هل هو اللص؟!

ظلَّ «عاطف» و«لوزة» يتابعان المشتري الجديد «مصطفى»، وهو يقترب من البائع «جابر»، وعندما وصل إليه، ابتسم «مصطفى» وهو يقول ﻟ «جابر»: هذه حقيبة قديمة، وقفلها مكسورٌ، وسوف يكلِّفني كثيرًا لإصلاحه، إنها لا تساوي أكثر من عشرين جنيهًا، لكني سوف أدفع خمسة وعشرين!

ردَّ «جابر» بحدَّة: يا أستاذ، لا تُضيِّع وقتي، لقد بِعْتُها بثلاثين جنيهًا!

نظر «مصطفى» حوله، ولم يكن يقف بجوارهما سوى «عاطف» و«لوزة»، ابتسم «مصطفى» وهو يقول: بِعْتَها لمن؟! إنني لا أرى أحدًا سوى هذين الطفلين!

مدَّ «جابر» يدَه، وانتزع الحقيبة من يد «مصطفى»، وهو يقول: لقد بِعْتُها لهما!

نظر «مصطفى» إلى «عاطف» و«لوزة»: هل اشتريتما الحقيبة بثلاثين جنيهًا؟! إنه مبلغٌ كبير، وهي لا تساويه!

ابتسم «عاطف» وقال: نعم اشتريناها.

ظهرَت الدهشة على وجه «مصطفى»، وهو يقول: لن تستفيدَا منها … فهي لا تصلح للمدرسة، وهناك حقائب مدرسية يمكن إصلاحها واستعمالها.

تدخَّل «جابر» في الحوار: يا أستاذ هما حُرَّان … إذا كنت تريد الحقيبة، ادفع خمسة وثلاثين جنيهًا، فقد بِعْتُها لهما بهذا المبلغ.

فَهِم «عاطف» أن البائع «جابر» يستغل الفرصة، فكَّر: إن كلَّ ما نريده هو البحث عن العلامة التي حدَّدها الدكتور «مجدي»، وقد تكون هذه حقيبةً أخرى. فقال «عاطف»: إننا متنازلان عن الحقيبة للأستاذ «مصطفى»، وأظن أنه يحتاجها أكثر منا، فهي فعلًا لا تصلح للمدرسة.

قال البائع «جابر» بحدَّةٍ: هذا لعب عيال، انصرفَا!

ثم نظر إلى «مصطفى» وقال: هات الثلاثين جنيهًا!

ضحك «مصطفى» وقال: خمسة وعشرون جنيهًا فقط، فهي لا تساوي أكثر من ذلك!

ثم نظر إلى «عاطف» وقال: أشكرك لتنازلك عن الحقيبة.

كان «عاطف» و«لوزة» قد انسحبَا بعيدًا قليلًا، ولكنهما كانَا يراقبان عملية المساومة بين البائع «جابر» و«مصطفى». في النهاية ابتعد «مصطفى» وهو يحمل الحقيبة، قالت «لوزة»: ماذا سنفعل الآن؟

قال «عاطف»: لا بأس، سوف نتبع الأستاذ «مصطفى»، وسوف أتصرف.

كان «تختخ» قد ذهب إلى المفتش «سامي» بعد أن تحدَّث إليه، وعرف أنه في مكتبه.

فشرح له ما فعله اليوم من ذهابه إلى المقطم، ابتسم المفتش «سامي» وسأل: هل ستعود للمقطم آخر النهار؟

تختخ: بالتأكيد … فما دمنا قد عرفنا المكان الذي يتمُّ جمع القمامة فيه؛ فإنني أرجح أن اللص يسكن في «دار السلام»، وهي فعلًا قريبة من «المعادي».

سامي: هذا إذا عثرت على أوراق بحث الدكتور «مجدي».

تختخ: أرجو هذا، لكننا نتحرَّك في جانب آخر؛ فقد ذهب «عاطف» و«لوزة» إلى منطقة القلعة؛ حيث توجد سوقٌ لبيع الأشياء القديمة، فقد نعثر على حقيبة الدكتور «مجدي» هناك، وغدًا سوف أذهب إلى سوق إمبابة.

سامي: هذا تحرُّكٌ لا بأس به، ولكن هل فكَّر المغامرون الخمسة في الرقم ٩٥؟!

تختخ: هذا أيضًا ما جئت من أجله.

ثم أخرج تليفونه المحمول، وعرض الصورتَين اللتين التقطهما لراكب الفيسبا، حيث يظهر رقمها … تأمَّل المفتش «سامي» الصورة الأولى، التي يظهر فيها راكب الفيسبا، ثم تأمل الصورة الثانية التي يظهر فيها رقم ٩٥٨، كان «تختخ» يتأمل وجه المفتش «سامي»؛ ليعرف مدى تأثير الصورتين عليه، لكن ملامح وجه المفتش «سامي» كانت هادئة، فجأة فتح درج مكتبه وأخرج الورقة التي وجدها «زنجر» في حديقة فيلا الدكتور «مجدي»، أخذ يتأمل الورقة مرة، ويتأمل صورة رقم الفيسبا مرة أخرى، وحيث تظهر الحقيبة السوداء أيضًا، ثم نظر إلى «تختخ» قليلًا، ابتسم «تختخ» وقال: في أي شيءٍ تفكِّر يا عزيزي المفتش «سامي»؟

قال المفتش «سامي» وهو يبتسم: ماذا تريد يا عزيزي «توفيق»؟

قال «تختخ»: أولًا دعني أُلقي نظرةً على الورقة التي تنقص رقمًا.

قدَّم المفتش «سامي» الورقة؛ فأخذ يتأملها وهو يقول في نفسه: إنها ورقة كاملة وليست نصف ورقة كما فكرت «لوزة»، ثم نظر إلى المفتش «سامي» وقال «تختخ»: أريد معرفة صاحب الفيسبا.

ابتسم المفتش «سامي» وقال: برغم أنه احتمال ضعيف، أن يكون الرقم الناقص هو رقم ٨، إلا أننا سوف نتبعه، فمَن يدري، قد يكون هو الرقم الناقص!

رفع المفتش «سامي» سماعة التليفون، وتحدَّث إلى مساعده الضابط «شهدي»، وطلب منه معرفة صاحب الفيسبا التي تحمل رقم ٩٥٨ مرور الجيزة، وعندما وضع سماعة التليفون، قال «تختخ»: لقد خطر لي أن تكون هذه الورقة الناقصة رقمًا «حيلة» قام بها اللص، حتى يُبعد تفكيرنا عنه، فنبحث في اتجاه بعيد عن الاتجاه الصحيح!

لم يردَّ المفتش «سامي» مباشرةً، لكنه قال بعد قليل وهو يبتسم: لا أظن أنه ذكيٌّ إلى هذا الحد، فهو لصٌّ عادي كما اتفقنا، ولا أظن أنه يفكِّر في هذه الحيلة إلا إذا كان لصًّا غير عادي.

كان «عاطف» و«لوزة» يتبعان «مصطفى» وهو يحمل الحقيبة السوداء، قالت «لوزة»: أخشى أن يختفيَ من أمامنا، فيركب إحدى المواصلات ونفقد أثرَه.

فكَّر «عاطف» قليلًا، ثم قال: انتظريني هنا سوف ألحق به.

أسرع «عاطف» في اتجاه «مصطفى» ليلحق به، وعندما أصبح بجواره قال له: أستاذ «مصطفى»!

التفَت «مصطفى» في اتجاه «عاطف» ثم ابتسم وهو يُبدي دهشته، وقال: هل ما زلتَ مصرًّا على الاحتفاظ بالحقيبة؟

عاطف: في حالة واحدة فقط.

اندهش «مصطفى» من جديد، وسأل «عاطف»: وما هي هذه الحالة؟

عاطف: أن أجد في داخلها علامةً ما.

ابتسم «مصطفى» وقال: أنت تُدهشني، هل فقدتَ حقيبةً مثلها؟

عاطف: نعم.

نظر له «مصطفى» لحظةً، ثم فتح الحقيبة وهو يقول: ابحث عمَّا تريد.

كانت «لوزة» تقف قلقةً، وهي تراقب ما يدور بين «عاطف» و«مصطفى».

وعندما فتح «مصطفى» الحقيبة أمام «عاطف»، كادت تُسرع إليهما؛ فقد اشتدَّ قلقها … في نفس اللحظة كانت ملامح «عاطف» قد تجمَّدت؛ فقد وجد علامةً في الحقيبة، نظر إلى «مصطفى» الذي ابتسم قائلًا: هل وجدتَ شيئًا؟

عاطف: نعم.

مصطفى: إذن تحتاج الحقيبة؟

عاطف: هذا إذا سمحت!

نظر «مصطفى» إلى «عاطف» قليلًا، ثم قال: مع أني أحتاجها، إلا أنني أتنازل لك عنها، كما تنازلت أنت عنها لي.

مدَّ «عاطف» يدَه في جيبه وأخرج ثلاثين جنيهًا، قدَّمها ﻟ «مصطفى» الذي ابتسم وهو يقول: لقد دفعتُ خمسة وعشرين جنيهًا فقط!

ابتسم «عاطف» وهو يقول: لكني اشتريتُها بثلاثين، فقد بذلتُ جهدًا في شرائها من البائع، وكنت سأشتريها منه بثلاثين جنيهًا.

مدَّ «مصطفى» يده، وأخذ الورقات الثلاث من فئة العشرة جنيهات، ثم أخرج من جيبه عدة جنيهات، عدَّ منها خمسة، ثم قدَّمها ﻟ «عاطف»، وهو يقول: أنت ولد طيِّب وعلى خلق، وما دامت حقيبتك؛ فإنني أعيدها لك.

شكره «عاطف» وودَّعه؛ فانصرف «مصطفى»، وأسرعت «لوزة» إلى «عاطف» في نفس اللحظة التي أسرع فيها «عاطف» في اتجاه «لوزة»، وعندما التقيَا، قالت لوزة: هل وجدت العلامة؟

عاطف: أرجو أن تكون هي العلامة التي حدَّدها خالُنا الدكتور «مجدي».

تجمَّدت ملامح «لوزة» وهمسَت: هل تعني أن العلامة قد تكون علامةً أخرى؟

عاطف: سوف نعرف عندما نعرضها على خالنا.

•••

في مكتب المفتش «سامي»، كان «تختخ» قد عرف اسم صاحب الفيسبا، وعنوانه، وكان المدهش أنه يسكن في «دار السلام»، سأله المفتش «سامي»: ماذا ستفعل الآن؟

فكَّر «تختخ»، ثم قال: سوف أذهب إلى «دار السلام»؛ لأكون قريبًا من صاحب الفيسبا، وأتأكد من الحقيبة التي يحملها.

فجأة رنَّ تليفونه المحمول، وعرف أن المتحدث هو «عاطف»، الذي جاء صوته يقول: مفاجأة!

اهتم «تختخ»، في حين كان المفتش «سامي» يراقبه …

قال «تختخ»: أي مفاجأة، هل وجدتما شيئًا في سوق القلعة؟

عاطف: نعم … ونحن في طريقنا إلى خالي حتى نعرضها عليه.

لم يفهم «تختخ»، فقال: ما الذي تعرضانه عليه؟

وقبل أن يردَّ «عاطف» قال «تختخ»: هل وجدتما الحقيبة؟

عاطف: المهم أن تنضمَّ إلينا في فيلَّا خالي.

فكَّر «تختخ» بسرعة، ثم قال: أين أنتما الآن؟

عاطف: ما زلنا في القلعة.

تختخ: هناك أشياء لا بد أن أعرفها قبل الذهاب إلى الدكتور «مجدي».

نظر في ساعة يده، ثم قال ﻟ «عاطف»: هل أنتما قريبان من السوق؟

عاطف: نعم … السوق أمامنا الآن.

تختخ: إذن انتظراني، ولن أتأخر عليكما.

عندما انتهت المكالمة، قال المفتش «سامي»: هل وجد «عاطف» الحقيبة؟

تختخ: إنه يقول إنها مفاجأة.

سامي: وهل تأكد أنها نفس حقيبة الدكتور «مجدي»؟

تختخ: ليس بعد؛ لكننا سنعرضها عليه.

سامي: إذا تأكدتم أنها حقيبة الدكتور فعلًا، اتصل بي فورًا.

ثم شرد المفتش «سامي» لحظةً ثم قال: سوف يذهب معك الضابط «شهدي»، حتى لا تتأخر على «عاطف» وقبل أن ينفضَّ السوق.

استدعى المفتش «سامي» مساعده الضابط «شهدي»، وشرح له ما سوف يفعله ثم قال: المهم أن تعرف اسم البائع الذي اشترى منه «عاطف» الحقيبة، وأين يسكن؛ فذلك سوف يُفيدنا إذا تأكدنا أن الحقيبة هي نفسها حقيبة الدكتور «مجدي».

وبسرعة، كان «تختخ» يستقل مع الضابط «شهدي» سيارة الشرطة، التي أخذَت طريقها إلى القلعة؛ حيث توجد السوق، كان «تختخ» يفكِّر: إذا كانت هي حقيبة الدكتور «مجدي»، فنكون قد حققنا أول خطوة في حلِّ لغز الحقيبة السوداء، وعن طريق بائعها سوف نعرف من أين اشتراها، أو حصل عليها.

قطع تفكيرَه رنينُ تليفونه، وكانت المتحدثة «نوسة»، التي جاء صوتها يقول: هل عرفت المفاجأة؟

قال «تختخ»: إنها لم تصبح مفاجأة بعد!

نوسة: ماذا تقصد بأنها ليست مفاجأة!

تختخ: لأننا لم نتأكد إن كانت هي حقيبة الدكتور «مجدي»، فهو فقط الذي يعرفها.

نوسة: وماذا ستفعل الآن؟

تختخ: إنني في طريقي إلى «عاطف» و«لوزة»، وهما في انتظاري.

نوسة: إذن أنا في انتظار تليفونك.

انتهت المكالمة، وكانت سيارة الشرطة قد وصلَت سوق القلعة، وما إن نزل الضابط «شهدي» ومعه «تختخ»، حتى رفع «عاطف» يده يشير لهما، فأخذَا طريقهما إلى حيث يقف «عاطف» و«لوزة»، وعندما التقَوا جميعًا، كان «عاطف» يحتضن الحقيبة السوداء، سأل الضابط «شهدي»: أين البائع الذي اشتريت منه الحقيبة؟ أشار «عاطف» إلى المكان الذي يقف فيه البائع «جابر»، في نفس الوقت كان «جابر» يراقبهم، وعندما رأى «عاطف» وهو يشير ناحيته، ترك كلَّ ما يبيعه وأطلق ساقَيه للريح!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤