المفاجأة الكبرى

عند عودة «تختخ» إلى فيلَّته، كان يفكِّر: هل يظهر في «دار السلام» بشكله العادي؟! فهو يعرف أن «دار السلام» منطقة شعبية، وظهوره بشكله العادي سوف يلفت النظر، قرَّر شيئًا وأسرع، وخلفه «زنجر»، فكان عليه أن يلتقيَ هو و«محب» عند نقطة اتفقَا على اللقاء عندها، ولذلك عندما دخل غرفته، أبدل ثيابه، وألقى نفسه في السرير، ولأول مرة منذ الصباح يشعر بالتعب، ولم تمضِ دقائق حتى استغرق في النوم، وعند منتصف الليل قام فزِعًا، كانت أنفاسه سريعة، وكأنه بذل جهدًا، نظر حوله، وتوقَّفَت عيناه على الحقيبة الصغيرة، نزل من السرير، وأخرج صورة «المشرط»، تذكَّر أنه كان يحلم، وفي الحلم كان هناك مَن يطارده، وقد أمسك في يده سِكِّينًا، ويريد أن يطعن بها «تختخ»، حاول أن يتذكَّر ملامح الرجل الذي يُطارده، لكنه لم يستطع؛ فقد كانت ملامح الرجل مهزوزة، لكنه كان ضئيلَ الحجم، أخذ يفكِّر في الحلم، ويبحث له عن تفسير. في النهاية قال لنفسه: إنه بتأثير اهتمامي ﺑ «المشرط»، والسكين تعني «المشرط» فعلًا … لكن الغريب أنه كان يطاردني، ولستُ أنا الذي أطارده!

عاد إلى السرير، وبسرعة مرة أخرى استغرق في النوم، وعندما استيقظ في الصباح، كان تأثير الحلم ما زال معه، نظر في ساعته، وتحرَّك بسرعة؛ فقد اقترب موعد اللقاء ﺑ «محب»، وعندما وصل إلى مكان اللقاء، وقف يتأمل «محب» الذي كان يقف تحت شجرة، وهو يلتفت يمينًا ويسارًا، تحرَّك «تختخ» في اتجاه «محب»، حتى مرَّ قريبًا منه، لكنَّ «محب» ظلَّ يُراقب الشارع بحثًا عن «تختخ»، عاد «تختخ» مرَّة أخرى … واقترب من «محب»، الذي لفت نظرَه هذا الصبيُّ الذي يروح ويجيء أمامه، وضع «محب» يده على كتف «تختخ»، ثم سأله: ماذا تريد أيها الصديق، هل هناك شيءٌ؟!

لم يتمالك «تختخ» نفسه، فانفجر ضاحكًا، ملأت الدهشة وجه «محب»، ثم فجأة انفجر هو الآخر في الضحك … ثم وضع يده في جيبه، وأخرج جنيهًا قدَّمه ﻟ «تختخ» وهو يقول له: خذ يا صديقي، يبدو أنك تحتاج لمساعدة!

وانفجر الاثنان في الضحك، وقال «محب»: تصوَّر أنني لم أعرفك! لقد أجدت التنكُّر بشكلٍ يُثير الدهشة!

كان «تختخ» قد تنكَّر في شكل صبيٍّ متشرِّدٍ، ولبس قميصًا متَّسِخًا، وبنطلونًا ممزَّقًا، وحذاءً قديمًا، وعلَّق على كتفه حقيبةً قديمة من القماش، مدَّ يده في الحقيبة وأخرج بالونة، لم يتمَّ نفخها، وقال «تختخ»: سوف أظهر في «دار السلام» وكأنني بائع «بالونات»، حتى لا ألفت النظر؛ ولذلك يجب ألا نكون معًا، لكن نظل قريبين من بعض.

أخذ «تختخ» و«محب» طريقهما إلى محطة المترو، في الطريق إلى «دار السلام»، التي لا تبتعد كثيرًا عن المعادي، وعندما نزَلا في محطة «دار السلام» … افترقَا!

وقف «تختخ» ينفخ البالونات الملونة، وربطها في حبل رفيع؛ فارتفعت في الهواء، وأخذ ينادي: «البالونة» بربع جنيه، أرخص من المحلات!

بينما كان «محب» يراقبه مبتسمًا، وما إن أصبح في منتصف الشارع، حتى التفَّ الصبية حوله، كلٌّ منهم يريد أن يشتريَ «بالونة»، في نفس الوقت كانت عيناه تتأمل وجوه المارة في الشارع، ولم تمضِ ساعة حتى كان قد باع كلَّ «البالونات» التي معه، لمح مقهًى صغيرًا بعيدًا عنه قليلًا؛ فأخذ طريقه إليه، حتى جلس أمامه، وصفَّق فجأة عامل المقهى، وقال له في حدَّة: ماذا تريد؟! هيَّا ابتعد!

تختخ: ولماذا أبتعدُ، أريد شايًا!

العامل: هل معك ثمن الشاي؟!

تختخ: نعم … معي، وهل سأجلس على المقهى بلا نقود؟!

العامل: إذن ادفع ثمن الشاي أولًا!

أخرج «تختخ» عدة ورقات من فئة الربع جنيه من الحقيبة التي يعلقها في كتفه، وهو يقول: هل رأيت؟! ثمَّ عدَّ أربع ورقات وقال: خذ هذا ثمن الشاي، وهات لي كوب ماء؛ فأنا عطشان!

أخذ العامل النقود، واختفى داخل المقهى، في حين كان «تختخ» ينظر داخل المقهى وهو يتفحص وجوه الجالسين، وفي الجانب الآخر كان «محب» يجلس هو الآخر، وصفَّق، فجاءه العامل، قال «محب»: أريد شيئًا مثلَّجًا.

كان العامل يتحدث مع «محب» باحترام، ويقول: تحت أمرك، لكن يبدو أنك غريب عن المنطقة!

محب: الحقيقة أنني كنت في زيارة لمستشفى «السلام»، وعندما أنهيت زيارة صديقي المريض، فكَّرت أن أتجول في المنطقة قليلًا.

ابتسم العامل وقال: نوَّرت المنطقة، حالًا آتيك بالمثلج!

انصرف العامل، بينما كان «تختخ» يُخفي ضحكة كادت تنطلق منه؛ فقد رأى فارق المعاملة بينه وبين «محب»، وفي دقائق، كان العامل يقترب من «محب»، وهو يحمل صينيةً عليها زجاجةٌ مثلجة، وضعها أمامه، صفق «تختخ»، فنظر العامل له، ودخل المقهى دون أن يلبِّيَ طلبه، ابتسم «تختخ» في أعماقه، وهو يقول لنفسه: ليته يتأخر أكثر، حتى أظلَّ جالسًا. مرَّ وقت طويل، كان «تختخ» يستعيد صورة «المشرط» في ذهنه وهو يتأمل زبائن المقهى، نظر في اتجاه «محب»، الذي كان يقف في هذه اللحظة، فَهِم «تختخ» أن عليه أن ينصرف هو الآخر، قال في نفسه: أعتقد أن «المشرط» لن يظهر بالنهار، ولا بد أن يظهر بالليل، أو ربَّما يكون في منطقة أخرى! غادر المقهى، وكان «محب» قد سبقه، ولم يلتقيَا إلا بعد أن ابتعدَا عن المقهى، قال «محب»: علينا أن نتجول في المنطقة قليلًا؛ ﻓ «المشرط» لن ينتظرنا في المكان الذي نفكِّر فيه!

قال «تختخ»: هذا صحيح، ولكن علينا أن نستمرَّ في البحث، وأن نعود هنا مرة أخرى.

محب: يجب أن نتحدث للمفتش «سامي»؛ فنحن لم نُخبره بعثورنا على أوراق بحث الدكتور «مجدي»، في نفس الوقت نعرف إن كان يراقب المنطقة أم لا!

تختخ: هذا صحيح، تحدَّث إليه إذن؛ فقد تركت تليفوني المحمول في الفيلا.

تحدَّث «محب» إلى المفتش «سامي»، وأخبره بالعثور على البحث، جاء صوت المفتش «سامي» يقول: هذا خبرٌ طيِّبٌ … ونحن نراقب منطقة «دار السلام» منذ أمس، بعد أن عرفنا أن «المشرط» هو اللص.

عندما انتهت المكالمة، نقل «محب» ما سمعه ﻟ «تختخ»، الذي ابتسم قائلًا: كنت أتوقَّع ذلك!

محب: أقترح أن نعقد اجتماعًا الليلة، وأن يشترك المغامرون الخمسة كلهم في البحث عن «المشرط»؛ فمساحة «دار السلام» كبيرة، ويجب أن نتوزَّع فيها حتى مع وجود رجال المفتش «سامي» في المنطقة.

في المساء، كان المغامرون الخمسة يعقدون اجتماعًا في البرجولا، قالت «نوسة»: لماذا نركِّز بحثنا في منطقة «دار السلام» فقط؟! أقترح أن نراقب محطَّة المترو أيضًا، وما دام رجال المفتش «سامي» يراقبون ظهور «المشرط» في «دار السلام»، فعلينا البحث في أماكن أخرى حول «المعادي»، في «المعصرة» مثلًا، أو في «طرة».

تختخ: هذا اقتراحٌ جيِّد، ومحطة المترو تشهد كثيرين يَصِلون إلى «دار السلام»، قال «عاطف»: سوف أتولَّى أنا و«لوزة» مراقبة محطة المترو.

محب: وأنا و«نوسة» سوف نذهب إلى «المعصرة».

قال «تختخ»: وأنا سوف أذهب …

وقبل أن يُكمل كلامه، رنَّ تليفون «عاطف»، وعندما رفع التليفون إلى أُذُنِه، جاء صوت الدكتور «مجدي» يقول: أريدك حالًا … فعندي مفاجأة!

عاطف: مفاجأة. ما هي؟!

لكن تليفون الدكتور «مجدي» أُغلق، نظر «عاطف» إلى المغامرين وقد تجمَّدت ملامحه، سألته «لوزة»: ماذا حدث؟ لماذا أنت شارد هكذا؟ ومن الذي تحدَّث إليك؟!

قال «عاطف»: إنه خالي الدكتور «مجدي».

دهش المغامرون، وقالت «نوسة» متسائلةً: هل حدث شيء؟

عاطف: لا أدري؛ فكلُّ ما قاله أنَّ هناك مفاجأة، وأنه يريدني حالًا.

لوزة: يريدك أين؟ هل هو في عيادته الخاصة أم في الفيلا؟

عاطف: لا أعرف، فهو لم يذكر أين هو!

قال «تختخ»: اتصل به في الفيلا أولًا.

اتصل «عاطف» بفيلَّا خاله الدكتور «مجدي»، فجاء صوت السيدة «فريدة»، تقول إنه في العيادة منذ ساعتين، ثم سألت: لماذا تسأل عن خالك؟

عاطف: لقد تحدَّث إليَّ منذ قليلٍ، وطلب أن أذهب إليه؛ فتصوَّرتُ أنه في الفيلا.

أنهى «عاطف» المكالمة، فوقف «تختخ» فجأةً، سأل «محب»: لماذا وقفتَ، هل قررتَ شيئًا؟

تختخ: يجب أن نتَّجه لعيادة الدكتور «مجدي» حالًا، ثم شرد لحظة، وابتسم، ثم قال: مَن يدري، فقد كان «المشرط» يتردَّد على عيادة الدكتور «مجدي» للعلاج ثم اختفى كما قال الدكتور.

لوزة: هذه أُمنية يا عزيزي «تختخ»، لقد ذهبَت أفكارك بعيدًا!

تحرَّك «تختخ» بسرعة، وخرج من البرجولا؛ فتَبِعه «زنجر»، نظر المغامرون إلى بعضهم، ثم خرجوا خلفه، وأخذوا طريقَهم إلى عيادة الدكتور «مجدي» التي لم تكن تبعد كثيرًا. عندما دخلوا العيادة، كان عددٌ من المرضى يجلسون في الصالة، ابتسمَت الممرضة عندما رأَت «عاطف» و«لوزة»، وقالت ﻟ «عاطف»: إن الدكتور مشغول؛ فعنده مريض، وتستطيع أن تنتظره قليلًا. كان «تختخ» يتأمل المرضى الموجودين، وفي حين جلس المغامرون في جانب من الصالة، كان «تختخ» يفكِّر كيف يدخل غرفة الكشف، اقترب من الممرضة، وهمس لها بكلمات؛ فصَحِبته الممرضة إلى غرفة أخرى، وما إن أصبحَا وحدهما، حتى قال «تختخ»: أريد بعض الأدوية في أغلفتها بسرعة!

دُهشت الممرضة، وقالت: لماذا؟!

ردَّ «تختخ» بسرعة: سوف تعرفين فيما بعد.

نظرَت له الممرضة قليلًا، ثم فتحَت دولاب الأدوية، وأخرجَت عدة عُلَب لأدوية وقدَّمتها له، أخذ «تختخ» العلب، وخرج بسرعة، واتجه إلى غرفة الكشف، حيث الدكتور «مجدي»، كان المغامرون ينظرون إليه في دهشة، إلا أن «نوسة» ابتسمت؛ فقد فهمت معنى تصرُّف «تختخ» الذي طرق باب غرفة الكشف، ودخل دون أن ينتظر إذنًا بالدخول، وعندما دخل تجمَّد مكانه، لكنه استجمع نفسه وابتسم للدكتور «مجدي» وهو يقول: الدواء الذي طلبتَه يا دكتور!

ابتسم الدكتور «مجدي»، فقد أعجبه تصرُّف «تختخ»، وأخذ منه الدواء؛ فانصرف «تختخ» مباشرة، وعندما خرج إلى الصالة تحدث إلى المفتش «سامي»، وأخبره بما رآه، فقال المفتش «سامي»: بعد دقائق سوف أكون عندكم؛ أعطني عنوان العيادة … ولم يمرَّ وقت، حتى كان المفتش «سامي» يدخل ومعه مساعده الضابط «شهدي» معهما «جابر» واللص الآخر، ولم يكن «تختخ» قد أخبر المغامرين الذين دُهشوا لوجود المفتش «سامي»، ومساعده واللص «جابر».

توجَّه المفتش «سامي» مباشرة إلى غرفة الكشف ودخل، واستقبله الدكتور «مجدي» بابتسامة، وقال المفتش «سامي» للمريض الموجود الذي تغيَّرت ملامح وجهه … وقال يخاطبه: كيف حالك يا «سيِّد»؟!

تجمَّدت ملامح المريض، فقد كان هو «سيِّد عجوز» المشهور ﺑ «المشرط»، وفجأة ظهر «جابر» داخلًا وخلفه المساعد «شهدي»، وقال المفتش «سامي»: كيف تسرق الدكتور الذي يُعالجك يا مشرط؟!

تغيَّرت ملامح «المشرط»، فسأله المفتش «سامي»: أين الذهب يا مشرط؟

ردَّ «المشرط» ببساطة: موجود يا باشا! كان «تختخ» قد دخل خلف المساعد «شهدي»، نظر «المشرط» إلى الدكتور «مجدي»، وقال: آسف يا دكتور، لم أكن أعرف أن الفيلا التي سرقتُها ملكك!

تقدَّم «تختخ» وهو يقول: أريد أسأل «المشرط» سؤالًا!

ابتسم المفتش «سامي» وقال: أقول لك الإجابة، الورقة التي تحمل «الرقم الناقص» خدعةٌ ابتكرها «المشرط» حتى يشغلنا عنه، ولعلَّك رأيت أنني لم أهتمَّ بها منذ عثورك عليها في حديقة فيلا الدكتور «مجدي»؛ فهذه ألاعيب لا تخدع رجال الشرطة!

ابتسم «تختخ»؛ فقد فكَّر نفس التفكير أيضًا!

تم القبض على «المشرط»، وانصرف «سامي» وهو يقول للدكتور «مجدي»: الليلة سوف يكون الذهب عندك!

وعندما انصرفوا، دخل المغامرون غرفة الكشف، حيث كان الدكتور «مجدي» يُحَيِّي «تختخ» بشدة، وحيَّا باقي المغامرين، وهو يدعوهم لحفلةٍ في الفيلا؛ يُقيمها تكريمًا لجهدهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤