في انتظار راكب الفيسبا

كان «تختخ» يفكِّر في الخطة التي فكَّر فيها بالأمس … لكن فجأةً قفز إلى رأسه خاطرٌ: ماذا عن الرقم ٩٥، لقد نسيناه! همس لنفسه: يجب أن أسأل المفتش «سامي» إن كان قد وصل إلى تفسير لهذا الرقم الناقص، الذي ظهر في الورقة التي وجدها «زنجر» في الحديقة. وصل إلى الفيلا، وكان أول ما فكَّر فيه هو الطعام؛ طعامه وطعام «زنجر» … أسرع إلى المطبخ، حيث دادة «مجيدة» التي ما إن رأته حتى ابتسمت وقالت: الأكل جاهز، وقد سبقك الوالد والوالدة بعد أن تأخرتَ.

قال «تختخ»: المهم غداء صديقي العزيز!

مجيدة: جاهز هو الآخر، تناوَلْ غداءَك أنت، وسوف أُقدِّم لصديقك غداءَه.

حملت دادة «مجيدة» طعام «زنجر»، واتجهت للحديقة، في حين جلس «تختخ» إلى غدائه، وأقبل عليه في شهية؛ فقد كان جائعًا فعلًا … وعندما انتهى منه اتجه إلى غرفته. فكَّر: كيف أذهب إلى كارفور، وأنفذ خطتي في نفس الوقت؟

قال في نفسه: الذهاب إلى كارفور لن يستغرق وقتًا، بعدها يمكن أن أنفِّذ خطتي.

استلقى على سريره، وأخذ يستعيد تفاصيل اختفاء أبحاث الدكتور «مجدي» منذ أن استلقى، وحتى اليوم، قال في نفسه: هل يمكن أن تكون دادة «جليلة»، أو الحارس شركاء في اختفاء الأبحاث والذهب؟! أجاب على سؤاله: لقد نفى الدكتور «مجدي» ذلك تمامًا، وقال إنه يعتقد أنها سرقةٌ عاديَّة.

تذكَّر «تختخ» كتابًا قرأه عن اللص التائب، الذي حكى فيه تجربته في السرقة، وكيف أن اللص أول ما يذهب إليه في المكان الذي يدخله هو الاتجاه إلى غرفة النوم، وبالذات دولاب الملابس؛ لأن سكَّان المكان يحتفظون دائمًا بأموالهم ومجوهراتهم في دولاب الملابس. قال «تختخ» في نفسه: لكن الواضح أن اللص لم يدخل غرفة النوم في فيلا الدكتور «مجدي»؛ لأن المعمل كان مغلقًا، ولم يستطع فتْحَه.

تذكَّر تجربةً أخرى، حكاها اللصُّ التائب، وقال فيها إنه دخل مرةً فيلا في مصر الجديدة، وعندما اتجه إلى غرفة النوم، وجد فيها حقيبتَين؛ فأخذ واحدةً، وترك الأخرى. وعندما خرج من الفيلا، وفتح الحقيبة، لم يجد فيها إلا عددًا من الأوراق، وفي اليوم التالي قرأ في الصحف أن لصًّا سرق حقيبةً بها أوراق عامة، وترك حقيبة كانت تحتوي على ربع مليون جنيه. يحكي اللص التائب أنه أخذ في الضحك لغبائه، وألقى الحقيبة التي سرقها، والتي تحتوي على الأوراق المهمة في صندوق قمامة حتى يتخلص منها.

قال «تختخ» في نفسه: إذن صناديق القمامة يمكن أن تكون خيطًا للبحث عن أوراق الأبحاث الخاصة بالدكتور «مجدي»، ثم غلبه النوم، ولم يستيقظ إلا على نباح «زنجر». أسرع يفتح نافذة غرفته، فوجد «زنجر» تحتها، وهو ينظر إليه. ابتسم ونظر في ساعة يده، وقال مخاطبًا «زنجر»: شكرًا يا صديقي، لقد أيقظتَني في الموعد المناسب.

وبسرعة، كان يأخذ طريقَه إلى البرجولا حيث اجتماع المغامرين؛ ولأن المغامرين يسابقون الزمن في لغز اختفاء أبحاث الدكتور «مجدي»، فقد وقفوا أمام فيلا «محب» في انتظار وصول «تختخ». وما إن وصل حتى أخذ المغامرون الخمسة طريقَهم إلى مول كارفور. كانوا يتقدمون في صفٍّ واحدٍ بجوار الرصيف، كان «تختخ» في المقدمة، وخلفه «نوسة»، ثم «لوزة»، وخلفهما «عاطف» وأخيرًا «محب».

كان شارع كورنيش النيل في «المعادي» نشيطَ الحركة، والسيارات تندفع بسرعة. فجأة مرَّت سيارة ضخمة من سيارات جمع القمامة. فكَّر «تختخ»: إلى أين تتجه هذه السيارات؟ فمَن يدري؟! قد تكون أوراق البحث الخاص بالدكتور «مجدي» في صندوقها المليء بالقمامة!

همس لنفسه: هل أتبعُها؟ تذكَّر أنه قرأ تحقيقًا صحفيًّا في جريدة الأهرام يتحدث عن تجميع القمامة في مكان للتخلص منها، ومن بين الأماكن جبل «المقطم». تساءل بينه وبين نفسه: أعرف أنهم يتخلصون من القمامة بحرقها، فهل يحترق … بحثُ الدكتور «مجدي»، وتضيع كلُّ جهوده؟!

كانت سيارة القمامة تبتعد، لكن «تختخ» كان يفكِّر في حلٍّ. أخيرًا وصل المغامرون الخمسة إلى مول كارفور. كان هناك موقفٌ للسيارات خارج المول.

فأوقفوا درَّاجاتهم، فكَّر «تختخ»: هل يصحب «زنجر» معه؟ لكنه تردَّد؛ فمثل هذه الأماكن التي تكون عادةً مزدحمة، لا تدخلها الكلاب. ربَّت على رأس «زنجر»، الذي فَهِم ما يقصده «تختخ»؛ فجلس بجوار دراجات المغامرين، الذين اتجهوا إلى المول. كان المول مزدحمًا، والبعض يخرج وهو يدفع أمامه العربات التي تحمل ما اشتروه، والبعض يدخل. ولم يُضِع المغامرون وقتًا، فقد سألوا القسم الذي يبيع الحقائب، وعرفوا أنه في الطابق الثاني. ركبوا السلَّم المتحرِّك، وصعدوا. تجوَّلوا في المكان الذي كان مزدحمًا أيضًا، فهناك أقسام للملابس والمفروشات، وقسم للكمبيوتر الذي لفت نظرهم. وأخيرًا، وصلوا إلى قسم الحقائب الذي كان يضمُّ مجموعة كبيرة منها، ومن كل الأحجام. ظلُّوا يتجوَّلون فيه، فجأة هتفت «لوزة»: هذه هي الحقيبة!

اقترب منهم موظف القسم، وسألهم: هل تبحثون عن حقيبة معيَّنة؟

وقبل أن يردَّ أحدُ المغامرين، دخل رجلٌ أشيب الشعر، أنيق الملابس، وتحدَّث للبائع وهو يشير إلى الحقيبة التي أشارت إليها «لوزة». استأذن منهم الموظف وأمسك بالحقيبة، وفتحها أمام الرجل. كان المغامرون الخمسة يتابعون الموظف وهو يفتح الحقيبة. ظلَّ الرجل يتأمل الحقيبة ويُغلقها ثم يفتحها. وأخيرًا أخرج منها كتيِّبًا صغيرًا، وبدأ يقرأ فيه. نظر المغامرون إلى بعضهم، فقد كانت هي نفس الحقيبة التي يريدون رؤيتها. وكانت الحقيبة سوداء أيضًا، لكن الرجل قال: أريد حقيبة بُنيَّة اللون. أسرع الموظف وأحضر حقيبة بُنيَّة، وقدَّمها للرجل. وعندما انشغل الموظف مع الرجل، أخذوا يقلِّبون الحقيبة السوداء، وقرأ عليها «تختخ» ماركة «سامسونايت».

همس «تختخ»: إنها نفس حقيبة الدكتور «مجدي». أغلق «تختخ» الحقيبة، ووضعها مكانها وهو يقول: هذا يكفي، هيَّا بنا.

غادر المغامرون الخمسة مول كارفور، وركبوا درَّاجاتهم، لكن قبل أن يتحرَّكوا قالت «نوسة»: هل كانت حقيبة الدكتور «مجدي» مميَّزةً؟

أجاب «عاطف»: لا أظن؛ فالحقيبة التي رأيناها ليس فيها ما يميِّزها عن غيرها!

نوسة: أقصد إن كان بها أثر ما من تجارب الدكتور «مجدي»، والمعمل فيه كيماويات!

قال «تختخ»: سؤالٌ وجيه، يجب أن نسأل فيه الدكتور «مجدي»!

انطلق المغامرون الخمسة عائدين إلى فيلا «محب»؛ فقد كان الوقت مبكِّرًا؛ ولذلك قال «محب»: نحتاج إلى عقد اجتماع، فهناك ما يجب أن نناقشه لتوزيع الأدوار.

تختخ: هذا صحيح، فهناك ثلاثة أسواق تُباع فيها الأشياء القديمة كما عرفت من بائع الروبابيكيا، وحتى لا نضيع وقتًا، فينبغي عقد الاجتماع.

عندما وصل المغامرون إلى البرجولا، وقبل أن يدخلوها، ضحكت «لوزة»، حتى إنها لفتت نظر المغامرين في نفس الوقت، ابتسم «تختخ»، وسأل «محب»: هل هناك ما يُضحك يا عزيزتي «لوزة»؟

فجأة، ضحكت «نوسة» هي الأخرى، وهي تقول: لقد فهمت لماذا ضحكت «لوزة» عندما ابتسم «تختخ»؛ فقد كانت ابتسامتُه تأكيدًا لما أضحك «لوزة».

قال «تختخ» وهو يخطو داخل البرجولا: إذن نفِّذي ما فهمتيه.

انسحبت «نوسة»، ودخل المغامرون البرجولا، فغرق «عاطف» و«محب» في الضحك؛ فقد فَهِمَا أن «تختخ» كان سيطلب الليمون المثلَّج، وكشفت «لوزة» تفكيره. فجأةً، سألت «لوزة»: إننا لم نَصِل لمعنى رقم ٩٥. هل هو رقم منزل، أو سيارة مثلًا!

قال «تختخ»: لقد كنت أسأل نفسي هذا السؤال، وقد استبعدنا أن يكون رقمَ تليفون؛ لأن الرقم الناقص رقمٌ واحد. يعني هو ثلاثة أرقام، وطبعًا …

وقبل أن يُكمل كلامه، رفعت «لوزة» يدها وهي تقول: نقطة نظام …

سكت «تختخ»، فأكملت «لوزة»: سألتك إن كانت ورقة كاملة اختفى الرقم الأخير فيها، أم أنها نصف ورقة، ويمكن أن تحمل أرقامًا أكثر؟!

قال «تختخ»: لقد كانت ورقة كاملة، ولو كانت نصف ورقة …

دخلت «نوسة» بأكواب الليمون. وضعَتها على المائدة المستديرة التي يجلسون حولها، وقالت: سمعت آخر كلام «تختخ» بأن الورقة كانت كاملة، ما معنى هذا؟

مدَّ «تختخ» يدَه، وأمسك بكوب الليمون، وبدأ في شربه مباشرة. في حين قال «عاطف»: كانت «لوزة» تسأل إن كانت الورقة التي وجدها «زنجر» في حديقة فيلا الدكتور «مجدي»، ورقةً كاملة أم نصف ورقة.

كان «تختخ» قد فرغ من شرب الليمون، فقال: بالتأكيد لو كانت نصفَ ورقة، كان ذلك قد لفت نظري، فقد أمسكتها من فم «زنجر»، وتأملتها قبل أن أُقدِّمها للمفتش «سامي»، والمهم هو إلى ماذا يشير رقم ٩٥، وما هو الرقم الناقص!

قال «محب»: طبعًا لن يكون رقم منزل اللص، فلماذا يكتب رقم منزله على ورقة؟ ولن يكون رقم منزل سوف يقوم بسرقته!

نوسة: هذا صحيحٌ، فما معنى الرقم إذن؟!

كان المغامرون قد بدءوا يشربون الليمون على مهلٍ، وكلٌّ منهم يفكِّر في إجابة السؤال الذي طرحَته «نوسة»، فقال «تختخ»: دعونا من هذا الرقم الآن، إن أمامنا اتجاهَين يجب أن يتَّجِه إليهما البحث لكشف لغز الحقيبة السوداء؛ أولهما هو البحث في أسواق الأشياء القديمة، وعندنا ثلاثة أسواق، هي سوق الإثنين في القلعة، وسوق الثلاثاء في إمبابة، وسوق الجمعة في مصر القديمة. أما الاتجاه الآخر فهو مقالب القمامة؛ ففيها يمكن أن نعثر على أوراق بحث الدكتور «مجدي»، وهناك أكثر من مكان لهذه المقالب؛ فهناك مقلب قمامة في «المقطم»، ومقلب قمامة في طريق القاهرة … الفيوم، وعلينا أن نوزِّع الأدوار الآن، وسوف نبدأ بالبحث في أسواق الأشياء القديمة.

قال «عاطف»: أقترح أن نكون ثلاث فِرَق، فرقة مكوَّنة من «محب» و«نوسة»، وتكون وجهتها سوق الجمعة في مصر القديمة، وأنا و«لوزة» نتَّجِه إلى سوق الإثنين في القلعة، وأنت تذهب إلى سوق الثلاثاء في إمبابة.

تختخ: موافق، هل المغامرون موافقون؟

رفع المغامرون أيديَهم بالموافقة. زام «زنجر» فابتسم المغامرون، وقال «تختخ»: دورك معي يا صديقي العزيز.

نظر «تختخ» في ساعة يده، ثم وقف فجأة، فسألت «لوزة» وهي مندهشة: لماذا وقفت فجأة؟

ابتسم «تختخ»، وهو يقول: لديَّ مهمةٌ أرجو أن أحقِّق فيها نتيجة تكون هي البداية، فنحن في حاجة إلى بداية نتحرَّك على أساسها!

سألت «نوسة»: وما هي طبيعة هذه المهمة؟

قال «تختخ» بعد لحظة: لقد اشتبهت في حقيبة مع أحدهم، وأتصور أن المكان الذي رأيته فيه هو طريقه اليومي، وهو لا يبعد عن منطقتنا كثيرًا.

ثم فكَّر قليلًا، وسأل: غدًا الإثنين، وهو مهمَّة «عاطف» و«لوزة» في القلعة، على أن نكون على اتصال دائم. ثم تحرَّك وهو يقول: والآن إلى اللقاء!

خرج من البرجولا؛ فتَبِعه «زنجر»، وقفز على الدراجة، وانطلق إلى الشارع الذي مرَّ فيه راكب الفيسبا في الطريق، عاد يفكِّر في الورقة رقم ٩٥. فجأة قفز إلى خاطره سؤال، فقال لنفسه: هل يمكن أن يكون اللص بهذا الذكاء! ثم أضاف لنفسه: من الضروري أن يكون اللصُّ ذكيًّا، وإلا لوقع في فكر يد الشرطة بسرعة. إن هذا يحتاج إلى زيارة للمفتش سامي غدًا، واستمر في طريقه في انتظار ظهور راكب الفيسبا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤