لغز الذهب!

الوقت آخر النهار، ونسمة رقيقة تُداعب الشجر في حديقة فيلَّا «تختخ» الذي كان يجلس تحت شجرة ضخمة مستغرقًا في القراءة … بينما كان «زنجر» يتمدَّد على الأرض بجواره.

فجأةً رفع «زنجر» ورفع أُذُنَيه، وكأنه يُنصِت لصوتٍ يأتي من بعيد، ولم يلفِت ذلك نظرَ «تختخ». فجأةً ينبح «زنجر»؛ فالتفت إليه «تختخ»، وهو يقول: ماذا هناك يا صديقي؟! أخذ «زنجر» يقفز في اتجاه النافذة … همس «تختخ» لنفسه: هل رأى «زنجر» شيئًا غريبًا في غرفتي؟!

نادى «زنجر» الذي توقَّف عن القفز، لكنه ظلَّ واقفًا تحت النافذة، ولم يقترب من «تختخ»، قال مخاطبًا «زنجر»: ماذا هناك يا عزيزي؟!

أخيرًا تحرَّك «زنجر» وأخذ طريقه إلى صاحبه، حتى إذا أصبح بجواره، تمدَّد على الأرض. فكَّر «تختخ» قليلًا، ثم عاد إلى القراءة من جديد، لكنه لم يستطع الاستمرار في القراءة؛ فقد كان تحرُّكُ «زنجر» ونباحُه يُشغل بالَه. أغلق الكتاب، ونظر إلى «زنجر»، مرَّت دقائق و«تختخ» كان مستغرقًا في التفكير، قال في نفسه: لا بد أن هناك شيئًا؛ ذلك أن «زنجر» لا يفعل ما يفعل إلا إذا كان هناك ما يُثيره!

قطع تفكيرَه صوتُ «زنجر»، وهو يزوم، وقد رفع أُذُنَيه، ثم فجأة قفز في اتجاه نافذة غرفة «تختخ» من جديد، ثم نبح بشدة؛ أسرع «تختخ» إلى حيث يقف «زنجر»، حتى أصبح تحت النافذة تمامًا، قفز «زنجر» في اتجاه النافذة، وكأنه يريد أن يَصِل إليها، سمع «تختخ» رنينَ تليفونه المحمول؛ تحسَّس جيوبه، فلم يجد التليفون، كان الرنين ما زال متصلًا، قال في نفسه: يبدو أنني نسيت المحمول في غرفتي، وهذه أول مرة أتحرك بدونه!

نظر إلى «زنجر» الذي هدأ وابتسم له، وربَّت عليه، وقال: سَمْعُك أحَدُّ من سَمْعي يا صديقي العزيز! ثم أخذ طريقه إلى غرفته.

قابلَتْه دادة «مجيدة»، وقالت: تليفونك رنَّ كثيرًا … واندهشتُ أنك لم تردَّ!

ابتسم «تختخ» وقال: للأسف، نسيتُه على مكتبي في الغرفة!

أخذ طريقه إلى غرفته، كانت هناك ابتسامة صغيرة على وجهه، همس لنفسه: كلبٌ رائع عزيزي «زنجر»، لكن كيف لم أفهمه من البداية؟! دخل غرفته، وكان الرنين قد توقَّف، لكنه كان يعرف أن «لوزة» هي التي طلبته؛ تحدَّث إليها: أهلًا يا عزيزتي «لوزة» … وأعتذر فقد كنت بعيدًا عن التليفون!

جاء صوت «لوزة» ملهوفًا: يجب أن نجتمع سريعًا؛ فقد حدثت سرقة خطيرة في فيلَّا خالي الدكتور «مجدي»!

اندهش «تختخ»، وسأل: متى حدثت هذه السرقة؟!

لوزة: لا ندري؛ فقد عاد خالي من باريس من ساعتين، واكتشف السرقة.

تختخ: وهل حصر المسروقات؟

لوزة: إنها أشياء مهمة، وأنت تعرف أن خالي يقوم بأبحاث لعلاج مرض السرطان.

وقبل أن تُكمل كلامها، قاطعها «تختخ» متسائلًا: إذن الأبحاث هي التي اختفَت.

لوزة: ليست الأبحاث فقط، ولكن الذهب أيضًا.

فكَّر «تختخ» بسرعة: هل يعني هذا سرقة الذهب الخاص بزوجته؟ ثم سأل «لوزة»: ماذا تعنين بالذهب؟

لوزة: سوف تعرف عندما نجتمع.

تختخ: وأين «عاطف» الآن؟!

لوزة: في فيلَّا خالي، وسوف ينضم إلينا عندما نجتمع، وفيلَّا خالي قريبة كما تعرف، المهم لا نتأخر؛ حتى نتخذ قرارًا إذا كنَّا سنُبلغ المفتش «سامي»، أو نعتمد من البداية على أنفسنا.

تختخ: سوف أكون في البرجولا بعد لحظات.

ثم سأل: هل أبلغتِ المغامرين؟

لوزة: طبعًا … وهم في الطريق الآن.

تختخ: إذن إلى اللقاء.

أغلق تليفونه المحمول، ولم يتحرك من مكانه؛ فقد استغرق في التفكير، كانت أفكاره تدور حول علاقة الذهب بأبحاث السرطان، هذا المرض القاتل، فمَن يسرق الأبحاث لن يهتمَّ بالذهب، فهذا اللص غيرُ عادي، ولا بد أن له علاقة بإحدى شركات الأدوية، أو عصابة دولية؛ فالدول كلها تُجري أبحاثًا لاكتشاف علاج لهذا المرض اللعين، وإذا كان اللص مهتمًّا بسرقة الذهب، فهو لن يهمَّه أن يسرق أوراقًا لا يفهم فيها شيئًا، لكن فجأة قطع استغراقَه في التفكير رنينُ تليفونه المحمول، وعرف أن «عاطف» على الطرف الآخر. رفع التليفون إلى أُذُنِه، فجاء صوت «عاطف» حادًّا، وهو يقول: أين أنت الآن؟ … لقد أخبرَتْني «لوزة» أنها تحدَّثَت إليك، وأنك في الطريق إلى البرجولا، حيث اجتماع المغامرين.

ردَّ «تختخ»: إنني فعلًا في الطريق إليكم، لكن استوقفني لغزٌ!

وقبل أن يُكمِل كلامه … جاء صوت «عاطف» يقول: لا يوجد لغز أهم من لغز هذه السرقة التي حدثَت في بيت خالي، أم أنَّ لغزًا آخرَ قابلك في الطريق؟

قال «تختخ»: سوف أشرح لك ما فكَّرتُ فيه عندما يلتقي المغامرون الخمسة.

عاطف: بسرعة، ولا تتأخر، فخالي حتى الآن لم يُبلغ الشرطة عندما اكتشف اختفاء الأبحاث والذهب.

تختخ: حالًا، سوف أكون بينكم.

انتهت المكالمة التليفونية، فأسرع «تختخ» في تغيير ملابسه. بينما كان يفكِّر فيما يحمله في حقيبته، فجأةً طرأ على تفكيره خاطرٌ: هل هناك علاقة بين أبحاث السرطان لاكتشاف العلاج والذهب؟! فكَّر أن يجلس إلى الكمبيوتر الخاص به ليبحث عن إجابة لهذا الخاطر.

لكنه همس لنفسه أن ذلك سوف يستغرق وقتًا، والمغامرون في الاجتماع. أسرع بالخروج، وما إن وصل إلى دراجته، حتى وجد «زنجر» يقف في اهتمام، وكان يعرف ما حدث. قفز على دراجته، فقفز «زنجر» خلفه، وانطلق إلى فيلا «محب»، حيث يجتمع المغامرون في البرجولا.

كان الليل قد بدأ، وأُضِيئَت أنوار الشوارع، وكانت حدَّة الحر قد انكسرَت؛ وأصبح الجوُّ صيفًا معتدلًا. وصل «تختخ» إلى البرجولا، وكان المغامرون في اجتماعهم، سألت «لوزة»: لماذا تأخرتَ كلَّ هذا الوقت؟!

تختخ: ليس مهمًّا الآن يا «لوزة» لماذا تأخرتُ، فقد وصلتُ في النهاية.

ثم نظر إلى «عاطف»، وقال: أريد أن أسمع بالتفاصيل ماذا حدث؟

مرَّت لحظة، كان «عاطف» يستجمع فيها أفكارَه، ثم قال: عاد خالي من السفر منذ ثلاث ساعات …

قاطعه «تختخ»: وأين كانت رحلة سفر الدكتور «مجدي»؟

عاطف: كان في باريس لحضور مؤتمر علمي، وعاد اليوم واكتشف اختفاء أبحاثه عن مرض السرطان!

سأل «تختخ»: هل كان وحده؟

عاطف: لا … كانت معه طنط «فريدة» زوجته.

تختخ: إذن لم يكن في الفيلا سوى الخدم والحارس.

اندفعَت «لوزة» تقول: عادة يكون الخدم في إجازة، فلم يكن هناك سوى الحارس، فلماذا يبقى الخدم وخالي وطنط «فريدة» غير موجودين؟!

نظر «تختخ» إلى «عاطف»، وقال: أكمل … ماذا حدث بعد عودة الدكتور «مجدي» إلى الفيلا؟

عاطف: كان طبيعيًّا أن يطمئن على الفيلا، وخصوصًا المعمل الصغير الذي يُجري فيه أبحاثه، وخصوصًا أوراق البحث والذهب.

تختخ: وما علاقة الذهب بأبحاث السرطان؟!

عاطف: خالي اكتشف خاصية للذهب في علاج السرطان!

ظهرَت الدهشة على وجوه المغامرين، وسألت «نوسة»: ما علاقة معدن مثل الذهب بالمرض؟! إنه اكتشاف غريب!

قال «تختخ»: واكتشف الدكتور «مجدي» اختفاء الأبحاث والذهب أيضًا!

عاطف: طبعًا … وهذه كارثة … فقد قطع خالي شوطًا كبيرًا في البحث … ووصل إلى نتائج مدهشة … بعد أن أجرى تجاربه على فئران التجارب.

قالت «لوزة»: أعتقد أنه يجب علينا الانتقال إلى فيلا الدكتور «مجدي» أولًا، وبعدها نُفكِّر في إمكانية الاتصال بصديقنا المفتش «سامي».

وبسرعة، انصرف المغامرون الخمسة، وأخذوا طريقهم إلى فيلا الدكتور «مجدي» التي لم تكن تبعد عن فيلا «محب» كثيرًا. عندما وصلوا كان المنظر لافتًا للنظر، كان هناك جنود شرطة، والفيلا كلها مضاءة. فكَّر «تختخ»: لا بد أن الدكتور «مجدي» قد اتصل بالشرطة، فليس من المعقول أن ينتظر! دخل المغامرون الخمسة الفيلا، وتركوا درَّاجاتهم في الحديقة. قالت «لوزة»: لا بد أن المفتش «سامي» هنا.

صَعِد المغامرون إلى الطابق الأول … فظهر المفتش «سامي»، كان يتحدث إلى الدكتور «مجدي»، بينما كان خبراء رفع البصمات يؤدون عملهم، اقترب المغامرون الخمسة من المفتش «سامي» والدكتور «مجدي». ابتسم المفتش «سامي»، وقال: أهلًا بالأصدقاء، لقد وصلتم في موعدكم.

تختخ: هل توصلتم لشيء؟

ابتسم المفتش «سامي» وهو يقول: لا تتعجل يا عزيزي «توفيق»، فما زلنا في البداية.

ثم نظر إلى الدكتور «مجدي»، وقال: هل يمكن الذهاب للمعمل؟

تحرَّك الدكتور «مجدي» في اتجاه المعمل، ومعه المفتش «سامي»، في حين وقف المغامرون الخمسة مكانهم، وقالت «لوزة»: أقترح أن نلتقيَ بزوجة خالي طنط «فريدة» لنعرف إن كانت أشياء أخرى قد اختفت.

تختخ: اقتراح جيد، حتى نختصرَ الوقت عليك بلقاء طنط «فريدة»، أما أنا فسوف أذهب إلى المعمل.

أخذ «تختخ» طريقَه إلى المعمل، كان لا يبعد خطوات، وعندما وقف أمام باب المعمل، ألقى نظرةً شاملة عليه، كانت هناك أجهزة البحث على طاولة يقف بجوارها الدكتور «مجدي»، والمفتش «سامي»، وفي الأقفاص كانت هناك فئران تتحرك. اقترب «تختخ» من الدكتور والمفتش، فالتقطَت أُذُناه سؤالًا من المفتش «سامي» إلى الدكتور «مجدي» … كان المفتش يسأل: أين كانت أوراق البحث بالضبط؟

أشار الدكتور «مجدي» إلى مساحة في الطاولة، وهو يقول: هنا.

سامي: والذهب؟

مجدي: بجوار أوراق البحث.

استدعى المفتش «سامي» أحد خبراء البصمات، وطلب منه رفع البصمات من هذه المساحة التي حددها الدكتور، بينما التفتَ إلى الدكتور وسأله: ولماذا لم تضع هذه الأشياء المهمة في الخزينة التي أراها في آخر الغرفة؟

مجدي: الحقيقة، إنني لم أفكِّر في ذلك؛ فقد كانت الأبحاث لم تنتهِ بعدُ، ثم إن المعمل لا يدخله أحدٌ غيري، ومفتاح غرفة المعمل دائمًا معي.

تدخَّل «تختخ» في الحوار الدائر، وسأل الدكتور «مجدي»: معذرة … كم يومًا قضيتَ في «باريس»؟!

ابتسم المفتش «سامي»، بينما اندهش الدكتور «مجدي» ثم قال: وما علاقة هذا بالسرقة؟

تختخ: في غيابك … مَن كان يُقدِّم للفئران أكْلَها؟

تجمَّدَت ملامح الدكتور «مجدي» لحظة ثم قال: تقصد … لكنه لم يُكمل كلامه … لكنه أضاف بعد لحظة: الدادة!

تختخ: يعني هي التي كانت تدخل للمعمل في غيابك؟

مجدي: ماذا تقصد … هل تقصد دادة «جليلة»؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤