الرقم الناقص

كان المفتش «سامي» يراقب الحوار الدائر بين الدكتور «مجدي» و«تختخ»، وقال الدكتور «مجدي»: لا لا … إنني أستبعد دادة «جليلة»؛ فهي عندنا من سنوات طويلة، وكثيرًا ما كنت أُعطيها نسخة من مفتاح المعمل عندما أكون خارج مصر، وأنا كثير السفر، ولم يحدث أن اختفى شيءٌ من المعمل من قبل.

تدخَّل المفتش «سامي» في الحوار، وسأل الدكتورَ «مجدي»: إذن كانت هناك نسخة من مفتاح المعمل؟

مجدي: نعم … لكن نسخة المفتاح لم تكن مع الدادة دائمًا، فقط عندما أكون على سفر. أما إذا كنت موجودًا، فإنني أستعيد منها المفتاح.

سامي: هل كانت الدادة تعرف طبيعة الأبحاث التي كنتَ تقوم بها؟

مجدي: لا … هذه أبحاث سرِّيَّة جدًّا، ولا يعرف أحدٌ عنها شيئًا … فأنا لا أُعلنها إلا عندما تتأكَّد نتائجها.

سامي: هل كانت تعرف بوجود الذهب؟ ثم ابتسم وأضاف: ولو أني لا أعرف، ما علاقة الذهب بأبحاثك عن «السرطان»!

انتظر الدكتور «مجدي» قليلًا قبل أن يردَّ، وقال بنوع من التردد: ربما كانت تعرف، وربما لا … لكنها كانت تدخل المعمل في بعض الأحيان، وأنا أعمل لتُقدِّم لي فنجان قهوة مثلًا.

سامي: كانت ترى الذهب؟

مجدي: ربما؛ فمنظر الذهب لا يخفى على أحد.

سأل «تختخ»: معذرة يا «أونكل»، ما علاقة الذهب بمرض السرطان؟

تردَّد الدكتور «مجدي» قليلًا … ونظر إلى المفتش «سامي» الذي ابتسم وهو يقول: أعرف أنه سرٌّ حتى الآن … لن أظن أننا يجب أن نعرف هذه العلاقة بين الذهب والمرض! ثم نظر إلى «تختخ» وأضاف: أولًا أظن أن العزيز «توفيق» لا يعرف أهمية هذا السر، ولا أظن أنه سيُعيده مرة أخرى بعد أن يسمعَه.

انتظر الدكتور «مجدي» قليلًا، ثم تنهَّد قائلًا: قد تتصوران أن استخدام الذهب يتم وهو في كتلته العادية، هذا الذهب الذي يستخدمه الناس. إنه في البحث يتحول إلى ذرَّات في منتهى الصغر، إنه يتحول إلى وحدة تسمى «النانو»، وهل تعلمان أن سُمْك الشعرة يساوى ٥٠ ألف «نانو»؟

ظهرت الدهشة على وجه المفتش «سامي» و«تختخ»، بينما استمر الدكتور «مجدي» في كلامه، يشرح لهما دور الذهب في تجاربه، وأضاف الدكتور «مجدي»: وهل تعلمان أن ذرة «النانو» تساوي واحدًا على مليار من المتر؟

من جديد ظهرت الدهشة على وجه المفتش «سامي» و«تختخ» الذي سأل: كيف يمكن رؤية ذرَّة الذهب وهي في هذا الحجم؟

مجدي: إنها لا تُرى إلا بميكروسكوب خاص.

سأل المفتش «سامي» وهو يبتسم: أعرف أننا قد اقتربنا من سرِّ البحث، ولكن هل يمكن معرفة علاقة هذه الذرة المتناهية الصغر بمرض السرطان؟

وقبل أن يُجيب الدكتور «مجدي» على السؤال، قال المفتش «سامي» وهو يبتسم: إنه مجردُ حبِّ استطلاع؛ فهي علاقة غريبة، وتبدو مدهشة.

مجدي: لقد توصلتُ إلى نتائج خطيرة، عندما حقنتُ فأرَ تجاربٍ مصابًا بمرض «السرطان»؛ فالذهب معروف لنا جميعًا! أنه يلمع ولا يصدأ … وهو في حجم «النانو» يمكن به علاج «السرطان» أو أي خلية أخرى غير مرغوب فيها، والذهب يمتص الضوء بشدة، ويحوِّله إلى حرارة عالية جدًّا، ولو وضعنا الذهب على خلايا «السرطان» ثم عرضناه لضوء بسيط، فإنه يحول الضوء إلى حرارة عالية جدًّا تقضي على السرطان، لكنَّ هذه التجارب لا يمكن حاليًّا تجربتها على الإنسان؛ فكل التجارب تتم على الفئران. وهناك تجارب تُجرَى الآن لاكتشاف الأعراض الجانبية لاستخدام هذا العلاج، وإذا نجحَت هذه التجارب، يمكن تطبيقها على الإنسان خلال عامين، وبذلك نكون قد هزمنا هذا المرض القاتل، والذي أصبحَت نسبة الإصابة به عالية في كثير من الدول.

سأل المفتش «سامي»: هل كانت كمية الذهب كبيرة؟

مجدي: ليس المهم هو كمية الذهب، المهم هو تحويل الذهب إلى حالة «النانو»، وهي عملية صعبة ومعقدة، وتحتاج إلى وقت طويل. واختفاء «نانو» الذهب يؤثر على أبحاثي، فكيف أستمر في الأبحاث دون وجوده بجوار الأبحاث نفسها؟! فقد قضيتُ سنوات طويلة في هذه الأبحاث.

قال «تختخ»: هذا يعني أن نُسرعَ في الوصول إلى اللص قبل أن يتصرَّف في الذهب، فقد يبيعه إلى أحد تجار المجوهرات، وهو لا يعرف قيمته العلمية، في نفس الوقت الوصول إلى أوراق البحث!

انضم خبير البصمات إلى حيث يقف الدكتور «مجدي»، والمفتش «سامي» و«تختخ»، وهو يوجِّه كلامه إلى المفتش «سامي»!

الخبير: تم رفع البصمات، وواضح أن هناك أكثرَ من بصمة.

ظهر الانزعاج على وجه الدكتور «مجدي»، وسأل: هل يعني هذا أنهم كانوا أكثر من واحد؟ هي عصابة علمية إذن!

قال المفتش «سامي»: سوف نرى عندما يقوم الخبير بتحليل البصمات.

فجأة دخل الضابط «شهدي» مساعد المفتش «سامي»، وأدَّى التحية وهو يقول: لا … توجد آثار عنف على الأبواب أو نوافذ الفيلا … ويبدو أن مَن دخل له علاقة بالفيلا.

نظر «تختخ» إلى المفتش «سامي»، ثم إلى الدكتور «مجدي» الذي قال بسرعة: لا … لا يمكن أن يكون للصِّ علاقةٌ بأحد في الفيلا!

ابتسم المفتش «سامي»، وقال لا تنزعج يا عزيزي الدكتور، فسوف تكشف التحقيقات إذا كان هذا صحيحًا أم لا!

فجأةً، سأل خبير البصمات: هل فتح أحدٌ نافذة غرفة المعمل؟

مجدي: لا … فمنذ أن اكتشفتُ اختفاءَ الأبحاث والذهب، لم أقترب من أي شيء … فقد قررت أهمية أن يكون كل شيء كما كان!

الخبير: وأنا أرفع البصمات من النافذة، كانت غير مغلقة، والغريب أنه كانت هناك بصمات مكررة على النافذة.

فكَّر «تختخ»: هل يكون الدكتور «مجدي» قد نسيَ إغلاق النافذة قبل أن يسافر، ويكون اللصُّ قد دخل المعمل عن طريقها! نظر إلى الدكتور «مجدي»، ونقل له ما فكَّر فيه، فقال الدكتور مجدي: لا، طبعًا … فكيف أنسى إغلاق نافذة المعمل، إنني أُغلقها بنفسي، ولا أدَع أحدًا يُغلقها غيري!

قال المفتش «سامي»: تذكَّر جيدًا يا دكتور!

مجدي: إنني متأكد من أني أغلقتُها بنفسي، وحتى في الأوقات التي أكون فيها في عيادتي أو في المستشفى أقوم بإغلاقها.

تحرَّك «تختخ» في اتجاه النافذة، وأخرج منديلًا من حقيبته الصغيرة، ولفَّه حول يده، ثم رفع ضلفة النافذة فانفتحَت. اقترب أكثر من النافذة التي كانت تُطلُّ على الحديقة، وحيث توجد شجرة قريبة من النافذة، فكَّر: هل يمكن أن يكون اللصُّ قد دخل عن طريق تسلُّقِ أحدِ أغصان هذه الشجرة؟ أخرج بطاريةً من حقيبته، وأضاءَها، ثم سلَّط الضوء على الشجرة؛ فبدَت واضحة تمامًا. مشى بضوء البطارية على أقرب غصن للنافذة، ثم على ساق الشجرة، فجأة ظهر «زنجر» وسط ضوء البطارية الذي كان يرسم دائرة على الأرض. فجأة نبح «زنجر»، ثم أمسك بورقة صغيرة كانت ملقاةً على الأرض. كان الموجودون في المعمل يراقبون ما يفعله «تختخ»، وقد رسم المفتش «سامي» ابتسامة صغيرة على وجهه، فهو يعرف كيف يتصرف المغامرون الخمسة. فجأة كان «تختخ» يمرُّ بجوارهم مسرعًا.

ضحك المفتش «سامي» وهو يقول: لا بد أن «توفيق» قد اكتشف شيئًا!

نزل «تختخ» درجاتِ سُلَّمِ الطابق الأول بسرعة، وقبل أن يَصِل إلى آخر درجة، كان «زنجر» يقف، وفي فمه الورقة التي وجدها تحت الشجرة. كانت يد «تختخ» ما زالت ملفوفةً في المنديل، فأمسك الورقة من «زنجر» وتأملها. كانت ورقةً قديمة صغيرة عليها رقم. لكن آخر الأرقام كان مطموسًا، لا يظهر جيدًا … وكانت الأرقام الواضحة هي ١٠٩٥.

فكَّر «تختخ»: ماذا تعني هذه الورقة، وماذا يعني هذا الرقم، وماذا يكون الرقم الناقص؟! وهل هو رقم سيارة أم رقم منزل؟! قال في نفسه: طبعًا هو ليس رقم تليفون، فماذا يكون؟! فجأةً تنامَى إلى سمْعِه صوتُ المفتش «سامي» يناديه!

صَعِد درجاتِ السلَّم بسرعة، فوجد المفتش «سامي»، والدكتور «مجدي»، والضابط «شهدي»، وخبير البصمات في هول الفيلا، سأل المفتش «سامي»: ماذا هناك؟ هل اكتشفتَ شيئًا؟

قدَّم له «تختخ» الورقة، فأمسك بها المفتش «سامي»، وقرأ الرقم، ثم سأل: أين وجدتَها يا عزيزي «توفيق»؟

تختخ: أسفل الشجرة القريبة من نافذة غرفة المعمل.

تحرَّك المفتش «سامي»، ومعه مساعدُه الضابط «شهدي» بسرعة، ونزلَا سلالم الفيلا، ومعهما «تختخ»، وتَبِعهم الدكتور «مجدي» وخبير البصمات. عندما وصلوا إلى الشجرة، وقف المفتش «سامي» يتأمل مكان الشجرة، وقرَّب أغصانها من نافذة غرفة المعمل. فجأةً بدأ الضابط «شهدي» يتسلَّق الشجرةَ حتى أصبح بين أغصانها. أمسك بفرع كبير، ثم زحف عليه، فاقترب الفرع تحت ثِقَل شهدي الذي قال: طريق ملائم لدخول المعمل أو الخروج منه!

سامي: هذا صحيح … وهو احتمال قوي. ثم أضاف بعد لحظة: لكن كيف دخل المعمل إذا كانت النافذة مغلقة؟!

عاد الضابط «شهدي»، وانضم إليهم، في حين نظر المفتش «سامي» إلى الورقة مرة أخرى، وقرأ الرقم من جديد، ثم نظر إلى الدكتور «مجدي» وسأله: ماذا يعني هذا الرقم يا عزيزي الدكتور؟

قرأ الدكتور «مجدي» الرقم، ثم قال: لا يعني شيئًا!

ثم أمسك بالورقة، وتحسَّسها جيدًا، ثم أضاف: هذا النوع من الورق لا أستخدمه في أبحاثي … فهو نوع رخيص.

استغرق المفتش «سامي» في التفكير قليلًا، ولم يقطع استغراقَه سوى صوت «تختخ» وهو يقول: هذا النوع من الورق يُحدِّد نوعية اللص.

ظهرَت الدهشة على وجه المفتش «سامي»، وابتسم، ثم قال: هذا ما كنت أفكِّر فيه، إنه لصٌّ عادي من لصوص المنازل!

ثم نظر إلى الدكتور «مجدي» وسأله: هل لديكم أشياء ثمينة يا دكتور؟

مجدي: ماذا تعني سيادة المفتش بأشياء ثمينة؟

سامي: أقصد مجوهرات، ذهب، أو ألماس مثلًا.

مجدي: نعم … عندنا لكننا نضع الأشياء الثمينة في خزينة خاصة بنا في البنك، وحتى ما لدينا من مال، فنحن لا نُبقي في الفيلا إلا ما نحتاجه في الحاجات اليومية، فنحن نستخدم الفيزا كارد.

قال الضابط «شهدي»: إننا لم نسأل حارس الفيلا ولا الدادة!

قال المفتش «سامي»: سوف نعود لاستجوابهما. والآن ندَع الدكتور «مجدي» ليستريح.

ثم ابتسم ونظر إلى الدكتور «مجدي» متسائلًا: هل يمكن أن نعود غدًا؟

مجدي: بالتأكيد، إنني في انتظاركم.

انصرف المفتش «سامي»، ومساعده، وخبير البصمات، وبقيَ «تختخ» مع الدكتور «مجدي».

ظهر المغامرون بصحبة السيدة «فريدة» التي سألت: هل توصلتم لشيء؟

مجدي: ليس بعد. لكن المفتش سوف يأتي غدًا.

استأذن المغامرون الخمسة، وانصرفوا، كان «تختخ» يفكِّر: ما معنى هذا الرقم الناقص؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤