العجوز كوني

جرَت وقائعُ هذه القصة في قريةٍ صغيرة في مالي تُدعَى سيجو، حيث كان هناك منذ حوالي ألف سنة امرأةٌ عجوز تُدعى كوني، تسكن مع حفيدتها في كوخٍ صغيرٍ على أطراف القرية، وتعيشان على الكَفاف. واعتاد بعض أهل القرية لسنواتٍ طويلة مساعدتَها، فكانوا يأتون إليها من وقتٍ إلى آخر وهم يحملون الطعام والهدايا. ومع مرور الزمن لم يَعُد يجد هؤلاء الوقتَ الكافيَ لديهم للقيام بذلك؛ لانشغالهم بحياتهم الخاصة، حتى إنهم لم يعودوا يُفكرون فيها بتاتًا. لكنَّ كوني كانت تُفكر فيهم طوال الوقت.

وبدون مساعدةٍ من القرويين، صارت كوني عنيفةً في طباعها وتصرفاتها. وقرَّرَت أنه إذا كان يتعيَّن عليها أن تُعاني من الجوع الشديد، وأن تعيش في حضيض الفقر والبؤس وهي في أرذل العمر، فعندئذٍ يتعيَّن على كل أهل القرية أن يُعانوا مثلها أيضًا.

لم يكن أهل القرية يعلمون أن العجوز كوني تملك قدراتٍ سحريةً خارقة قد تجلب عليهم المصائب في يومٍ ما. وفي أحد الأيام عند شروق الشمس، وقفَت أمام باب الكوخ وأخذت تمدُّ ذِراعَيها نحو الشمس. قالت مُتجهةً إلى السماء: «دعيهم جميعًا يعرفون ألمَ الجوع! لا أمطار فوق قرية سيجو. دعي الزرع يذبل ويموت وهو في الحقول. دعيهم يعرفون معنى الخوف أيضًا.» في هذه اللحظة ظهر أمامها كالشبح ثورٌ كبيرٌ يضرب بحوافره الأرضَ بقوة. وقامت المرأة العجوز على الفور بتقمُّص روح هذا الثور وأصبحت بذلك مجسَّدةً على شكل ثورٍ كبير، وعلى شكل امرأةٍ عجوز في أرذل العمر في الوقت نفسِه، استمرَّت في العيش مع حفيدتها في الكوخ. وهكذا أخذت العجوز كوني، في هيئة ثورٍ كبير متوحش، تجوب في أطراف الغابة المجاورة للقرية، تُهاجم وتقتل الصيادين أينما وجدَتهم.

وسرعان ما بدأ أهل القرية يشعرون بالجوع. وامتدَّت شهور الجفاف من بضعة أسابيعَ إلى شهور؛ ذبل الزرع في الحقول. ومما زاد الأمر سوءًا أن الصيادين الذين اعتادوا أن يتفرَّقوا في أرجاء الغابة بحثًا عن الطرائد لم يعودوا يتجرَّءون على القيام بذلك. وروى هؤلاء الصيادون الناجون رؤيتهم لثورٍ كبيرٍ متوحشٍ لم يتمكَّنوا من قتله؛ لأن جميع السهام التي كانوا يُطلقونها عليه كانت ترتدُّ بسبب جِلدِه السميك وتسقط على الأرض. ومع استمرار أيام الجفاف بسبب انقطاع المطر ووجودِ هذا الثور المتوحش في الغابة، تفاقمَت أحوال أهل القرية، وبدَءوا يشعرون باليأس الشديد. فهُرِعوا إلى زعيم قرية سيجو يلتمسون العون. فقام زعيمُ القرية على الفور بإرسال طلبات الاستغاثة إلى زعماء القرى الأخرى المجاورة.

وفي طرفٍ قصيٍّ في قريةٍ مجاورة كان يعيش هناك شقيقان؛ كيراما وشقيقه الأصغر كانكيجان. سمعا بطلبات الاستغاثة، فقرَّرا المجيء إلى القرية لمساعدة أهلها بقدْر ما يستطيعان.

فقال لهما والدهما وهما يُودِّعانه للسفر: «يا ولدَيَّ، احذرا. أنتما تسعيان لتقديم يد العون في مشكلةٍ غير طبيعية. لقد يبس الزرعُ في حقول قرية سيجو لانحباس المطر عنها، بينما كان يهطل بغزارة في الوقت نفسِه فوق باقي القرى المُحيطة بها. وهناك أيضًا ثورٌ مُتوحش، لم نسمع من قبلُ بوجود مثلِه في أي مكانٍ آخر، يجوب الغابةَ المجاورة للقرية، ويقوم بقتل الصيادين. تذكَّرا كلامي يا ولدَيَّ. لقد أصاب قريةَ سيجو لعنةُ ساحرٍ أو ما شابه، وإذا كنتما تُريدان الذَّهاب إلى هناك فيجب عليكما أولًا وقبل كل شيء أن تأتيا الكاهنَ سامبو الذي يمتلك قدراتٍ سحرية خارقة، ويستطيع بالتأكيد مساعدتَكما فيما تعتزمان القيام به.»

ذهب الأخَوان لرؤية الكاهن سامبو الذي أخرج على الفور الصينيةَ المقدَّسة التي يستخدمها لمعرفة الغيب وقراءة المستقبل. ثم التفتَ نحو الأخَوَين وهو يقول لهما: «هذه رحلة محفوفة بالمخاطر؛ يُمكن قتلُ الثور المتوحش ولكن ليس بهذه السهام العادية التي في جعبتكما، أو بنَصبِ الفِخاخ، أو بأي أعمالٍ شُجاعة قد تقومان بها في مواجهته. سوف تنجحان في مهمتكما إذا قُمتُما بمراعاة واحترام الآخَرين. وإذا نجحتما في هذه المهمة فسوف يُقدِّم لكما أهلُ القرية فتاةً للزواج كجائزةٍ لقاء عملكما هذا. قد تكون هذه الفتاة فقيرةً وعاديةَ المظهر، وتستطيعان أن تُحضراها معكما لأتخذها زوجةً لي؛ لقاءَ العمل الذي قدَّمتُه لكما.»

شكر الأخوان كيراما وكانكيجان الكاهنَ سامبو، وانطلقا على الفور نحو قرية سيجو. وعندما اقتربا من أطراف القرية، مرَّا بامرأةٍ عجوز تحمل فوق رأسها كومةً من الحطب.

فقال لها كيراما: «دعيني أساعدك يا جدتي، وأحمل عنك هذا الحطب.»

كانت هذه المرأة العجوز هي كوني. وقد عرَفَت بقدراتها السحرية أن هذَين الشابَّين قد جاءا إلى القرية بغرَض قتل الثور المتوحش في الغابة المجاورة.

فقالت: «لا عليكما. أستطيع أن أتدبر أمري بمفردي.»

وأجابها كانكيجان برفقٍ ولين: «بالطبع تستطيعين ذلك، ولكننا نسير على نفس الطريق، ولن نجد صعوبةً في أن نحمل عنكِ ما تحملين. إضافةً إلى ذلك، ليس من المناسب على الإطلاق أن تقوم امرأة في عُمرك بعملٍ شاق في جمعِ الحطب ونقله، وسوف أتقاسم الحطبَ مع أخي الصغير كي يَسهُل علينا حمله.»

فقالت العجوز وهي تُمسك بكومةٍ صغيرة من الحطب بين كفَّيها وتتوجَّه به نحو الكوخ الذي تعيش فيه: «لا وقتَ لديَّ للحديث معكما؛ يتعين على البعض منا أن يعمل بشكلٍ دائم.»

وقام الأخوان بحمل الحطب والسير وراءها وهي تتوجَّه نحو الكوخ، ووضعا ما كانا يحملان بالقُرب من باب الكوخ.

فقالت لهما بجفاءٍ واضح: «لم أطلب منكما القيامَ بذلك. أنتما تستطيعان القيام بعملٍ أفضل من هذا بكل تأكيد.»

وقال كيراما: «هناك عملٌ آخر يا جدتي نعتزم القيام به.» وانطلقا يُتابعان سيرهما على طول الطريق المؤدي إلى وسط القرية.

وكان في استقبالهما عندما وصلا الساحةَ زعيمُ قرية سيجو الذي رحَّب بهما بحرارة، وأقام على شرفهما وليمةً للترحيب بهما (لم يستجب الكثير من زعماء الممالك المجاورة لطلبات الاستغاثة التي أرسلها إليهم!) ومن المعلوم أنه في تلك الأيام، كان لبعض قِطَع اللحم من أعضاء الذبيحة أهميةٌ خاصة؛ حيث كان يُخصَّص لكل فردٍ من أفراد الأسرة قطعٌ مُحددة منها؛ كالصدر والفخذ على سبيل المثال. كانت الوليمة عبارةً عن طبقٍ كبيرٍ من الأرز المفلفل طيب المذاق، مُغطًّى بكمية من الدجاج المشوي. وقام الأخَوان بانتقاء الصدر والفخذ من طبق الوليمة الكبير مع كميةٍ من الأرز، بالإضافة إلى بعض الحليب وكميةٍ من جوز الكولا، وتوجَّها بكل ذلك نحو كوخ المرأة العجوز.

وعندما وصلا إلى الكوخ وجداها في الخارج حاملةً دلوًا من الماء.

فقال لها كانكيجان: «جدتي. لقد أحضرنا لك بعضًا من وليمة الدجاج التي أقامها لنا زعيمُ القرية في داره مساء اليوم. أرجو أن تستمتعي بتناول هذا الطعام بينما يقوم أخي بإيصال دلوِ الماء إلى داخل الكوخ.»

فقالت كوني: «توقَّف عن مُناداتي بهذا الاسم؛ أنا لستُ جَدَّتَك ولا أعرفك حتى. وإن كنتَ كما أرى قد أحضرتَ لي صدْر الدجاجة الذي يُخصَّص عادة للجدة، كما أحضرتَ لي فَخذ دجاجة يُخصَّص عادة للأخت، فما أنا لك بأختٍ ولا بجَدة.»

لكن التقاليد كانت تقتضي قَبول اللحم المُقدَّم كهدية، حتى ولو كان من الأعداء. ولذلك قبلت كوني ما جاء به الأخَوان إليها. وبينما كان كيراما ينقل دلوَ الماء إلى داخل الكوخ، قال لها كانكيجان: «لقد أحضرنا إليكِ أيضًا بعض الحليب؛ لتصنعي منه القليل من الجُبن الطازج، وبعض جوز الكولا أيضًا.»

فقالت مُتذمِّرة: «أنت تُفكر في كل شيء، أليس كذلك؟» لكنها شربت الحليبَ ووضعت ثمار جوز الكولا في جيبها لإعطائها لحفيدتها.

واظبَ الأخَوان بعد ذلك على زيارة كوني، وكانا يُحضران معهما هدايا في كل مرة؛ فواكه، وجوز، وحليب، وغير ذلك. وتوقفَت كوني بعد ذلك عن التذمُّر منهما بعدما أصرَّا على مساعدتها في تنظيف الكوخ والأعمال الأخرى التي يتعيَّن عليها القيامُ بها في كل الأحوال. وفي اليوم الخامس، ذهبَت كوني لزيارة الشقيقَين، وتحدثوا طويلًا حتى ساعةٍ متأخرة من الليل بدأ خلالها الأخَوان يشعران بوجود جانبٍ سحري غامض في شخصية المرأة العجوز. وعندما حان وقتُ مغادرتها، كانت الظلمة قد هبطت على طرقات القرية ممَّا حملَهما على الإصرار على إيصالها إلى كوخها في أقصى القرية.

وعندما وصلت إلى باب الكوخ التفتت إليهما وقالت بصوتٍ قوي: «أعلم مَن أنتما ولماذا جئتما إلى هنا، ولكنكما لا تعرفان مَن أنا. لقد أتيتما لقتل الثور في الغابة، ولكن الذي لا تعرفانه هو أنني أنا هذا الثور. لقد تخلَّى عني أهل القرية وتركوني وحيدةً لأتدبَّر أمري وأُؤمِّنَ قوت يومي، وأنا امرأة عجوز لم أعُد قادرةً على زراعة ما أحتاجه من طعام، أو على اصطياد السمك! كان من السهل بالنسبة لهم نسيان عجوزٍ مُتعَبة وحفيدتها. الآن أصبحوا يُعانون مثلي ويعرفون ألمَ الجوع ومعنى الخوف!»

توقفَت العجوز لبُرهةٍ من الزمن، ثم قالت: «هناك شيء هام يتعين عليَّ أن أُخبركما به، ولكن يتعين علينا أولًا أن نُغادر القرية إلى الغابة. في هذه الأيام يجب أن تتمَّ مناقشةُ أي معلومةٍ هامة في الأدغال خارجَ حدود القرية حيث تكون الأرض حيادية لا يملكها أحد.» وهكذا ذهبوا جميعًا إلى هناك، وأضافت: «سأُخبركما كيف تستطيعان قتل الثور لأنكما تعاملتُما معي بكل الاحترام الذي يستحقُّه أمثالي. لقد تخلَّى عنِّي جميعُ أهل القرية وتركوني أعيش حياةً بلا كرامة؛ أجمع الفُتات، وأُواجه مصاعبَ الحياة بمفردي وأنا في أرذل العُمر. ولذلك أصبح كلُّ همي أن يموتوا جميعًا. ولكنني الآن مُستعدَّة للموت بعدما أظهرتُما تجاهي كلَّ هذا الاحترام الذي أستحقُّه. وقبل أن أُخبركما كيف تقتلان هذا الثور أُريد منكما أن تَعِداني بالاهتمام بحفيدتي مِن بعدي. اهتمَّا بها كما لو كانت أحدَ أفراد أسرتكما.»

وقال الأخوان بصوتٍ واحد: «نعم، نُوافق على ذلك.»

فأجابت: «حسنًا، غدًا عند شروق الشمس توجَّها نحو الدَّرب الجنوبي حتى تتجاوَزا حدود القرية حيث ستجدان صفًّا من الأشجار في بستانٍ على الطرف الأيمن في سهول السافانا. وستجدان بعد ذلك صفًّا آخرَ أيضًا من الأشجار في بستانٍ على الطرف الأيمن نفسِه، ويُوجَد وراءه نبعُ ماءٍ أذهب إليه كلَّ يومٍ لأشربَ منه وأحملَ منه حاجتي إلى الكوخ. كونا هناك في الوقت المُحدَّد، وتمَوْضعا وراء أقرب شجرةٍ للنبع، وكونا حذِرَين إذ يجب عليكما أولًا أن تغمسا رءوس سِهامكما في مزيجٍ من مسحوق ثمار جوز الكولا، وبعضٍ من روَث الحيوانات، وماء الأرز، وخذا معكما هذه العصا، وقوما بتوجيهها نحوي ثلاثَ مرَّاتٍ قبل أن تُطلقوا سهامكما. وإذا لم تقوما بتوجيهها نحوي ثلاث مرات، أو إذا لم تقوما قبل ذلك بغمس سهامكما كما قلتُ لكما، فلن تتمكَّنا من قتلي، وسيكون الوقت المناسب لإطلاق سهامكما عندما أشرب الماء من النبع.» وما إن انتهت العجوز من قول ذلك حتى استدارت عائدةً إلى بيتها.

وعاد الأخَوان أيضًا إلى بيتهما. وفي الطريق سأل كانكيجان شقيقه الأكبر: «هل يُمكن أن يكون ذلك صحيحًا؟»

وقال كيراما: «وماذا لو كان ذلك مجردَ خدعة للإيقاع بنا؟ نحن نعلم أن هناك جانبًا غامضًا في شخصية هذه العجوز؛ فإرسالنا إلى الثور بهذه الطريقة يعني إرسالنا لنلقى حتفنا. سنكون حمقى لو قُمنا بذلك.»

وقال كانكيجان: «لكن الكاهن سامبو قال لنا إننا لن نتمكَّن من قتل الثور إذا استخدَمْنا سِهامنا العادية، والجميع قالوا لنا إن هذه السهام غيرُ فعَّالة في كل الأحوال بسبب سَماكة جلد الثور. وفي الوقت نفسِه وطيلة فترة وجودنا هنا لم يتقدَّم إلينا أحد بأي أفكارٍ أو نصائحَ حول الوسيلة المُثْلى لقتل الثور؛ ولذلك دعْنا نتبع نصيحتها كما قالتها لنا بالضبط.»

وفي صباح اليوم التالي، وقبل الفجر بقليل، أعدَّ الأخَوان مزيجًا من جوز الكولا وروث الحيوانات وماء الأرز وقاما بغمس السهام فيه، ثم نهضا وسارا على الدَّرب الجنوبي حتى تجاوَزا البُستان الأول على الطرف الأيمن نفسِه من سهول السافانا، لِيَصلا بعدَها إلى البستان الثاني ويتسلَّقا إحدى الأشجار الموجودة فيه، القريبة جدًّا من نبع الماء. وما إن بدأت الشمس في الشروق حتى ظهر أمامَهما ثور كبير أسودُ اللون بقرونٍ فِضية وهو يسير نحوَ نبع الماء ويبدأ في الشرب من حافته. أخذ كانكيجان — وهو يعلم تمامًا أنه إذا لم تتكلَّل هذه الخُطة بالنجاح فإن صوت السهام المتوجهة نحو الثور سوف يكشف مكانهما في أعلى الشجرة بكل تأكيد — يتصوَّر العجوز وهي تُقدِّم لهما النصيحة بكل صدقٍ وإخلاص، وقام بإطلاق سهمه بكل قوةٍ ليسقط مِن بعدها الثور على الأرض وهو يُطلِق خُوارًا مُرعبًا.

هل يُمكن أن يحدُث هذا؟ انتظر الأخَوان وقتًا طويلًا ليتأكَّدا من موت الثور، وقاما بعدها بالنزول عن الشجرة. شعر الأخوان بفرحٍ شديد لتمكُّنِهما من قتل الثور الذي روَّع أهل القرية ومنعهم من الصيد لفترةٍ طويلة، وعمد كانكيجان إلى قطع ذيل الثور قبل أن يعود مع أخيه إلى القرية.

وما إن وصلا ساحة القرية حتى توجَّها مباشرة نحو كوخ زعيم القرية وقدَّما له ذيل الثور كإثباتٍ يُؤكد موت الثور المتوحش. وبينما كانا يُحدِّثانه عن تفاصيل المهمة التي قاما بها بنجاح، هطل المطرُ فجأةً بغزارةٍ فوق القرية. وفي الوقت الذي غادرا فيه كوخ زعيم القرية كان المطر لا يزال يهطل مدرارًا فوق بيوت القرية وحقولها.

أصبح الأخَوان الشابَّان بطَلَين شهيرَين في قرية سيجو، وكما كانت عليه العادة، أقام زعيمُ القرية حفلًا كبيرًا بمناسبة هذا النصر المؤزَّر. وسأل الأخوان عمَّا يُريدان كمكافأةٍ لهما لقاءَ هذا العمل البطولي الذي قاما به؛ مما أنقذ القريةَ وأهلها من هلاكٍ مُحقَّق. تذكر الأخَوان في هذه اللحظة وعدَهُما للكاهن؛ فقال كيراما: «يُوجَد في أقصى القرية امرأة عجوز تعيش مع حفيدتها؛ نريد هذه الفتاة كمكافأةٍ لنا.»

وقال زعيم القرية: «هل تقصدان حفيدة المرأة العجوز التي تُوفِّيت منذ قليل؟» إنها ليست مكافأةً مناسبة لأبطالٍ مثلكما؛ فهي تعيش في كوخ رثٍّ وتلبس الأسمالَ البالية. يُوجَد في قريتنا الكثيرُ من الفتيات الجميلات بشُعورٍ سوداءَ طويلة وجميلة، وذوات حسبٍ ونسَب. ويُشرفنا أن نُقدم لكما واحدةً من هذه الفتيات عوضًا عنها.»

تذكر الأخوان وعدَهما للعجوز كوني فقالا مرةً ثانية: «لا، شكرًا لكما. هذه الفتاة هي ما نريد.»

وهكذا وجد زعيم القرية نفسه مُضطرًّا إلى تقديم حفيدةِ كوني كمكافأةٍ لهما. كانت في الواقع في حالة يُرثى لها كما قال عنها، وقام الأخَوان بتمكينها من الاستحمام، وقدَّما لها الثياب الجديدة، وعادا بها إلى الكاهن سامبو الذي أُعجب بها وأُعجبت به كثيرًا، وتزوَّجا بعدها في اليوم التالي.

عاش الكاهن وزوجته الشابة في سعادةٍ أبدية بعد أن رزقهما الله الكثيرَ من الأولاد والأحفاد، أصبح أحدُهم الإمبراطور كيتا سوندياتا، المحارب الأسطوري الذي وحَّد مالي في القرن الثالث عشر، وجعل منها إمبراطورية كبيرة مرهوبةَ الجانب في غرب أفريقيا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤