شيء حدث في المعادي

حدث شيء ما في المعادي … غير الصورة التي اعتاد عليها المغامرون الخمسة … كانت المعادي بالنسبة لهم هي الضاحية الجميلة لمدينة القاهرة … حيث يمتد النيل الرائع، والأشجار والخُضرة والورود والنوادي … وحيث تقوم الفيلات الرشيقة هنا وهناك … وحيث يوجد الشاويش «علي» الذي أطلق عليه المغامرون لقب «فرقع»؛ لأنه اعتاد كلما رآهم أن يصيح في وجوههم: هيا فرقعوا من هنا!

لقد بقي النيل والشجر والفيلات، ولكن اختفى الشاويش … ذهبت «نوسة» ذات يوم إلى القسم مع صديقة لها للإبلاغ عن سرقة دراجة هذه الصديقة، فوجدت شاويشًا آخر … رجلًا لا تعرفه ولا يعرفها … وبعد أن تلقى الشاويش البلاغ سألته «نوسة»: من فضلك، أين الشاويش «علي»؟

رد الرجل: لا أدري بالضبط، ولكني سمعت أنه قد اتُّهم في قضية، ثم أحيل إلى المعاش ورحل إلى بلدته!

ارتاعت «نوسة» عند سماع هذا الخبر المؤلم وقالت: الشاويش «علي» متهم؟

رد الرجل: نعم … هذا ما سمعته … ولست متأكدًا؛ لأنني نُقلت إلى هذا القسم بعد إحالته للمعاش … ولم أقابله لأعرف الحقيقة منه!

نوسة: وما هي بَلْدتُه من فضلك؟

الشاويش: لا أعرف، إنه من الصعيد. أظن من محافظة «أسيوط» … وهذه كل معلوماتي عنه.

خرجت «نوسة» مع صديقتها، وقد تغيرت صورة المعادي التي تعرفها. وأحست أن شيئًا كبيرًا قد نقص … وهو الشاويش «علي» الذي عرفوه طويلًا، واشتركوا معه برغم أنفه في عشرات المغامرات والألغاز.

وأسرعت «نوسة» إلى حديقة فيلا «عاطف» و«لوزة» حيث اعتادوا اللقاء … وأبلغت بقية المغامرين بالخبر الحزين … وقد كان له وقع الصاعقة على المغامرين جميعًا، حتى إن «لوزة» دمعت عيناها … وارتسم الأسى على وجه المغامر السمين «تختخ»، وقال: إذن وداعًا للمغامرات والألغاز … وداعًا للمخاطر والأحداث … وداعًا للمآزق والفِخاخ.

قال «عاطف» الذي ظل متماسكًا: ينقص أن تقيموا مأتمًا على حادث غياب الشاويش … بدلًا من أن تبحثوا عنه!

ردت «لوزة» بعصبية: هل هذا وقت العبث السخيف؟

عاطف: وهل البحث عن الشاويش يعتبر عبثًا؟ … إنني أفضل بدلًا من الجلوس هكذا أن نبحث عنه!

لوزة: وأين نبحث؟ هل ننشر إعلانات في الجرائد عن شاويش مفقود؟

ضحك «عاطف» وقال: ها أنتِ تقولين نكتة ظريفة!

تحدث «محب» لأول مرة، فقال: هناك طريقان للبحث عن الشاويش «علي»، الأول: أن نتصل بالمفتش «سامي».

قاطعه «تختخ» قائلًا: أنت تعرف أن المفتش «سامي» في مهمة خارج مصر.

محب: أعرف!

تختخ: إذن ما هي الطريقة الثانية؟

محب: هل تذكرون «جلال»؟

قفز إلى أذهان المغامرين جميعًا صورة ولد نحيف، اشترك معهم في بعض المغامرات وصاحوا: نعم … ابن أخت الشاويش!

محب: لماذا لا نرسل له رسالة نسأله فيها عن سر اختفاء الشاويش … أليس الشاويش خاله؟ … من المؤكد أنه يعرف أين هو!

لوزة: هائل يا «محب» … هذا هو الكلام المفيد.

عاطف: المهم … أين نعثر على هذا العنوان؟

تختخ: بالطبع عند «نوسة» … أليست هي «أرشيف» المغامرين؟

لوزة: طبعًا … إنها مثل قسم «الأرشيف» في المصالح الحكومية!

ثم سرحت «لوزة» لحظات، وقالت: ولكني أسمع كلمة «أرشيف»، ولا أفهم معناها … ما هو «الأرشيف» يا «تختخ»؟

ابتسم «تختخ» وقال: إنه القسم الذي تحتفظ فيه الشركات والمصالح بالأوراق الهامة … ويسمونه قسم «الأرشيف» أو المحفوظات.

عاطف: المحفوظات والأناشيد؟

لم يضحك أحد على هذا التعليق، وقالت «نوسة»: أعتقد أنه عندي … سأذهب على الفور إلى المنزل وأعود به!

وانطلقت «نوسة» على دراجتها، وجلس بقية المغامرين يتحدثون. قال محب: إنني منذ بضعة أيام لم أرَ الشاويش يحوم حولنا، ولا رأيت دراجته القديمة، وهو يمر بها في شوارع المعادي كعادته … لاحظت ذلك، ولكني لم أتصور أبدًا أن يكون الشاويش قد غادر المعادي إلى الأبد!

تختخ: لقد لاحظت ذلك أيضًا … وظننت أنه في إجازة، أو مشغول في حل مشكلة، أو لغز من الألغاز!

لوزة: المهم … إذا عرفنا مكان الشاويش، فماذا سنفعل؟

تختخ: سنحاول أن نعرف منه لماذا أحيل إلى المعاش.

لوزة: إنك تعرفه … فهو لا يحب أن يُدلي إلينا بأية معلومات … وأشك كثيرًا أنه سيتحدث عن هذه المسألة الشخصية.

هز «محب» رأسه قائلًا: لقد ذهبنا بعيدًا … لماذا لا نذهب إلى منزل الشاويش ونسأل عنه؟ … لعله معتكف في منزله!

تختخ: معك حق … كيف لم يخطر لنا ذلك؟!

عاطف: لقد فهمت من كلام «نوسة» الذي سمعته عن الشاويش الجديد، أنه بعد أن أُحيل للمعاش قد ترك المعادي، وعاد إلى بلدته!

تختخ: هذا غير مؤكد … فمن الممكن أن يكون معتكفًا في منزله؟

لوزة: لن نخسر شيئًا … إذا ما عادت «نوسة» نذهب في رحلة قصيرة إلى منزله … ومن الممكن أن نسأل الجيران عنه … فقد يُدْلون إلينا بمعلومات عن موعد غيابه عن البيت إن كان قد سافر.

ظهرت «نوسة» عند باب الحديقة، وهي تحمل في يدها ورقة عرف الجميع أن بها عنوان «جلال» ابن أخت الشاويش.

قالت «نوسة»: العنوان!

تختخ: أين يسكن «جلال»؟

نوسة: إنه يسكن في قرية «برج البرلس»، مركز «بلطيم»، بمحافظة كفر الشيخ.

تختخ: لقد كان «عاطف» أقرب المغامرين إليه … لهذا أقترح أن يقوم «عاطف» بالكتابة إليه … لسؤاله عن مكان الشاويش، وقصة إحالته للمعاش!

لوزة: بالطبع دون أن يملأ الرسالة ﺑ «النكت»؛ حتى لا يظن «جلال» أننا نقوم بالتنكيت على خاله!

عاطف: إنك تسيئين بي الظن كثيرًا يا «لوزة» … فأنا لا أخلط بين الهزل والجد!

لوزة: كنت أنبِّه فقط!

عاطف: سأكتب الرسالة ثم تقرءونها!

تختخ: لا داعي لهذه العصبية يا «عاطف» لمجرد ملاحظة بسيطة من «لوزة».

محب: هيا بنا نذهب إلى منزل الشاويش!

وقفز الجميع إلى دراجاتهم، بينما بقي «عاطف» أمام بعض الأوراق البيضاء، يكتب الرسالة إلى «جلال».

كان مسكن الشاويش في طرف المعادي بعيدًا عن النيل، في منزل متواضع من الحجر الأحمر … وكان المغامرون قد زاروه مرة أيام كان «جلال» معه، وذهبوا إليه لمقابلة الشاويش … ولم تكن مشكلة أن يعثروا على المنزل … ولاحظوا على الفور أنه مغلق الأبواب والنوافذ … وكان من الواضح أن الشاويش ليس موجودًا؛ لهذا اتجهوا إلى المنزل المجاور … وكانت هناك سيدة تبدو عليها الطيبة، تقوم بنشر غسيلها في شرفة بالدور الأول … وحياها «تختخ» ثم قال: لقد جئنا نسأل عن جاركم!

السيدة: الشاويش «علي»؟

تختخ: نعم.

بدا على وجه السيدة الحزن وهي تقول: كان نِعم الجار … ولا أدري ماذا حدث له!

تختخ: ألم يعُد يسكن هنا؟

السيدة: بلى … ما زال يسكن هنا … فهو لم يأخذ أثاثه من المنزل، ولكنه متغيب منذ فترة طويلة.

وبدا على السيدة أنها تكتم شيئًا، فقال «تختخ»: إننا أصدقاء له، نبحث عنه لمسألة تَهُمُّه، وتتعلق بغيابه!

بللت السيدة شفتيها بلسانها، ثم قالت: الحقيقة يا بني أنني لاحظت أن منزل الشاويش يُضاء أحيانًا ليلًا!

بدا الاهتمام على وجه «تختخ» وهو يقول لها: متى رأيتِ هذا النور آخر مرة؟

السيدة: منذ خمسة أيام … بالضبط يوم السبت الماضي … قمت لأفتح الباب لزوجي ليلًا، فرأيت النور مضاء في منزله … وقد أخبرت زوجي بذلك، وفكر أن يذهب لزيارته … ولكن الوقت كان متأخرًا … وفي اليوم التالي ذهب ودق الباب، ولكن لم يفتح أحد.

فكر «تختخ» لحظات ثم قال: هل هناك «تليفون» قريب هنا؟

ردت السيدة: لا … إن التليفون الوحيد عند «عثمان» البقال في آخر الشارع المجاور.

قال «تختخ»: شكرًا لك!

السيدة: هل تعرف ماذا حدث للشاويش؟

تختخ: لا … ولكنَّا سنعرف!

والتفت «تختخ» إلى المغامرين، ونظر نظرة فهموا معناها جميعًا … ما دام الشاويش يتردد على منزله ليلًا … فلا بد من مراقبة المنزل في الليالي التالية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤