لم يكن «مورجان» ساذجًا!

بعد مسيرة دقائق على الأقدام في قلب الغابة، وصلوا إلى شجرة ضخمة قد أحاطت بها الأعشاب … وأشار «ماريو» إلى جانب منها، وقال: هنا …

ثم أسرع يرفع الأعشاب … وساعده «أحمد» و«عثمان»، ووجدوا حلقة من الحديد، قام «أحمد» و«عثمان» بجذبها معًا … وسرعان ما انشقَّت الأرض عن باب من الحديد، ووجدوا سُلَّمًا … ووجد «عثمان» في جانب من المدخل زرًّا ضغط عليه، فأضيء مدخل الكهف، ونزل الثلاثة على سُلَّم متآكل من الحجر المنحوت في الصخر، ووصلوا إلى حجرة واسعة … وفجأة أحسَّ «أحمد» بساعته تدق دقًّا مختلفًا … وتذكَّر — بعد أن نسيَ في غمرة الأحداث — أن هذه الساعة مجهزة تجهيزًا دقيقًا للكشف عن المواد المشعة … إنها نوع متطور من عدادات «جيجر» … ورفع يده، وكذلك فعل «عثمان»، وشاهدا العقارب وهي تدور في الاتجاه المعاكس …

قال «عثمان»: إنه اليورانيوم المسروق …

أحمد: شحنة السفينة العربية …

عثمان: وقد يكون أكثر من هذا …

كانت الغرفة متربة، وبجانب الجدران اصطفَّت بعض الصناديق، وعلى الحائط أنواع من الأسلحة، وكان ثمة باب صغير في نهاية الغرفة اتجه إليه «عثمان» و«أحمد» والولد الصغير «ماريو» … ودفع «عثمان» الباب، ولكنه كان مغلقًا … وأحضر «أحمد» بلطة من على الجدار، وهوى بضربة واحدة على القفل فكسره … ثم دخل الثلاثة، وكم كانت دهشتهم … فعلى العكس من الغرفة الكبيرة المتربة … كانت الغرفة الثانية نظيفة، قد فُرشت بعناية وأناقة، وكان بها مكتب فخم … وعلى الحائط صورة مرسومة بالزيت للكابتن «مورجان» الكبير، وحول الجدران بعض الدواليب … وأخذ «أحمد» و«عثمان» يفتِّشان كل شيء بعناية، وعند أحد الدواليب توقَّف «عثمان» لحظات، وقال: هذا الدولاب ليس عاديًّا …

أحمد: ماذا به؟

عثمان: لا تَقُلْ ماذا به … بل قل ماذا خلفه …

وكانوا قد تمرَّنوا جميعًا على اكتشاف الأماكن السرية … ولهذا أدرك «عثمان» من شكل الأرفف أن خلفها شيئًا … فمدَّ يده ونزَعَ الرفَّ الأول، وتحسس القوائم التي كانت تمسكه، وأخذ يُجرِّبها واحدًا واحدًا … وسمِع الثلاثة صوت باب ينزلق، وانكشفت فجوة واسعة في ظهر الدولاب …

ظهرت الدهشة على وجه «ماريو» الصغير، وقال: مخبأ سري في الدولاب! يا له من شيء مثير!

عثمان: هل تحب المخابئ السرية؟

ماريو: نعم … إنني أحلم طول عمري بأنني سأجد مخبأً سريًّا به كنز كبير …

عثمان: لقد تحقَّق حلمك … وأعتقد أن في هذا المكان ستجد كنز القرصان …

قال «أحمد»: دع «ماريو» يدخل أولًا …

وأسرع «ماريو» يقفز كالقرد الصغير داخل الدولاب، ثم يدخل من الفتحة السرية، وسمِعاه يقول: الكنز!

دخل «عثمان» خلفه، ثم «أحمد» … وكان «ماريو» مُحِقًّا … كان هناك ثلاثة صناديق من الخشب المصفح بالحديد … مغلقة كلها بالأقفال … وقال «عثمان»: ما الذي جعلك تظن أن هذا هو الكنز يا «ماريو»؟

ماريو: إن كل الكنوز توضع في صناديق …

عثمان: هذا ما قرأته في الروايات … ولكن الآن هناك خزائن قوية بدلًا من الصناديق …

أحمد: لعلَّ «مورجان» ما زال متمسكًا بتقاليد جَدِّه الكابتن «مورجان» الكبير …

ورفع «أحمد» البلطة، وهوى على قفل أقرب الصناديق إليه … فانكسر القفل، ورفع «أحمد» الغطاء، ومرة أخرى صاح «ماريو»: الكنز!

كان ثمة كمية ضخمة من الجواهر والعملات القديمة، وقال «عثمان»: إنه كنز الكابتن «مورجان» الكبير …

وقف الثلاثة مذهولين أمام كميات الجواهر والنقود الذهبية والحلي الثمينة، وقال «عثمان»: لا بد أنه كنز القرصان الكبير «مورجان»، الذي بحث عنه المئات دون أن يعثروا عليه …

أحمد: حسب المعلومات التاريخية، فإن الكابتن «مورجان» دفن كنوزه التي استولى عليها على شاطئ جزر «بهاما» في البحر الكاريبي …

عثمان: لعل حفيده هذا عثر عليها ونقلها إلى هنا … إن مثل هذه اللآلئ النادرة، وهذه الكميات من الذهب لا يمكن إلا أن تكون كنز القرصان الكبير «مورجان».

أحمد: المهم الآن العثور على شحنة اليورانيوم.

عثمان: هناك باب في نهاية الغرفة، لعله يؤدي إلى مخزن اليورانيوم فالمؤشرات تؤكد أنه قريب جدًّا … فهي تهتز بشدة …

أسرع «عثمان» إلى الباب … كان مغلقًا بترابيسَ ضخمة من الحديد … لاحظ أنها لم تُفتح منذ زمن بعيد وتوقَّف لحظات عندها، ولكنه استجمع رأيه في النهاية وأخذ يفتحها … ولم يكد ينتهي منها ويفتح الباب حتى حدث شيء غريب … انطفأ النور فجأة، وشمل المكانَ ظلام دامس … ثم سمعوا صوت هدير بعيد كأنه قطار يسير على مقربة …

صاح «أحمد»: إنه فخ لاصطياد من يدخل هذا المكان … وأشعل بطاريته …

قال «عثمان»: لقد استربت في هذه الترابيس القديمة … وأخذ يحاول إغلاق الباب بمساعدة «أحمد» و«ماريو» … ولكن الهدير ارتفع بشدة، ثم هبَّت ريح قادمة من الباب، وعرف «أحمد» على الفور، وقال: إنه شلال ماء يتدفق في اتجاهنا … هيا نجري قبل أن نغرق …

تركوا الكنز الضخم، وأسرعوا ينجون بحياتهم … فقفزوا داخل الدولاب مرة أخرى … ثم إلى باب الدولاب … ولكن كم كانت مفاجأة مرعبة أن وجدوا باب الغرفة الصغيرة قد أُغلق عليهم … وقال «أحمد»: إنه نظام أتوماتيكي يتم على أساس إغلاق الأبواب؛ حتى يغرق من يدخل إلى مكان الكنز!

كان الماء يتدفَّق خلفهم كالشلال … والظلام دامس لا يُنيره إلا نور بطارية «أحمد» الصغيرة … وناول «أحمد» البطارية ﻟ «ماريو»، وقال ﻟ «عثمان»: يجب أن نحطِّم هذا الباب فورًا وإلا غرقنا …

وانهال «أحمد» على الباب بالبلطة التي ظلَّ يحملها طول الوقت، ووقف «ماريو» يرقب «أحمد» و«عثمان» وهما يتناوبان تكسير الباب، بينما أحسَّ بالمياه تصل إلى ركبتيه …

قال «ماريو» فزعًا: الماء!

ردَّ «عثمان»: لا تخف يا «ماريو» … يجب أن تكون أكثر شجاعة …

وقفز فأر ضخم على ذراع الصغير، فصاح مرة أخرى بفزع: إن الفئران تهاجمنا!

وفعلًا بدأت مئات الفئران التي أفزعها الماء تقفز في كل اتجاه وهي تُطلق أصواتها المفزعة … وكان الماء يضغط على الباب من الداخل … ورغم جهود «عثمان» لم يستطع زحزحته … ولكن «أحمد» استطاع أن يكسر جزءًا كبيرًا منه … تدفَّق منه الماء خارجًا إلى الغرفة الخارجية الواسعة … واطمأنَّ «أحمد» و«عثمان» قليلًا … ثم سحب «عثمان» «ماريو» الصغير … ودفعه من كسر الباب … ثم تعاونَ هو و«أحمد» على كسْر بقية الأخشاب، ونفذا من الباب إلى الغرفة الواسعة …

أطلق «عثمان» شعاع الضوء على الباب العلوي الذي نزلوا منه، وصاح في ضيق: الباب مغلق!

أحمد: إنه فخ مُحكَم … هيا نصعد السُّلَّم …

أخذا يصعدان السُّلَّم … و«ماريو» ممسك بيد «عثمان»، وقد تكاثرت الفئران التي تسلَّقت السُّلَّم أيضًا طلبًا للنجاة. وأخذت تقفز على أقدامهم وأذرعهم، و«ماريو» الصغير يصيح فزعًا و«عثمان» يشجعه …

وصلوا إلى الباب العلوي المغلق … وكان المكان ضيقًا لا يسمح ﻟ «أحمد» باستعمال البلطة بحرية … ولكن لم يكن أمامه إلا أن يحاول، فقد أخذ الماء يرتفع تدريجيًّا على السُّلَّم …

قال «عثمان»: إنه ماء البحر!

أحمد: نعم … لقد أعدَّ «مورجان» الصغير فخًّا مُحْكَمًا لمن يحاول الوصول إلى كنوز جَده …

وأخذ «أحمد» يهوي بالبلطة على الباب … ولكن الباب الضخم كان صامدًا، وأخذ منسوب الماء يرتفع فوق السُّلَّم … ووصل إلى أقدامهم سريعًا … و«أحمد» يهوي بالبلطة على الباب الذي رفض أن يتزحزح من مكانه. كان واضحًا أنهم قد وصلوا إلى نهاية المطاف، وأن لا شيء يمكن أن ينقذهم من مصيرهم المحتوم …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤