حدث في الفجر …

كان اجتماع المغامرين الخمسة في الصباح صاخبًا … فقد أبدى «محب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة» خيبتهم من قيام «تختخ» بالمغامرة وحده … استئثارًا منه بالعمل بمفرده … وتعريضًا لنفسه للخطر … وأخذ «تختخ» يحاول تبرئة نفسه … وتهدئة الموقف … وقال في النهاية: من الصعب عليكم جميعًا الخروج ليلًا من منازلكم … وأنا أيضًا معرض لأن أُعاقَب على خروجي الليلي وحيدًا … ولكن في سبيل الواجب حاولت ما استطعت … وعلى كل حال … إن الدور القادم علينا جميعًا …

صمت المغامرون بعد هذه الجملة، وقال «محب» متسائلًا: كيف؟

تختخ: سنذهب جميعًا إلى السيرك هذا المساء معًا.

لوزة: متنكرين؟

ضحك «عاطف» وهو يقول معلقًا: في هذه الحالة ستَتنكَّرين في ثياب بطة أو فرخة.

قبل أن تصيح «لوزة» معترضة على هذه السخرية، قال «تختخ»: ليس هناك أي داعٍ للتنكر … سوف نذهب في ملابسنا العادية وشخصياتنا الحقيقية … إنني أريد استعادة الكاميرا … إنها ستعطينا الدليل على وجود «شوقي السيد» وربما «سيد دبانة» أيضًا في السيرك … هذا إذا صحت استنتاجات «نوسة»، وما سمعتُه أمس من حوار بين «عوني» مدير السيرك والشخص المجهول.

لوزة: الأمل ألا يكون أحد عمال السيرك قد عثر عليها.

تختخ: لقد وقعت تحت مقاعد المتفرجين … وهذه المقاعد مرتفعة عن الأرض بنحو مترين، ولا أظن أن أحدًا من السيرك يهتم بالنزول تحتها.

وانتهى الاجتماع سريعًا … واتفقوا على اللقاء في المساء … وفي الموعد المحدد كانت الدراجات الخمس تقف على استعداد … وبدون سابق إنذار وجدوا «زنجر» يقفز إلى سلته خلف «تختخ» … ولم يستطع أحد أن يزحزحه عن موقفه … وسرعان ما كانت قافلة الدراجات تتحرك إلى «حلوان».

كانت رحلة طويلة … ولكن ممتعة … فقد كان الجو باردًا، فبعثت حركة السيقان دفئًا رائعًا في أجساد المغامرين الخمسة … وسرعان ما كانوا يقبلون على أضواء السيرك والموسيقى تعزف … وكانت ليلة جميلة أقبل الناس فيها على الدخول أكثر من سابقتها …

ووقف المغامرون في الطابور لقطع التذاكر … ووقف «زنجر» بين قدمي «تختخ»، وعندما تم قطع التذاكر وتوجهوا إلى باب الدخول ابتسم «تختخ» … لأنه تذكر الأسماء والمعاملة القاسية التي تلقاها … ومقابلة «عوني» والأحداث التي مرت به بعد ذلك … ولكن الابتسامة لم تستمر طويلًا … فعندما جاء الدور عليه للدخول، وشاهده الرجل الذي على الباب، و«زنجر» قال: ممنوع يا أستاذ … الحيوانات سوف تتهيج!

ووقف «تختخ» حائرًا … ولكن «زنجر» حل المشكلة، واختفى دون أن يدري أحد أين ذهب … لقد أدرك من الإشارة إليه وزعيق الرجل أنه مرفوض … فقرر أن ينسحب … وأحس «تختخ» بالحزن لأن «زنجر» سيعود وحده إلى المعادي وهي مسافة طويلة … ولولا أهمية الكاميرا لبحث عنه وعاد معه.

دخل المغامرون إلى السيرك، وأشار «تختخ» إلى المكان الذي قذف فيه القرد بالكاميرا … وأخذ المغامرون في الاتجاه إلى المكان … وقد كان مشغولًا ببعض الناس … ولكن المغامرين انتشروا بينهم حتى جلسوا في أماكن قريبة، حيث سقطت الكاميرا.

بعد نصف ساعة تقريبًا من دخولهم أطفئت أنوار الخيمة الكبيرة وبدأت الألعاب البهلوانية، وفي نفس الوقت بدأ المغامرون يتسللون من بين المشاهدين، وينزلون إلى أسفل المقاعد، وأخذوا يبحثون عن الكاميرا … ولكن الكاميرا كانت قد اختفت كأنها لم توجد من قبل … فقد فرش رجال السيرك تحت المقاعد نشارة الخشب … ويبدو أن الكاميرا قد غاصت في هذه النشارة، ولم يعد من الممكن العثور عليها … ومرت دقائق قاسية على المغامرين الخمسة … وأخذوا يتبادلون النظرات والأحاديث الهامسة … وهم يخشون أن يلفت سلوكهم هذا نظر المتفرجين … ثم إدارة السيرك وتصبح كارثة … وعندما أحسوا باليأس تمامًا، أشار لهم «تختخ» بالصعود، فإذا هم لم يكونوا قد عثروا على الكاميرا … فعلى الأقل لا داعي لأن يتعرضوا للمخاطر … ولكن يأسهم انقلب فجأة إلى فرحة طاغية … ففجأة ظهر «زنجر»، لم يروا منه سوى عينيه اللامعتين في الظلام … وأنين خافت كان يصدر من فمه، كأنما هو يعاتبهم على تركهم له على الباب … ولكن على كل حال … شاهد «زنجر» ما يفعله المغامرون … وعرف أنهم يبحثون عن شيء ما … ولم يكن في حاجة إلى أن يشم صاحبه ليعرف رائحته، فقد كان جزءًا من حاسة الشم عنده، وسرعان ما أخذ يتشمم هنا وهناك، ثم مد مخالبه وأزاح نشارة الخشب جانبًا، ونظر المغامرون وهم لا يصدقون عيونهم … كانت الكاميرا الصغيرة هناك تحت يده … أسرع «تختخ» لا إلى الكاميرا ولكن إلى «زنجر» يُقبِّله. في حين انقض «محب» على الكاميرا، ووضعها في جيبه، وكاد كل شيء يتم على ما يرام … لولا أن حدث شيء غريب … كانت نمرة الكلاب المدربة قد بدأت … وفجأة تحول السيرك إلى نباح متصل … لقد شمت الكلاب رائحة كلب غريب، فتركت ألعابها البهلوانية وأخذت تنبح بشدة … ثم تركت مدربها واتجهت إلى حيث يوجد «زنجر» والمغامرون الخمسة … وانقلب الموقف رأسًا على عقب … وأخذ رجال السيرك يَجْرون هنا وهناك، وقال أحدهم: هناك كلب غريب.

قال الرجل الذي كان يقف على الباب: إنه كلب أسود كان مع مجموعة من الأولاد.

وأدرك المغامرون أن ظهورهم في هذه اللحظة سوف يعرضهم لمتاعب جمة … فأخذوا يَجرون تحت الكراسي حتى وصلوا إلى حافة الخيمة … وتعاون «تختخ» و«محب» في رفع طرفها الثقيل، واندفع بقية المغامرين من تحتها ومعهم «زنجر»، ثم اندفع «تختخ» وخلفه «محب».

وكان بعض العاملين في السيرك قد أخذوا يُهدئون الكلاب التي كفت عن النباح، وعادت تؤدي المطلوب منها بعد أن ابتعد «زنجر».

بعد دقائق كان المغامرون الخمسة قد قفزوا إلى دراجاتهم، وهم في غاية السعادة، ثم انطلقوا عائدين إلى «المعادي» … ولم يضيعوا دقيقة واحدة … كان عند «محب» في منزلهم معمل للتحميض … فقد كان والده من هواة التصوير … ولم يتردد «محب» في طلب المساعدة من والده «محب» … رجاه باسم الأصدقاء أن يقوم بتحميض وطبع الفيلم.

قال والد «محب» مندهشًا: ولماذا الآن؟ ألا يمكن الانتظار للصباح؟

محب: إنه يتعلق بمغامرة من مغامراتنا يا أبي.

الأب: ألن تكفوا عن هذه المغامرات والألغاز؟

محب: إننا نساعد العدالة يا أبي … ونحن جميعًا من الطلبة المتفوقين في دراستهم.

قال الوالد، وهو يغادر مقعده أمام التليفزيون: أمري إلى الله!

جلس المغامرون الخمسة في انتظار النتيجة … وقامت والدة «محب» بإعداد بعض الطعام الخفيف وأكواب الشاي … فقد كانوا جميعًا جوعى … ومضت نصف ساعة، ثم فُتح باب المعمل وظهر والد «محب» يمسك بيده الفيلم قائلًا: تصوير ممتاز برغم صغر حجم الكاميرا.

محب: إنه من تصوير «تختخ»!

الأب: عظيم … والآن سأطبع لكم نسخة من كل صورة!

عاد الأب إلى العمل، ومضت فترة ثم فتح الباب وقال: تعالوا.

واندفع المغامرون إلى المعمل الصغير حتى ازدحم بهم … وشاهدوا الصور، وهي تظهر في المياه على الورق، قام الولد بتجفيف الصور … ثماني صور لثمانية أشخاص … وقال «تختخ»: سأذهب إلى الشاويش فورًا؟

محب: هل أستطيع الذهاب معه يا أبي؟

الأب: لا تتأخر.

ومرة أخرى اندفع المغامرون الخمسة إلى دراجاتهم … كانت الساعة قد أشرفت على الحادية عشرة، عندما كانوا يقفون أمام منزل الشاويش … ودقَّ «محب» جرس الباب … ومضت فترة قبل أن يسمعوا سعالًا متصلًا، ثم ظهر الشاويش وهو يفتح الباب على حذر … ولم يكَد يرى المغامرين الخمسة حتى ظهرت الدهشة على وجهه بأجلَى معانيها … قال «تختخ» على الفور: هل تسمح لنا أن ندخل من هذا البرد القارس؟

فتح الشاويش الباب كما فتح فمه … وانسل المغامرون الخمسة إلى الداخل … وكانت المرة الأولى التي يدخلون فيها معًا إلى منزل الشاويش … قال «تختخ»: ليس عندنا وقت نضيعه … لقد أحضرنا لك مجموعة من الصور نريدك أن تطلع عليها.

وجلس المغامرون وقال الشاويش: لعلكم تحبون أن تشربوا الشاي؟

محب: شكرًا لك … لا وقت عندنا.

الشاويش: ولكني كلما جئت عندكم شربت الشاي … لا يصح هذا.

تختخ: يا شاويش «علي» الوقت ضيق، ولعلنا قد عثرنا على «سيد دبانة» … وصاح الشاويش كأنما لدغته عقربة: «سيد دبانة»؟!

تختخ: أقول لعلنا … ربما … نظن … وليس مؤكدًا بعد.

وأخرج «تختخ» مظروف الصور، وعرضه على الشاويش الذي لم يكد يرى الصور حتى أخذ يقفز في أنحاء الغرفة كالمجنون وهو يصيح: هذا «شوقي السيد» … إنه مختلف قليلًا عن الرجل الذي رأيته، ولكن العنق الغليظ والذراعين القصيرتين … إنه هو هو، أين هو؟

ثم أمسك بالصورة الثانية وصاح: هذا هو سائق السيارة: إنه هو … هو هو، أين هو؟

كان الشاويش يدور كالمجنون في الغرفة … والمغامرون الخمسة يكادون يرقصون طربًا … ولكن «تختخ» قال فجأة: من فضلك يا شاويش … إنك تُضيع وقتًا ثمينًا.

الشاويش: أين هم … أين هو؟

تختخ: إننا نعرف مكان العصابة كلها … ولكن نحن في حاجة إلى قوة من رجال الشرطة.

الشاويش: سنحصل عليها من القسم … المهم أين هم؟

تختخ: إنهم يعملون جميعًا في سيرك «حلوان».

الشاويش: سنحصل على القوة اللازمة من قسم «حلوان».

ودخل الشاويش إلى غرفة ثانية، وأخذ يرتدي ثيابه الرسمية على عجل … الملابس التي خلعها منذ شهر كامل … وقفز إلى دراجته، وكذلك فعل كل من «تختخ» و«محب»، وطلب «تختخ» من «عاطف» أن يأخذ «نوسة» و«لوزة» ويعودون إلى المنزل … فلم يعد هناك ما يفعلونه.

•••

بعد ساعة من هذه الأحداث المتلاحقة، كانت قوة من رجال شرطة حلوان تحيط بالسيرك، ولم يكَد المتفرجون يغادرونه حتى هاجم رجال الشرطة مبنى الإدارة. وكانت مفاجأة كاملة ﻟ «شوقي السيد» الذي اعترف أنه يخفي «سيد دبانة» في غرفة من الكشك. وقد تم القبض عليه وهو يستعد لمغادرة البلاد كلها بأوراق مزورة.

وفي فجر ذلك اليوم كان الشاويش يقف مع «تختخ» و«محب»، ولأول مرة كانت عيناه مغرورقتين بالدموع … لقد أثبت المغامرون الخمسة ليس فقط أنهم مغامرون من أرفع طراز … ولكنهم أيضًا أصدقاء أوفياء … لقد قاموا في الوقت المناسب بإنقاذ صديقهم الشاويش «علي» من مأزقه … برغم أنه كثيرًا ما يرفض مساعدتهم قائلًا: هيا فرقعوا من وجهي.

ولكن الانفعال شيء … والمحبة والوفاء والإخلاص أشياء أخرى. وعندما بدأ الصديقان العودة إلى المعادي … كان ما يشغل ذهن «تختخ» هو الصور التي التقطها لزبائن السيرك … وكيف يسلمها لهم مساء اليوم التالي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤