لغز الرقم الناقص

قال البائع «جابر»: أنا لم أسرقها يا باشا!

فسأله المفتش «سامي»: إذن «المشرط» هو الذي سرقها، وقمتَ أنت ببيعها. أين «المشرط» يا «جابر»؟! إن اعترفت بالحقيقة، فسوف تصبح شاهدًا، وسوف أفرج عنك، لكن إذا أنكرت، فسوف تكون أنت المتهم!

كان «تختخ» يتابع الحوار بين المفتش «سامي» و«جابر»، وقد اندهش لسماع اسم «المشرط»، لكنه فَهِم عندما قال المفتش «سامي»: لقد كنت تعمل أنت و«المشرط» معًا، ولكما سابقة سرقة، والآن أصبح «المشرط» هو الذي يسرق وأنت تبيع ما يسرقه!

وضع «جابر» وجهه على الأرض؛ فصرخ فيه الضابط «شهدي»: أين «المشرط»؟!

رفع «جابر» رأسه، وقال متردِّدًا: لا أعرف!

شهدي: إذن هو الذي سرق الحقيبة، وأين ما كان بداخلها؟!

جابر: لا أعرف، فقد أخذتُها خالية!

شهدي: وأين الذهب؟

ظهرت الدهشة على وجه «جابر»، وقال: ذهب … لا أعرف أنه سرق ذهبًا يا باشا!

ضحك المفتش «سامي»، ثم قال: إذن «المشرط» هو الذي سرق الحقيبة والذهب … أين يسكن «المشرط»؟!

جابر: ليس له مكان يسكن فيه، إنه ينتقل بين أماكن كثيرة، ولا أحد يعرف له مكان، فهو يظهر ويختفي بلا موعد!

سامي: وعندما يظهر، يظهر أين؟

صمت «جابر»، لكن الضابط «شهدي» صرخ فيه: انطق، أين يظهر؟!

قال «جابر» بصوت متخاذل: في دار السلام!

ابتسم «تختخ»، فقد توقَّع أن اللص يسكن في دار السلام؛ فهي قريبةٌ من «المعادي»، وقال المفتش «سامي»: وأنت طبعًا تسكن هناك!

جابر: نعم يا باشا!

سامي: إذن ستبقى معنا حتى يظهر «المشرط»! ثم نظر إلى مساعده الضابط «شهدي»، وقال: ضَعْه في الحجز!

أخذه الضابط «شهدي»، وخرج، فقال «تختخ» مباشرة: فهمت أن «المشرط» هو اللص، ولكن ما هو اسمه؟!

ابتسم المفتش «سامي» وقال: سوف أعطيك كلَّ البيانات عن «المشرط»، وهذا طبعًا هو اسم الشهرة.

تختخ: هل أستطيع أن أحصل على صورة له، ما دام معروفًا للشرطة؟

•••

آخر النهار، وكانت الشمس تميل نحو المغيب، أخذ «تختخ» طريقه إلى جبل «المقطم»، حيث تتجمع قِمامات «المعادي»، ودار السلام، والمقطم، وقد أخبره الرجل المسئول عن القمامة أن يعود آخر النهار، ويكون قد تمَّ فرزُ القمامة، فكَّر: هل يمكن أن أعثر على أوراق بحث الدكتور «مجدي» هناك؟ وما دام «المشرط» قد سرق الحقيبة من «المعادي»، وهو يسكن في دار السلام، فلا بد أنه ألقى الأوراق في قمامة «دار السلام»، بعد أن يكون قد فتح الحقيبة.

وصل إلى مكان تجميع القمامة … وقف يتأمل المكان، رأى كل ما هو مصنوع من البلاستيك في مكان، وما هو مصنوع من الحديد في مكان، والورق في مكان … كان قد تمَّ فرزُ القمامة، ورأى سيارة نصف نقل، والعمال ينقلون إليها الحديد القديم، تقوم حيث يقف رئيس العمال، وألقى عليه التحيَّة، ثم قال يسأله.

تختخ: ماذا تصنعون بهذه الأشياء القديمة؟

رئيس العمال: ولماذا تسأل؟

ابتسم «تختخ» وقال: إنني أقوم بعمل بحثٍ عن قمامة الجيزة.

رئيس العمال: الحديد يُنقل إلى مصانع الحديد ليتمَّ صهرُه وتشكيله من جديد، والحديد مرتفع الثمن هذه الأيام.

تختخ: وماذا يحدث مع بقيَّة المواد؟!

رئيس العمال: الورق يذهب إلى مصانع الورق، والبلاستيك لمصانع البلاستيك، وهكذا.

تختخ: لكنَّها أشياء قديمة!

رئيس العمال: ولذلك، فهي تنتج أشياء أقلَّ جودةً؛ فالورق مثلًا يتحوَّل إلى نوعٍ رديء، فيصبح أكياسًا مثلًا، لكنه لا يصبح مثل الورق الذي تكتبون عليه في المدرسة.

استمرَّ الحوار بين «تختخ» ورئيس العمال، «تختخ» يسأل، والرجل يجيب، كان الرجل يبدو سعيدًا وهو يجيب عن أسئلة «تختخ»، وقال رئيس العمال في النهاية: تعالَ معي!

ثم اتجه إلى كومة كبيرة من الورق القديم، جرائد قديمة، وكتب وكرَّاسات وقف عندها، ثم قال: هذه الأوراق تذهب إلى مصانع الورق؛ فيقومون بفرمها، ثم تضع عليها مواد كيماوية؛ فتُحوِّلها إلى عجينة، وتصبح جاهزةً لتصنيعها.

كان «تختخ» يراقب الأوراق المكوَّمة، وهو يستمع لرئيس العمال، الذي جاء صوت يناديه، فقال ﻟ «تختخ»: أرى ماذا يريدون، وأعود إليك. ثم ابتسم وأضاف: ولو أني قلت لك ما أعرفه، فإذا كنت تريد المزيد من المعلومات، فعليك بالذهاب إلى مصانع الورق.

ابتعد رئيس العمال، بينما أخذ «تختخ» يقلِّب كومة الأوراق الكبيرة التي كانت خليطًا من كلِّ ما هو مصنوع من الورق. قال في نفسه: البحث في هذه الكومة الكبيرة يحتاج لوقت، وقت أوشك الليل على الهبوط، وسوف يكون المكان مظلمًا، ثم إنهم سوف ينقلون هذه الأوراق إلى مصانع الورق، فهل أذهب للبحث عن أبحاث الدكتور «مجدي» هناك وسط عدد من ورق الجرائد؟

لمح ورقًا مختلفًا، مدَّ يده وجذب ورقة، وكانت المفاجأة!

حاول أن يقرأ ما هو مكتوب فيها، لكنه لم يستطع، كان قلبه يدقُّ بعنف، مدَّ يده وجذب ورقة أخرى، فلم تطاوعه الورقة؛ فقد كانت مشتبكة بأوراق أخرى، دخل وسط كومة الورق، ثم بدأ يجذب مجموعة الأوراق في حذر، وكان يصرخ من الفرحة!

كان غلاف الأوراق متَّسِخًا بشدَّة، وأطراف الأوراق مهترئة. فجأة جاء صوت يقول: ماذا تفعل؟!

تجمَّدَت يدُه على الأوراق، ونظر في اتجاه الصوت، فرأى رئيس العمال يقترب، فكَّر بسرعة، ماذا يقول له! خصوصًا وقد بعثر الكثير من كومة الورق. قال رئيس العمال: لقد بعثرتَ الورق، وأراك تبحث عن شيء!

ابتسم «تختخ»، وقال: سوف أُعيد ترتيب الورق، وأعتذر!

رئيس العمال: وما هذه الأوراق التي تُمسك بها؟

تختخ: إنها سوف تُفيدني في المذاكرة.

مدَّ رئيس العمال يدَه، وهو يقول: أعطني هذه الأوراق.

ابتسم «تختخ» وهو يقدِّم له الأوراق. كان يفكِّر: ماذا لو أخذ الأوراق وهو لا يعرف قيمتها؟ وماذا لو مزَّقها، أو حرَّقها، أو منعه من الحصول عليها؟

قال «تختخ»: إنها شرح لمعادلات رياضية ندرسُها في المدرسة!

ظهرت الدهشة على وجه رئيس العمال، الذي أخذ الأوراق، وظلَّ ينظر فيها، ثم قال في النهاية: رياضة، كرة قدم ولَّا يد؟!

ابتسم «تختخ» وهو يقول: إنها معادلات حسابية، مثل الجمع والطرح!

رئيس العمال: آه، وكيف تقرؤها، إنها مثل نبش الفِراخ!

ثم مدَّ يده يُعيدها إلى «تختخ»، وهو يقول: يبدو أنك مجتهد، خذ!

أخذ «تختخ» الأوراق، وأسرع يضعها في حقيبته، ثم نظر إلى الرجل وهو يقول: سوف أعيد ترتيب الأوراق.

ابتسم رئيس العمال وهو يقول: اتركها؛ فسوف يقوم الصبية بترتيبها.

شكره «تختخ» وانصرف، بينما كان رئيس العمال ينادي الصبية الذين أسرعوا إليه؛ قابلهم «تختخ» في الطريق فقال لهم: انتظروا لحظةً!

ثم فتح حقيبته، وأخرج منها عدة جنيهات، وأعطى كلًّا منهم جنيهَين، وهو يقول لهم: نظير ما بعثرتُه من الأوراق.

كان الصبية ينظرون إليه في دهشة، وامتلأت وجوههم بالفرحة، وهم يأخذون منه الجنيهات، في حين انطلق «تختخ» عائدًا!

في الطريق، كان «تختخ» يفكِّر: سوف أذهب إلى الدكتور «مجدي» أولًا، ثم أتحدث إلى المفتش «سامي»، وأطلب المغامرين للاجتماع، فما زال الوقت مبكِّرًا. كان يضع يده على حقيبته المعلقة على كتفه، وكأنه يخشى أن تقع، أو يسرقها أحد. كان يشعر بالسعادة، قال لنفسه: لقد حقَّق المغامرون الخمسة نصف النجاح في حلِّ لغز الحقيبة السوداء! تذكَّر الرقم الناقص، همس لنفسه: إننا لم نَصِل إلى حلِّ لغز الرقم ٩٥، تداعت أفكاره، فتذكَّر حقيبة راكب «الفيسبا»، قال في نفسه: لقد خرج من دائرة الاشتباه، فما دمنا قد وجدنا الحقيبة الأصلية؛ فإن حقيبة راكب «الفيسبا» لم تَعُد الهدف. فجأة، أخرج تليفونه المحمول، وتحدث إليه «عاطف»، الذي سأله: أين أنت؟ إننا لا نعرف عنك شيئًا منذ ذهبتَ إلى المفتش «سامي»، هل توصَّلتم لشيء؟

ابتسم «تختخ»، وقال: سوف أشرح لكم عندما نلتقي، المهم، تحرَّكوا الآن إلى فيلا خالك الدكتور «مجدي»، وسوف نلتقي هناك.

جاء صوت «عاطف»: لا بد أنك تُخفي مفاجأة!

تختخ: مفاجأة مهمَّة، لكنِّي لن أقولها الآن، حتى لا تفقدَ معناها، إلى اللقاء!

انتهت المكالمة، واستمر «تختخ» في طريقه عائدًا إلى حيث فيلا الدكتور «مجدي». كان الظلام قد بدأ، وبدَا الليل موحشًا في جبل المقطَّم، خصوصًا أن المكان الذي تتجمع فيه القمامة ليس مأهولًا؛ فهو بعيد عن المناطق السكنية. كان «تختخ» يفكِّر: لقد حصلتُ على صورةٍ ﻟ «المشرط»، وعرفت المكان الذي يظهر فيه، لكن، هل يمكن أن أعثر عليه!

وصل إلى بداية الطريق، حيث كانت أعمدة الإنارة قد أُضِيئت، همس لنفسه: لا بد أن «المشرط» شخصٌ ذكيٌّ جدًّا؛ فليس له بيت، كما أن أحدًا لا يعرف متى يظهر، إنه يبدو شخصيةً غامضة؛ ولذلك فإن رقم ٩٥ وراءه سرٌّ، ولا أحدَ يعرفه سوى «المشرط» نفسه؛ فهو الذي يعرف الرقم الناقص، وماذا يشير إليه، ثم سأل نفسه: هل يكون لغز «الرقم الناقص» هو ما فكَّرتُ فيه؟! في النهاية قال في نفسه: سوف نعرف السرَّ عندما يقع «المشرط» في أيدي المغامرين الخمسة. ابتسم وهو يتحدَّث إلى نفسه: اسم غريب! «المشرط»، إنه يعني أنه يستطيع قطع أي شيء! لكن إلى متى يستطيع المجرم أن يهرب من العدالة!

تذكَّر كلبه العزيز «زنجر»، فهو لم يستطع الاستعانة به في البحث عن أوراق بحث الدكتور «مجدي»؛ لأن الصبية الذين يعملون في فرز القمامة خافوا منه عندما رأوه أوَّل مرَّة! وكان لا بد من عقد علاقة طيبة معهم، وقد تحقَّق هذا؛ لأن «زنجر» غير موجود، لكنه أحسَّ أنه يفتقده الآن؛ ذلك أن «زنجر» ليس مجرَّد صديقٍ فقط، ولكنه صديق المغامرين الخمسة. هتف فجأة بينه وبين نفسه: أوحشتَني يا كلبي العزيز!

رنَّ تليفونه المحمول، فعرف أن المتحدِّث «لوزة»؛ فكلُّ واحدٍ من المغامرين له نغمة خاصَّة، عندما رفع التليفون إلى أُذُنِه، جاء صوت «لوزة» متحمِّسًا: لقد تأخرتَ كثيرًا، ونحن في فيلا خالي الدكتور «مجدي».

ابتسم «تختخ»، وهو يقول: يجب أن تكون هناك بعض الإثارة يا عزيزتي «لوزة»، وإلا فقد اللغز طعمه!

جاء صوت «لوزة» ضاحكًا، وهي تقول: وهل للغز طعمٌ مثل الشوكولاتة؟!

ضحك «تختخ» وقال: ألذُّ من الشوكولاتة يا عزيزتي «لوزة»، أليس هذا صحيحًا؟!

ضحكت «لوزة» وهي تقول: طبعًا … إن حلَّ اللغز أطعمُ من أي شيء، المهم لا تتأخر؛ فخالي قلقٌ جدًّا منذ أخبرناه أنك تُخفي مفاجأة!

«تختخ»: حالًا سوف أكون بينكم.

أوقف «تاكسي»، وذكر له العنوان، وخلال نصف ساعة، كان ينزل من التاكسي أمام فيلا الدكتور «مجدي». ابتسم عندما رأى المغامرين، والدكتور «مجدي» يقفون في شرفة الفيلا، وعندما اقترب «تختخ» منهم، صاحَت «لوزة»: أين المفاجأة؟!

أخرج «تختخ» مجموعةَ الأوراق من حقيبته، وهو يقول لنفسه: أرجو أن تكون مفاجأة فعلًا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤