حكاية الحقيبة السوداء

عندما انصرف المغامرون الخمسة، وركبوا دراجاتهم، نظر «تختخ» في ساعة يده. فكَّر: إننا يجب أن نُسابق الزمن؛ حتى نَصِلَ إلى اللص، وما زال الوقت مبكِّرًا، نظر إلى «محب» الذي كان قريبًا منه، ثم قال: أعتقد أننا يجب أن نعقد اجتماعًا الآن؛ فنحن في حاجة إلى كل دقيقة.

محب: أوافقك!

وأسرع المغامرون الخمسة إلى البرجولا ليعقدوا اجتماعهم. وعندما استقروا في مقاعدهم، مرَّت لحظة صامتة، وظهرَت ابتسامة على وجه «تختخ»، فقالت «لوزة» مبتسمة: كوبان من الليمون المثلج، هذا ما يفكِّر فيه «تختخ» الآن!

ضحك «تختخ»، فقالت «لوزة»: أنت تعرف أنني أقرأ أفكارك!

وقفت «نوسة» وانصرفت، لكنها عند باب البرجولا توقَّفت وقالت: لا تبدأ الاجتماع حتى أعود بالليمون!

ضحك «تختخ» وهو يقول: وأنا لا أستطيع التفكير دون الليمون المثلج.

ضحك المغامرون، فأضاف «تختخ»: لا تنسَي مكافأة «زنجر» يا عزيزتي «نوسة»؛ خصوصًا وقد لعب دورًا في كشف اللغز!

سألَت «نوسة»: أيُّ دور؟

تختخ: عندما تعودين بالليمون ستعرفين.

انصرفت «نوسة»، فقالت «لوزة»: وهل تم كشف اللغز؟

تختخ: أقصد أنه قدَّم لنا خيطًا يمكن أن يُفيدَنا في حلِّ اللغز.

لوزة: وما هو هذا الخيط؟

تختخ: عندما تعود «نوسة»، وأشرب الليمون المثلج، سوف أشرح لكم ما حدث، وأنتم مع طنط «فريدة».

عاطف: إذن حدثَت أشياء!

تختخ: عندما يبدأ الاجتماع، سوف تعرفون التفاصيل.

عادت «نوسة» وهي تحمل صينية عليها أكواب الليمون المثلج، التي كانت مغريةً تمامًا، وقبل أن تضع «نوسة» الصينية على المائدة المستديرة التي يجلسون حولها، كان «تختخ» قد مدَّ يدَه، وأخذ كوب الليمون، ورفعه إلى فمه مباشرة، وشربه دفعة واحدة، في حين كان المغامرون ما زالوا يمدون أيديَهم إلى كوبات الليمون ليأخذ كلٌّ منهم الكوب الخاص به. ظهر الارتياح على وجه «تختخ»، وتمطَّى وهو يقول: الآن يمكن أن يبدأ الاجتماع، ولو أني في حاجة إلى كوب آخر!

كانت «نوسة» قد انصرفت، ثم عادَت تحمل طبقًا به قطعة لحم جيدة، نظر لها «زنجر» وكأنه يشكرها، وفي جانب من البرجولا، وضعَت «نوسة» طبقَ اللحم الذي أقبل عليه «زنجر» بشهية. وعندما انضمَّت إلى المغامرين، لم يكن كوب الليمون الخاص بها على المائدة؛ فقد كان «تختخ» يشربه على مهل، مستمتعًا بمذاقه وبرودته، ابتسمت «نوسة» وهي تقول: لا بأس، المهم أن يبدأ الاجتماع! وضع «تختخ» كوب الليمون الفارغ على المنضدة، وهو يقول مبتسمًا: أعتذر يا عزيزتي «نوسة»، فقد كنت في حاجة إلى هذا الكوب الثاني؛ لأني كنت أشعر بالعطش فعلًا!

ابتسمت «نوسة»، في حين قال «تختخ»: الآن نبدأ الاجتماع، ودعوني أسألكم، بماذا خرجتم من اجتماعكم مع طنط «فريدة»؟

قال «عاطف»: شرحَت طنط «فريدة» ما حدث منذ وصلَت هي وخالي الدكتور «مجدي» من السفر؛ فأول ما فعله خالي أن اتجه إلى المعمل الخاص به، واكتشف اختفاء الأبحاث والذهب، لمعَت عينَا «تختخ»؛ فقد تذكَّر شيئًا. فسألت «لوزة»: ماذا هناك؟! هل تذكَّرتَ شيئًا؟

تختخ: نعم، لم أسأل الدكتور «مجدي» إن كانت أوراق الأبحاث موجودة على الطاولة التي يجلس عليها، أم كانت في غلاف، أم كانت في حقيبة. والغريب أن أحدًا لم يسأل هذا السؤال، فقد سأله المفتش «سامي»: أين كانت أوراق البحث بالضبط، فأشار الدكتور «مجدي» إلى مساحة في الطاولة، وهو يقول: هنا … ولم يذكر إذا كانت في حقيبة مثلًا!

قال «عاطف»: كانت في حقيبة تُغلَق بأرقام سرية، لا يعرفها سوى الدكتور.

سأل «تختخ»: هل أنت متأكد من ذلك؟

عاطف: هذا ما قاله خالي؛ فقد قال لي إنه عندما دخل المعمل، كان أول شيء وقعَت عليه عيناه هو مكان الحقيبة التي تركها مغلقة على الطاولة.

سألت «لوزة»: وما أهمية ذلك … فالمهم هو الأبحاث!

لم يُجِب «تختخ» مباشرة؛ فقد كان مستغرقًا في التفكير، حتى إن «لوزة» أعادَت سؤالها مرة أخرى، نظر لها «تختخ» ثم قال: إننا نبحث عن أي شيء يقودنا إلى اللص، فإذا عرفنا نوعية الحقيبة، وإذا كانت ماركة معروفة؛ فيكون هذا اتجاهًا آخرَ في البحث.

قالت «نوسة»: هذا صحيح، إن أشياء قد تبدو بلا أهمية، وتكون هي الدليل.

نظر «تختخ» إلى «عاطف»، وقال: أكمل كلامك.

عاطف: كما حكى لي خالي الدكتور «مجدي» أنه وقف قليلًا يتذكَّر إن كان قد ترك الحقيبة على الطاولة، أم أنه وضعها في مكان آخر، وبحث في كل مكان، سواء في المعمل، أو خارجه، لكنه لم يجد الحقيبة. ولما اكتشف عدم وجود الذهب أيضًا، عرف أن أحدًا سرق الاثنين، الحقيبة والذهب!

قال «محب»: وكيف عرفت ما حدث؟

عاطف: طنط «فريدة» تحدَّثت إلينا؛ فأسرعتُ إلى فيلا خالي؛ لأعرف تفاصيل ما حدث.

سأل «تختخ»: وبماذا خرجتم من لقائكم مع طنط «فريدة»؟

قالت «نوسة»: عرفنا أنه لم يختفِ شيءٌ من الفيلا؛ فقد كانت الغرف كلها مغلقة، ولا توجد آثار عنف على الأبواب. وهذا يعني أنها لم تُفتَح!

تختخ: هناك لصوص يحملون أنواعًا من المفاتيح، قد يكون من بينها ما يفتح أبواب الغرف المغلقة، خصوصًا إذا كانت الغرف كلها تُفتح بمفتاح واحد.

فقالت «لوزة»: إذن يجب أن نسأل طنط «فريدة»، إذا كانت الغرف كلها تُفتح بمفتاح واحد، فهذه ملاحظة جيدة من «تختخ».

أخرج «تختخ» تليفونه المحمول من حقيبته، فقالت «لوزة» متسائلة: هل ستتصل بطنط «فريدة»، وهل تعرف رقم تليفونها؟

تختخ: هذا السؤال سوف أسأله لطنط «فريدة» غدًا، فهناك أيضًا حارس الفيلا «مختار»، ودادة «جليلة».

بدأ في طلب المفتش «سامي»، وهو يتحدث إلى المغامرين: سوف أنقل معلومة الحقيبة للمفتش «سامي»، فهي معلومة مهمة.

جاء صوت المفتش «سامي» من خلال التليفون يسأل: هل توصلتم لشيء؟

قال تختخ: هناك معلومة أعتقد أنها سوف تُفيدنا في البحث.

سامي: وما هي هذه المعلومات؟

تختخ: أبحاث الدكتور «مجدي» كانت في حقيبة، ولم تكن مجردَ أوراق موجودة على طاولة البحث التي يُجري عليها تجاربه.

سامي: أعرف، وهي حقيبة من نوع السمسونايت متوسطة الحجم، سوداء اللون، وتُفتح برقم سري هو ٣٣٣، هل تظن أن هذه المعلومة تفوتني؟!

تختخ: لكنني لم أسمع شيئًا عن الحقيبة في حوارك مع الدكتور «مجدي»!

سامي: قبل أن تصلَ كنت أعرف؛ ولذلك كان طبيعيًّا ألَّا أُعيدَ السؤال.

تختخ: هذا صحيح، وأعتذر؛ فقد تصورت أنها معلومة جديدة!

سامي: لا بأس … وأتمنى للمغامرين الأصدقاء التوفيق!

انتهت المكالمة، فنقل «تختخ» ما فيها من معلومات إلى المغامرين. فقالت «نوسة»: إذن هذا اتجاه جديد في البحث.

قال «محب»: الآن ينبغي أن نضع خطتنا للتحرك.

عاطف: بدايةً، يجب أن نحدد ما تحت أيدينا من معلومات؛ لنتحرك على أساسها.

أخذ المغامرون الخمسة يحددون المعلومات التي توصَّلوا إليها. وكانت المعلومات: أن اللص سرق الحقيبة وهو يظن أن بها أشياء ثمينة. أموال ومجوهرات؛ أن تحليل البصمات قد يكشف اللص؛ أن هناك الورقة التي عثر عليها «زنجر» في الحديقة وعليها رقم ٩٥، واختفاء الرقم الأخير؛ فقد كانت الورقة قديمة، ومن نوع رخيص؛ أن الحقيبة من نوع السمسونايت، وهو نوع معروف؛ وأن الرقم السري لها لا يعرفه اللص.

أما عن الذهب، فمن الطبيعي أن تصدر نشرةٌ من وزارة الداخلية لتجار الذهب، حتى إذا فكَّر اللص في بيعه، يكون قد سقط في يد الشرطة، وإنه يجب سؤال المفتش «سامي» عن هذه النشرة.

سألت «نوسة»: دعونا نتصور ماذا يفعل اللص عندما يفتح الحقيبة، فيجد فيها أوراقًا لا يفهم ما هو مكتوب فيها، ماذا سيفعل بالأوراق؟

قالت «لوزة» بسرعة: سوف يُلقيها في الشارع، أو أحد صناديق الزبالة!

تختخ: هذا صحيح، ولكن ماذا سيفعل بالحقيبة، خصوصًا وهي من نوع غالي الثمن، بالضرورة لن يحتفظ بها حتى لا ينكشفَ أمرُه، وبالتالي سوف يبيعها، ويصبح السؤال لمن يبيعها؟

محب: ربما يبيعها لأحد تجار الروبابيكيا!

عاطف: أو لأي أحد.

نوسة: هذا احتمال، وهذا احتمال. المهم، ماذا يعني رقم ٩٥ الموجود في الورقة التي عثر عليها «زنجر» في الحديقة، هل هو رقم منزل مثلًا؟ إنه لن يكون رقم تليفون. فإذا أضفنا الرقم الناقص، تكون ثلاثة أرقام، وأرقام التليفونات الآن وصلت إلى ثمانية أرقام؛ يعني نستبعد أن يكون رقم تليفون.

محب: وإذا كان رقم منزل، فهل هو منزلُه؟ وإذا كان منزله، فلماذا يكتب رقمه على ورقة، ويحملها معه؟!

عاطف: هل يكون رقم موتوسيكل مثلًا، أو فيسبا يستعملها في تنقُّلاته حتى يبدوَ رجلًا شريفًا وليس لصًّا! وأنا أعرف أن كثيرًا من العمال يستخدم هذه الوسيلة في التنقل، وقد استدعينا كهربائيًّا لإصلاح سخان المياه في الفيلا، فجاء وهو يركب فيسبا!

قالت «لوزة»: لقد رأيت الفيسبا فعلًا، لكن لماذا يكتب رقمها في ورقة؟!

بعد لحظة قال «تختخ»: سوف نُضيِّع وقتًا طويلًا في البحث عن معنى هذا الرقم. وأقترح أن نُنهيَ اجتماعنا الليلة، على أن نلتقيَ غدًا، ونذهب إلى فيلا الدكتور «مجدي» في العاشرة صباحًا؛ حتى لا نُزعجَه، ويكفيه إزعاجًا ما حدث!

انصرف «تختخ» و«عاطف» و«لوزة»، وأخذ كلٌّ منهم طريقه إلى بيته. كان «زنجر» خلف «تختخ» الذي كان يقود دراجته شاردًا، يفكِّر في إجابة السؤال الذي كان يلحُّ على خاطره، وكان السؤال: كيف دخل اللص الفيلا والمعمل إذا كان هناك حارس الفيلا وإذا كان المعمل مغلقًا؟! قال في نفسه: هل دادة «جليلة» لها صلةٌ بما حدث؟ لكن إجابة تساؤله تردَّدت في خاطره أيضًا. لقد نفى الدكتور «مجدي» أيَّ شبهة في علاقة الدادة بما حدث، مرة أخرى سأل نفسه هذا السؤال: كيف دخل اللص المعمل إذن؟!

ظل يقلب السؤال في عقله، ويضع له احتمالات الإجابة. كان الليل هادئًا، وحركة السيارات قليلة، ونسمات باردة خفيفة، تجعل الليل منعشًا. تردد كلاكس سيارة قادمة خلفه، وتردد ضوء السيارة. فقد كان «تختخ» يمرُّ في تقاطُع بين شارعَين. فَهِم أن السيارة سوف تدخل يمينًا في الشارع، فزاد من سرعته حتى لا تلحقَ به السيارة. وعندما تجاوز التقاطع خفض من سرعة الدراجة. وبعد قليلٍ اختفى ضوء السيارة. فجأة رنَّ تليفونه المحمول، فأخذ جانب الطريق وتوقف، ثم أخرج المحمول من حقيبته، وعرف أن «لوزة» هي التي طلبته. وجاء صوتها يقول: هل الورقة كاملة أم أنها نصف ورقة؟!

فجأة مرَّت بجواره فيسبا مسرعة، ولفت نظرَه أن راكبها يضع خلفه حقيبة سوداء، أغلق التليفون، وانطلق يحاول اللحاق بالفيسبا التي كانت تبتعد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤