من هو اللص؟

عندما أوى «تختخ» إلى فراشه في تلك الليلة لم يستطِع أن ينام سريعًا كما اعتاد، لقد كان رأسه يموج بالأفكار والاستنتاجات … وكان أول سؤال يجب أن يجد له إجابةً عاجلةً هو … هل «إيبو» هو اللص؟ وهل أدرك أن «تختخ» يُريد أن يعرف الحقيقة فحاول تضليله، أم أنه بريء فعلًا؟

لقد كان «تختخ» يتمنَّى أن يكون «إيبو» بريئًا … ولكن إذا كان «إيبو» بريئًا فمن هو اللص؟

إن هناك أكثر من واحد يمكن أن يكون اللص … هناك زوج «علية»، ذلك اللص الهارب من السجن … هناك «حسنين» الذي لا يعرف أحدٌ الحياة الغامضة التي يحيها، ولماذا دفع في صباح الحادث الأجرة المتأخِّرة عليه ثم اختفى … هناك «عبده» البوَّاب الذي لم يكن موجودًا في مكانه ساعة الحادث، ولم يستطع إثبات أين كان … وهناك «إيبو» … فمن هو اللص؟!

ظلَّ «تختخ» … يتقلَّب في فراشه فترةً طويلة، ثم قام فأضاء النور وأمسك بدفتر مذكراته الذي يُقيِّد فيه معلوماته عن الألغاز، وأخذ يقرأ كل الملاحظات التي كتبها عن اللغز الأخير … ثم أضاف إليها كل المعلومات التي عرفها عن «إيبو»، وبعد فترة من التفكير الطويل … ضرب «تختخ» رأسه بيده، ثم ابتسم … لقد جاءته الفكرة … إنه الآن يكاد يعرف من هو اللص … نعم … هناك بعض نقاطٍ إذا استطاع أن يكشفها؛ استطاع أن يحل هذا اللغز العجيب … وهكذا ألقى نفسه على الفراش وذهب في سُباتٍ عميق، وقد علت شفتَيه ابتسامة راضية.

استيقظ «تختخ» مُبكِّرًا في صباح اليوم التالي … برغم أنه نام متأخِّرًا … لقد كان في سباق مع الزمن لإثبات الفكرة التي خطرت له قبل أن ينام، وقد كان محتاجًا في إثباتها إلى شيء واحد … شيء واحد.

وعندما اجتمع الأصدقاء في حديقة منزل «عاطف» … لم يكن «تختخ» موجودًا، فأخذوا يتبادلون الأحاديث في انتظاره … ويُحاولون إثبات التهمة على «حسنين» مرة، وعلى زوج «علية» مرة، وعلى «عبده» مرة، وعلى «إيبو» مرةً رابعة … أمَّا «تختخ» فقد اتصل بالمفتش «سامي» فوجده قد عاد، وشرح له «تختخ» بالتليفون المحاولات التي بذلوها للبحث عن لص المجوهرات والنقود، فقال المفتش: لقد سمعت بهذه السرقة الضخمة وأنا موجود في الإسكندرية، واهتممتُ بها جدًّا، وأعطيت الشاويش «علي» تعليمات ببذل أقصى الجهد للقبض على هذا اللص. وعندما عدتُ اليوم سألتُ فقالوا إنهم قبضوا على شخصٍ يُدعى «عبده»، وهو بوَّاب السيدة «كريمان»، وقد أنكر كل شيء … وعلى قريب له يُدعى «حسنين»، ولكن ثبت أن الشبهات التي دارت حوله لا أساس لها من الصحة، وسبب اختفائه كما علمتُ يعود إلى أنه متهم في جريمة ثأرٍ هو بريء منها، وقد برَّأته المحكمة، ولكن كما تعرف فإن الذين يأخذون بالثأر ينسون القانون، وهكذا طارده أفراد الأسرة الخصومُ واضطُر إلى الاختفاء … وفي النهاية استطاع رجال الأمن إصلاح الحال بين الأسرتَين، وهكذا عاد «حسنين» إلى الظهور … فهل عندك استنتاجات أخرى عن السارق؟

تختخ: إنني أُريدك أن تأتي لأشرح لك فكرتي … فلن أستطيع شرحها تليفونيًّا، خاصةً والوقت ضيِّق، وقد يُفلت منَّا اللص في دقائق، ولا نستطيع العثور عليه مرةً أخرى!

المفتش: سأحضر فورًا … ولكن أين نلتقي؟

تختخ: في حديقة منزل «عاطف» كالمعتاد، وسأكون هناك في انتظارك معهم.

وأسرع «تختخ» إلى حيث اجتمع الأصدقاء، فلم يكادوا يرونه حتى أخذوا يتساءلون عن نشاطه أمس، فقال «تختخ»: لقد قمتُ بزيارة «إيبو» في شقته، وقضيت وقتًا ممتعًا … وهناك عثرت على الكوتشينة التي تنقصها العشرة الحمراء!

نوسة: إذن فقد عثرت على اللص؟

لوزة: إنه «إيبو» بالتأكيد.

محب: طبعًا … ما دامت الكوتشينة الناقصة عنده.

عاطف: وماذا فعلت يا «تختخ»؟

تختخ: تركت «إيبو» ونحن صديقان عزيزان؛ ﻓ «إيبو» بريء من التهمة.

عاطف: إذن هو «عبده».

تختخ: لا.

محب: «حسنين».

تختخ: لا.

لوزة: زوج «علية».

تختخ: ولا زوج «علية».

عاطف: إذن هو شخص لا نعرفه؟

تختخ: على العكس … إننا نعرفه جميعًا … نعرف اسمه … أمَّا أنت يا «عاطف» فتعرفه جيدًا.

عاطف: أنا؟!

تختخ: نعم أنت.

صاح الأصدقاء جميعًا في نفسٍ واحد: من هو؟

تختخ: ألَا تُتعبون أنفسكم قليلًا وتُحاولون؟

لوزة: لقد غُلب حمارنا.

تختخ: اللص هو …

الأصدقاء: من؟

تختخ: انتظروا قليلًا حتى يأتي المفتش … فقد لا أستطيع إثبات فكرتي عنه … والمفتش وحده يستطيع هذا.

جلس الأصدقاء ينتظرون في ضيق وهم يتهامسون … أمَّا «تختخ» فقد استغرق في تفكيرٍ عميق … ومضت فترة من الوقت، ثم ظهرت سيارة المفتش في أول الطريق، وأسرع الأصدقاء جميعًا إلى لقائه في شَوق … وبعد أن تبادلوا التحيات، قال المفتش: لقد كنتَ تقول يا «توفيق» إن الدقائق ثمينة … فهيَّا قل لنا ما هي الحكاية.

ابتسم «تختخ» وهو يقول: إن هذا اللغز من أعجب الألغاز التي مرَّت بي … والأدلة التي فيه غريبة … والمفتاح الحقيقي للغز هو «نبلة» ممَّا يصطاد بها الأولاد العصافير … وورقة كوتشينة حمراء.

المفتش: إنك تُثير اهتمامي حقًّا.

تختخ: عندما وقعت السرقة … وجد رجال الشرطة في مكان الحادث عدة أدلة؛ هي زرار … وقطعة نقود نيجيرية … و«بايب» قديم … ثم وجدتُ أنا ورقة كوتشينة.

المفتش: لقد قرأتُ ملف القضية ووجدت الأدلة الأولى … ولكني لم أسمع شيئًا عن ورقة الكوتشينة … ولا «النبلة».

تختخ: لأنني عرضت ورقة الكوتشينة على الشاويش «علي» فسخر مني … أمَّا «النبلة» فقد رآها «عاطف» … ولكنه لم يُعلِّق عليها اهتمامًا.

عاطف: أنا؟!

تختخ: نعم أنت … ولكن بدلًا من الأسئلة … دعوني أُكمل حديثي … لقد وجدت هذه الأدلة … وكان عندنا عدد من المشتبه فيهم، كلٌّ منهم يمكن أن يقوم بالسرقة … ولكن هناك واحدًا فقط لم نُفكِّر فيه أبدًا … لأنه كان ساعة وقوع الجريمة بعيدًا عنها … فقد شاهده شهود يجلس في شُرفة منزله ساعة وقوع الجريمة.

المفتش: وهل يمكن أن يوجد شخص في مكانَين في وقتٍ واحد؟! … هذا مستحيل!

تختخ: فعلًا … إنه مستحيل … لأن الشهود وبينهم الشاويش «فرقع» شاهدوا تمثاله … أو شخصًا آخر يجلس مكانه في الظلام.

المفتش: أوضح أكثر.

تختخ: إن اللص هو للأسف الموسيقار «منير».

صاح الأصدقاء في دهشة: «منير»؟!

تختخ: نعم «منير»، وإليكم ما فعله بالضبط … وكيف راودني الشك فيه … إن «منير» كان يعلم أن السيدة «كريمان» … سوف تُحضر المجوهرات والنقود … كان يعلم قبل الحادث بأسبوع … وكان عنده كل المعلومات لأنه يتردَّد على المنزل … فكان يعرف مثلًا أن «عبده» يُغادر مكانه في هذه الساعة ليزور قريبه «حسنين» … وكان يعرف أن «علية» لا تبيت في المنزل … وكان يعرف أن «حسنية» ستقضي ليلة الحادث عند أُسرتها … فالسيدة «كريمان» ستكون وحدها، فإذا استطاع القيام بالسرقة ووضع أدلةً تدل على شخصٍ آخر، ثم يُثبت أيضًا أنه كان في شُرفة منزله ليلة الحادث؛ لما شكَّ فيه أحد … وقد علمت من «إيبو» أنه كان يسكن في الشقة التي يشغلها «منير» الآن … ويبدو أنه في ساعة العزال نسي عدة أشياء صغيرة … منها قطعة العملة … و«البايب» القديم … وزرار «الجاكت» … وورقة الكوتشينة … وقد وجد «منير» هذه الأشياء كلها واحتفظ بها لسبب لا أعرفه … وعندما فكَّر في ارتكاب السرقة، قرَّر أن يضع هذه الأشياء في مكان الحادث، ليُحيِّر رجال الشرطة، أو يُثبت الشبهة على غيره … «إيبو» مثلًا.

المفتش: ولكن ما هي حكاية التمثال و«النبلة»؟

تختخ: أعتقد أن عند «منير» تمثالًا بحجمه الطبيعي … أو حتى تمثال لنصفه الأعلى فقط … وفي ليلة الحادث أحضر «منير» «نبلة»، ويبدو أنه يُجيد النيشان ﺑ «النبلة» منذ صغره؛ لأنه استطاع كسر لمبة الفانوس الذي يُضيء الشارع أمام منزله وقسم الشرطة … ثم وضع تمثاله في الشرفة … حتى يبدو لمن يراه من بعيد أنه «منير» شخصيًّا، خاصةً وليس هناك ضوء … ثم وضع «ريكوردر» في الشرفة تنطلق منه الموسيقى؛ حتى يتصوَّر الناس أنه يعزف في الظلام كما اعتاد أن يفعل دائمًا.

المفتش: شيء مدهش!

تختخ: ثم خرج ومعه قُفَّاز وقِناع وضعهما عندما أصبح أمام منزل السيدة «كريمان»، ودقَّ الجرس، وتحدَّث بصوتٍ يُشبه صوته الطبيعي؛ حتى تفتح السيدة الباب … وهذا ما حدث فعلًا … فقد ظنته هو … وهذا ما قالته في التحقيق … ولكن شهادة الشاويش «فرقع» بأن «منير» كان يجلس في الشرفة ساعة الحادث … نفت كل شبهة عنه.

المفتش: هيَّا بنا سريعًا … فقد يهرب.

وأسرع الأصدقاء إلى سيارة المفتش … وذهبوا إلى القسم حيث كان الشاويش موجودًا، فاستدعاه المفتش، وصعدوا جميعًا إلى شقة «منير»، الذي فتح لهم الباب وقد بدت عليه الدهشة.

قال «تختخ» للمفتش: دعه يفتح الغرفة المغلقة … لا شك أن التمثال فيها.

ولم يكد «منير» يسمع هذه الجملة حتى علاه الشحوب وأخذ يرتجف، وتقدَّم المفتش وفتح الغرفة … وكم كانت دهشتهم وفرحهم جميعًا! … أن وجدوا تمثالًا نصفيًّا يُشبه «منير» تمامًا … وأمر المفتش الشاويش بأن يُلقي القبض على «منير»، الذي لم يجد بُدًّا من الاعتراف.

وبعد ساعة من القبض على «منير»، كانت نهاية اللغز في الكازينو كالمعتاد، حيث جلس الأصدقاء مع «تختخ» والمفتش يتناولون الجيلاتي اللذيذ … ويستمعون إلى مزيدٍ من التفاصيل عن اللغز العجيب … لغز ورقة الكوتشينة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤