الفصل الثاني

المشهد الأول

(مونسيرا والرهائن الستة)

(مونسيرا على اليمين، يعتمد على مائدة ورأسه منكَّس.)

التاجر : لماذا لا تُجيب؟ هه؟ انظر لي!
الفخراني : الوقت يمرُّ بسرعة! فقدنا حتى الآن عدة دقائق.
تكلَّم! قل لنا ماذا تنوي أن تفعل. لا تبقَ هكذا!
الأم : انتظروا (تقترب من مونسيرا ببطء وتقول له في صوتٍ رقيق).
أتعتقد أن الضابط سينفذ حقًّا ما قال؟ رد عليَّ من فضلك … هل أنت واثق أنك إذا لم تقل شيئًا … سيتمسَّك بكلمته؟
مونسيرا (مرهقًا) : نعم.
التاجر (بغضب) : يجب أن نفهم الأمر! هذا الوضع سخيف حقًّا وفظيع حقًّا. يجب أن تُوضِّح لنا الأمور!
مونسيرا (في ملل) : لقد شرح لك الأمر.
الفخراني (منهارًا) : والضابط قادر على تنفيذ وعيده، أنت تعرفه هل يُمكن أن يقترف هذه الجريمة. أجب عليَّ!
مونسيرا (دون أن يرفع عينَيه) : أعرفه … إنه قادر … (صمت).
هو الذي دفن الأسرى أحياءً بعد معركة جومارا.

(الرهائن تنظر لبعضها في جزع.)

التاجر (في هلع) : هو!
الفخراني (يتمتم) : كان يُدخِلهم واحدًا إثر الآخر في الحفرة.
الممثل (في ثورة ويأس) : ولكن من أنت يا من تسبَّبت لنا في هذه المصيبة؟
الفخراني : هل أنت إسباني؟
مونسيرا : نعم.
الفخراني : وأخفيت بوليفار؟
الممثل (في غضب) : لماذا؟ لماذا؟ أنت خائن إذن؟ خنت الملك! تقف في صف المتمردين؟ لماذا؟
مونسيرا (يتردَّد، ثم ينظر للرهائن) : لأني … معكم!
التاجر : ماذا تعني بهذا الكلام … معنا؟
مونسيرا (بصوتٍ متهدج) : أنا معكم ضد ذَوِيَّ، ضد اضطهاداتهم وجرائمهم، ضد طريقتهم البشعة في التنكُّر للبشر … أنتم ترون بوضوح أن حياة الإنسان وكرامة الإنسان لا وزن لها عندهم!
التاجر (وقد خرج عن طوره) : لا يعنيني في شيء أن تكون مع الإسبانيين أو ضدهم! معنا أو ضدنا! نحن الستة هنا مُهدَّدون؟ ونحن الذين سنُقتَل! نريد أن نعرف نواياك!
الأم : نعم، ماذا ستفعل؟
الممثل (مهدِّدًا) : قل لنا أين أخفيت بوليفار؟ لا أريد أن أموت هكذا! لم أفعل شيئًا! أنا إسباني! وكنت في طريقي إلى منزلي، عائدًا من عند الموسيقار رويج، يُمكنكم أن تتحقَّقوا من ذلك، لم أشترك في أي مؤامرة أبدًا، لقد مثَّلت أمام الملكة في عام ١٨٠٧م. والتحقت بالمسرح الملكي في مدريد حتى دخول الفرنسيين! كنت دائمًا مخلصًا لصاحب الجلالة! دائمًا! رفضت أن أُمثِّل أمام الفرنسيين.
التاجر (مهدِّدًا) : هل ستتكلم؟ نعم أم لا؟
مونسيرا (في جزع وهو يُقاوم إغراء) : افهموني.
الفخراني (ثائرًا) : ماذا تريد أن نفهم؟ ألم نفهم ما قال الضابط؟ إمَّا أن نُسلِّم بوليفار وإمَّا نُعدم كلنا. أليس الأمر كذلك؟ أنا لديَّ خمسة أطفال، أكبرهم لم يبلغ الثانية عشرة بعدُ. وإني أستطيع بالكاد أن أربيهم عن طريق صنع الجِرار وبيعها بنفسي! لن تطعمهم أنت بالطبع من بعدي؟ ماذا إذن؟
مونسيرا (في حماس) : هذا صحيح، كل هذا صحيح، كلٌّ منَّا يُدافع عن حقيقته وعن حياته وعن أهم ما في حياته، ولكن بوليفار هو آخر أمل، الأمل الوحيد الباقي لأهالي فنزويلا لكي يتحرَّروا من الإسبان! إذا سلَّمتُ بوليفار فلن أسلمه وحده ولكنِّي سأسلم الحرية وحياة الملايين من البشر!
الممثل (مأخوذًا) : آه! ضعنا! لن يُرشد عنه!
مونسيرا (كأنه لم يسمع) : ليست المسألة التضحية بكم من أجل رجلٍ واحد، كل أمريكا الجنوبية، عالَم بأسره، ينتظر التحرُّر على يد بوليفار، عالم بأكلمه يتعذَّب في ظل أقسى أشكال السيطرة وأفظعها وأخسِّها!
الممثل (في هلع) : سيرفض! سيُضحي بنا!
مونسيرا (وقد بدأ يهدأ) : بوليفار هو الرجل الوحيد، القائد الوحيد القادر على مواصلة الحرب من أجل الاستقلال ضد الإسبان، الوحيد الذي يستطيع أن يواصل السير بالثورة ويصنع على هذه الأرض أمةً حرة، أمةً عظيمة من الرجال الأحرار!
الممثل (في هلع) : هذا يعني أنك ترفض الكلام.
الفخراني : أنت لم تُقرِّر أن تتركهم يعدموننا، أليس كذلك؟
الأم (في جزع) : لا، لا، سيتكلم، سترون! سيقول لنا.
الفخراني (في عنف) : نعم أم لا؟ هل ستبوح لنا بالمكان الذي أخفيت فيه بوليفار؟
مونسيرا (يتردَّد في الإجابة، من الواضح أنه يتساءل ويتألَّم) : افهموني.
الفخراني (يصرخ) : لا. رد على سؤالي! الوقت يمر! الضابط سيحضر. جاوب! جاوب! (يُمسك بتلابيبه) وإلَّا خنقتك!
الأم (لاهثة) : اتركه! سيُجيب … سترى … سيُجيب.
مونسيرا : استمعوا لي … إنكم تحيون جميعًا تحت سيطرة رجالٍ متوحشين لا يرحمون! أليست لديكم كرامة أو إباء؟ ألا تشعرون بأي حقد على سفَّاحي كامبيلو وجلَّادي كوماتا؟ تذكَّروا، تذكروا جيدًا! لقد حرق الجنرال روزيت (Rosette) الأسرى وهم أحياء في كامبيلو! وعلَّق مورالس كل المواليد على الأبواب في كوماتا! وأنتونانزس يهوى جمع الأيدي المقطوعة! وإزكويردو يأسر الفتيات ليعتدي عليهن فرسانُه! وجنوده في كل مكان أقوياء، متوحشون لا يرتدعون … أليس هو صاحب هذه الفكرة الشيطانية، فكرة حبسنا هنا. أليس هو مخترع هذا التعذيب البشع.
الفخراني (وقد تجلَّى كل شيء له) : سيتركهم يعدموننا.
مونسيرا : الإسبانيون لا يعتبرونكم بشرًا بل حيوانات، مخلوقات دنيئة يجب سحقها! ألا تثورون لكل هذه الفظائع وكل هذه الوحشية؟ ألا يكفي هذا لكي تقفوا في وجه هؤلاء المتوحشين مهما كلفكم الأمر؟ هل وضعت هزيمة الثوار في سان ماتيسو حدًّا لكل أمل؟ لا، أقول لكم لا! أصرخ بكل قوة: لا! يجب أن نجمع شمل الأنصار من جديد! يجب أن نُعيد تكوين جيش الاستقلال! بوليفار وحده هو القادر على إنجاز الثورة، يجب أن ننفذه، يجب، ومهما كان الثمن!
التاجر (ينقضُّ عليه وقد أعماه الغضب) : هل ستقول لنا أين يختبئ؟ نعم أم لا؟ تكلَّم (يُمسك به من رقبته ويصفعه) تكلَّم! تكلَّم إذن! يا وغد!
مونسيرا (يُبعده عنه بغير عنف) : بفضل بوليفار ستأتي ساعة خلاص هذا البلد، الساعة التي سيُصبح فيها هذا البلد أمةً عظيمة من الرجال الأحرار! بفضل بوليفار!
الممثل : اسمعني جيدًا. لا يُمكن أن تفعل هذا! لا يُمكن أن تقتل ستة لتنقذ واحدًا!
مونسيرا : افهموني! افهموني! أنا أُدرك أنه من العسير عليكم أن تفهموا … ليس الأمر مجرد حياة ست أرواح في مقابل حياة روحٍ واحدة، بل في مقابل الحرية … في مقابل حياة آلاف البؤساء!
الممثل (الذي يخشى هذه الإجابة) : إذن … أنت … لن تقول شيئًا!
مونسيرا (لا يرد توًّا، فشعر بأنه يُحاول أن يقنع نفسه، ويقول أخيرًا بعد جهد) : لا أعرف! لم أعد أعرف! أريد أن أتمكَّن من المعرفة … معرفة ما إذا كنت على حق … إذا كنت لا أخطئ.
الممثل (يُحاول أن يستميله) : بالطبع، فكِّر! … أنت ذكي! ستكتشف بنفسك أن إصرارك هذا ضرب من الجنون! وأن الصفقة مريعة! ستة أحياء دفعةً واحدة! المسألة ليست بهذه البساطة. الله يراك! وسيُعينك! استمع لصوت الله! استمع لآلامنا وشقائنا! كل هذا أمام عينيك! افتح قلبك!
مونسيرا : ألم يضعنا الله أمام هذه التجربة؟ ألا يجب علينا جميعًا أن نتقبَّلها ونتخطاها؟ ألا يتعيَّن علينا أن نستحق الجنة بأعمالنا؟ آه! فكِّروا أنتم أيضًا، يجب أن نُنقذ أرواحنا أولًا لا أجسادنا! (يتمادى في انفعاله) يجب أن نموت الليلة من أجل إنقاذ ملايين البشر، من أجل إنقاذهم من الشقاء، لكي نظل جديرين بآلام المسيح! الموت يفزعكم. ولكن هذه الميتة غنية إلى حد الإعجاز! سنفقد أجسادنا ولكنَّنا سنُنقذ أرواحنا إلى الأبد. كل الذين اختاروا جانب الله لاقوا الاضطهاد! الله معنا! أنا واثق من ذلك! لقد اختاركم أنتم بالذات. يجب ألَّا تثوروا بل صلُّوا وابتهلوا إليه. لا يُمكننا أن نُدرك حكمته ولكن علينا أن نخضع لمشيئته!
التاجر : الرجل يهرف!
الفخراني : أبدًا! أنت ترى جيدًا أنه يرفض! يرفض الكلام!
التاجر : لن يرشد عن بوليفار!
الفخراني : نحن هالكون!
التاجر : يا كلب! سنجبرك على الكلام! أنت تكسب الوقت بأراجيفك! والوقت يمرُّ! ستتكلَّم! يجب أن تتكلَّم!
الفخراني : مستحيل! لن تتركنا هكذا! يجب أن تتكلَّم! لديَّ خمسة عيال! من سيُطعمهم! كلهم صغار! إذا كانت يد الله هي التي تضربنا، فهذا ظلم! ولكن الله ليس ظالمًا، لا أستطيع أن أُصدِّق نفسي!
الممثل : لا، أنا فاهم لعبتك! تُحاول أن تضللنا! تُحاول أن تُصوِّر لنا أن الله هو الذي جاء بنا إلى هنا! ولكن حتى لو كان الأمر كذلك، فقد ترك الله لك حرية الاختيار! فسواء جاء بنا إلى هنا اللهُ أو القدرُ أو سوء الحظ فأنت حر في المفاضلة بيننا وبين بوليفار! أنت الذي تستطيع في نهاية الأمر أن تُخلِّصنا أو ترمي بنا في وجه بنادق الإسبان! لا داعي أن تُفهمنا أنك بتضحيتك بنا تُطيع أمرًا إلهيًّا! لسنا أطفالًا! لن تلهو! أنت تستطيع أن تختار ويجب أن تخضع لصوت العقل!
مونسيرا : أعرف … أعرف أني أستطيع أن أختار وهذا أفظع ما في الأمر فأنا سأُقتل مهما كان اختياري … ألا تدري أن هذه الحرية في الاختيار تُعذبني في هذه اللحظة أكثر من يقيني أني سأموت؟ … ربما كانت هذه تجربة يمتحنني فيها الله؟
الممثل : فكِّر جيدًا! استمع لصوت العقل! إذا اخترت إنقاذ بوليفار فستقضي على ستة من الأبرياء! تذكَّر أني لست من المولدين. أنا إسباني! هذا ظلم!
مونسيرا (متألمًا) : اغتيال ستة أبرياء! لكن هناك ملايين من الأبرياء الذين وضعوا أملهم في بوليفار.
الأم (تبكي وتتمتم) : عندي طفلان.

(مونسيرا يُثبِّت نظره عليها، وينقبض.)

الممثل (يُلاحظ مونسيرا والأم، ونظراته تنتقل بينهما) : اسمع! قد لا نستطيع أن نخضعك نحن! ولكن انظر إلى هذه المرأة، لديها طفلان أحدهما لا يزيد عمره عن عشرة شهور والآخر في الثانية، خرجت لتشتري الخبز، كانت لا تنوي الغياب أكثر من دقائق، تركتْهم وحدهم، والباب موصد عليهم، إنها أرملة، إني أعرفها، وبيتها منعزل، يجب أن تعود إلى بيتها. لا شكَّ أن حبك لصديقك شيء طيب، ولكنَّها هي أيضًا تُحب أولادها! يجب أن يعيش الأولاد! لا يُمكن أن تتركهم يموتون هكذا!
مونسيرا (متأثرًا ومبعدًا ناظرَيه) : بعد معركة سيكيسيك كان ضباطنا يُجبرون الأسرى على قتل زوجاتهم وأبنائهم بأيديهم! والذين يرفضون ذلك يُدفنون أحياءً و…
الممثل (يُقاطعه) : هذا فظيع حقًّا! وأفظع منه أن تترك طفلَين يموتان جوعًا وهما محبوسان وحدهما هناك في المنزل المنعزل.
مونسيرا (مستمرًّا في كلامه) : وبعد معركة ميراندا بأيام جاءتني أوامر بإلقاء القبض على بوليفار. وقد وجدته وتكلَّمت معه طوال الليلة، إنه سيواصل الحرب من جديد!
الفخراني (في هلع) : ستتركهم يذبحوننا.
مونسيرا : وسيُخلِّص هذا الشعب من أبشع أشكال العبودية!
الممثل : ولكن هذه المرأة! إنها أمامك هنا! وأبناؤها أبرياء! أ… ﺑ… ﺮ… ياء. أن تكون مع الشعب وأن تُحاول إنقاذ صديقك، هذا حسن، ولكن يجب أيضًا أن تُنقذ الطفلَين.
الأم (في حنان وهي تتقدَّم نحو مونسيرا) : سيصحوان من النوم. بابليتو (Pablito) سيصرخ من الجوع!
الممثل : أولادها لم يفعلوا أي شيء، يجب أن تُفكِّر في ذلك أيضًا!
مونسيرا (يُخاطب نفسه) : آلاف الأولاد، يولدون عبيدًا في هذه اللحظة في كل أنحاء هذا البلد.
الفخراني : ماذا يقول؟
الممثل (يائسًا) : أنت تعرف أنه لن يتكلَّم.
التاجر (وقد خرج عن طوره) : لن يتكلَّم؟ هذا وحش! مجرم! أبشع مائة مرة من الإسبان الآخرين! لا بد أن أخرج من هنا! لا بد أن تتكلَّم!
الممثل (يلهث من الفزع) : لا فائدة! لن يتكلَّم. أنا لم أتآمر أبدًا، ظللت دائمًا مخلصًا للملك، زملائي في الفرقة يعرفون ذلك، اسألوهم، لا أريد أن أموت من أجل قضية لا أعتنقها. هذا جنون سأقول ذلك للضابط! أنا إسباني مثله تمامًا. سيفهم وضعي! يجب أن يفهم وضعي!
التاجر : يا أحمق، لن يرغب في الفهم.
الممثل : لماذا تقول هذا؟ هه؟ لماذا؟
التاجر : أنت تعرف مثلي أنه يريد بالذات أبرياء! حتى يتكلَّم هذا المجرم! عقلي يكاد يطير! لا شكَّ أن زوجتي بدأت تقلق عليَّ! ولا أعرف حتى إذا كنت سأراها مرةً أخرى … بسبب هذا الوغد!
الممثل (يُكلِّم نفسه) : يجب أن يفهم.
الفخراني : سنُعدَم كلنا!
التاجر : زوجتي تنتظرني. لو أني لم أتزوَّج لكان الأمر أهون. ولكنَّها في انتظاري. لا شكَّ أنها تقف الآن في النافذة. لم يمضِ عام بعدُ على زواجنا. هذا قليل جدًّا! عامٌ واحد من السعادة!
الفخراني : أنت وحدك، لا زوجة ولا أولاد ولا أسرة! لا شيء! أنت ترضى بالموت، ولكنِّي لديَّ خمسة عيال! تتكلَّم عن الآخرين. الملايين الآخرين … أأنت مجنون! مالي أنا والآخرين؟ لو كان لديك خمسة عيال مثلي، خمسة عيال يجب أن تطعمهم وتكسوهم وتحميهم … لما شغلت نفسك بهذه الملايين المجهولة … التي تستطيع أن تُدافع عن نفسها.
الممثل : صديقك بوليفار نفسه، لو عرف أن حياتنا بل حياة وسعادة الذين نُحبهم تتوقَّف عليه، لسلَّم نفسه، أنا واثق من ذلك، لقد سمعت عنه يقولون إنه كريم، شجاع! لن يقبل أبدًا أن يُضحَّى بأطفال أبرياء من أجله.
مونسيرا (بصوتٍ خفيض) : بوليفار لم يعد من حقه تسليم نفسه.
الممثل : ماذا تقول؟
مونسيرا (يرفع صوته) : لم يعد بوليفار ملكًا لنفسه، إنه بكل كيانه ملك للقضية التي ثار من أجلها.
التاجر (يكاد يُجنُّ من الفزع) : آه! أنتم ترون جيدًا! ترون جيدًا أنه لا فائدة! لن يتكلَّم! سأفقأ عينَيه! سأنتزعهما! (ينقضُّ على مونسيرا، ويصفعه ثمَّ يُمسك بتلابيبه، ريكاردو يرمي بنفسه على التاجر ويُمسك به.)
ريكاردو : انتظر! انتظر!
التاجر (يُحاول أن يتخلَّص من ريكاردو) : الكلب! اتركني!
الممثل : دعه يتكلَّم.
التاجر : لا فائدة! كأنك تُكلِّم حائطًا!
ريكاردو (يُخاطب مونسيرا) : إني أكره الإسبان … وأُدرك قيمة بوليفار. ولكن هل أنت متأكد من أنه سينضم إلى الأنصار في بويلبا؟
مونسيرا : لو أني لست واثقًا من ذلك فمن أين أستمدُّ كل هذه الشجاعة في هذه اللحظات؟
ريكاردو : نعم، ولكن … أخشى أنه …! لقد أعدموا والدي وأنا في الخامسة من عمري! وأشعلوا النار في المنزل، أمي وحدها … سيكون الأمر … صعبًا عليها … هي أيضًا.
مونسيرا (بصوتٍ خفيض) : نعم.
ريكاردو : هل فكَّرت جيدًا أنت أيضًا؟ المسألة هي التضحية بستة أشخاص لإنقاذ رجل لديه مشروعات للمستقبل.
مونسيرا (متألمًا) : هذا صحيح.
ريكاردو : ست أرواح آدمية ستُزهق! ست أرواح بما تحمل من آمال وسعادة إنسانية زائلة! هل فكَّرت جيدًا؟ هذه المرأة وولداها المهدَّدان، هذا الرجل وزوجته التي يحبها أكثر مِمَّا يُحب نفسه، هذا الرجل الذي يعول خمسة أولادٍ صغار. كل هذا أمامك، حقيقي، من دم ولحم. والقضاء على بوليفار يعني أيضًا فتح أبوابٍ أخرى للشقاء وإنزال اليأس في نفوس الكثيرين، ولكنَّهم يتعقَّبون بوليفار، وهو مُعرَّض للقبض عليه في هذه الليلة بالذات، وهو مريض وقد يُداهِمه الموت في هذه الليلة، ومن قال لك إن العناية الإلهية ستسمح له بأداء الرسالة التي تُلقيها على عاتقه؟ … فكِّر جيدًا. ست أرواح بشرية ستُزهَق بكل تأكيد في مقابل أعمالٍ مفترضة سيقوم بها رجل مريض ومطارد!
ريكاردو (مثقلًا) : أن أموت! نعم. ولكن أموت هكذا.
الفخراني : كفى أنتما الاثنين! الوقت يمرُّ بسرعة! أنت ترى جيدًا أنه لن يتكلَّم، هذا المجنون لن يلين أو يقتنع أبدًا!
ريكاردو : اسكت (كما لو كان يُخاطب نفسه) أنا أيضًا تُدوِّي في آذاني صرخات الذين ذُبحوا في سيكيسيك، وعندما أُغمض عينيَّ أجد صورة القتلى، محفورة تحت مقلتيَّ (ثم في صوتٍ متهدج) أنا أيضًا أحسُّ بازدراء الإسبان في كل مكان. ولكن أمي عجوز ووحيدة، بكت بما فيه الكفاية.
مونسيرا (بحماس) : هذه آخر فرصة، لو ضاعت، لو قُبض على بوليفار أو أخفق لَحلَّ الظلام الكامل إلى الأبد على ملايين وملايين من الرجال في أنحاء هذه القارة. يجب ألَّا تضيع هذه الفرصة! يجب! لقد حسمت الأمر. أعتقد أني مُحِق … أعتقد ذلك … أودُّ أن أومن بذلك!
الفخراني : كفى، كفى، كل هذا هراء! هذا إجرام! كفى! سيقتلوننا! يجب أن يتكلَّم!
الأم (وقد أحسَّت بالخطر) : صحيح! الوقت يفوت! آه يا إلهي!
الممثل (بعصبية) : نعم يجب أن يتكلَّم! بسرعة وإلَّا ضعنا! ماذا نفعل؟ ما رأيكم أنتم؟
الأم (تُخاطب نفسها) : بابليتو استيقَظ، لا شكَّ أنه يصرخ الآن!
(تُخاطب مونسيرا) أتوسَّل إليك! انظر! اللبن ملء ثدييَّ! لا أستطيع أن أبقى هنا.
الممثل (وقد أوشك على البكاء) : يجب أن نعمل أي شيء! تصرَّفوا! كلِّموه!
التاجر (بحزم) : اسمع، أنا غني! أعطيك كل ما أملك، يُمكنك أن تواصل الحرب بأموالي، سينتهي بوليفار وتستطيع أن تواصل أنت، لديَّ مزارع وقطعان ماشية، سيُمكنك تسليح عددٍ كبير من الرجال ضد الإسبان، أقول لك هذا أمام شهود!
الفخراني : وافِق! وافق إذن! ستكون غنيًّا! أنت لا زلت شابًا! فيم يعنيك الآخرون؟ يُمكنك السفر إلى أوروبا! ستكون سيد حياتك بهذه الثروة. قل إنك توافق! ونحن شهود! لقد سمعنا جميعًا! لقد وعدك!
مونسيرا (ببساطة) : سواء وافقتُ على تسليم بوليفار أو لم أوافق، فلن يغفر لي الإسبان أبدًا.
الفخراني (وقد انتابه الخوف والغضب) : فلنقتله! فلنخنقه! لن يقول شيئًا ولكنَّه إذا مات فلن يجدوا ما يُطالبوننا به!
ساعدوني! يجب أن نقتله!
التاجر : يجب أن نقتله! معه حق!

(ينقضُّون على مونسيرا، معركةٌ قصيرة، الكراسي تقع.)

الممثل (يُحاول منعهم ويصيح فيهم) : لا! لا تفعلوا هذا! سيُعاقبوننا، سيعذبوننا! لا تفعلوا هذا!

(يتدخَّل ريكاردو هو أيضًا، صراخ، الأم وإيلينا تلتصقان وتتفرجان على المشاجرة في خوفٍ شديد.)

المشهد الثاني

(نفس الأشخاص ومعهم مورالس والجنود الذين نبَّههم الضجيج)
مورالس (واقفًا على عتبة الباب وبلهجة فيها تهديد) : اصمتوا! لا تتحرَّكوا! (يُخاطب الفخراني) أنت، اتركه! (الفخراني يبتعد عن مونسيرا ويتقدَّم مورالس ببطء داخل القاعة) ماذا حدث؟ ما هذا الصراخ؟ … انطقوا! آه فهمت! … هه! هل تكلَّم؟ هل حصلتم منه على شيء؟
الفخراني : لم يتكلَّم بعدُ! ولكن لا زال لدينا بعض الوقت يا حضرة الضابط! سنبذل كل جهودنا.
مورالس (بخشونة) : طبعًا، ولكن إيَّاكم من قتله، نحن نحتفظ لأنفسنا بهذه المتعة! أفهمتم؟
الفخراني : نعم، يا حضرة الضابط.
مورالس : يجب أن تتعجَّلوا، الوقت يجري! لم يعُد أمامكم الكثير! ألم تجدوا وسيلة تجعله يتكلَّم؟ الخيال يعوزكم! جسم الإنسان محشو بالأماكن الحساسة (يضحك) بدلًا من الدردشة معه، ضعوا مثلًا بطنه تحت رجل المنضدة واقفزوا كلكم عليها (الجنود يضحكون بصوت عالٍ) أو خذوا مثلًا كرسيًّا.

المشهد الثالث

(نفس الأشخاص ومعهم إزكويردو الذي دخل ببطء وهو يُدخن)
إزكويردو : كفى يا مورالس!
مورالس : كانوا على وشك قتله! هؤلاء المغفلون!
إزكويردو : نعم كفى! نستطيع أن نبدأ الآن.
الفخراني (مرتاعًا) : حضرة الضابط أعطيتنا ساعة.
إزكويردو (يهزُّ كتفيه) : هذا أكثر من اللازم، ثم إني أريد أن أُطبِّق أساليبي بكل دقة (صمت. ينظر إلى إيلينا) يا رب، إنها لَبديعة هذه الفتاة! لم ألاحظها من قبلُ! أين كانت عيناي؟ هذا ذنب لا يُغتفر! (يقترب منها وهو يبتسم) ما اسمك؟
إيلينا (في ألم) : إيلينا.
إزكويردو : جميل جدًّا، إيلينا … إﻳ… ﻠﻴ… ﻨﺎ! هندية؟ أليس كذلك؟
إيلينا : أمي كانت هندية.
إزكويردو : بنت الحب … لذا جئت جميلة لهذا الحد.
إيلينا : أمي كانت خادمة عند إسباني اعتدى عليها.
إزكويردو : يا بخت من أنجبك! والمجد لأمك التي جاءت بك إلى هذه الدنيا! كم عمرك أيتها الزهرة الصغيرة.
إيلينا : ثمانية عشر عامًا!
إزكويردو : عذراء؟

(إيلينا تخفض الرأس.)

إزكويردو (في سخريته المعتادة) : كنزٌ رائع! أين كانت عيني من قبلُ؟ لا شكَّ أنها خطفت بصري …! (مورالس والجنود يضحكون، يُخاطب إيلينا) لن تلقي مصيرهم بالطبع، ستكونين زوجتي الليلة، موافقة؟ … (يُخاطب مورالس) يكفي إعدام خمسة.
الفخراني : يا حضرة الضابط، وعدتنا بساعة. أعطنا هذه الفرصة.
إزكويردو : اسكت، سأفعل ما يحلو لي. (يُخاطب إيلينا) لم تقولي لي، هل يروقك هذا؟
إيلينا (بصوتٍ خافت) : أُريد أن أُعدَم مع الآخرين.
إزكويردو (مازحًا) : يا لقسوتك! يا لقسوتك البديعة! يقترب منها ويربت على شعرها. (إيلينا شاحبة لا تتحرَّك) كم أحبك هكذا! … شعرك جميل (يضع يده على صدرها، تتراجع) وصدرك بديع يا معبودتي إيلينا … (يُخاطب مونسيرا بسخرية) وأنت، ألم ترقَّ لتوسلات مثل هذا الجمال؟ عيناها تُذيبان القلب! وصوتها أعذب من الموسيقى السماوية، ألم تهزَّ روحك؟ يا لقسوتك يا مونسيرا! قلبك قُدَّ من حجر!
مونسيرا (في ملل) : لم تفتح فمها.
إزكويردو : هكذا! هه (صمت، ينظر لها في تمعُّن) أترضين بالموت، يا إيلينا، يا جميلة من أجل بوليفار هذا الذي لا تعرفينه؟
إيلينا (بعزم، رغم شحوبها الشديد) : يجب إنقاذ بوليفار بأي ثمن. لديَّ أخوان مع الثوار في بويلبا.
إزكويردو (في انشراح) : مورالس! إعجابي بها يزداد، ستتناول العشاء الليلة معي على انفراد! فليُعدُّوا مائدةً في غرفتي، ونبيذ مالاجا (Malaga) بالطبع (يُخاطب إيلينا) أُتحبين المالاجا أم تُفضِّلين نبيذ إكسيريس (Xeres
إيلينا : أريد أن ألقى نفس مصير هؤلاء القوم.
إزكويردو (ضحوكًا) : لا! لا! لا! ستكونين أول فتاة في هذا البلد أراها تُفضِّل ست رصاصات في الصدر بدلًا من … (مورالس والجنود ينفجرون ضاحكين، إزكويردو يلتفت نحوهم) كفى!
(يُخاطب إيلينا) يا جميلتي، عندما تُشرِّف هندية مخدع أحد ضباط صاحب الجلالة يجب عليها أن تشكره بكل تواضع … الحق أني لا أحب ألَّا يُرضيك هذا (يُخاطب مورالس) أمَّا هؤلاء فابدأ بمن تشاء منهم.
الفخراني : يا حضرة الضباط! ربما قبل …
إزكويردو : يا فخراني! أنت دائمًا؟ خذه يا مورالس، ابدأ به؛ إنه يُضايقني … إلى الحائط.
الفخراني (يكاد يُجنُّ) : أقسم لك إني بريء! لم أفعل شيئًا!
إزكويردو (ساخرًا) : أيها المغفل! تصوَّر أنك قُتلت في حادثة أو مرض مفاجئ، سيُعينك هذا!
الفخراني : لديَّ خمسة عيال يا حضرة الضابط.
إزكويردو : أتتصور يا عزيزي أنك ستخلد لأنك أنجبت خمسة أولاد من زوجتك؟
الفخراني (وقد أُسقط في يده) : أي جريمة ارتكبت؟ ما ذنبي أنا؟ لم أقترف أي ذنب حتى تعدمني! يا حضرة الضابط، أقسم لك …
إزكويردو : ضايقتني بما فيه الكفاية، أولًا ليس صحيحًا أنك يجب أن تقترف جريمة حتى تموت والدليل أمامك، وكم من شخص يموت هكذا بسبب المرض ومع ذلك لم يُفكِّر أي شخص في الاحتجاج على مشيئة الله … الإنسان يرضخ وعليك أن ترضخ أنت أيضًا، ثانيًا أنت تعرف جيدًا أنه لا داعي لأن تثني عزمي أنا، أنت تعلم جيدًا أن حياتك تتوقَّف على كلمة من هذا الولد! إذن … (يُخاطب مونسيرا) ألا تقول شيئًا؟ (يُخاطب مورالس) خذه.
الفخراني (يتخبَّط بين الجنود) : لا! لا! أتوسَّل إليكم! أتوسَّل إليكم! استمعوا لي!
مورالس (بقسوة) : كفى! امشِ يا حيوان!

(في هذه اللحظة يبدأ الممثل في البكاء.)

إزكويردو (يُكلِّم الفريق الخارج) : انتظروا (يُكلِّم الفخراني) اسمع … (صمت) حدَّثتَني منذ حين عن جرة تبكي. هل نجحت في محاكاة هذا (يُشير إلى الممثل).
الفخراني (تائهًا) : نعم يا حضرة الضابط.
إزكويردو (بهدوء) : لا شكَّ أن الأمر يتطلَّب منك كثيرًا من الصبر (سكوت).
الفخراني (يرتجف) : نعم.
إزكويردو : أنت فنانٌ كبير، نعم أقول لك هذا بإخلاص! أنا مُعجب بك ومع ذلك أزدريك، وسأكون سعيدًا بإعدامك … (مبتسمًا) لأني أرى أن استخدامك لآلام التعساء الذين حكمتُ عليهم بالإعدام، في صنع لعبتك البائسة، خسَّة ما بعدها خسَّة!
الفخراني (يُتمتم) : يا حضرة الضابط …
إزكويردو (ساخرًا) : ولا كلمة! … و… حاول أن تموت شجاعًا! … (يُخاطب مورالس) مورالس!
مورالس يُشير إلى الجنود الذين يسحبون الفخراني. يُسمع الصراخ ثمَّ يخفت صوت دق الطبول خلف الحائط.

المشهد الرابع

(نفس الأشخاص ما عدا الرهينة الأولى)
الأم (تائهة) : يا حضرة الضابط! الرحمة! اتركني أذهب! على الأقل أذهب أنا! لديَّ طفلان، الباب مُوصَد عليهما!
إزكويردو : اسكتي.
الأم : الرحمة! حرام عليك الأطفال! تركتهم وحدهم! الرحمة يا حضرة الضابط!
إزكويردو (بسخرية) : مونسيرا! ما رأيك؟ ألا تُحركك هذه الضراعة؟ أهنئك! أعصابك من حديد، لا داعي أن نتعجب عندما يُقال عنَّا نحن الإسبان إننا لا نعرف الرحمة. هيَّا يا مونسيرا! حتى أنا تأثَّرت.
مونسيرا (بجهد) : إزكويردو. كن رحيمًا ولو مرة في حياتك!
إزكويردو (يُثبت نظره عليه) : يا سلام (يُخاطب مورالس) مورالس!

(خلف الحائط تتزايد سرعة دق الطبول مُعلنة قرب تنفيذ الإعدام في الرهينة الأولى.)

مورالس : أوامرك؟
إزكويردو (في هدوء) : يا عزيزي مورالس، هذه المرأة لا تعدمها إلَّا في النهاية.
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤