الفصل الثالث

توجيه الإساءة وتلقِّيها

تكررت في السنوات الأخيرة عبارة أن حرية الكلام لا تكون حرية كلام حقيقية إلا إذا روعيت المسئولية في استخدامها. يدَّعي بعض الكُتاب أن توجيه الإساءة لا ينبغي أن يحميه مبدأ حرية الكلام، بعبارة أخرى، عندما يُقدِم أحد الأشخاص عمدًا (أو حتى دون قصد) على الإساءة إلى فرد أو جماعة، فليس له أن يحاول الاختباء وراء ستار حرية الكلام، بل ينبغي أن يكون الإنسان مهذبًا ويحترم مشاعر الآخرين. يرى النقاد أن هذا الرأي ينكر ببساطة أيَّ مبدأ لحرية الكلام؛ فأساس مبدأ حرية الكلام أنه يحمي مجموعة كبيرة من أنواع التعبير، وهي مجموعة من الآراء أكبر بكثير مما قد يرغب أي عاقل في قبولها، يعني هذا حماية حرية الكلام للذين نعتبر آراءهم مسيئة للغاية، ومثيرة للغضب، والذين نختلف معهم أشد الاختلاف، فحرية الكلام حق للمتعصبين، وهي أيضًا حق للمفكرين الليبراليين المهذبين، فلا يوجد سبب واضح لاستحقاق مبدأ ما اسمه «حرية الكلام» إذا كان يحمي آراء من نتفق معهم فقط.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الانشغال بالرقابة الذاتية لمنع توجيه الإساءة للآخرين قد يعني الخضوع لما يُعرف أحيانًا باسم «حق إسكات المعارضين»، وهو فكرة أنه في حال وجود احتمال بشعور شخص من جمهورك المحتمل بالإساءة مما تقول، لا ينبغي السماح لك بقوله، أو على الأقل ينبغي أن يكون لديك من اللياقة ما يمنعك من قوله، ما مدى منطقية هذه الفكرة؟

كما رأينا، كان جون ستيوارت مِل واضحًا بشأن كون التحريض على العنف هو المرحلة التي يكون فيها التدخل لقمع حرية الكلام مناسبًا، فلا تمثل الإساءة المجردة سببًا كافيًا للتدخل، ولا ينبغي منعها بواسطة قانون أو تهديدات أو ضغط اجتماعي. أشار مِل إلى أن الكلام المسيء ربما تترتب عليه آثار واسعة النطاق، ربما يستشيط الناس غضبًا من سماع بعض الآراء بشأن أمور يعتزون بها، وعادةً ما يكون الدين مصدر هذا الغضب، في مثال مشابه استخدمه مِل، يتساءل هل يحق — في دولة إسلامية — للأغلبية الدينية التي تستاء من معرفة تناول البعض للحم الخنزير منع غير المسلمين من تناوله؟ وجاء رده على هذا التساؤل أنه ما دام تناول لحم الخنزير فعلًا شخصيًّا لا يسبب ضررًا لأحد (على الرغم من رؤية البعض أنه يؤذي الخنزير)، فلا يحق للدولة التدخل، ولا ينبغي أيضًا منع الأفراد من اتخاذ هذا القرار الغذائي بواسطة الضغط الاجتماعي أو التهديدات الضمنية أو الفعلية من الأغلبية. من الواضح أن تناول لحم الخنزير ليس مثالًا على كلام أو حتى تعبير، ومِل لا يناقش هذا الموضوع علنيًّا، لكن ماذا سيكون رأي مِل مثلًا بشأن حرية شخص ما في كتابة مقال يؤيد تناول لحم الخنزير في صحيفة تُباع في مثل هذه الدولة؟ أرى من الواضح أنه كان سيدافع عن حرية هذا الشخص في التعبير عن مثل هذه الآراء، بالرغم من طبيعتها المسيئة للعديد من القراء؛ للأسباب نفسها المذكورة في الفصل السابق.

(١) التجديف

عندما شرعت في تأليف هذا الكتاب، كان التجديف ضد المسيحية (وليس ضد الأديان الأخرى) في إنجلترا وويلز — جريمةً يعاقب عليها القانون العام رسميًّا، أُلغيت هذه العقوبة فقط في شهر يونيو من عام ٢٠٠٨، والواقع أن القانون كان أكثر تحديدًا من مجرد حماية المسيحية بوجه عام؛ فكان يُطبَّق فحسب على الكنيسة الرسمية للدولة، وهي الكنيسة الإنجليزية، بموجب هذا القانون لم يكن يُنظر إلى التعليقات التشهيرية بحق أحد جوانب العقيدة المعمدانية — مثلًا — على أنها تجديفية إلا عند وجود هذا المعتقد لدى الأنجليكان، ونتيجة لهذا القانون يمكن مقاضاة مسلم لإدلائه بتعليقات تزدري أشياء أو أفكارًا مقدسة لدى الكنيسة الإنجليزية، في حين تكون لفرد في الكنيسة الإنجليزية كل الحرية — أمام القانون — في الإدلاء بتعليقات مشابهة تزدري أشياء أو أفكارًا مقدسة في الإسلام، أدى هذا التفاوت إلى ظهور المناقشات حول ضرورة توسيع نطاق قوانين التجديف الحالية حتى تتوقف عن تمييزها ضد أنصار أديان معينة، ربما يزيد هذا من القيود المفروضة على حرية الكلام بدرجة كبيرة، لكنه سيحقق الاتساق على حساب حرية الكلام.

ينظر معظم أنصار حرية الكلام إلى قوانين التجديف على أنها أثر تاريخي ينتمي إلى عصر قديم، ولا تتناسب مع مجتمع علماني إلى حد بعيد. يشير مؤيدو حظر التجديف في العصر الحالي إلى أنه بسبب كون الدين أهم شيء يعتز به الفرد، فلا بد أن يحظى بحماية خاصة ضد أي إساءة لفظية من أي نوع، كان الموقف في بريطانيا معقدًا بسبب الدور الدستوري للكنيسة الإنجليزية. تقوم فكرة التشريع المضاد للتجديف على حماية الأفراد من تعرض الآراء التي يعتزون بها للدحض بأسلوب يرونه مسيئًا، إضافة إلى ذلك، يعتقد بعض أنصار مثل هذه القوانين أنها تحقق هدفًا عمليًّا، يتمثل في منع الأنشطة التي تهدف إلى تدمير نسيج المجتمع.

رُفعت واحدة من أنجح قضايا الإدانة القليلة بموجب قوانين التجديف في المملكة المتحدة على مدار الأعوام الخمسين الماضية في عام ١٩٧٧ من قبل الناشطة ماري وايتهاوس ضد دينيس ليمون — رئيس تحرير مجلة «جاي نيوز» — بسبب نشره قصيدة «الحب الذي يجرؤ أن يعلن اسمه» لجيمس كيركب، في هذه القصيدة يمارس أحد قادة الرومان المائة الجنس الفموي مع المسيح بعد صلبه مباشرةً، ويقذف المني في جروحه، وأخيرًا يولج المسيح قضيبه فيه بعد نهوضه، يشير القائد الروماني أيضًا إلى ممارسة المسيح الجنس من قبل مع كل الحواريين الاثني عشر، تعبر القصيدة في الأساس عن خيال مثلي، ونُشرت في مجلة موجهة على وجه الخصوص للقراء الشواذ، تمثلت حجة وايتهاوس في أن تصوير المسيح على هذا النحو مسيء للغاية للمسيحيين، لذا ينبغي حشد قوة القانون كلها ضده، كانت القصيدة «تشهيرًا تجديفيًّا» وتسيء إلى المسيح، أصدرت المحاكم حكمًا بالسجن تسعة أشهر مع إيقاف التنفيذ على ليمون وغرامة قدرها ٥٠٠ جنيه استرليني، ودَفَع ناشر مجلة «جاي نيوز» غرامة أخرى قدرها ١٠٠٠ جنيه استرليني، وأقر الحكم مجلس اللوردات في الاستئناف، كانت هذه حالة من الحظر القانوني لعمل كتابي بسبب إساءته على وجه الخصوص لمجموعة بعينها تحظى بحماية القانون، بالرغم من هذا الحكم، فإن القراءة العلنية للقصيدة في لندن عام ٢٠٠٢ من قبل بعض الإنسانيين — منهم جورج ميلي وبيتر تاتشيل — كنوع من التحدي لم تستوجب المساءلة، كتب بيتر تاتشيل وقتها يقول:

لِمَ يحصل الدين المسيحي على حماية مميزة ضد النقد والمعارضة؟ لا تتمتع أي مؤسسة أخرى بمثل هذه السلطات الكاسحة لقمع التعبير عن الآراء والأفكار، باسم حرية الكلام، والحق في الاحتجاج، وحرية الفن، ينبغي أن تُلغى تهمة التجديف.

وقد تحققت الآن أمنية تاتشيل.

من المحتمل أن ينتهك أي قانون للتجديف الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. تنص المادة (١٠) من الاتفاقية على أن «لكل شخص الحق في حرية التعبير». إنه حق مشروط، وقد يُتجاهل بواسطة القرارات التي تؤخذ لمصلحة بعض الأمور، مثل الأمن القومي ومنع الفوضى أو الجريمة وحماية سمعة أحد الأفراد، واعتبارات أخرى مماثلة، لكن لا بد من تحقيق التوازن بين المادة (١٠) والمادة (٩) التي تنص على أن «لكل شخص الحق في حرية الفكر والضمير والدين». تجسد هاتان المادتان اعترافًا بأن حرية الفرد في التعبير عن نفسه وحريته في اختيار واعتناق دينه دون تدخل من الآخرين (ويشمل هذا صراحةً حرية الفرد في تغيير دينه)، تمثلان قيمًا مهمة في المجتمع الأوروبي المعاصر، يرى المؤمنون أن أنواع التعبير التي يُرجح إدانتها بموجب قوانين التجديف هي الأنواع التي يرون أنها تقيد حريتهم في اتباع دين معين (أو معتقد راسخ) دون تدخل. من ناحية أخرى، ربما يُفهم أيُّ تهديد باحتمال مقاضاة التصريحات المناهضة لأحد الأديان على أنه تقييد واضح لحرية التعبير، وكلما زادت الأديان المحمية من مثل هذا التعبير، زاد حجم القيود. تكمن المشكلة في تحديد حجم الأهمية التي نعطيها للاعتبارات المذكورة في المادتين (٩) و(١٠) في حالات معينة، فربما تتعارض أهمية حرية الدين والعقيدة مع أهمية حرية الكلام، ولا يوجد حل مباشر محتمل دون إعطاء إحداهما أولوية على الأخرى، بالإضافة إلى ذلك، فإن ما يشغل الكثيرين ليس مجرد الاحتمال البعيد بنجاح الدعاوى المرفوعة بمقتضى قوانين التجديف، بل إمكانية تشجيع وجود مثل هذا القانون الناشرين والمنتجين على ممارسة الرقابة الذاتية.

السؤال الأساسي هو: هل يوجد أي أساس منطقي لقانون التجديف، لا سيما في مجتمع يتألف من أشخاص يتفاوتون كثيرًا في وجهات نظرهم الدينية وغير الدينية؟ مشكلة توسيع نطاق قانون محدد كان يطبَّق تاريخيًّا لحماية كنيسة مسيحية واحدة فحسب من مثل هذه الإساءة (ومن ثم يمثل في جوهره نوعًا من التمييز) — مثل الجريمة التي كان يعاقب عليها القانون العام في إنجلترا وويلز والتي ألغيت حديثًا — أنه حال توسيع نطاق القانون ليحمي كل الأديان الأخرى، سيصبح تنفيذه من الصعوبة بمكان، فكمُّ الموضوعات والرموز المقدسة في المسيحية هائل، ولكنه لا يضاهي كم الموضوعات والرموز الموجودة في المسيحية والإسلام واليهودية والهندوسية معًا، وهناك العديد من الأديان الأخرى التي ينبغي إدراجها في هذه القائمة. عند وصولنا إلى هذا الحد، سنجد أمامنا قضية أخرى، وهي أنه من الإنصاف جعل الآراء المحورية والراسخة لدى الإنسانيين — غير المتدينين — محمية أيضًا، وإلا سيكون لزامًا علينا تقديم سبب واضح لمعاملتهم على نحو مختلف، وماذا عن مشكلة احتمال شعور المؤمن بالتوحيد بالإساءة في كل مرة يذكر فيها أحدُ المؤمنين بتعددِ الآلهة، آلهتَه المتعددة أو العكس؟ لدى المجموعات المتدينة وشبه المتدينة وغير المتدينة كم من الأشياء والأماكن والأشخاص والأساطير والأفكار المقدسة التي يعتزون بها، وسيكون من العبث محاولة حماية كل هذه الأشياء من الإشارات التجديفية، وسيستحيل تحقيق ذلك.

هناك حجة مضادة لهذا الرأي تشير إلى أن قانون التجديف يحمي فقط من الأساليب المتطرفة أو المسيئة في التعبير عن آراء معادية للديانة المسيحية، ويمكن بسهولة توسيع هذا المنهج ليشمل ديانات أخرى في أماكن أخرى. كان هذا جوهر القانون الذي اقترحه توني بلير في عام ٢٠٠٥ والذي يحظر «التحريض على الكراهية الدينية». كان يُفترض أن يتميز هذا القانون بمعاملة الأديان المختلفة على حد سواء، مع ذلك توجد بعض الأمور التي إذا قيلت بأكثر اللغات اعتدالًا ستثير غضب بعض المتعصبين الدينيين ويرونها تجديفية وتمثل تحريضًا على الكراهية الدينية، كذلك تكون معظم التعبيرات الدينية مسيئة للغاية لبعض غير المتدينين، كما أوضح ريتشارد دوكينز في كتابه «وهْم الإله»، حيث يرسم صورة كئيبة للدمار الذي يسببه الدين للإنسانية، لا يوجد سبب واضح على الإطلاق يبرر وجوب تمتع أصحاب المعتقدات الدينية وحدهم بحماية آرائهم من الإساءة.

إن تقرير ما يمكن اعتباره لغة «معتدلة» محير للغاية، فمعظم ما وجده المتدينون مسيئًا للغاية في السنوات الأخيرة، ظهر في صورة محاكاة ساخرة ودعابة، يرى العلمانيون الليبراليون أن اضطهاد المتدينين للمسرحيات والروايات والأفلام ربما يظهر على أنه غياب لحس الفكاهة، وتدخُّل غير مقبول في حرية البالغين في الاستمتاع بالترفيه الذي يختارونه، ما دام أحد لم يتعرض للأذى في أثناء صناعته ولا يمكن تفسيره على أنه تحريض على العنف، على سبيل المثال، أثار فيلم «حياة براين» لفرقة «مونتي بايثون» البريطانية — الذي عرض في عام ١٩٧٩ — غضب كثير من المسيحيين، مع أن اسم المسيح في الفيلم كان بريان — وليس يسوع — فإنه تعرض للصلب تمامًا مثل يسوع (ومات وهو يغني «انظر دائمًا إلى الجانب المشرق من الحياة»).
fig6
شكل ٣-١: في المحاكاة الساخرة الجدلية التي قام بها فريق «مونتي بايثون» عن حياة المسيح — المعروفة باسم «حياة براين» — تقول والدة براين: «إنه ليس المسيح، إنه فتى شقي للغاية.» يرى البعض هذا على أنه تدنيس للمقدسات، في حين يراه آخرون على أنه دعابة جيدة.1
مؤخرًا، لم تقدم المسرحية الغنائية السريالية «جيري سبرينجر: الأوبرا» محاكاة ساخرة لتليفزيون الواقع فحسب، بل للمسيحية أيضًا، فكما حدث مع قصيدة كيركب، أثار افتراض أن المسيح ربما يكون شاذًّا جنسيًّا العديدَ من الشكاوى، بل إنه عند عرض نسخة من المسرحية في التلفاز على القناة الرابعة في المملكة المتحدة كانت هناك محاولة لاستخدام قوانين التجديف ضد المنتجين، كرِه كثير من المسيحيين فكرة ظهور الله والمسيح ومريم العذراء والشيطان في محاكاة ساخرة لبرنامج تليفزيوني واقعي، ورآها آخرون أمرًا مضحكًا غير مسيء، وفي تأثير غير مباشر للحملات التي شنتها الجماعات المسيحية، كاد العرض يكون مستحيلًا بسبب خطورة عرقلته، اعتُبر هذا الأمر — على نطاق واسع — نوعًا من الرقابة غير المباشرة، ومثالًا على اعتراض المُقاطِع.
fig7
شكل ٣-٢: هل هي محاكاة ساخرة تجديفية؟ أثارت مسرحية «جيري سبرينجر: الأوبرا» غضب بعض المسيحين بسبب تصويرها للمسيح على أن لديه نزعات مثلية.2
أشار الممثل الهزلي ستيوارت لي — أحد مبتكري المسرحية الغنائية — إلى نقطة مثيرة للاهتمام بشأن المصادر الغنية التي تقدمها القصص والشخصيات الدينية للفنان المبدع، فقال:

يقول المؤمنون إن القصص الدينية تبقى لأنها صحيحة تمامًا، لكن حتى أنصار المذهب العقلاني يُقرون بأن القصص والأساطير والحكايات الشعبية الدينية — في حين لا تكون صحيحة فعليًّا طوال الوقت — فإنها ربما تكون صحيحة من حيث ما تخبرنا به عن التجربة الإنسانية.

لا يرى غير المؤمنين سببًا واضحًا يجعل النصوص الدينية — مثل الإنجيل — تحظى بحماية خاصة من إعادة استخدامها بطرق متنوعة؛ إذ إن أقل ما يقال عنها إنها مصدر ثقافي غني يجسد حقائق نفسية راسخة، لمْ يَسْلم الأبطال الدنيويون — أمثال برتراند راسل — من المحاكاة الساخرة على يد فريق «مونتي بايثون» وغيرهم، فلِم تسلم الرموز الدينية من ذلك إذن؟

إن فكرة حصول المعتقدات الدينية دون غيرها على حماية خاصة فكرة غريبة؛ فكل أنواع المعتقدات ينبغي أن تكون متاحة للتدقيق والنقد والمحاكاة الساخرة والسخرية المحتملة في المجتمع الحر. الواقع أن بعض الآراء لا يجدي معها إلا السخرية، وسيكون من غير الأخلاقي أن نأخذها بمحمل الجد، أشار الممثل الهزلي — روان أتكينسون — إلى هذه النقطة عند معارضته لمشروع قانون الكراهية الدينية الذي اقترحته المملكة المتحدة، فقال:

ما الخطأ في تشجيع الكراهية الشديدة تجاه أحد الأديان؟ لماذا لا ينبغي أن تقوم بذلك، إذا كانت معتقدات هذا الدين أو الأنشطة التي ترتكب باسمه تستحق الكراهية الشديدة؟ ماذا لو كانت تعاليم هذا الدين أو معتقداته قديمة الطراز أو زائفة أو مسيئة لحقوق الإنسان، بحيث يكون عدم نقدها أمرًا خاطئًا؟

يشير بعض أنصار حرية الكلام إلى أن التعبير المعتدل عن الآراء ليس وحده الذي يحتاج إلى الحماية، ففكرة أن حرية الكلام ينبغي أن تقتصر على المناظرة المنطقية في أجواء شبيهة بالأجواء التي تقام فيها الندوات، أو في أعمدة الصحف المطروحة طرحًا وجيهًا، ربما لا تعبر عن روح القيمة التي يريد كثير من الأشخاص الحفاظ عليها عند حمايتهم لحدود حرية الكلام، كذلك فإنها لا تنصف تاريخ حرية الكلام، والأعمال والتعبيرات المشينة التي تعرضت للاضطهاد يومًا ما وأصبحت فيما بعد من الأعمال المهمة والشهيرة، أشار الروائي فيليب هينشر — على سبيل المثال — إلى أن حرية الكلام يجب ألا تشتمل فحسب على حرية انتقاد سياسة الحكومة في الصحف، ومناقشة معتقداتنا وحياتنا الجنسية وأعراقنا بجرأة وصراحة ودون خوف من أي تهديد، بل تشتمل أيضًا على حرية «الصياح بكلام فج في وجه ديكتاتور زائر وهو يتجول في أحد الشوارع في عربة ملكية». ويؤكد على أن حرية الكلام يجب أن تشتمل على حرية هجاء الدين والسخرية منه، فيشير إلى أن «تقدُّم حرية الكلام عبر القرون لم يحدث بفضل النقاش الهادئ والعقلاني، بل بسبب التجاوز وانعدام المسئولية».

أشار أوليفر كام لنقطة مماثلة، فقال:

فكرة أن حرية الكلام — مع أهميتها — ينبغي ممارستها في توازن مع تجنب الإساءة، بها نوع من المغالطة؛ لأنها تفترض أن الإساءة شيء يمكن تجنبه. تتسبب حرية الكلام فعليًّا في أذى، ولكن لا خطأ في ذلك؛ فالمعرفة تنمو من خلال تدمير الأفكار السيئة، والسخرية والتهكم من أكثر الأدوات الفعالة في هذه العملية.

أكد ريتشارد بوسنر أيضًا على الدور المهم الذي تلعبه الإساءة في سوق الأفكار، فقال:

يغضب الناس عند الاعتراض على أسلوب حياتهم، إلا أن هذا الغضب ربما يكون بداية للشك ويؤدي في النهاية إلى إحداث تغيير، فكِّر في كل الأفكار والآراء المألوفة حاليًّا، التي كانت مسيئة للغاية عند التعبير عنها لأول مرة؛ وعليه ربما ينبغي أن يكون شرط السماح للفرد بسماع وقول الأفكار التي تعارض قيم الآخرين ومعتقداتهم هو الاستعداد لمنح الحق نفسه لغيره، ومن ثم يوافق على ألا تكون الإساءة سببًا مقبولًا لفرض عقوبات على التعبير.

مع ذلك ربما يكون المبرر الأساسي لمنع الإساءة للمعتقدات الدينية هو منع الإساءة المتعمدة في حد ذاتها، فهناك أشخاص يسعدون بتوجيه الإساءة إلى أصحاب الديانات المختلفة، ينبغي أن يُمنع الهجوم المتعمد على ما يعتز به هؤلاء المؤمنون؛ والسبب في ذلك أن الإساءة المتعمدة لا تؤدي إلى تكوين علاقات اجتماعية جيدة، فإذا أصبحت مجموعة معينة هدفًا دائمًا للمحاكاة الساخرة المهينة المتعمدة (مثلما حدث مع علماء السينتولوجيا)، فسيكون من الصعب عليهم أن ينالوا فرصة للتعامل معهم بجدية واحترام. نحن لا نتحدث هنا عن الإساءة العرضية؛ لأن الشخص العاقل يعبر عن أسفه عندما يعلم أن شخصًا ما شعر بالإساءة، لذا — على سبيل المثال — ينبغي وضع رسام الكاريكاتير الذي أنتج رسمًا كاريكاتيريًّا عن النبي محمد دون أن يكون على علم بأن الإسلام يحظر تصوير نبيِّه، في فئة مختلفة تمامًا عمن يشرع في إثارة أنصار الإسلام من خلال إنتاج رسم كاريكاتيري عن النبي محمد لأنه يعلم أن الإسلام يحظر ذلك ويرى أنه أمر سخيف ويريد التعبير عن هذا الرأي بصورة مرئية.

من بين الصعوبات التي تواجه هذا الرأي أن الكتَّاب والمتحدثين ورسامي الكاريكاتير وصناع الأفلام وغيرهم ينتجون أعمالًا وراءها عدد كبير من الأسباب يكون بعضها أقل وضوحًا من البعض الآخر، وبعضها متداخل مع بعض، فنادرًا ما يوجد دافع واحد وراء العمل، وحتى عند وجود مثل هذا الدافع، فإنه في السياق الفني يكون العمل عرضة لكم كبير من التفسيرات، على سبيل المثال، يصور فيلم الكاتبة آيان حرسي علي الذي قدمته في عام ٢٠٠٤ مع المخرج ثيو فان جوخ بعنوان «الخضوع» في الجزء الأول آيات من القرآن مكتوبة على جسد امرأة لتوضيح اعتقاد الكاتبة في أنه يمكن استخدام تعاليم الإسلام — وأنها استُخدمت بالفعل — في تبرير المعاملة اللاأخلاقية للمرأة؛ فهناك امرأة تتعرض للجلد لارتكابها الزنى، وأخرى تُجبر على الزواج من رجل تمقته، وثالثة تتعرض للضرب من زوجها، ورابعة يتركها والدها عندما يعلم أن أخاه اغتصبها، عُرض الفيلم في التليفزيون الهولندي، لم تكن الكاتبة تهدف إلى مهاجمة الإسلام، بل مهاجمة ما رأته قصورًا في تعاليم الإسلام لا يسمح بالتكيف مع الظروف المعاصرة:

تتلخص رسالتي في أن القرآن من عند البشر وليس من عند الله. لا بد أن تكون لنا حرية تفسيره، وأن يُسمح لنا بتطبيقه على العصر الحديث بأسلوب مختلف، بدلًا من إحداث تشوهات مؤلمة في محاولة لإحياء ظروف ماضٍ بغيض. كنت أرمي إلى تحرير عقول المسلمين، بحيث تصبح النساء المسلمات — والرجال المسلمون أيضًا — أكثر تحررًا.

هذه رسالة متطرفة في نظر الإسلام المتشدد، رأى بعض زعماء المسلمين هذا العمل تدنيسًا للمقدسات واستفزازًا متعمدًا ونددوا به، ومع ذلك فإنه من وجهة نظر الكاتبة لم يكن هذا هدفها من الفيلم، وقد أوضحت هذا الأمر في النص الأصلي من السيناريو الذي قدمته إلى ثيو فان جوخ، حيث كتبت: «لم أكتب هذا السيناريو لأستفز أيَّ شخص.» ردت على من انتقدوا فيلمها وقالت إنه نداء للتأمل الذاتي داخل الإسلام، وإنه يجب السماح بكل أشكال التعبير الذاتي — باستثناء الإساءة الجسدية والشفهية — من أجل تحقيق هذا التأمل الذاتي، لم يكن هدفها تحويل المسلمين إلى ملحدين، وإنما «عرض عيوب الثقافة، خاصةً في معاملتها الوحشية للنساء». كانت تعلم أن فيلمها سيثير جدلًا، بالرغم من ذلك، عند صنعها للفيلم كانت تعمل وفقًا للقانون داخل دولة لها تاريخ طويل من حماية حرية التعبير وتقديرها.

في شهر نوفمبر من عام ٢٠٠٤ تعرض ثيو فان جوخ لطلق ناري لقي حتفه على إثره وهو يتجول بدراجته في أحد شوارع مدينة أمستردام، ثبَّت القاتل — محمد بويري — على صدر المخرج خطابًا من خمس صفحات به آيات قرآنية وتهديد لآيان حرسي التي اضطرت للاختباء لحماية نفسها.

هل علينا التعامل مع تأكيد آيان بأنها لم تكن تعتزم استفزاز أي شخص على أنه مجرد خداع؟ لا توجد طريقة واضحة للحكم في هذا النوع من القضايا، يوجد تشابه كبير بين هذه القضية وبين رد الفعل الإسلامي على رواية «الآيات الشيطانية» لسلمان رشدي، وهو رد فعل يشير إلى وجود أزمة بين من يؤمنون بحرية الفرد في التعبير عن المسائل الدينية والعديد من الموضوعات الأخرى على أساس أنها جانب غير قابل للنقاش في المجتمعات الديمقراطية المتحضرة، وبين من يصرون على أن دينهم ينبغي أن يُعامل بتقديس، وأنه لا ينبغي السماح بالتعبير عن أي شيء تجديفي من وجهة نظرهم.

المسيحية والإسلام ليستا الديانتين الوحيدتين اللتين لا تتقبلان ما يوجَّه لهما من نقد أو ما يراه أنصارهما تدنيسًا للمقدسات، وكما ذكرت في الفصل الثاني، في عام ٢٠٠٤ انتهى الحال باحتجاجات السيخ ضد مسرحية «بيهزتي» لكوربريت كاور بهاتي باقتحام حشد يصل إلى أكثر من ألف شخص مسرح برمنجهام، وإصابة ثلاثة من رجال الشرطة، اضطرت كاتبة المسرحية إلى الاختباء للحفاظ على سلامتها. أوضحت بهاتي — تمامًا مثل آيان حرسي علي — أنها لم تتعمد الإساءة في عملها، فقالت:

أنا لم أكتب مسرحية «بيهزتي» بغرض الإساءة؛ فهي عمل فني صادق أردت من خلاله استكشاف كيف أن العجز البشري قد يزج بالناس في سجن من النفاق.

بالرغم من ذلك، كانت لمحة بسيطة عن الحبكة الدرامية كافية للإساءة إلى الكثير من المتظاهرين الذين لم يشاهدوا المسرحية باستثناء قلة منهم، كانت تداعيات اقتحام المسرح أكبر بكثير من القضية نفسها؛ فخطورة مثل هذه الأحداث أنها تتسبب في لجوء الكُتَّاب إلى الرقابة الذاتية خوفًا من العنف.

إن اقتراح ضرورة التعامل الحذر من جانب الفنانين المبدعين وغيرهم مع الحساسيات الدينية واسعة النطاق لكل من المسيحيين والمسلمين والسيخ وغيرهم، وأن المعتقدات الدينية ينبغي تقديسها وحمايتها من الانتقاد — هو اقتراح غير مقبول تمامًا في دولة ديمقراطية منفتحة، ولا ينبغي أن تشتمل روح التسامح على حظر توجيه الإساءة؛ فالتعصب الذي يظهره بعض المتدينين يكون مسيئًا للغاية لكثير من غير المتدينين (وكذا لبعض المتدينين الآخرين)، ولكن هذا لا يبرر توجيه غير المتدينين والمعادين للأديان تهديدات بالعنف ضد المتعصبين، فهذه فرصة لمواجهة الكلام بالكلام.

(٢) خطاب الكراهية

إن قضية الاستفزاز المتعمد مهمة أيضًا في تبرير القوانين ضد ما صار يعرف باسم خطاب الكراهية، وخطاب الكراهية هو تعبير يهدف إلى التسبب في إساءة بالغة للجمهور المستهدف والتقليل من شأنه، ويكون في صورة كلام أو كتابة أو أي تعبير آخر مهين حتى إنه يعادل أحد أشكال الضرر (على الرغم من اجتنابه التحريض المباشر على العنف)، وعلى هذا يرى كثير من الناس ضرورة عدم تحصينه من الرقابة على النحو الذي يطبَّق على التعبيرات الأخرى الأقل إساءةً، بعبارة أخرى، يُقدَّم عادةً خطاب الكراهية على أنه فئة خاصة لا تستحق حماية حرية الكلام على النحو الذي يتمتع به غيره من الكلام، يمكن إعادة وصف بعض أشكال التجديف بسهولة على أنه خطاب كراهية موجه للمؤمنين، مع أن بعضها لا يتعدى ببساطة كونه قصورًا في فهم أو تقدير الرموز التي يعتز بها الآخرون أو يقدسونها.

يحط خطاب الكراهية عادةً من مكانة الأشخاص على أساس عرقهم أو دينهم أو ميولهم الجنسية، فاختيار اللغة أو غيرها من أشكال التعبير، والسياق الذي تُقال أو تُكتب فيه، تُحشد كلها من أجل إهانة أو تحقير جماعة أو شخص، فهو تعبير عن الازدراء يأتي تأثيره من إصابته للهدف، فيجب أن تستمع المجموعة المستهدفة للرسالة أو تقرأها أو تدركها بأي طريقة أخرى، حتى تحقق الرسالة أغراض المتحدث أو الكاتب، فالمسألة ليست تعبيرًا خاصًّا عن آراء بغيضة، بل هي أفعال مهينة للغاية تُمارس على نحو مستفز.

يُقصد عادةً من خطاب الكراهية الانتشار بين الناس، فجزء من التأثير المرجو منه هو تشجيع الآخرين على التعبير عن آراء مسيئة مماثلة، في هذه الحالة يواجه أي شخص يريد الدفاع عن حرية التعبير الشاملة اختيارًا صعبًا بين أهمية الحرية وبين الخسائر الناجمة عن السماح بتعبيرات متطرفة من العنصرية والخوف من المثليين، ربما تهدد كرامة الأفراد وتصل إساءتها لدرجة التدخل في حياتهم اليومية على مستوى كبير، عادةً يكون المستهدفون من خطاب الكراهية ضعفاء وأقلية، وتكون تكلفة حرية الكلام مرتفعة بالنسبة لهم؛ حيث تتعرض كرامتهم واحترامهم لأنفسهم للتهديد.

يرى الموقف الليبرالي المتطرف ضرورة الدفاع عن خطاب الكراهية كأحد الاحتمالات المؤسفة لتبني سياسة حرية الكلام. تستحق أنواع متعددة من الكلام الحماية من المقاضاة. في الولايات المتحدة أدت حماية التعديل الأول لحرية الكلام في بعض القضايا الشهيرة إلى أحكام تقضي بضرورة السماح بخطاب الكراهية في العديد من الحالات، بالرغم مما يثيره من نفور. إنه محمي من الملاحقة القضائية بسبب احتمال كونه جزءًا من الجدل السياسي.

(٣) سكوكي والتسامح

حدثت أشهر هذه القضايا في الولايات المتحدة الأمريكية — وهي القضية التي صارت مرادفة لفكرة اشتمال حرية الكلام على حماية الخطاب الذي يكرهه البعض — في عام ١٩٧٧ عندما استُخدم دفاع معتمد على التعديل الأول لحماية مسيرة مخططة للنازيين الجدد في قرية سكوكي في ولاية إلينوي، كان يسكن بهذه القرية عدد كبير من اللاجئين اليهود الفارين من النازية؛ فكان واحد من كل ستة أشخاص إما ناجيًا من الهولوكوست أو من أقارب أحد الناجين منها، كان يفترض أن يرتدي المشاركون بالمسيرة زيهم الرسمي ويحملون الصلبان المعقوفة في موكب سيتسبب حتمًا في ألم شديد لكل من قُتل أصدقاؤهم أو أقاربهم في معسكرات الاعتقال النازية، توقع المجلس المحلي للقرية هذه المسيرة، لهذا منع المواكب بالزي العسكري وطالب بدفع سند تعويض بقيمة ٣٥٠٠٠٠ دولار أمريكي مقدمًا قبل أي مسيرة. قَبِل اتحاد الحريات المدنية الأمريكية القضية — على نحو مثير للجدل — على أنها قضية لحرية الكلام (وخسر كثير من أعضائه بسبب ذلك)، ونتيجة لذلك أعلنت محكمة الاستئناف أن إجراءات مجلس قرية سكوكي غير دستورية لأنها تخالف التعديل الأول، مع ذلك لم تُجر المسيرة في سكوكي، بل انتقلت إلى حديقة عامة بشيكاجو القريبة منها، منذ ذلك الحين — على الرغم من الطبيعة البغيضة للمسيرة — اعتبر كثير من نشطاء حرية الكلام قرية سكوكي رمزًا لمعنى الالتزام العملي بحرية الكلام؛ ألا وهو التسامح الشديد.

يشتمل منطق هذا التسامح على جانبين على الأقل؛ أولهما: إيمان كثير من الناس بأن أفضل وسيلة لمحاربة خطاب الكراهية هي خطاب آخر، وهو ما يطلق عليه عادةً الخطاب المضاد، فمنع الآخرين من التعبير عن آراء متطرفة تكون له آثار طويلة المدى على المجتمع، وربما يُعبرون عن إحباطهم بطرق أخرى غير مقبولة، فعلى نهج جون ستيوارت مِل، يكون خطاب الكراهية غير قانوني عندما يصبح تحريضًا على العنف أو مثالًا واضحًا على التشهير. ثانيًا: يتمثل خطر الحظر القانوني لبعض أشكال الكلام في أنه ييسر فرض المزيد من الحظر، وبالتدريج تصير حرية الأفراد في التعبير محدودة بدرجة أكبر، ربما يكون حظر خطاب الكراهية بدايةً لمثل هذا التدهور.

يتمثل الموقف القانوني في المملكة المتحدة في وجود حدود مبرَّرة لحرية الكلام فيما يتعلق بخطاب الكراهية، لا سيما عندما يوجد احتمال تدمير حياة آخرين بسبب أنواع معينة من التعبير، وتكون المحاكم هي المسئولة عن تحديد الفرق بين أشكال التعبير المقبولة وغير المقبولة، واضعة في اعتبارها عددًا كبيرًا من العوامل، بالرغم من صعوبة هذا الأمر، على سبيل المثال، يمكن استخدام قوانين مكافحة التمييز العنصري لمقاضاة من يستخدمون خطاب الكراهية العنصري، يوجد في كثير من الدول الأخرى أيضًا — مثل النمسا وألمانيا وفرنسا وكندا ونيوزيلندا — قوانين تحمي المجموعات العرقية من أنواع معينة من تعبيرات الكراهية الموجهة ضدهم.

عارض بعض الفلاسفة — مثل جنيفر هورنسبي — الرأي الليبرالي المتطرف الذي ظهر في قرار سكوكي، على أساس أنه يسيء فهم طبيعة التواصل المعني، فهي ترى أن الليبراليين المتطرفين ينتهي بهم الحال إلى حماية حرية أقل المحتاجين إلى هذه الحماية، ويتعرض آخرون للتدمير بوصفهم متحدثين بسبب خطاب الكراهية، مع ذلك يرى الليبراليون أن هذا جزء عادل من التكلفة الكبيرة لحماية حرية الكلام، لكن لحرية الكلام مكاسب عامة أكبر بكثير من مكاسب الرقابة. وصف كينان ماليك هذا فقال:

حرية الكلام للجميع عدا المتعصبين ليست حرية كلام على الإطلاق؛ فحق التعدي على العقيدة الليبرالية بنفس أهمية حق الإساءة للمعتقدات الدينية أو الحق في معارضة التقاليد الرجعية.

ويستمر ماليك في الإشارة إلى أن التصدي للتعصب بمنعه ربما يسفر عن نتائج أسوأ بكثير من التسامح والكلام المضاد، فقال: «كل ما تفعله أنك تترك المشاعر تتأجج تحت السطح.»

هوامش

(1) © Hulton Archive/Getty Images.
(2) © Colin Willoughby/TopFoto.co.uk.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤