الفصل الثالث

النباتات والجراثيم: أصل الرؤية

(١) بداية الحياة

بدأت الحياة على سطح الأرض من نحو ٣٫٥ مليارات سنة، وقبل هذا بمليار سنة بدأت مادة غازية منبعثة من الشمس تتجمَّع لتكوِّن كوكبنا هذا١ بالإضافة إلى الكواكب الأخرى الموجودة في مجموعتنا الشمسية. والشمس نفسها أخذت تتوهج منذ نحو مليار سنة قبل هذا، ورغم أن عمرها يَقرب منذ نحو ٥ مليارات سنة، فإنها ليست على الإطلاق أقدم نجم في الكون؛ فيُشير معظم علماء الفيزياء الفلكية إلى أن الانفجار العظيم، الذي تكونت بفعله كل المادة الموجودة، حدث منذ فترة تتراوح بين ١٠ و٢٠ مليار سنة. بمجرد تكوُّن الأرض، رغم تعرُّضها للقصف المستمر من النَّيازك، انخفضت درجة حرارتها تدريجيًّا في فترة تقلُّ عن مليار سنة لتصل إلى درجة حرارة تكونُ فيها المياه في صورة سائلة، وتكون فيها الجزيئات العضوية مستقرَّة. ويوجد جدل حول طريقة تكوُّن هذه الجزيئات.٢
على مدار فترة طويلة من الوقت بدأت الجزيئات العضوية تتجمَّع في شكل بوليمرات توجد داخل غشاء دهني، وبالصدفة استطاعت بعض هذه التجمعات مضاعفة نفسها.٣ عُثر على بقايا متحجِّرة من مثل هذه التكوينات، الخلايا الأولى، في صخور ترجع إلى ٣٫٥ مليارات سنة مضت.٤ تبدو الجراثيم التي تعيش في المياه ذات نسبة الملوحة المرتفعة أقرب شبيه لهذه الجزيئات؛ ومن ثم سُميت بالبكتيريا القديمة، أو العتائق اختصارًا؛ لتمييزها عن معظم البكتيريا الحديثة الأخرى.٥ تعيش بعض من البكتيريا الحديثة في الينابيع الحارة والفتحات الحرارية المائية، وقد حافظت على قدرتها على التكاثُر في درجة الحموضة القصوى (pH 0) وفي درجات حرارة تفوق ٩٠ درجة مئوية، التي كانت موجودة عند أسلافها.٦ لا تستطيع معظم البكتيريا الأخرى، فضلًا عن النباتات والحيوانات، البقاء في مثل هذه الظروف.
بعد ظهور أول الكائنات الحية منذ ٣٫٥ مليارات سنة مضت، استغرق ظهور الكائنات المتعدِّدة الخلايا أكثر من مليارَيْ سنة؛ النباتات أولًا ثم الفطريات ثم الحيوانات (اللافقاريات منذ نحو ٦٠٠ مليون سنة، ثم تبعتها الفقاريات).٧
توجد نظرية أخرى بشأن تصنيع الجزيئات العضوية الأولى؛ فقد أيَّد عالم الفيزياء الفلكية الراحل فريد هويل وزميله شاندرا ويكراماسينج فكرة أن الجزيئات الذاتية التكاثر، مثل الدي إن إيه، لم تُصنَع في الأصل على سطح الأرض، وإنما في الفضاء الخارجي — ربما قُرْب المذنَّبات — ووصلت إلى الأرض في شكل جسيمات (حتى إنهم يستخدمون كلمة «خلية»)، انطلقت بعد ذلك لتكوِّن البكتيريا القديمة. يشيران بعد ذلك إلى أن هذه الجُسيمات تنهال باستمرار على الأرض، ومن ثم تُدخِل إليها، مثل الفيروسات، أمراضًا معدية جديدة. ربما تكون فرضيتهما الأولى صحيحة جزئيًّا؛ إذ رُصدت هذه المادة العضوية (باستخدام تقنيات القياس الطيفي) في الفضاء الخارجي، فيَحتمِل أن تكون مثل هذه الجزيئات، التي تحتوي على الكربون والهيدروجين والأكسجين والنيتروجين، أمدَّت الأرض بأسلاف الأحماض الأمينية والمكونات الأساسية للأحماض النووية. أيضًا من الصحيح أنَّ النيازك وجُسيمات الغبار الموجودة في مجموعتنا الشمسية وُجد أنها تحتوي على مركَّبات عضوية ربما تكون أسهمت في تطور الجزيئات لدى الكائنات الحية.٨ ما يصعُب فهمه هو كيف يُمكن للمادة الكونية إصابة البشر في عصرنا الحالي، فإن خلايانا مأخوذة من صور الحياة البدائية، وتحتوي على الجزيئات نفسها التي كانت موجودة فيها.٩ كما ترتبط جيناتنا بكل الأشياء التي سبقتها، فهل يَحتمِل فعلًا أن يكون تطور هذه الجزيئات حدث في الفضاء الخارجي؛ في مذنَّبات وغبار النجوم، على مدار فترة ثلاثة ونصف مليارات سنة بالتوازي تمامًا مع تطوُّرها على سطح الأرض؟ لن نستطيع معرفة هذا حتى نَعثُر على حياة على كوكب آخر، لكن في اعتقادي أنه عند عثورنا عليها، فإنَّ الجزيئات، بصرف النظر عن الكائنات الفعلية، لن تُشبه الموجودة على سطح الأرض على الإطلاق. لكن استمع إلى الجُمَل الختامية في واحد من آخر المقالات التي كتَبها فريد هويل قبل وفاته: «من ثم، فإن التركيبات الجينية لا بد أنها أُحضرت إلى الأرض، في مادة المذنَّبات في اعتقادنا أيضًا، التي تربط الحياة هنا بأصلها الكوني؛ فالتطور هنا على وجه الأرض عبر الانتقاء الطبيعي لا يَعمل إلا على ضبط نُظُم النشأة الكونية بمجرَّد استقرارها هنا.»١٠

(٢) اعتماد الحياة على الضوء

منذ ظهور البكتيريا القديمة لأول مرة، إن لم يكن قبل ذلك، كان ضوء الشمس أساسيًّا للحياة على سطح الأرض؛ فهو وحده يوفِّر الطاقة التي تُمكِّن النباتات وبعض البكتيريا من إجراء عملية التمثيل الضوئي؛ ومِن ثم تنمو، وعن طريق تناول النباتات تستخدم الحيوانات بعضًا من هذه الطاقة في نموِّها وحركتها؛ ومن ثم تَعتمد هي الأخرى، على نحوٍ غير مُباشر، في بقائها على ضوء الشمس. تكون أشعة الشمس ضرورية أيضًا لأسباب أخرى؛ فالحرارة التي تُصدرُها تحافظ على بقاء المياه في معظم أنحاء الكوكب في صورة سائلة، ويُعتبَر الماءُ المذيبَ العالمي الذي تحدُث بداخله كافة تفاعُلات المادة الحية، ولا تستطيع الحيوانات التي تعيش في درجات حرارة تحت الصفر البقاء على قيد الحياة إلا لأنَّ الحرارة الناتجة من عملية الأيض لديها تمنع الماء الموجود في خلاياها من التجمد.١١
إلا أن أشعة الشمس تَصطدم بالأرض في أثناء النهار فقط، وربما يتساءل البعض عن سبب عدم انخفاض درجة الحرارة سريعًا في أثناء الليل؛ فهي لا تَنخفض أكثر من ٣٠ إلى ٤٠ درجة مئوية في أحسن تقدير، مقارنة بفارق يزيد عن ألف درجة مئوية على سطح القمر بين النهار والليل. والسبب الأساسي في هذا هو نفسه الذي يَمنع درجة الحرارة من الارتفاع كثيرًا طوال النهار؛ فثمة طبقة من الغازات في الغِلاف الجوي تَحمي القشرة الأرضية من التعرُّض للحرارة والبرودة الشديدتَين، وأهمُّ هذه الغازات هو غاز ثاني أكسيد الكربون.١٢ وهذا الاستقرار النسبي في درجة الحرارة، سواء بالقرب من القطبين أو عند خط الاستواء، هو الذي سمح للحياة بالتطور والاستمرار في هذا.
توجد سمات مشتركة بين التمثيل الضوئي وعملية الإبصار لدى الحيوانات؛ فالرؤية لها أهمية قصوى في قدرة الحيوانات على البحث؛ فالحيوانات الضريرة، مثل الأسماك القوبيونية الضريرة «تيفلوجوبيوس كاليفورنينسيس»، التي تَعتمد على جمبري البرغوث «كالياناسا» ليَحفر لها حفرًا تعيش فيها، لم تُحقِّق نجاحًا كبيرًا في عملية التطور. من ناحية أخرى، تعتمد حيوانات أخرى، مثل البوم وبعض أنواع الوطاويط١٣ التي تصطاد في الليل، على حاسة بصرية حساسة للغاية في العثور على فرائسها. يمارس الإنسان سعيه، حتى في ظل التكنولوجيا الموجودة حاليًّا، في الأساس في أثناء النهار؛ فمعظمنا يقضي الليل في النوم. صحيح أن كثيرًا من الحيوانات يُدرك وجود فريسة (أو مفترس) من الرائحة، كما أن الزواحف، مثل الثعابين، تتمتع بكاشفات حرارة بالغة الحساسية أيضًا، إلا أن معظم الحيوانات لديها عينان تسمحان لها بالتعرف على الأشياء كجزء من سعيها للحصول على الطعام والتكاثُر.
لم يشرح كثيرون أهمية الرؤية لسيطرة الإنسان على أشكال الحياة الأخرى بوضوح مثل جون ويندهام في رواية الخيال العلمي «يوم نباتات التجارِب».١٤ تمرُّ كرة لهب كبيرة من الفضاء الخارجي بجوار الأرض، فيُعمي ضوءُها الجميع على الفور، ومع فقدان الناس لقُدرتهم على الرؤية فقدوا تفوُّقهم على النباتات الضارة، وتمثَّل أحد هذه النباتات في نسخة عملاقة آكلة للبشر من نبات مصيدة فينوس؛ نباتات التجارِب. انتشرت هذه النباتات سريعًا إذ كانت تَلْتهم الفاقدين لقدرتهم على الإبصار، الذين لم يتمكَّنوا من تجنُّب الاصطدام بها، وبالتدريج بدأ البشر يُبادون من على سطح الأرض، ومع ذلك لم ينعدم الأمل؛ فثمة رجل يَرتدي عصابة كثيفة حول عينيه، كان يُجري عملية في المستشفى في وقت مرور كرة اللهب، احتفظ ببصره، وكذا بعض الأشخاص الآخرين، بدءوا جميعًا في تدمير هذه النباتات، وهكذا أُنقذ البشر.

(٣) التمثيل الضوئي

تَستخدم النباتات طاقة الضوء في تصنيع جزيئات عضوية. إنَّ التفاعل الذي يحدث؛ عملية التمثيل الضوئي، هو عكس التفاعُل تمامًا الذي يحدث في عملية التنفُّس، التي تؤكسد فيها الحيوانات الجزيئات العضوية حتى تحصل على الطاقة اللازمة لحركة العضلات وتوصيل الأعصاب والنمو والعمليات الأخرى،١٥ وبعدما تستخدم النباتات طاقة الضوء في تصنيع الكربوهيدرات في أثناء النهار، تعمل بعد ذلك على أكسدة بعضٍ منها في أثناء الليل، بالطريقة نفسها التي تستخدمها الحيوانات، المعروفة بالتنفُّس. رغم أن النباتات تحتاج كما يبدو إلى طاقة أقل مِن تلك التي تحتاج إليها الحيوانات نظرًا لأنها لا تتحرَّك، فإنها تظل بحاجة إلى قدر منها من أجل النمو وعمليات أخرى؛ مثل تحريك العناصر الغذائية من التربة إلى الأعلى لتصلَ إلى الأوراق، الذي لا يكون مطلبًا هينًا في حالة شجرة السيكويا التي يصل ارتفاعها إلى ٣٠٠ قدم.

على الأرجح، يكون ترتيب التغيرات الجزيئية الأساسية في عملية التمثيل الضوئي، التي تتطلب أكثر من عشرة تفاعلات كيميائية منفصلة، عكس تمامًا التفاعلات المطلوبة في عملية التنفُّس، لكن الأنزيمات التي تحفز كثيرًا من هاتين المجموعتين من التفاعلات تكون في الأساس واحدة. في الواقع يَكمُن الاختلاف في اتجاه تدفُّق المادة؛ تحويل ثاني أكسيد الكربون والماء إلى كربوهيدرات وأكسجين في الحالة الأولى، وتحويل الكربوهيدرات والأكسجين إلى ماء وثاني أكسيد الكربون في الحالة الثانية. ويمكن تشبيه الأمر بمقصورتَي سكك حديدية على مسارٍ شديد الانحدار، إحداهما صاعدة والأخرى هابطة؛ بحيث تحصل المقصورة الصاعدة تدريجيًّا على طاقة كامنة، في حين تَفقدها الهابطة بالتدريج. ربما يكون مصدر الطاقة الأساسي هو الكهرباء أو ربما يكون مجرَّد الكتلة، كما في سكة حديد لينتون ولينموث في ديفون الشمالية في إنجلترا؛ إذ يُضاف الماء إلى خزان تحت المقصورة الموجودة في المحطة العليا التي تقع على جُرف في لينتون، بقدرٍ يزيد على وزن المقصورة وركابها الموجودة في الأسفل في لينموث. تبدأ المقصورتان في التحرُّك كل منهما تجاه الأخرى، وعندما تصل المقصورة التي كانت في الأعلى إلى الأسفل، يُفرَّغ منها الماء وتُكرر العملية. يحرك هذه العملية بأكملها فقدانُ الماء من القمة، تمامًا كما يُحرِّك فقدان الطاقة الضوئية من الشمس كافة صور الحياة على الأرض، الذي يكون متناهي الصغر بالطبع مقارنةً بامتصاص المواد الأخرى لضوء الشمس داخل المجموعة الشمسية.

لا تستطيع الحيوانات استخدام طاقة الضوء في تصنيع الجزيئات العضوية، لكنها تمتصُّ الضوء وتحوله إلى نبضة تنتقل من الجزء الخلفي من الشبكية في العين إلى مركز الإبصار في المخ؛ حيث يُسجل الإحساس بالضوء؛ ومن ثم الأشكال. يُشبِه الجزء الأول من هذه العملية؛ امتصاص الضوء، بطرق كثيرةٍ امتصاصَ النباتات للضوء. يوجد تشابه أكبر مع نوع معين من الجراثيم؛ وهو نوع من البكتيريا القديمة تُجري عملية التمثيل الضوئي، تستمد جزءًا من طاقتها من الضوء وجزءًا آخر من أكسدة الجزيئات العضوية. تعيش هذه البكتيريا في بيئات عالية الملوحة، مثل الموجودة في البحيرة المالحة الكبرى في يوتاه، والبحر الميت الذي يقع بين إسرائيل والأردن؛ ومن ثم تُسمى أليفة المِلح (محبة للملح)، ومن الأمثلة النموذجية على هذا النوع بكتيريا الملحاء العصوية الملحية.

في هاتين الحالتين — الحيوانات وبكتيريا الملحاء العصوية الملحية — يُسمَّى الجزَيْء الحساس للضوء رودوبسين. يتكون هذا الجزَيْء من وحدتين؛ جزَيْء صغير يُسمى رتينول يشبه في تكوينه فيتامين «أ» (المُشتَق منه)، وبروتين يُدعى أوبسين. يرتبط الرتينول بالأوبسين تمامًا مثلما يرتبط الهيم ببروتين الجلوبين في جزَيْء الهيموجلوبين. إن التركيب الكيميائي لصورته المُتأكسِدة — الريتينال — يُمَكِّنه من امتصاص الضوء، وعند فعل هذا يتغير شكله (ولونه) قليلًا. يُحدث هذا التغيير تحولًا طفيفًا في تركيب الأوبسين. في حالة بكتيريا الملحاء العصوية الملحية، يبدأ التغير التركيبي سلسلة من التفاعلات الجزيئية التي تنتهي بتصنيع جزَيْء محوِّل للطاقة؛ ثلاثي فوسفات الأدينوسين، الذي يُستخدم في كلٍّ من نمو البكتيريا وقدرتها على السباحة نحو مصدر الضوء. في شبكية العين عند الحيوان، يؤدِّي التغير في الأوبسين إلى إرسال نبضة كهربائية إلى المخ. هذه النبضة تُشبه تلك التي تَصدُر من اللمس أو الحرارة أو الصوت أو الرائحة؛ فلا يُصنَّع ثلاثي فوسفات الأدينوسين على الإطلاق. على العكس، فإن ثلاثي فوسفات الأدينوسين يُستهلك في أثناء عملية توصيل العصب. ومن الواضح أن الأوبسين لدى الحيوانات ليس مطابقًا للموجود في بكتيريا الملحاء العصوية الملحية، لكن بينهما من التشابه ما يَكفي لجعلهما يؤديان الوظيفة نفسها المتمثِّلة في تحويل نبضة ضوئية إلى تفاعل كيميائي.

لا تستخدم النباتات والبكتيريا الأخرى التي تقوم بعملية التمثيل الرتينول الموجود لدى الحيوانات أو بكتيريا الملحاء العصوية الملحية في جمع الضوء؛ ففي النباتات تتمثَّل صبغات امتصاص الضوء الأساسية في الكلوروفيل والكاروتين واللوتين، التي يرتبط كلٌّ منها ببروتين يترجم طاقة الضوء إلى طاقة كيميائية (في شكل ثلاثي فوسفات الأدينوسين)؛ نظرًا لانفصال البكتيريا القديمة منذ أكثر من ٧٠٠ مليون سنة قبل ظهور الجدِّ المشترك للنباتات والحيوانات في الحياة، فإن امتلاك بكتيريا الملحاء العصوية الملحية للرودوبسين أمرٌ شاذٌّ. يقدِّم هذا مثالًا على التطور التقاربي أكثر من التطور التباعدي. المهمُّ هنا أن الوظيفة العامة — المتمثِّلة في القدرة على امتصاص الضوء وإحداث تفاعُل كيميائي — تكون واحدة في الأساس في النباتات، وفي البكتيريا المستخدَمة للتمثيل الضوئي، وفي أعين كل نوع من الحيوانات بما في ذلك الإنسان.

بالطبع يؤدِّي كثير من الجزيئات وظيفة مشابهة في عدد من الكائنات، ويُعتبر ثلاثي فوسفات الأدينوسين أحد الأمثلة على هذا؛١٦ فجزَيْء ثلاثي فوسفات الأدينوسين يوجد بالصورة نفسها لدى الجراثيم والنباتات والحيوانات، كما أن البروتينات المستخدَمة في العمليات المتنوعة لتحويل الطاقة، حتى إن لم تكن مُتطابقة فيوجد بينها من التشابه ما يمكنها من أداء الدور نفسه في كافة الكائنات؛ وبهذا يتَّضح السبب وراء وجود هذا القدر من التشابه بين جينوم الجراثيم والنباتات والحيوانات.
حتى نتعرَّف جيدًا على التغيرات الجزيئية التي تشكِّل الاستجابة الضوئية لدى النباتات، نحتاج إلى أن نذكِّر أنفسنا ببعض العمليات الفيزيائية والكيميائية التي تَكمُن وراء امتصاص الكائنات الحية للضوء.١٧ يمتصُّ الرودوبسين موجات ضوء يتراوح طولها بين ٤٥٠ و٦٠٠ نانومتر، في منتصَف الطيف الضوئي، تكفي لتحفيز استجابة لدى بكتيريا الملحاء العصوية الملحية أو في شبكية الحيوانات، لكنها لا تفسِّر كيف تتمكن الحيوانات أيضًا من تمييز لون عن الآخر. في الواقع كثير من الحيوانات لا يستطيع فعل هذا، ويتمثل السبب في قدرة الرئيسيات، مثلنا نحن البشر، على معرفة أن هذا الضوء أزرق أو أخضر أو أصفر أو أحمر في امتلاكنا، بالإضافة إلى مُستقبِل الرودوبسين الذي يحتوي على الرتينول، لجزيئات تمتصُّ ضوءًا بأطوال موجات أخرى؛ فيمتص جزَيْء ضوءًا بحدٍّ أقصى ٤٢٠ نانومترًا، ويمتص جزَيْء آخر ٥٣٠ نانومترًا، ويمتص ثالث ٥٦٠ نانومترًا، وتُمكِّننا هذه الجزيئات معًا من تمييز لون عن آخر.١٨
لا تَستخدم النباتات ضوء الشمس في عملية التمثيل الضوئي فقط؛ فهي تبحث عنه بنشاط يشبه حماس الذين يَحصلون على حمام شمسي على شواطئ البحر المتوسِّط. تفعل النباتات هذا بطريقتين؛ الانتحاء الضوئي والانتحاء الشمسي. لا تقدِّم هاتان الكلمتان معنًى دقيقًا عن التغذية (الانتحاء) بفعل الضوء أو الشمس؛ ففي كلتا الحالتين يكون الضوء الموجود في البيئة الطبيعية هو ضوء الشمس (شكل ٣-١). تُستخدم كلمة الانتحاء الضوئي في وصْف عملية «نمو» النباتات نحو الضوء، في حين تُستخدم كلمة الانتحاء الشمسي في وصف عملية «اتجاه» النباتات نحو الضوء. بالنسبة للنبات يكون إدراك الضوء في أهمية الرؤية للحيوان؛ فهو يخبر النبات بمكانها في الفراغ (في الظل أو في مساحة مفتوحة) وبالوقت (ظلام الليل أو ضوء النهار).
fig5
شكل ٣-١: بحث النباتات عن الضوء. أشكر الأستاذ كريستوفر ليفر على هذه الصورة لنباتات عباد الشمس التي تنمو في اتجاه الشمس.

(٤) الانتحاء الضوئي

تتحكَّم عدة آليات في عملية الانتحاء الضوئي؛ في وقت مبكِّر يرجع إلى عام ١٨٨١ أظهر تشارلز داروين أن الاستجابة الكبرى في النبات تكون عند النهاية الزرقاء في الطيف الضوئي، ومضت أكثر من ١٠٠ سنة قبل اكتشاف المستقبِل الضوئي الأساسي فيها؛ وهو عبارة عن مكوِّن حسَّاس للضوء متَّصل ببروتين، تمامًا مثل الرودوبسين، وأُطلق على هذا المركب اسم فوتوتروبين.١٩ أما الجزء الحساس للضوء فهو عبارة عن جزَيْء أصفر يُدعى فلافين.٢٠ يحوِّل جزء البروتين تأثير الضوء على الفلافين إلى استجابة جزيئية، تؤدِّي في النهاية إلى النمو في اتجاه الضوء.٢١ تُسمى مجموعة أخرى من البروتينات الحساسة للضوء الأزرق كريبتوكروم.٢٢ إنها تحتوي على المكوِّن نفسه الحساس للضوء، الفلافين، مثل الفوتوتروبين، لكن الأجزاء البروتينية فيها تكون مختلفة. تلعب الكريبتوكروم دورًا كبيرًا في ضبط الدورات اليومية للنباتات.
يوجد مستقبِل ضوئي آخر يُشارك في الاستجابة الانتحائية الضوئية للنباتات يتكون من مجموعة من البروتينات تُدعى فايتوكروم،٢٣ ويتمثل الجزء الحساس للضوء في جزَيْء يُدعى فيتوكروموبيلين، لا يُمتصُّ الضوء عند النهاية الزرقاء من الطيف الضوئي مثل الفوتوتروبين أو الكريبتوكروم، وإنما عند النهاية الحمراء؛ بين ٦٠٠ و٧٠٠ نانومتر. يرجع السبب في هذا إلى أن الضوء الذي ينعكس من أوراق إحدى الأشجار على أوراق شجرة مُجاورة لها يكون في الغالب ضوءًا أحمر (ولهذا تبدو الأوراق خضراء اللون)، يعمل الفيتوكروم على تحقيق أقصى امتصاص ممكن للضوء في ظُلة الغابة عن طريق دفع إحدى الشجيرات أو الأشجار إلى النمو بعيدًا عن النباتات المُجاورة له، مثل الاستجابة التي يُحدثها الفوتوتروبين؛ فهو رد فعل «تجنب الظل». ومثلما يحدث مع الفوتوتروبين، توجد نتائج إضافية لتفعيل الفوتوكرومات؛ منها تسريع الإزهار والإنتاج المبكِّر للبذور؛ فالفوتوكرومات هي التي تُخبر النبات بمكانه مقارنةً بالنباتات الأخرى.

بعدما تعرفنا على التكوينات الجزيئية في النباتات التي تَستشعِر الضوء، سنستعرض بإيجاز العمليات التي تؤدِّي من خلالها هذه المستقبِلات الضوئية إلى تكاثُر الطرف النابت للنبات في اتجاه الضوء، بعيدًا عن الظل. يتمثَّل أحد المُكوِّنات المهمة في هرمون نباتي يُدعى أوكسين. يتسبَّب هذا الهرمون في زيادة طول الخلايا التي يفوق تركيزه فيها أقصى مقدار له. توجد هذه الخلايا في الجزء البعيد عن الشمس في الطرف النابت، إلا أن المستقبِلات الضوئية التي تَستشعِر الضوء، سواء كان الضوء الأزرق الساقط على الفوتوتروبين أو الضوء الأحمر المنعكس الذي يصطدم بالفيتوكرومات، توجد على الجانب المضيء من الطرف النابت. ينتج عن تفعيل الفوتوتروبين والفيتوكروم تقليل تركيز الأوكسين، ونتيجةً لهذا يوجد مقدار أكبر نسبيًّا من الأوكسين في الخلايا على الجانب البعيد عن الشمس في الطرف النابت من الموجود على الطرف المضيء؛ ومن ثم فإن هذه الخلايا هي التي يزيد طولها. ونظرًا لأنَّ انقسام الخلية يَحدث في الوقت نفسه في الخلايا التي زاد طولها والأقصَر منها، ونظرًا لعدم قدرة الخلايا المتجاورة على الانفصال بعضها عن بعض، تكون النتيجة النهائية انحناء الطرف النابت بعيدًا عن الخلايا الأطوَل، بعبارة أخرى: بعيدًا عن الظل وفي اتجاه الضوء.

(٥) الانتحاء الشمسي

تُعتبر أوراق النباتات والأشجار المواقع الرئيسية لإجراء عملية التمثيل الضوئي؛ فأيُّ شيء أخضر اللون بسبب احتوائه على مادة الكلوروفيل من المُرجَّح أن يمتلك أيضًا البروتينات اللازمة لعملية التمثيل الضوئي. ومن أجل إجراء هذه العملية على النحو الأمثل، ظهرت لدى كثير من النباتات القدرة على توجيه أوراقها في اتجاه الشمس؛ حتى تَسقط أشعتُها على أكبر مساحة مُمكنة من الأوراق. يحدث هذا في الصباح وفي فترة ما بعد الظهيرة، عندما تكون أشعة الشمس ضعيفة نسبيًّا. أما في فترة الظهيرة، عندما تكون أشعة الشمس قوية، فتُحرِّك نباتات الانتحاء الشمسي أوراقها بحيث تكون أطرافُها فقط هي المواجهة للشمس وليس الورقة بأكملها، ويحدث هذا من أجل الحدِّ من مساحة الورقة المُعرَّضة للأشعة المباشرة للشمس؛ فالإشعاع الزائد يدمِّر خلاياها (تمامًا مثل خلايا الحيوانات). يُمتص القدر الكافي من الضوء حتى عند التعرُّض بزاوية للأشعة في منتصف النهار من أجل إجراء عملية التمثيل الضوئي على أعلى مستوًى. هذا في الأصل المقصود بمصطلح الانتحاء الشمسي:٢٤ بحثُ الأوراق عن الضوء. تختلف آلية الانتحاء الشمسي عن الانتحاء الضوئي إلى حدٍّ ما؛ إذ لا تتطلَّب إطالة — نموًّا — غير قابل للتغيير في اتجاه معين، بل عوضًا عن ذلك تتحرَّك الأوراق في أحد الاتجاهات نتيجةً لتغيُّرات يُمكن عكس تأثيرها لما يَحدث من امتلاء (ضغط) داخلها. لم تتَّضح بعدُ التفاعلات الجُزيئية الكامنة وراءها؛ لذلك لا نعرف طبيعة المستقبِل الضوئي أو البروتينات المرتبطة به. ونظرًا لأنَّ عملية الانتحاء الشمسي عملية متكرِّرة، ربما تشترك في بعض الخصائص مع الدورات اليومية؛ ومن ثم ربما تُلقي المعلومات الموجودة لدينا عن هذه الأفعال الضوءَ على الآلية المُحرِّكة للانتحاء الشمسي.

(٦) الدورات اليومية

تُشبه النباتات الحيوانات في قيامها بأفعال متكرِّرة يوميًّا، فكما ذكرنا مسبقًا، في أثناء ساعات النهار تجري عملية التمثيل الضوئي، وفي الليل تُحوِّل جزءًا من الكربوهيدرات التي صنعتها مرةً أخرى إلى ثاني أكسيد الكربون وماء في عملية عكسية.٢٥ في أثناء النهار تُفتَح كثير من الأزهار، وفي الليل تُغلَق. تتطلَّب الآلية التي تستخدمها النباتات في استشعار وجود ضوء النهار الكريبتوكرومات. يؤدِّي المحتوى البروتيني للمستقبلات الضوئية هذه عدة وظائف، أهمها «ضبط» الساعة البيولوجية. لن أتطرَّق إلى التفاصيل، ولكني سأُشير إلى وجود الكريبتوكرومات لدى الحيوانات أيضًا، فاتَّضح حتى الآن وجود الجينات التي تحدِّد شفرات هذه العائلة من البروتينات لدى ذبابة الفاكهة والفئران والبشر، ولا شك أنها توجد لدى كافة الحيوانات التي تظهر في دوراتٍ يومية.
توجد الكريبتوكرومات، مثل الرودوبسين ومستقبلات رؤية الألوان، لدى الحيوانات في الشبكية، التي تنقل منها رسائل جزيئية من خلال تفعيل جينات معينة وإيقاف عملها. يوجد المركز المتحكِّم بالكامل في الدورات اليومية داخل الوطاء، وهو جزء متخصِّص داخل المخ. يَعمل هذا المركز على تفعيل ساعة تعمل على مدار ٢٤ ساعة، ويُضبط التأثير البصَري الواقع على الشبكية هذه الساعة وفقًا لفترات النهار والليل. وعندما ينتقل حيوان أو إنسان إلى مِنطقة زمنية مختلفة، فإن الإشارات التي تَنتقل من الكريبتوكروم في الشبكية إلى مِنطقة الوطاء تعمل على إعادة ضبط الساعة،٢٦ وتُعتبر الدورات اليومية مثالًا آخر على الاستجابة الجزيئية للضوء التي ورثها الإنسان من النباتات القديمة.

(٧) حركة الجراثيم

(٧-١) البكتيريا

لا تشبه البكتيريا التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي النباتات فقط في استخدامها للطاقة الضوئية، وإنما تسعى إلى الحصول عليها؛ لذلك يوجد لدى كائن قديم مثل بكتيريا الملحاء العصوية الملحية نوعان من الرودوبسين؛ واحد لتحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية،٢٧ والآخر يَستشعِر شدة الضوء ويجعل البكتيريا تسبح باتجاهه.٢٨ فالنوع الأول من الرودوبسين يُصدر استجابةَ تمثيل ضوئي، والنوع الآخر يتسبَّب في الانجذاب الضوئي (التحرك في اتجاه الضوء). هذا وتتوفَّر الطاقة اللازمة للانجذاب الضوئي من بعض مركبات ثلاثي فوسفات الأدينوسين التي نتجت في أثناء عملية التمثيل الضوئي.
تبحث البكتيريا التي لا تقوم بعملية التمثيل الضوئي عن الغذاء وليس الضوء؛ فهي تسبح في اتجاه مصدر الأكسجين (الانجذاب الهوائي) أو إلى العناصر الكيميائية (الانجذاب الكيميائي، الذي يشتمل على آليات استشعار الطاقة). في الواقع لا تكون الحركة دومًا في اتجاه واحد، إن تركيز الأكسجين المرتفع للغاية يكون سامًّا على بعض البكتيريا (تمامًا مثل تأثيره على الحيوانات؛ تذكَّر التأثير الضار للجذور الحرَّة التي قد تتولَّد نتيجة للتركيز المرتفع للغاية للأكسجين)؛ ومن ثم فإنها تسبح بعيدًا عن مصدره، لذلك في بركة مياه أو أيِّ بيئة أخرى يوجد فيها تدرج في الأكسجين من السطح إلى الأسفل تستقرُّ البكتيريا في المستوى الأفضل لعمليات الأيض لديها. كذلك تفضِّل الأنواع المختلفة تركيزات مختلفة. على سبيل المثال، تنجذب البكتيريا العصوية الرقيقة إلى تركيز من الأكسجين لا يقل عن تشبُّع السائل بالهواء، بينما يكون التركيز الأمثل للبكتيريا الإشريكية القولونية من الأكسجين ٢٥٪، بينما يتمثَّل التركيز الأمثل لبكتيريا أزوسبيريلم برازيلنس في ٢٪،٢٩ وفي حالة المركَّبات العضوية، تَنجذب بعض الأنواع وتَنفر أنواع أخرى. توجد عادةً عوامل الجذْب الرئيسية في الطبيعة المتمثِّلة في السكريات والأحماض الأمينية (شكل ٣-٢)، في مناطق النباتات المتعفِّنة وبقايا الحيوانات.٣٠ في الواقع إنَّ أي مركَّب يستطيع نوع معيَّن من البكتيريا تمثيله غذائيًّا — تحويله إلى الدي إن إيه والآر إن إيه والبروتينات والدهون والكربوهيدرات التي تحتاج إليها في النمو، بالإضافة إلى استخدام الطاقة الصادرة من عملية التمثيل الغذائي في توفير الطاقة لعمليات التصنيع هذه — يَحتمِل أن يكون عامل جذب لها، في المقابل، فإن المركَّبات التي لا يُمكن تمثيلها غذائيًّا؛ مثل الفينول وأحماض أخرى تنفِّر البكتيريا (بالطبع باستثناء البكتيريا المحبَّة للأحماض).
fig6
شكل ٣-٢: الانجذاب الكيميائي البكتيري لدى سالمونيلا تيفيموريم. يُفرَز العديد من السوائل من طرف قطارة (أنبوب زجاجي ضيِّق) في سائل معلَّق من البكتيريا. يتحرَّك هذا النوع من البكتيريا إما في اتجاه طرف القطارة أو بعيدًا عنه. الصورة (أ) توضح الانجذاب للطعام (الحَمض الأميني سيرين)، والصورة (ب) توضِّح النفور بسبب المواد الكيميائية الضارة (الفينول). يَنتهج شكلٌ طافر معيَّن من السالمونيلا تيفيموريم سلوكًا عكسيًّا؛ فيَنجذب للفينول ويَنفر من السيرين، لاحظ أن السالمونيلا تيفيموريم هي قريب غير ضار للنوع المُمرض للغاية السالمونيلا التيفية، إلا أنهما انفصَلا منذ أكثر من ١٠٠ مليون سنة، وهو الإطار الزمني الذي تطوَّرت فيه بالكامل فصيلة الثدييات. ظهرت هذه الصورة في الأصل في بحث نشَره بي إيه روبيك ودي إي كوشلاند، في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، الولايات المتحدة الأمريكية، العدد ٧٥، ٢٨٢٠–٢٨٢٤، ١٩٧٨، التي أُعيدت طباعتها منها بإذن.
أشرتُ طوال حديثي هذا إلى أن البكتيريا لديها القدرة على السباحة في أي اتجاه. سأوضِّح فيما يلي كيف يَحدث هذا. توجد لدى البكتيريا المتحرِّكة زائدة شبيهة بالسوط تدور؛ ومن ثم تدفع الخلية إلى الأمام، فلا يَختلف هذا كثيرًا عن مروحة محرِّك الدفع الخارجي أو مروحة باخرة عملاقة. يوجد مع ذلك اختلاف واحد أساسي؛ فالزائدة الشبيهة بالسوط، المتحرِّكة لدى بكتيريا مثل الإشريكية القولونية (التي أذكرها فقط لأنها من أفضل أنواع البكتيريا التي خضعت للدراسة) تدور أولًا في اتجاه (لنقُلْ في اتجاه عقارب الساعة)، ثم بعد فترة تغيِّر حركتها إلى الاتجاه المقابل (عكس عقارب الساعة)، وينتج عن هذا حركة عشوائية، مثل ورقة شجر تدور على سطح الماء، يَدفعها الهواء أولًا في أحد الاتجاهات ثم في اتجاه آخر. يتمثَّل أحد الاختلافات الأخرى بالطبع في أن الطاقة اللازمة لدوران الجزء الدوار المحرِّك للبكتيريا لا تأتي من احتراق وَقود معين، وإنما من المحول الكوني للطاقة الكيميائية؛ ثلاثي فوسفات الأدينوسين. لكن لا تَعتقد أن هذه المحرِّكات البكتيرية بطيئة؛ فهي تدور بمعدَّل نحو ١٨ ألف دورة في الدقيقة، وهذا ليس سيئًا مقارنةً بمروحة قارب بخاري صغير (١٨٠٠ دورة في الدقيقة) أو مروحة سفينة حربية (٣٠٠ دورة في الدقيقة).٣١ إذا كانت الحركة بفعل هذه الزائدة الدوارة عشوائية، فكيف يُمكن للبكتيريا التحرك في اتجاه أحد عوامل الجذب وبعيدًا عن عامل منفِّر؟ يرجع هذا إلى منع الحركة العكسية لهذا الدوار أو الحث عليها، ونتيجةً لهذا في الحالة الأولى تكون الحركة المفضلة في اتجاه المصدر، وفي الحالة الثانية بعيدًا عنه.
لا يَقتصر حدوث الانجذاب الكيميائي على البيئات المائية فحسب، وإنما يَحدث أيضًا في التربة. تدخل البكتيريا الجذرية، التي تُوجَد علاقة تكافُل بين كثير منها وجذور النباتات، تحت هذه الفئة. يحدث التكافل بسبب قدرة البكتيريا على «تثبيت» النيتروجين؛ أي أكسدة غاز النيتروجين الموجود في الجو وتحويله إلى أيون النترات، الذي يستخدمه النبات كمصدر للحصول على النيتروجين.٣٢ في المقابل، يُصنِّع النبات مركبات عضوية، تنمو عليها هذه البكتيريا. فهذه المركبات العضوية تمثِّل المحفِّزات الجذابة للانجذاب الكيميائي.

يَحدث نوع آخر من الحركة بفعل مِغناطيسية الأرض، فتسبح بكتيريا مثل ماجنيتوسبيريلم ماجنيتواكتيكوم على طول الخطوط المِغناطيسية، فتسبح في نصف الكرة الأرضية الشمالي في اتجاه القطب الشمالي، ونصف الكرة الجنوبي في اتجاه القطب الجنوبي؛ فيتسبَّب المجال المِغناطيسي في تحويل حركتها العشوائية إلى سباحة في اتجاه واحد فقط، لكنها أيضًا تبحث عن تركيز الأكسجين الذي له أهمية بالغة في نموها؛ ومن ثم نجدها في بحيرة أو محيط تتجمَّع في الطبقة الموجودة تحت السطح مباشرة التي يكون تركيز الأكسجين فيها بمستوًى مناسب. ولذلك أُطلق على حركة هذا النوع من البكتيريا اسم الانجذاب الهوائي المِغناطيسي. وعليه نجد هنا علاقة أخرى بين بحث الجراثيم والحيوانات؛ فالطيور مثل الحمام، والأسماك والنحل، كلها تشبه البكتيريا الانجذابية المِغناطيسية في استخدامها لبوصلة داخلية — جزيئات فعلية من أكسيد الحديد (الماجنيتيت) — في توجيه أنفسها في أثناء رحلات كلٍّ منها.

تبحث كثير من أنواع البكتيريا أيضًا عن شيء آخر؛ سطح تنمو عليه. أحد الأمثلة على هذا العتائقُ التي تعيش في المياه الساخنة المالحة على جزء معيَّن من الشاطئ في أستراليا الغربية؛ فهي تشكِّل حرفيًّا سلسلة من الحصائر الواحدة فوق الأخرى، في هذه الحالة يكون سطحها هو نفسه الحافز. ويوجد مثال آخر على هذا في البكتيريا التي تصيب الجزء السفلي من أمعائنا؛ لا تكون كلها مسبِّبة للمرض، وإنما على العكس من ذلك، فإن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية يكون له أحيانًا تأثير عكسي بالقضاء على البكتيريا غير الضارة التي تمنع طبيعيًّا إنشاء مُستعمَرات مُمرِضة، ويتمثل السطح الذي تتعلق به البكتيريا المعوية في الطبقة المخاطية للخلايا الظهارية. ويُجري العلماء حاليًّا أبحاثًا من أجل التوصل إلى طُرق تشجِّع البكتيريا غير الضارة، مثل معظم سلالات الإشريكية القولونية، على التعلق بهذه الطبقة؛ ومن ثم منع التصاق الأنواع الممرِضة مثل الإشريكية القولونية ٠١٥٧.٣٣

(٧-٢) الطلائعيات٣٤

أحد الأمثلة البارزة على الانجذاب الذاتي تظهر لدى كائن يُدعى أميبا ديكتيستيلم القرصية. يُعرف هذا النوع من الفطر باسمه الشائع؛ العفن الغروي. تتكوَّن دورة حياة هذا الكائن من مرحلتين؛ في المرحلة الأولى تنمو خلايا فردية وتتضاعف، مثل البكتيريا، لكن عندما يَنفد مصدر طعامها تبدأ المرحلة الثانية، فيَجذب محفِّز انجذاب كيميائي الخلايا الفردية حتى تكوِّن بوغًا واحدًا عملاقًا من خلايا غير مُنقسمة (شكل ٣-٣). يتعرض هذا البوغ لعدة تغيرات في الشكل حتى يتفكَّك في النهاية إلى خلايا منفردة، التي بمجرَّد وصولها إلى بيئة يتوافَر فيها الغذاء، تبدأ عملية انقسامٍ خلويٍّ مرة أخرى. يتمثَّل محفِّز الانجذاب الكيميائي هذا في جزَيْء يُدعى أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي. إن هذا الجزَيْء مشتَقٌّ من ثلاثي فوسفات الأدينوسين، ويلعب دورًا في مسارات الإشارات، مثل التي تنقل تأثير الهرمونات إلى الخلايا المُعرَّضة للخطر، في كلِّ نوع من الكائنات العليا، بدايةً من الفُطر حتى النباتات والحيوانات.
fig7
شكل ٣-٣: بحث الطلائعيات. (أ) الانجذاب الذاتي للديكتيستيلم القرصية (نوع من الأميبا يُسمى أيضًا العفن الغروي). (أ)–(ﺟ) مع نفاد العناصر الغذائية من الكائنات التي تنمو على وسط صناعي، تتوقف عن الانقسام وبدلًا من ذلك تبدأ في التجمُّع، وتكوِّن في النهاية كرة واحدة من الخلايا، تظهر من أعلى في الشكل (د). إذا نظرنا إليها من الجانب نرى أن هذه الكرة تتكوَّن من منطقتين؛ ساق وجزء علوي أو جسم مُثمِر (وهو الذي يُخرج في النهاية أبواغًا مستعدَّة لتبدأ في النمو والانقسام في صورة خلايا فردية مرةً أخرى). للمزيد من التفاصيل انظر متن الكتاب، وكذلك كتاب سي إيه باسترناك «كيمياء حيوية للتمايز»، مؤسسة وايلي إنترساينس، نيويورك، ١٩٧٠، التي أُعيدت منها طباعة هذا الشكل بإذن.

يُكوِّن مصدر أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي الذي يتسبَّب في تجمُّع أميبا ديكتيستيلم القرصية الكائن نفسه، فتبدأ أول خلايا تتعرض لنقص العناصر الغذائية في إفراز أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي. يجعل هذا الخلايا الأخرى تذهب إليها، وفي النهاية يتحول هذا التجمُّع المتزايد مِن أميبا الديكتيستيلم القرصية إلى تكوينٍ تَطغى عليه الأبواغ. تَشيع المواد الكيميائية التي تجذب الكائنات بعضها إلى بعض في عالم الحيوان، تعمل عدة جزيئات، تُعرف إجمالًا باسم الفيرومونات، كوسيط في الانجذاب بين الذكر والأنثى في معظم الحيوانات؛ بدايةً من الحشرات وحتى القطط والكلاب، والنمور والأسود، حتى البشر (على الأقل حتى اختراع مزيلات العرق والغسيل المستمر للأعضاء الجنسية). تمثِّل الرؤية عامل جذب على القدر نفسه من قوة جذب الرائحة؛ مثل تجمُّع المُفترِسات حول إحدى الفرائس أو حول فتحة مياه، أو تجمُّع البشر عند رؤية حادث أو مهرِّج في الشارع، كما أنَّ صوت مغنٍّ في الشارع أو حفل في الهواء الطلق يكون له التأثير نفسه على البشر ليَجتمعوا، تمامًا مثل تأثير قرع أجراس الكنائس أو نداء المؤذِّن؛ فبالتأكيد يوجد الكثير من القواسم المشتركة بين سلوك البشر وسلوك العفن الغروي.

fig8
شكل ٣-٤: (ب) تفادي الستنتور (نوع من البروتوزوا ذات الأهداب) للسُّميَّة. (أ) عند تناول الطعام يُثبِّت الستنتور نفسه على سطحٍ ما باستخدام ساقه، وتُدخِل الأهداب التي تمتد على طول الجزء الخارجي منه الجسميات إلى داخل مِنطقة الفم. (ب) إذا وضع مُعلَّق من جسيمات صبغة الكارمين من قطارة، فإن هذا الكائن يستدير مبتعدًا عن هذا المُحفِّز البغيض. (ﺟ) إذا استمر وضع المحفِّز، فإن الأهداب تعكس حركتها بحيث تطرد الماء. (د) إذا فشلت هذه المناورة أيضًا في التخلُّص من الجسميات الضارة، فإن الكائن يَنكمش ويَفصل ساقه عن السطح ويسبَح (ﻫ) إلى موقع آخر. أُعيد رسم هذه الصور بإذن من مؤلف كتاب «تحركات الخلية» دينيس براي، جارلاند، نيويورك، ١٩٩٢.
تؤدِّي أنواع أخرى من الطلائعيات صورًا أخرى من البحث؛ فتَسعى البروتوزوا مثل الستنتور إلى تجنُّب المحفِّزات الضارة بالأسلوب الذي تتبعه البكتيريا؛ فهي تستخدم أهدابها في تحريك نفسها بعيدًا عن الخطر والانتقال إلى موضع جديد (شكل ٣-٣، ٣-٤). في أثناء سعيها هذا يتغير شكل طلائعيات معينة. تفعل خلية تشبه الأميبا تُدعى العفن الغروي أصفر اللون هذا في أثناء بحثها عن الطعام. وقد وصل الحد بأصحاب إحدى المقالات ذات الصلة إلى استنتاج أن «هذه العملية المذهلة من الحساب الخلوي تُشير إلى أن المادة الخلوية يمكن أن تظهر عليها علامات ذكاء بدائي.»٣٥

(٨) وحدة الجزيئات

شرحتُ عملية البحث عن وسائل النمو التي تتبعها الكائنات التي ننحدرُ منها، سواء أكانت هذه الوسائل جزيئات الضوء أم الجزيئات العضوية. بقيَتِ الجزيئات المستشعرة للضوء مثل الريتينول والفلافين طوال عملية التطور، وانطبق الأمر نفسه على كثير من البروتينات. يوجد داخل البروتين الضوئي للنباتات تسلسُلٌ من نحو ٢٧٠ حمضًا أمينيًّا توجد أيضًا في بروتينات كائنات أخرى. في حالة البكتيريا التي تنفِّذ عملية التمثيل الضوئي، التي يرتبط فيها بروتين يحتوي على التسلسل المكوَّن من ٢٧٠ حمضًا أمينيَّا بالفلافين كما في حالة الفوتوتروبين، تكون نتيجة تفعيل الفوتوتروبين بفعل الضوء حركة الكائن نحو مصدر الضوء. أما في حالة البكتيريا التي لا تقوم بعملية التمثيل الضوئي، فإنَّ هذا التسلسُل من ٢٧٠ حمضًا أمينيًّا نفسه يُشارك في استجابتها لمصدر الطعام؛ الجزيئات العضوية والأكسجين.

إن البكتيريا ليست هي الكائنات الوحيدة التي تَستشعر الأكسجين؛ فالحيوانات تستجيب لتركيز الأكسجين في أنسجتها،٣٦ وهي أيضًا لديها بروتينات تحتوي على تسلسُل من ٢٧٠ حمضًا أمينيًّا. يستجيب بعضٌ من هذه البروتينات لتركيز الأكسجين، بينما تتأثَّر أخرى بفرق الجهد على امتداد غشاء خلاياها، فتلعب قدرة الغشاء دورًا مهمًّا في نقل النبضات العصبية من مِنطقة لأخرى في الجسم؛٣٧ لهذا السبب يُطلق على التسلسل المكوَّن من ٢٧٠ حمضًا أمينيَّا لجزَيْء الفوتوتروبين الشائع لدى البكتيريا والنباتات والحيوانات اسم نطاق «إل أوه في»؛ بمعنى القادرة على استشعار الضوء والأكسجين والجهد، ومؤخرًا استُبدل بهذا الاختصار حروف «بي إيه إس».٣٨

يشتمل المحتوى البروتيني للفيتوكرومات أيضًا على نطاق بي إيه إس، ولا يقتصر هذا فقط على الفيتوكروم الموجود في النباتات والبكتيريا التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي، وإنما يوجد أيضًا في بروتينات البكتيريا والفطر التي لا تقوم بعملية التمثيل الضوئي؛ حيث يَستشعر نطاقُ بي إيه إس المكونات العضوية؛ كلًّا من العناصر الغذائية والسموم، بالإضافة إلى درجة الحرارة ودرجة الحموضة والظروف البيئية الأخرى. حتى الآن لم تَردْ تقارير عن وجود البروتينات التي تشبه الفيتوكروم لدى الحيوانات، لكن بما أننا تمكَّنَّا حتى الآن من تحديد تسلسل الجينوم لأربعة حيوانات؛ دودة تُسمى الربداء الرشيقة، وسمكة دانيو مخطَّط، والفأر، والإنسان، أصبح من المُمكن اختبار مثل هذا الاحتمال.

لقد تعرَّفنا إجمالًا على أكثر من ٢٠٠ بروتين تحتوي على نطاق بي إيه إس،٣٩ وتكون عواقب تفعيل هذه البروتينات واحدة، سواء كانت تؤدِّي وظيفتها في بكتيريا أو نباتات أو حيوانات. في كل حالة يَرتطم محفِّز بمُستقبِل يُكوِّن البروتين الذي يحتوي على نطاق البي إيه إس. قد يكون هذا المحفِّز ضوءًا (وهو الذي يَستشعر وجودَه مبدئيًّا في هذه الحالة المكوِّنُ المستقبِل للضوء) أو أيِّ حالة من الحالات التي ذُكرت للتوِّ، وربما تظهر مع ذلك محفزات إضافية؛ ومن ثم يتبع ذلك تغيُّر طفيف في شكل بروتين بي إيه إس. في بعض الحالات يعمل بروتين بي إيه إس مثل الإنزيم؛ فيُضيف مجموعة فوسفات إلى بروتين آخر، يُدعى المستقبِل. في حالات أخرى يرتبط بروتين بي إيه إس المفعَّل ببساطة بالمستقبِل. في كلتا الحالتَين يتعرَّض المستقبِل الآن إلى تغير طفيف في الشكل، ويبدأ الاستجابة الحيوية. يلعب مثلُ هذا التفاعل بين بروتين وآخر دورًا مهمًّا في نقل كلِّ نوع من الإشارات الحيوية فعليًّا. في كثير من الحالات يُشكِّل تفعيل جينات معيَّنة أو إيقافها، ومن ثم تغيير تركيز البروتينات المتعلِّقة بها، أساسَ هذه الاستجابة. وفيما يخصُّ علاقة هذا بالآليات التي تنفِّذ بها الكائنات عمليات بحثها عن الضوء والعناصر الغذائية باستخدام الرؤية، فإنَّ نطاق بي إيه إس يمثِّل تكوينًا جزيئيًّا يَكمُن في صلب موضوع هذا الكتاب؛ شيوع السعي بدايةً من الجراثيم حتى الإنسان.

خاتمة

تظهَر بوضوح الميزة الجينية للقدرة على الاتجاه نحو الضوء، عندما تكون أشعة الشمس هي المصدر الوحيد الذي تُستمدُّ منه الطاقة، فستنمو النباتات التي لديها القدرة على تنفيذ الانتحاء الضوئي والانتحاء الشمسي أكثر من مثيلاتها التي تَفتقر إلى هذه الآليات، فتنمو أسرع، وتُنتج المزيد من الأزهار والبذور؛ ومِن ثم تتنافس بنجاح أكبر على الضوء والمساحة. وكذلك فإن الجراثيم التي يُمكنها استشعار مصدر الغذاء أو الضوء ثم دفْع نفسها في اتجاهه تتفوَّق في التكاثر على تلك التي لا تُنمي لديها هذه القدرات جيدًا. وفي كلِّ حالة تؤدِّي سرعة النمو والتكاثُر إلى احتفاظٍ انتقائي بالجينات المناسبة. ينطبق الأمر نفسه على الرؤية؛ فالحيوانات التي تتمتَّع بقدرة أفضل على لمح المُفترِسات أو الفرائس تكون فرصتُها للبقاء على قيد الحياة أفضل من التي تعاني من ضعف في حاسَّة البصر، وتمثِّل القدرة على رؤية الألوان الموجودة لدى الرئيسيات ميزةً إضافية. إنَّ حقيقة وجود تشابه بين البروتينات التي تكمن وراء القدرة على إدراك الضوء، من بكتيريا الملحاء العصوية إلى نبات الكركديه، ومن سمك الرنجة حتى الإنسان، توضِّح شيوعَ السعي بين الكائنات.

يُمكن تفسير كافة الآليات التي شرحتُها تقريبًا على أنها استجابات سلبية لمحفِّزات معينة، مثل الضوء والطعام، وأنها لا تمثِّل بحثًا نشطًا بمعنى ما تقوم به الحيوانات والإنسان، لكنَّنا يجب ألا نتقيد بكلمات مثل نشط وسلبي التي أصبحت مرتبطة بأفعال عالم الحيوان، فهل يُمكننا بالفعل وصف التقاط مصيدة فينوس (خناق الذباب) لذبابة بأنها عملية سلبية؟ تذكَّر أن هذا النبات لا يصدُّ فحسب هجمات الذباب، وإنما ينقضُّ عليه تمامًا مثلما ينقضُّ أسد على غزال، ولا يحفِّز أي جماد، مثل حصاةٍ صغيرة أو فرع شجرة، عملية الاصطياد هذه؛ فيُميِّز النبات بين الأشياء الحية والميتة؛ فهو مفترس أصيل آكل للحم يبحث عن فريسته. ربما تُجيب عن هذا بأن الأسد يبحث فعليًّا عن فريسته قبل الانقِضاض عليها، لكنَّ الذبابة لن تأتي لتَرتاح على إحدى أوراق النبات إن لم يُفرز النبات في المقام الأول رحيقًا يَجذبها. يذهب نوعٌ فريدٌ من نبات جرة بورنيو، النابنط أبيض الحواف، إلى أبعد من هذا؛٤٠ فعلى العكس من أنواع النابنط الأخرى، يميِّز النابنط أبيض الحواف بين مصادر الطعام؛ فلا يمسُّ النمل أو الخنافس أو الذباب، بينما يفترس النمل الأبيض بالآلاف في مرة واحدة. كيف يستطيع النبات فعل هذا؟ هذا لأنه يقدِّم للنمل الأبيض مصدرًا من الغذاء لا يَستطيع مقاومته، على عكس الحشرات الأخرى؛ شعيرات الحافة البيضاء الموجودة في ملامظ أو «فم» النبات. بعد تناول هذه الشعيرات يَفقد النمل الأبيض توازنه ويُصبح غير قادر على التسلُّق خارج النبات؛ فيَسقط داخل وعاء النبات وتهضمه إنزيمات النبات القوية. بعبارة أخرى: يبادل نبات الجرة بعضًا من شعيراته في مقابل وجبة مُغذية من النمل الأبيض.
من وجهة نظر اختزالية، تلك التي يحب العلماء مثلي رؤية العالم من خلالها، يُصبح الاختلاف بين الأفعال النشطة والسلبية، والاستجابات الإرادية واللاإرادية غير واضح. أنا لا أنكر وجود إرادة حرة؛ فنحن نَشترك مع معظم الحيوانات في اختيارنا للأفعال التي نقوم بها. ما أتحدث عنه هو التفاعُلات الجزيئية التي تكمن وراء هذه الأفعال، التي يتطلَّب كثير منها استخدام نطاق بي إيه إس نفسه الموجود داخل البروتينات ذات الصلة. إن النبات يشعر بالضوء وينمو في اتجاهه، وتحدث هذه الاستجابة بفعل نوع مِن الجزيئات (الأوكسين). كما يَشعر الطير ببزوغ الفجر ويستيقظ، وتحدث هذه الاستجابة بفعل هرمون آخر (الميلاتونين) الذي يُشارك في عملية الدورات اليومية. أما الشمبانزي والإنسان فيبدآن بحثهما عن الطعام عند شعورهما بالجوع، وتحدث هذه الاستجابة بسبب حدوث تغيُّر في تركيز جزَيْء يُسمى اللبتين. تبحث الحيوانات والبشر عن زوج، وتحدُث هذه الاستجابة بفعل هرمونات (التيستوستيرون لدى الذكور، والإستروجين لدى الإناث). حتى البحث المدفوع بالفضول لدى الإنسان يكون في الغالب لا إراديًّا؛ فبعض الناس لا يستطيعون التحكُّم في رغبتهم في حلِّ أُحجية الكلمات المتقاطعة بمجرَّد فتح جريدة أو مجلة، بينما يبحث آخرون آليًّا في جيب كل ما يَرتدونه عندما يُدركون أنهم لم يرَوْا مستندات سفَرهم منذ فترة (وتكون في حافظة نقودهم في النهاية)، بينما يضغط البعض تلقائيًّا على كل قناة في التليفزيون بمجرَّد دخولهم إلى إحدى الغرف في فندق،٤١ في حين يُجبِر آخرون أنفسهم على أن يستعرضوا في أذهانهم كل سؤال محتمَل يمكن أن يُطرَح عليهم في مقابلة الغد (ولا يتمكَّنون من الحصول على قسط مناسب من الراحة في هذه الليلة نتيجة لذلك). هل تختلف حقًّا استجابات البشر للمحفِّزات عن استجابات النباتات؟

هوامش

(١) أدى اصطدام جسم من الفضاء الخارجي بالأرض في زمن مبكِّر إلى قذف جزءٍ ضخم منها إلى خارجها ليُكوِّن القمر.
(٢) إن التفسير الراجح لهذا أنَّ الغازات التي كانت تدور حول القِشرة الأرضية في هذا الوقت، ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين مع كَمِّيات أقل من الميثان والأمونيا؛ تحوَّلت إلى جزيئات أكثر تعقيدًا بفعل الخصائص التحفيزية للأسطح غير العضوية، مثل سيليكات الألمونيوم، التي توجد داخل شقوق الصخور أو في الفتحات الحرارية المائية التي توجد تحت سطح المحيط. تكوَّنت بالتدريج الجزيئات المرتبطة بالوحدات المكونة للبروتينات (الأحماض الأمينية) والآر إن إيه (النيوكليوتيدات)، وكذا بعض الكربوهيدرات البسيطة والدهون، وظهر الدي إن إيه فيما بعد. جاءت الطاقة المطلوبة لتحريك مثل هذه التفاعلات التصنيعية من البرق، أو من اصطدام جسيمات من الفضاء الخارجي بسطح الأرض، أو من انفجارات بركانية فوق سطح الأرض أو في قاع البحر.
(٣) يُعتبر السؤال عن كيفية بدء الانقسام الذاتي أحد أكثر الأسئلة المثيرة للاهتمام، لكن غير المُجاب عنها، في مجال علم الأحياء النمائي. ورَد وصف بعض أشكال المحاكاة الحاسوبية التي تتعامل مع هذه المشكلة في مقال جيرالد إف جويس «بدء الحياة»، مجلة نيتشر العدد ٤٢٠: ٢٧٨-٢٧٩، ٢٠٠٢، ومقال بيتر سزابو وآخرين «تُظهر المحاكاة الحاسوبية أن أماكن التكرار الجيني ذات الانتشار المحدود تتطور نحو زيادة الكفاءة والدقة.» مجلة نيتشر العدد ٤٢٠: ٣٤٠–٣٤٣، ٢٠٠٢.
(٤) لا يتقبل الجميع أن ما تبدو أنها جراثيم متحجِّرة عُثر عليها في صخور ترجع إلى ٣٫٥ مليارات سنة هي بالفعل بقايا خلايا حية. انظر على سبيل المثال مقال هنري جي «أهذه حياة؟»، مجلة نيتشر، العدد ٤١٦: ٢٨، ٢٠٠٢.
(٥) إلا أنَّ العتائق ليست في الواقع أسلاف البكتيريا الحالية؛ فيبدو أنهما انفصلتا بعد الوقت الذي عاش فيه سلفُهما المشترك، ربما منذ ٢٫٥ مليار سنة، وعن طريق مقارنة البروتينات التي تؤدي وظيفة متشابهة لدى البكتيريا والعتائق والنباتات والفطريات والحيوانات، استطاع راسل إف دوليتل تكوين «شجرة الحياة» التي توضِّح أصول هذه الممالك الخمسة التي تظهر في هذا التسلسل المذكور. انظر مقال راسل إف دوليتل وآخرين «تحديد أوقات انفصال الممالك الكبرى للكائنات الحية باستخدام ساعة بروتينية»، مجلة ساينس العدد ٢٧١: ٤٧٠–٤٧٧، ١٩٩٦، ونسخة محدَّثة لدى جون مادوكس، المرجع السابق، ص٢٦٢.
(٦) تعيش عتائق معيَّنة في درجة حرارة ١١٣ درجة مئوية.
(٧) كان السلف المشترَك للنباتات والحيوانات نوعًا من خلية بدائية اكتسبت صفات تكوين نواة بداخلها، فالنواة التي تختفي قبل كل انقسام للخلية ويُعاد تكوينها في الخليتين الوليدتين؛ تحتوي على معظم الدي إن إيه الخاص بالخلية. مع تفتُّت غشاء النواة يُصبح الدي إن إيه متجمِّعًا داخل الكروموسومات، وبمجرَّد دخول مجموعة كاملة من أزواج الكروموسومات داخل كل خلية وليدة، ينحلُّ الدي إن إيه (جزئيًّا) مرةً أخرى. تشمل الخلايا المُنَوَّاة الفطريات، مثل الخميرة (التي يوجد تشابُه بنسبة ٦٠٪ بين الدي إن إيه الخاص بها ودي إن إيه الإنسان)، بالإضافة إلى خلايا الحيوانات والنباتات. تُعرف الخلايا المُنواة بأنها حقيقية النوى؛ لتمييزها عن الخلايا الأصغر حجمًا مثل البكتيريا التي تَفتقر إلى وجود نواة، والتي تُسمى بدائية النوى. ظهرت أول خلية حقيقية النواة منذ نحو ٢٫٥ مليار سنة، وهي السلف المشترك للخلايا الموجودة حاليًّا في النباتات والفطريات والحيوانات.
(٨) مقال مارك إيه سيفتون «البداية الحلوة للحياة؟» مجلة نيتشر، العدد ٤١٤: ٨٥٧، ٢٠٠١، ومقال جورج كوبر وآخرين «النيازك الكربونية كمصدر للمركبات العضوية المرتبطة بالسكريات على كوكب الأرض في مرحلة مبكرة»، مجلة نيتشر، العدد ٤١٤: ٨٧٩–٨٨٣، ٢٠٠١، ومقال إيفرت إتش إل شوك «بذور الحياة؟» مجلة نيتشر، العدد ٤١٦: ٣٨٠-٣٨١، ٢٠٠٢.
(٩) الأحماضُ الأمينية في البروتينات، والأدينين والسيتوسين والجوانين والثيامين في الدي إن إيه، والأدينين والجوانين والسيتوسين واليوراسيل في الآر إن إيه، وهكذا.
(١٠) مقال فريد هويل وشاندرا ويكراماسينج «الحياة في الكون: التطور والصدفة» مجلة ذا بيوكيميست (التي تنشرها جمعية الكيمياء الحيوية في المملكة المتحدة)، عدد ديسمبر: ١١–١٨، ١٩٩٩. لكن انظر أيضًا تفنيدًا لأفكارهما من أثيل كونيش-بودين وماريا لوز كارديناس «الحياة على الأرض: احتمال وجود أصل كوني»، ذا بيوكيميست، عدد أبريل: ٣٥–٣٨، ٢٠٠٠.
(١١) تَحتوي أيضًا على جزيئات طبيعية مضادة للتجمد.
(١٢) لأنها تمتصُّ الأشعة تحت الحمراء التي تنبعث من الأرض عند سقوط ضوء الشمس عليها؛ ونتيجةً لهذا فإن هذه الأشعة لا تعود مرةً أخرى إلى الفضاء، وإنما تبقى محبوسة داخل الغِلاف الجوي للأرض، مما يؤدِّي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض. كانت مستويات ثاني أكسيد الكربون في الأصل أعلى من هذا بكثير، ولكنها منذ ٣٫٥ مليارات سنة انخفضَت إلى المستويات الضئيلة الموجودة في عصرنا الحالي، كما أن درجة الحرارة على الأرض لم تتقلَّب صعودًا أو هبوطًا منذ هذا الحين بأكثر من ١٠ درجات مئوية، بمعدَّل متوسِّط نحو درجة مئوية واحدة كل ألف سنة. يحدُث توازن بالطبع بين هذه التغييرات حتى تسمَح بوجود اختلافات يومية وجغرافية؛ فتَنخفض درجة الحرارة في القطبين إلى أقل من −٤٠ درجة مئوية في الليل، وتَرتفع عند خط الاستواء إلى أكثر من +٤٠ درجة مئوية في أثناء النهار. ومع ذلك، يتطلَّب الأمر فقط حدوث انخفاض بمقدار ١٠ درجات مئوية حتى تمتدَّ الصفائح الجليدية القطبية بما يَكفي لتُشكِّل عصرًا جليديًّا. كان أحد العصور الجليدية الأولى استثنائيًّا؛ فحتى خط الاستواء كان متجمِّدًا ولم تستمرَّ الحياة إلا في المياه تحت الألواح الجليدية. حاليًّا نحن نعيش في فترة ما بين العصور الجليدية؛ إذ انحسر آخر عصر جليدي منذ نحو ١٢ ألف سنة. تُؤذي الحرارة المفرطة جزيئات الحياة تمامًا مثل البرد المُفرِط؛ فتَنكسر الروابط الهيدروجينية التي تحافظ على تماسُك أشرطة الدي إن إيه في درجات حرارة تفوق ٦٠ درجة مئوية، كما تبدأ البروتينات أيضًا عند درجة حرارة ٨٠ درجة مئوية في التحلل، وهذا في الأصل ما نفعله عند تعقيم الأدوات الجراحية أو غلي الطعام؛ فنحن نقتُل الجراثيم التي ربما توجد فيها من خلال تدمير بنية الدي إن إيه الخاصة بها وبروتيناتها.
(١٣) تَستخدم الوطاويط الآكلة للحشَرات، التي يوجد منها أكثر من ٩٠٠ نوع، الموجات فوق الصوتية لتحديد مكان فريستها.
(١٤) مايكل جوزيف، لندن، ١٩٥١.
(١٥) النباتات — عملية التمثيل الضوئي:
6CO2 (ثاني أكسيد الكربون) + 6H2O (ماء) + طاقة ضوئية C6H12O6 (كربوهيدرات) + 6O2 (أكسجين)
الحيوانات — عملية التنفس:
C6H12O6 + 6O2 ← 6CO2 + 6H2O + طاقة كيميائية
(١٦) إن ثلاثي فوسفات الأدينوسين (الذي له القاعد النيتروجينية نفسها (الأدينين) الموجودة في الدي إن إيه والآر إن إيه، انظر شكل ١-١)، هو جزَيْء صغير يعمل كمحول للطاقة في كل خلية موجودة لدى كل كائن حي، بدايةً من العشْب (التمثيل الضوئي) حتى الغوريلا (التنفس). إنه الوسيط الأساسي ليس فقط في تحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية في النباتات والبكتيريا ذاتية التغذية (وفي الاتجاه المعاكس لدى الحيوانات الباعثة للضوء مثل الخنافس المضيئة)، وإنما أيضًا في تحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية في الجهاز العصبي لدى الحيوانات. يشمل هذا بالطبع عملية الإبصار؛ فعند حيوانات مثل الأنقليس الرعاد، الذي يوجد لديه عدد هائل من العصبونات من أجل توليد نبضات كهربائية، يكون الجهد الكهربائي الصادر — نحو ٧٥٠ فولتًا — كافيًا لصعق حتى أكبر الفرائس. يكون ثلاثي فوسفات الأدينوسين أساسيًّا أيضًا في تحويل أحد أشكال الطاقة الكيميائية، مثل الكربوهيدرات، إلى شكل آخر من الطاقة الكيميائية، مثل الدهون.
(١٧) إن الضوء المرئي، سواء كان جسيميًّا أو في صورة موجة، هو خليط من انبعاثات تنتقل بسرعات مختلفة قليلًا. توضح نظرة إلى قوس قُزح هذه الاختلافات فيما يتعلق بالألوان؛ فالضوء الأزرق على سبيل المثال يَنتقل أسرع من الضوء الأحمر؛ يرجع السبب في هذا إلى أن طول موجته أقصر ومن ثم تكون الطاقة الكامنة فيها أكبر، أما الضوء الأخضر والأصفر فينتقلان بأطوال موجةٍ متوسِّطة بين الضوء الأزرق والضوء الأحمر. إن الطَّيف الضوئي الذي نستطيع رؤيته يمتدُّ من الضوء الأزرق الأرجواني بطول نحو ٤٠٠ نانومتر حتى الضوء الأزرق الغامق عند ٧٥٠ نانومترًا. وحتى نضع الضوء المرئي في سياق الإشعاعات الأخرى، نُذكِّر القارئ أن ١ نانومتر هو واحد على مليار من المتر، وأن الضوء فوق البنفسجي، الذي لا نستطيع رؤيته بأعيننا ولكنه يتفاعل مع الجزيئات في أجسامنا (مثل الدي إن إيه والبروتينات) على نحوٍ ضار، طول موجته أقصر (نحو ١٠٠ نانومتر). أما الأشعة السينية وأشعة جاما فطول موجاتهما أقصر من ذلك، فيصل إلى أقل من ١ نانومتر؛ ومن ثم فإن الطاقة الموجودة بهما تكون أكبر بكثير، كما أنهما تتسبَّبان في ضرر أكبر. على العكس من ذلك، فإنَّ الإشعاعات تحت الحمراء والمتناهية الصغر (الميكروويف)، تكون موجاتها أطول (تتراوح من ملِّيمتر إلى متر)، كما أن موجات الراديو تكون أطول من ذلك (تصل إلى آلاف الأمتار).
(١٨) إن السبب في ظهور الأشياء ملونةً في المقام الأول هو أن الجزيئات الموجودة على سطح هذه الأشياء تمتصُّ الضوء بطول موجي معيَّن دون الآخر؛ ومن ثم فإن الضوء المُنعكِس الذي يسقط على الشبكية في أعيننا يفتقر إلى بعض مكونات الضوء المرئي؛ فنحن نمتص فقط الضوء المتبقي. على سبيل المثال، تبدو أوراق النباتات خضراء اللون لأنها تحتوي على مادة الكلوروفيل، يمتصُّ الكلوروفيل الضوء في كل من النهاية الزرقاء والنهاية الحمراء للطَّيف الضوئي؛ ومن ثم فإنَّ الضوء الوحيد الذي يصل إلينا يكون الضوء المتبقِّي؛ الضوء الأخضر. أما الجزر فيبدو برتقالي اللون لأنه يحتوي على مادة الكاروتين، ويرجع لون الطماطم الأحمر إلى وجود مادة الليكوبين بالإضافة إلى مادة الكاروتين بها. وربما يكون ارتداء نظارات شمس زرقاء اللون من الأناقة ولكنَّه أمرٌ خطيرٌ على السائقين؛ فإن اللون الأزرق يمتصُّ الضوء الأحمر؛ ومن ثم يسهل أن تغفل الانتباه إلى إشارة المرور التي تدعوك إلى التوقُّف. أما الأشياء التي لا تحتوي على جزيئات حساسة للضوء فتُرى ببساطة بيضاء (يَنعكس الضوء كله منها) أو سوداء (لا ينعكس منها أي ضوء) أو رَمادية (بين الاثنين). ونظرًا لأن مادة الكلوروفيل والجزيئات الأخرى الحساسة للضوء، مثل الكاروتين، تمكِّن النباتات من امتصاص الضوء على مدى نطاق واسع من أطوال الموجات، فإن نحو ٣٠٪ من طاقة ضوء الشمس يجري استخدامه.
(١٩) وينسلو آر بريجز وإيفا هوالا «المستقبِلات الضوئية للضوء الأزرق لدى النباتات العليا»، مجلة ذا أنيوال ريفيو أوف سيْل آند ديفيلوبمنتال بيولوجي، العدد ١٥: ٣٤–٦٢، ١٩٩٩.
(٢٠) يلعب الفلافين دورًا أيضًا في تفاعُلات عملية التمثيل الضوئي والتنفس (انظر الهامش ١٥)؛ وفي التغيرات الأيضية الأساسية في حياة النباتات والحيوانات.
(٢١) ينظم الفوتوتروبين أيضًا عمليات مثل إنبات البذور، ونمو الأوراق، وامتداد الساق، وظهور الأزهار.
(٢٢) وينسلو آر بريجز وإيفا هوالا «المستقبِلات الضوئية للضوء الأزرق لدى النباتات العليا»، مجلة ذا أنيوال ريفيو أوف سيْل آند ديفيلوبمنتال بيولوجي، العدد ١٥: ٣٤–٦٢، ١٩٩٩.
(٢٣) انظر مقال هنري سميث «الفيتوكرومات وإدراك النباتات للإشارة الضوئية، عملية تصنيع ناشئة» مجلة نيتشر، العدد ٤٠٧: ٥٨٥–٥٩١، ٢٠٠٠.
(٢٤) حتى بداية القرن العشرين، كان «الانتحاء الشمسي» اسمًا يُستخدم في وصف الانتحاء الضوئي، ثم أدرك العلماء أن نموَّ النباتات في اتجاه ضوء الشمس أمر يختلف عن استدارة الأوراق لتتبُّع أشعة الشمس طوال اليوم، وأصبحت كلمة «الانتحاء الشمسي» تُستخدَم في وصف العملية الأخيرة.
(٢٥) النباتات — عملية التمثيل الضوئي:
6CO2 (ثاني أكسيد الكربون) + 6H2O (ماء) + طاقة ضوئية C6H12O6 (كربوهيدرات) + 6O2 (أكسجين)
الحيوانات — عملية التنفس:
C6H12O6 + 6O2 ← 6CO2 + 6H2O + طاقة كيميائية
(٢٦) للتفاصيل انظر مقال مايكل يونج «الساعات البيولوجية»، مجلة ساينتيفيك أمريكان، العدد ٢٨٢ (مارس): ٤٦–٥٣، ٢٠٠٠؛ ومقال كارين رايت «الساعات في الدماغ»، مجلة ساينتيفيك أمريكان، العدد ٢٨٧ (سبتمبر): ٤٣–٤٧، ٢٠٠٢؛ أو مقال ستيفن إم ريبرت وديفيد آر ويفر «تنسيق التوقيت اليومي عند الثدييات»، مجلة نيتشر، العدد ٤١٨: ٩٣٥–٩٤١، ٢٠٠٢. تُشير الأبحاث الحديثة إلى أنَّ امتلاك الدوائر الجزيئية المستخدمة في الدورات اليومية ربما تكون ميزةً للوقاية من السرطان؛ فكانت الفئران التي حدثَت طفرات لديها في جينات معينة تدخل في عملية الدورات اليومية أكثر عرضةً للإصابة بسرطانات أكثر من تلك التي ولدت معها من الأم نفسها. انظر مايكل روزباش وجوزيف إس تاكاهاشي، مجلة نيتشر، العدد ٤٢٠: ٣٧٣-٣٧٤، ٢٠٠٢.
(٢٧) عبر حركة أيونات الهيدروجين والكلوريد عبر أغشيتها وما يَعقب هذا من تصنيع ثلاثي فوسفات الأدينوسين.
(٢٨) الفصل الذي كتبه جون إل سبوديتش بعنوان «الرودوبسينات لدى العتائق تستخدم المحول الجزيئي نفسه المُفعَّل بالضوء في نقل الأيونات وإرسال إشارات الانجذاب الضوئي» في كتاب «استجابات الجراثيم للضوء والوقت» تحرير إم إكس كاديك، وإس باومبرج، ودي إيه هودسون، وإم كيه فيليبس-جونز، «ندوة جمعية الأحياء الدقيقة العامة» ٥٦: ٥٧–٦٨، مطبعة جامعة كامبريدج، كامبريدج، ١٩٩٨.
(٢٩) باري إل تايلور وآخرون «الانجذاب الهوائي وسلوكيات استشعار الطاقة الأخرى لدى البكتيريا» مجلة أنيوال ريفيو أوف مايكروبيولوجي، العدد ٥٣: ١٠٣–١٢٨، ١٩٩٩.
(٣٠) حيث تتحلَّل المكونات الخلوية مثل الكربوهيدرات (السليولوز، والنشاء، والجليكوجين) والبروتينات إلى سكريات وأحماض أمينية على التوالي.
(٣١) كلما زاد حجم السفينة، قل عدد لفات المروحة في الدقيقة؛ فإذا كانت سرعة دوران المروحة عالية للغاية مقارنةً بسرعة انتقالها، فإن هذا يؤدِّي إلى ظهور تجويف تتكوَّن فيه فقاعات هواء.
(٣٢) من خلال اختزاله مرةً أخرى إلى أمونيا من أجل تصنيع الأحماض الأمينية والوحدات الأساسية للأحماض النووية.
(٣٣) انظر أيضًا مقال مارينا تشيكوريل «مدمرات المادة الغروية»، مجلة نيتشر، العدد ٤٠٨: ٢٨٤–٢٨٦، ٢٠٠٠.
(٣٤) كائنات أحادية الخلية تظهر عليها سمات مميزة لكلٍّ من النباتات والحيوانات.
(٣٥) مقال توشيوكي ناكاجاكي وآخرين «كائن أميبي يحل المتاهة»، مجلة نيتشر، العدد ٤٠٧: ٤٧٠، ٢٠٠٠.
(٣٦) نحن أنفسنا نتحوَّل من أكسدة الجلوكوز إلى ثاني أكسيد الكربون والماء من خلال التنفس، وإلى تمثيلهما غذائيًّا فقط في وقتٍ ما — إلى حمض اللاكتيك — عندما تكون سبل الإمداد بالأكسجين منخفضةً (مثلما يحدث في عضلات أرجلنا في حالة الركض السريع). هذا ويؤدي الانخفاض المطوَّل في الأكسجين داخل مجرى الدم إلى زيادة تصنيع الهيموجلوبين (مثلما يحدُث لدى الذين يعيشون على ارتفاعات عالية). في كل حالة من هاتين الحالتين، يستشعر بروتين يَحتوي على نحو ٢٧٠ حمضًا أمينيًّا مثلَ هذه التغيرات في تركيز الأكسجين في الخلايا الموجودة في أجسامنا.
(٣٧) نظرًا لأن البروتينات الحساسة للجهد الكهربائي تَلعب دورًا في نقل كافة النبضات المختلفة في الحيوانات، الخاصة بالرؤية والسمع والشم واللمس، بالإضافة إلى تلك التي تَكمن وراء التفكير والذاكرة والحالة المزاجية والسلوك، فإن البروتينات التي تحتوي على تسلسل من ٢٧٠ حمضًا أمينيًّا تمثِّل فصيلة أساسية في تأديتها لوظيفتها.
(٣٨) يُعرف تسلسل إل أوه في داخل البروتين أيضًا باسم نطاق بي إيه إس (تمثل هذه الأحرف اختصارًا لإنزيمات يصعب استخدام أسمائها). انظر مقال باري إلي تايلور وإيجور بي زولين «نطاقات بي إيه إس: أجهزة استشعار داخلية للأكسجين، وإمكانية الأكسدة والاختزال والضوء»، مجلة مايكروبيولوجي آند موليكيولر بيولوجي ريفيوز، العدد ٦٣: ٤٧٩–٥٠٦، ١٩٩٩.
(٣٩) تكون إحدى طرُق دمج تسلسل شائع للأحماض الأمينية مثل نطاق بي إيه إس في كثير من البروتينات المتنوِّعة، لكلٍّ منها وظيفة مختلفة، عبر اندماج الجينات؛ فيُصبح الجين الخاص بنطاق بي إيه إس، مثلًا، موجودًا بجوار الجين الذي يحدِّد شفرة جزء آخر من الفوتوتروبين أو الفيتوكروم أو الكريبتوكروم أو أي نوع آخر من البروتينات، ونتيجة لذلك تحدث «قراءة واضحة» لجزَيْء بروتين واحد يحتوي على تسلسل بي إيه إس بداخله، في أثناء عملية ترجمة آر إن إيه مُتوافِق مع الجين المندمج.
(٤٠) انظر مقال إم إيه ميرباخ وآخرين، مجلة نيتشر، العدد ٤١٥: ٣٦-٣٧، ٢٠٠٢.
(٤١) انظر مقال روبرت كوبي وميهالي تشكزنتميهالي «إدمان التليفزيون» مجلة ساينتيفيك أمريكان، العدد ٢٨٦ (فبراير): ٦٢–٦٨، ٢٠٠٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤