابها خاليًا من ملابسها، وقد اختفت الحقائب التي أحضرتها معها.

أحس الشقيقان أن «سوسن» قد غادرت البيت لأسبابٍ يجب ألا يعرفاها، كما هو واضحٌ من حديث أمهما، وحديث «فتنة». وأخذت «لوزة» تنظر حولها في حزن، وقد امتلأ قلبها بالهم، وعيناها بالدموع.

وفجأةً قالت «لوزة» وهي تنحني تحت أحد الكراسي: ما هذا؟ ثم مدت يدها وأمسكت بشيء. رفعته إلى فوق فشاهدا معًا منديلًا أصفر كبير الحجم.

قالت «لوزة»: هذا منديل … ولكنه من نوعٍ غريب … إنني لم أرَ منديلًا مثل هذا من قبل …

قرَّب «عاطف» المنديل … إلى أنفه ثم قال: أظن أنني أعرف صاحب هذا المنديل!

سألت «لوزة» في لهفة: من هو يا «عاطف»؟ وهل له صلةٌ باختفاء «سوسن» المفاجئ؟

رد «عاطف»: هذا منديل الشاويش «فرقع» في الغالب. أمَّا صلته باختفاء «سوسن»، فهذا ما ستكشف عنه تحريات المغامرين الخمسة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤