روبابيكيا

رفع «تختخ» سرعة الدراجة، في حين كانت «الفيسبا» تكاد تختفي عن نظره، لكنه ظل يتقدم تجاهها. همس لنفسه: شغلتني الحقيبة عن قراءة رقم الفيسبا. إنها فرصة لن تُعوَّض.

تقدَّم أكثر، لكن سرعة الفيسبا كانت عاليةً، وكانت تبتعد أكثر وأكثر. فكَّر أن راكب الفيسبا ليس من سكان «المعادي»، والوقت قد تأخر. يعني لقد أنهى عمله، وهو في طريقه إلى بيته. كان قد بدأ يشعر بالتعب، وأصبحت سرعة الدراجة أقل. توقَّف على جانب الطريق، وتنفَّس بعمق، كان يريد أن يستعيد نشاطه.

فكَّر: من الضروري أن يكون هذا هو الطريق اليومي لراكب الفيسبا.

نظر في ساعة يده. كانت الساعة تُشير إلى الحادية عشرة، فكَّر، ثم اتخذ قرارًا وهمس لنفسه: سوف أتفقده غدًا.

استدار بالدراجة في طريق العودة؛ فأطلق «زنجر» نباحًا خافتًا. قال «تختخ» يخاطب كلبه العزيز: لقد ضاعت الفرصة يا عزيزي، ولم يبقَ سوى العودة. فجأة رنَّ تليفونه، وجاء صوت «لوزة» تقول: لماذا أغلقت المحمول عندما طلبتك؟

رد «تختخ»: كانت هناك فرصة مفاجئة، فلم أستطع الرد!

لوزة: وما هي هذه الفرصة؟

تختخ: سوف تعرفين عندما نلتقي غدًا.

لوزة: كنت أسأل، هل الورقة التي وجدها صديقنا «زنجر» في حديقة خالي، هل هي ورقة كاملة، أم نصف ورقة؟

تختخ: أظن أنها ورقة كاملة.

لوزة: إذن أنت لستَ متأكِّدًا، فإذا كانت نصف ورقة، فإن الرقم المطموس يمكن أن تكون بقيته في النصف الآخر!

ابتسم «تختخ» وقال: من أين لنا بالنصف الآخر يا عزيزتي «لوزة»؟

لوزة: على الأقل نعرف أن الباقي رقم واحد، أو عدة أرقام!

تختخ: نناقش ذلك في اجتماعنا القادم!

انتهت المكالمة، واستمر «تختخ» في طريق عودته. وعندما وصل الفيلا، كان أول ما فكَّر فيه عشاء «زنجر» … أسرع يُعدُّ عشاء صديقه العزيز، ووضعه له أمام بيته في آخر الحديقة، ثم أخذ طريقه إلى غرفته. سمع صوت دادة «مجيدة» تقول: ألن تتناول عشاءَك؟

توقَّف وهو يبتسم؛ فقد شعر فعلًا بالجوع بعد أن ذكَّرَته الدادة؛ فردَّ عليها: إنني فعلًا أشعر بالجوع!

مجيدة: هل أُعدُّ لك ساندويشات، وأُحضرها لك؟

ابتسم وهو يقترب من المطبخ، حتى وقف أمام بابه، وألقى التحية على الدادة، ثم قال: هذا كرم منك يا عزيزتي دادة «مجيدة».

ابتسمَت دادة «مجيدة»، والتي كانت تُعدُّ الساندويتشات فعلًا، وقالت: سوف ألحقك بها وتكون قد أبدلتَ ثيابك.

شكرها «تختخ»، وأخذ طريقَه إلى غرفته، خلع حقيبته من كتفه، ووضعها على المكتب … نظر إلى اللاب توب الخاص به، واستغرق في التفكير. لكن صوت دادة «مجيدة» قطع عليه تفكيره؛ فقد كانت تقول وهي تبتسم: أظن أن ثلاثة ساندويتشات تكفي، فأنت مقبل على النوم!

ابتسم «تختخ» وهو يقول: تكفي وزيادة يا دادة، وأشكرك!

وضعَت دادة طبق الساندويتشات، وقضم لقمة، وأخذ يمضغها في بطء، فقد كان يستعيد منظر الفيسبا وراكبها. إنه لم يرَ وجه الراكب، لكنه رأى ظهرَه، وخلفه الحقيبة السوداء، تذكَّر ملابس صاحب الفيسبا، كانت تبدو ملابسَ عادية، قميصٌ وبنطلون. قال في نفسه: إما أنه عامل أو موظف. سأل نفسه: إذا كان عاملًا أو موظَّفًا، فكيف يحمل حقيبة غالية الثمن؟! ظلَّ في حوار مع نفسه، وهو يمضغ عشاءَه في بطء، تردَّدَ صوتُ دقات الساعة، كانت تُعلن منتصف الليل. أعادَته دقات الساعة من حواره مع نفسه، واكتشف أنه أكل الساندويتشات الثلاثة!

كان لا يزال يشعر بالجوع … ابتسم وقال لنفسه: ينبغي أن أنام؛ فمنذ الغد سوف يكون أمام المغامرين عملٌ طويل! لم يكن قد أبدل ملابسه؛ فأسرع يُبدلها، ثم ألقى نفسه في السرير. لكنه لم يستطع النوم مباشرة؛ فقد كان يفكِّر في الطريقة التي دخل بها اللصُّ معمل الدكتور مجدي، وسأل نفسه: هل كان اللص يعرف أن هناك ذهبًا في المعمل؟ أم أنه لصٌّ عاديٌّ جاء ليسرق عندما رأى الفيلا مغلقةً وليس فيها أحدٌ؟! ظل يُدير الموقف في خاطره، حتى غاب في النوم، ولم يوقظه إلا نباح «زنجر» … عندما فتح عينَيه كان رنين تليفونه المحمول يتردد، وكانت الغرفة غارقة في ضوء النهار. عرف أن «نوسة» على الطرف الآخر … رفع التليفون إلى أُذُنِه، فجاء صوت «نوسة» يقول: أين أنت، لقد تأخرت، ونحن في الاجتماع؟

اندهش «تختخ» وسأل «نوسة»: كم الساعة الآن؟!

نوسة: التاسعة. يبدو أنك كنت نائمًا!

وبسرعة، أبدل ثيابه، وخرج مباشرة إلى حيث دراجته. قابلته دادة «مجيدة»، وقالت: هل تخرج بلا إفطار؟

تختخ: لقد تأخرتُ في النوم، والمغامرون في اجتماع.

ثم أسرع إلى دراجته، فوجد «زنجر» واقفًا في اهتمام … نظر إليه «تختخ» وقال له: أنت المسئول عن هذا التأخير يا صديقي العزيز!

قفز على دراجته، فقفز «زنجر» خلفه، وأخذ طريقه إلى حيث الاجتماع في البرجولا … عندما دخل — وقبل أن يجلس — أسرعَت «لوزة» بسؤاله: لماذا تأخرت؟ إننا …!

لكن «تختخ» لم يُعطها فرصةَ تكملةِ السؤال، فقد نظر إلى «نوسة» وهو يضع يده على بطنه؛ فضحكت «لوزة»، وقالت: لا بد أنك لم تتناول إفطارك.

فقال «محب» مبتسمًا: ولن تستطيع التفكير وأنت جائع!

ضحك المغامرون، وأسرعت «نوسة» بالانصراف، فقال «عاطف»: إننا نضيع الوقت، ولا بد أن نُسرع حتى …

وقبل أن يُكمل كلامه، كان هناك صوت ينادي: روبابيكيا … بيكيا!

نظر «تختخ» إلى «محب» و«عاطف»، ثم فجأةً قفز خارجًا؛ قفز «محب» خلفه، وتبعهما «زنجر»، واندفعوا خارج البرجولا … ظهرَت الدهشة على وجه «لوزة»، وسألت: ماذا حدث … ما الذي جعلهما يُسرعان بالخروج؟!

كان الصوت الذي ينادي روبابيكيا … بيكيا، قد أصبح بعيدًا، في حين قال «عاطف»: لقد أسرعَا باللحاق ببائع الروبابيكيا.

من جديد ظهرَت الدهشة على وجه «لوزة»، وسألت: لماذا يلحقان ببائع الروبابيكيا؟

عاطف: قد يجد الحقيبة السوداء معه؛ فقد يكون اللص قد تخلَّص منها، وباعها، بعد أن اكتشف أن ما بها لا ينفعه!

دخلَت «نوسة» مسرعةً، وهي تحمل صينية عليها عددٌ من الساندويتشات، وكوب شاي باللبن، لكنها توقَّفت فجأة، ونظرت إلى «عاطف» متسائلةً: أين «تختخ» وأين «محب»؟!

•••

كان «تختخ» وخلفه «زنجر» … وبجوارهما محب يُسرعان إلى حيث كانت سيارة نصف نقل تتقدم في آخر الشارع، وصوت البائع يأتي من خلال ميكروفون صغير وهو يردد: بيكيا … لكن الصوت كان بعيدًا. قال «محب»: أخشى ألَّا نلحق بها!

قال «تختخ»: إنها تتقدم ببطء، وسوف نلحق بها.

استمرَّا في تقدُّمهما، وقال «محب»: لقد توقَّف … يبدو أن بائع الروبابيكيا سوف يشتري شيئًا من الفيلا التي يقف أمامها.

تختخ: إنها فرصةٌ أن نرى ما يشتريه …

اقتربَا من السيارة التي يقف في صندوقها صبيٌّ صغير، وهو ينادي في الميكروفون: روبابيكيا … بيكيا!

وظلَّ يُعيد نداءَه. كان «تختخ» يفكِّر: هل أتحدث إلى الصبيِّ … أم أنتظر حتى أرى ما سوف يظهر من الفيلا؟!

همس ﻟ «محب» بما كان يفكِّرُ فيه، فقال «محب»: ننتظر حتى نرى.

اقترب «تختخ» وهو فوق دراجته، وتعلَّق بصندوق السيارة. نظر له الصبي وقال في حدَّة: ماذا تريد؟! إننا ما زلنا في الصباح، ولم نشترِ شيئًا بعد!

ابتسم له «تختخ» وقال: هل تشترون أيَّ شيء قديم؟ وما هي الأشياء التي تشترونها؟

الصبي: أي شيء؛ ثلاجة قديمة، بوتاجاز، أثاث قديم، جرائد قديمة، ملابس قديمة، حقائب قديمة، أي شيء قديم نشتريه … أي شيء يستغني عنه صاحبُه!

فجأةً، ظهر من داخل الفيلا رجل يحمل ثلاجة قديمة؛ فأسرع الصبي يفتح باب صندوق السيارة الخلفي، وبدأ يساعد الرجل في وضع الثلاجة في صندوق السيارة. وعندما تأكَّد من وضعها جيدًا، قال الصبي: هل أُغلق الصندوق يا أبي؟

قال الرجل: لا، انتظر؛ فهناك كرتونة بها بعض الأشياء.

انصرف الرجل إلى داخل الفيلا، فسأل «تختخ» الصبي: وماذا تفعلون بهذه الأشياء القديمة التي تشترونها؟!

الصبي: نبيعها!

اندهش «تختخ»، بينما كان «محب» يراقب الحوار الدائر بين «تختخ» والصبي.

سأل «تختخ»: وكيف تبيعونها وهي قديمة؟!

الصبي: هناك مَن يشتريها، ويُصلحها، ويستعملها.

تختخ: وأين تبيعونها؟

الصبي: هناك مَن يشتريها منَّا، ويقوم ببيعها في السوق.

تختخ: وهل هناك سوق لهذه الأشياء القديمة؟

الصبي: نعم، هناك سوق الجمعة في مصر القديمة، وسوق الثلاثاء في إمبابة، وسوق الإثنين في القلعة.

قال «تختخ» في نفسه: هذه معلومات مفيدة. نظر إلى «محب»، الذي فَهِم ما يعنيه «تختخ»، قال «تختخ» للصبي: هل تمرُّون من هنا كل يوم؟

الصبي: نحن نذهب إلى أماكن كثيرة.

ابتسم «تختخ»، وقال: إذن سوف أرى الأشياء التي نستغني عنها، وأنتظر مروركم، فنحن نسكن قريبًا من هنا.

ثم استدار لينصرف، لكن الصبي قال وهو يبتسم: هل تبيع هذا الكلب؟

نبح «زنجر» وكأنه فَهِم كلام الصبي، في حين ابتسم «تختخ»، واستمر في طريقه عائدًا هو و«محب» إلى البرجولا.

•••

في البرجولا، كان «عاطف»، و«نوسة»، و«لوزة» في انتظار عودة «تختخ» و«محب».

وعندما دخلَا البرجولا، أسرع «تختخ» إلى الساندويتشات، وتذكَّر «زنجر» الذي كان يقف بجواره ناظرًا إليه … ابتسم «تختخ»، وقدَّم له أحد الساندويشات، فأخذه «زنجر» واتجه إلى خارج البرجولا. كان المغامرون في انتظار أن يتكلم «تختخ» أو «محب»، وفجأةً قالت «لوزة» منفعلة: لا أستطيع الانتظار حتى تلتهمَ الساندويتشات!

قضم «تختخ»: الساندويتش الثاني وقال وفمُه محشوٌّ: وأنا لا أستطيع الحديث ومعدتي خاوية!

نظرَت «نوسة» إلى «محب»، وقالت: هل توصَّلتم لشيء؟

قال «محب»: نعم … معلوماتي تُفيدنا في عملية البحث عن الحقيبة.

قالت «لوزة» فجأة: وما هي هذه المعلومات؟

أشار إليها «تختخ» أن تنتظر حتى يفرغ من طعامه. فجأةً رنَّ تليفون «عاطف» المحمول، رفعه إلى أُذُنِه، استمع قليلًا، وملأ الاهتمامُ وجهَه!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤