المعركة بين الماء والهواء!

وصلت المياه إلى صدر «أحمد» و«عثمان» … وكان «عثمان» يحمل «ماريو» وأخذ يُشجِّعه حتى لا يخاف الفئران الكثيرة، التي كانت تعوم بجوار رءوسهم، ولم يكفَّ «أحمد» عن محاولة كسر الباب بالبلطة … ولكن المياه التي غمرت أكتافه ثم أخذت تصعد إلى رقبته جعلت من المستحيل عليه أن يفعل شيئًا، وأخذت ضرباته تقل … وأخذ الماء يصل إلى أنوفهم … وبكى «ماريو» الصغير. وإن حاول أن يكتم صوته.

لحظات كانت بين الحياة والموت … ولكنهم سمِعوا فجأةً صوت أقدام فوق رءوسهم وأخذ «أحمد» يضرب بالبلطة بجنون، وسمع فوقه ضربات على الباب، وأخذ يصيح مناديًا … وخُيِّل إليه أنه يسمع صوتًا يعرفه … ولكن مَن الذي سيأتي إلى هذا المكان؟

أطلق آخر صيحة ثم أغلق فمه … فقد وصل الماء إلى ما فوق ذقنه … وكتم أنفاسه … ثم حدثت المعجزة … فقد بدأ الباب يرتفع تدريجيًّا، وكان الماء قد غطَّى رءوسهم، ولكنَّ أيديًا كثيرة امتدت وساعدت الثلاثة على الصعود إلى سطح الأرض.

وفتح «عثمان» عينيه على وجه «إلهام» الباسم وهي تقول: كدتم تغرقون في شبر ماء.

قال «عثمان» وهو يُجفِّف وجهه: فعلًا.

أحمد: كيف أتيتم؟

إلهام: سمعنا أنكم ستغرقون … فأسرعنا لنجدتكم.

وأخذ «أحمد» و«عثمان» يتبادلون التحيات الحارة مع الشياطين الخمسة؛ «إلهام»، و«هدى»، و«ريما»، و«باسم»، و«رشيد».

قالت «إلهام»: ماذا حدث لكم؟

أحمد: قبل أن تسمعوا ماذا حدث لنا، قولوا لنا كيف حضرتم؟

إلهام: المسألة بسيطة جدًّا … بعد أن اتصلنا بالبارجة وعلمنا أنها قصفت جزيرة القرصان حضرنا مُسرعين؛ فقد تحتاجون لمساعدة … استأجرنا طائرة خاصة من ميناء «ويك» إلى هنا.

أحمد: وكيف عرفتم مكان الكهف السري؟

إلهام: أخذت العدادات تتحرك في هذا الاتجاه، عدادات قياس الإشعاع الذري، فاتجهنا إلى هذا المكان … فقد تأكدنا أن العدادات التي معكما سوف تقودكم إلى هنا.

أحمد: وسمعتم الدقَّ على باب الكهف؟

إلهام: نعم … ولاحظنا اندفاع الهواء من باطن الأرض إلى السطح، فعرفنا أن هناك ضغطًا قويًّا يدفع الريح … ومن تجاربنا السابقة تأكدنا أن ثمة شيئًا خطيرًا يحدث، وأنكم قد تكونون هدف هذا الخطر.

أحمد: لقد نجونا بمعجزة … ولكن «بو عمير» و«فهد» و«قيس» موجودون الآن في سفينة القرصان … ولا نعرف لهم مصيرًا.

ساد الصمت … وكان الجميع يجلسون بجوار الشجرة الضخمة قرب باب «الكهف»، وكان «عثمان» يُجفِّف ثياب «ماريو» الصغير الذي بدا مستسلمًا له تمامًا وسعيدًا بهذه العناية.

قال «أحمد»: هل تعرفون أن في هذا الكهف توجد مجموعة كنوز القرصان الشهير «مورجان»؟

نظر إليه الشياطين الخمسة، فقالت «إلهام»: كيف عرفت؟

أحمد: ليست مسألة معرفة … لقد رأيناها أنا و«عثمان» … وعندما فتحتنا باب الصندوق بدأ هذا السيل من المياه الذي كاد يُغرقنا.

إلهام: معنى هذا أنَّ في الكهف كنوزَ «مورجان» … والمواد الذرية!

أحمد: نعم … والمواد الذرية لا خوف عليها، فهي محفوظة في صناديق من الرَّصاص السميك … الخوف على هذه الكنوز التي لا تُقدَّر بثمن.

ريما: وما هي خطتك في هذا الشأن؟

أحمد: سنُخفي هذه المعلومات تمامًا الآن … إن مهمتنا العاجلة هي العثور على الشياطين الثلاثة وإنقاذهم من براثن القرصان.

فهد: ما رأيكم في الانتقال فورًا من هذه الجزيرة النائية؟ إن من الصعب متابعة أي شيء من هنا.

أحمد: إن ما يحدد انتقالنا هو خط سير سفينة القرصان.

تحدَّث «باسم» فقال: أعتقد — حسب استنتاجاتنا السابقة — أنه سيبتعد تمامًا عن هذه المنطقة.

وسيذهب بعيدًا جدًّا، وقد حلَّ الشتاء الآن؛ فلن يستطيع الصعود إلى المنطقة المتجمدة الشمالية … والمنطقي أن يذهب إلى البحار الدافئة جنوبًا.

أحمد: ما رأيكم في العودة إلى المقر السري الرئيسي لنُقدِّم تقريرًا إلى رقم «صفر»، ونطلب منه مساعدَتنا في تحديد مسار سفينة القرصان؟

ريما: إنني أؤيد هذا الاقتراح.

ووافق بقية الشياطين، وكان «ماريو» الصغير يتابع المناقشة، وقد بدا عليه الحزن، فقال «عثمان»: سأبقى هنا.

أحمد: من أجل «ماريو»؟

عثمان: من ناحية … ومن ناحية أخرى ليس من المستبعد أن يعود «مورجان» إلى هنا مرة أخرى، فلست أتصور أن يتخلى عن كنوز جده القرصان «مورجان»، وعن صناديق اليورانيوم الثمينة، وليس من المستبعد أن يكون قد ترك في مكان ما من الجزيرة … أشخاصًا يراقبون ما حدث، ويبلغونه عما يدور … فإذا ما غادرنا الجزيرة عاد إليها ليأخذ الكنوز والصناديق.

هدى: في هذه الحالة سأبقى معك.

فكَّر «أحمد» لحظات وقال: لا بأس … سيعود الباقون إلى الكهف السري … وسنستعين هناك بالأجهزة الحديثة في رصد مسار سفينة القرصان.

وهكذا بعد ساعة كان «أحمد» و«ريما» و«باسم» و«رشيد» قد ركبوا الطائرة التي حضر بها الشياطين من جزيرة «ويك» واتجهوا إلى لندن … ولم يقضوا في مطار «هيثرو» أكثر من ساعتين حتى حصلوا على تذاكر السفر إلى القاهرة. وفي فجر اليوم التالي كانت سياراتهم تقترب من الكهف السري.

•••

استسلم الشياطين لنوم عميق … وفي منتصف النهار تمامًا طلب «أحمد» مقابلة رقم «صفر» الذي حدَّد له موعدًا بعد عشر دقائق، وتحدد مكان الاجتماع في القاعة رقم ١٦ من قاعات الاجتماعات الصغيرة، وجلس «أحمد» وحيدًا، ولكن رقم «صفر» كان خلف زجاج يرى «أحمد»، ولا يراه «أحمد».

قال «أحمد»: إننا في حاجة إلى معلومات عاجلة عن سفينة الكابتن «مورجان» التي استطاعت الفرار من مأواها قرب جزر «شتلند» … إن عليها ثلاثة من الشياطين؛ هم «بو عمير»، و«فهد»، و«قيس»، وإنني أخشى أن ينتقم منهم القرصان بعد أن كشفنا مأواه وحطَّمناه.

ظلَّ رقم «صفر» صامتًا، فمضى «أحمد» يقول: لقد عثرنا في الجزيرة على صناديق ضخمة تحوي كنوز الكابتن «مورجان» الكبير التي جمعها من النهب والسلب طَوال حياته كقرصان، والتي كان مكانها كما تذكر كتب التاريخ في جزر «بهاما» ولكن يبدو أن حفيده نقلها إلى مأواه …

سأل رقم «صفر»: وما هي أخبار المواد المشعة؟

أحمد: موجودة مع الكنز الكبير في نفس الجزيرة، وقد سجلت العدادات التي حملناها معنا ظاهرة وجودها، وكانت سببًا في إنقاذي أنا و«عثمان» من الموت غرقًا. رقم «صفر»: لقد أدَّيتم عملًا بارعًا، واستطعتم كشْف ما عجزت الأجهزة السرية في جميع دول العالم عن الوصول إليه.

أحمد: ولكننا في المقابل نكاد نفقد ثلاثة من الشياطين.

صمت رقم «صفر» بعد هذه الملاحظة، ثم قال بعد لحظات: إن الخطأ الذي وقعنا فيه جميعًا أننا حاولنا الوصول إلى هذه المدمرة الغامضة بواسطة مطاردتها في البحار.

فهم «أحمد» على الفور ما يقصده رقم «صفر» فقال: الهواء أفضل!

رقم «صفر»: بالضبط … وقد طلبت من قسم العمليات الخاصة أن يُعد لكم طائرة بمواصفات معينة.

أحمد: المهم يا سيدي تحديد مكان السفينة.

رقم «صفر»: إن رجالنا في مختلف جهات العالم عندهم تعليمات بمتابعتها حيث تذهب، وعندما تصلنا أية معلومات عن اتجاهها فسوف تغادرون المقر السري فورًا في الطائرة الخاصة التي أرجو أن تشاهدها.

أحمد: نشكرك كثيرًا يا سيدي.

وغادر رقم «صفر» القاعة الصغيرة، وأسرع «أحمد» يتصل بقسم العمليات الخاصة، وطلب مشاهدة الطائرة بناءً على تعليمات رقم «صفر»، وتحدد له موعد بعد نصف ساعة …

سارع «أحمد» بالاتصال ببقية الشياطين، وبعد نصف ساعة كانوا جميعًا يقفون أمام «الهنجر» المغلق حيث تُعد الطائرة الخاصة، ثم فتح الباب، ونظروا جميعًا إلى الطائرة، كانت من طراز «جت ستار» الذي يتسع لتسعة أشخاص عدا الطاقم، وأخذ أحد المهندسين يشرح لهم الإضافات التي أضيفت إليها، إن لها عجلات خاصة تمكنها من النزول في أي مكان، وزلافات للهبوط في المناطق الثلجية، مسلحة من الجانبين بصواريخ خفيفة، ولكن شديدة الفتك، ومن فتحات التوربينات الأربعة يمكن أن تطلق رصاص المدافع الرشاشة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤