البيئة والمسئولية نحو نموذج معرفي وأخلاقي جديد للخروج من أزمة الإنسان مع بيئته

مقدمة

تتعالى الأصوات في العقود الأخيرة بالشكوى تارة والتحذير تارةً أخرى من مشكلات بيئية ستواجه البشرية في مستقبل ليس بالبعيد، ومن كوارث وشيكة الحدوث، وأزمات بدأ الإنسان يعاني من عواقبها الوخيمة بفعل تدمير البيئة الطبيعية التي طالتها يدُ التقنية الحديثة بالاستغلال والتخريب، مما جعل فلاسفة الأخلاق المهتمين بشئون البيئة يعيدون النظر في علاقة الإنسان بالبيئة الطبيعية، التي ارتبطت بتاريخ الفكر البشري منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، وبصفة خاصة منذ بدايات الفلسفة الشرقية والفلاسفة قبل سقراط.

وقد مرت العلاقة بين الإنسان والبيئة بتحولات تاريخية كبيرة عبرَ تاريخ البشرية بأكمله، ولكن هذا البحث سيُلقي الضوء على هذه العلاقة من الناحية الفلسفية. وقد استخدم الفلاسفة مصطلح الطبيعة بمعناه الأعم والأشمل للتعبير عن البيئة التي لم تظهر كمصطلح إلا في نهاية القرن التاسع عشر مع بداية ظهور الأزمة. ولذلك سيعرض البحث لتحولات العلاقة بين الإنسان والطبيعة عبر تاريخ الفكر الفلسفي، والتي انتهت في الآونة الأخيرة إلى سيطرة الطرف الأول في هذه العلاقة (وهو الإنسان) سيطرة شبه كاملة على الطرف الثاني (وهو الطبيعة) بفضل التفوق التقني، ولكن هل ما يصيبنا الآن من كوارث طبيعية وبيئية هو ردُّ فعل وصرخة احتجاج من الطبيعة على ما تعرضت له من ظلم وعدوان؟ أم هي إشارات تحذير للإنسان بأنه لن تكون له الكلمة الأخيرة في الدراما الكونية التي هو مجرد جزء ضئيل منها؟ أم هو إعلان من الطبيعة بأنها هي الأخرى لها ذات وقيمة مستقلة عن البشر الذين توهموا أنهم الكائنات الوحيدة الحاملة للقيمة والقادرة على التقييم؟ وإذا كان الأمر كذلك فأين وكيف المخرج من هذا المأزق البيئي البشري؟

هدف البحث: سيحاول هذا البحث الإجابة عن هذه الأسئلة التي يستلزم الرد على السؤال الأول منها تتبع العلاقة بين الإنسان والطبيعة من الناحية الفلسفية، وكيف تدرجت من علاقة حميمة آمنة إلى علاقة هيمنة وسيطرة، وذلك من خلال نموذج معرفي أفضى إلى إخضاع البيئة بالكامل لسطوة التقنية. وتقتضي الإجابة عن السؤال الثاني إثارة المشكلة الأساسية التي أدت إلى مثل هذه السيطرة، وهي النزعة المركزية الإنسانية التي وضعت الإنسان في مركز السيطرة والسطوة، ومنحتْه حقَّ إخضاع سائر الكائنات والعناصر البيئية الأخرى لمصلحته، وكيف ساهمت عدة علوم حديثة في إنهاء هذه المركزية الإنسانية بإثبات أن الإنسان ليس إلا جزءًا ضئيلًا من كونٍ لا نهاية له. وإذا كان الأمر كذلك فهل يمكن أن تنتهيَ مزاعم الإنسان التي صورت له أنه هو الكائن الوحيد الحامل للقيمة والسيد المسيطر على كل شيء؟ من هنا تأتي الإجابة عن السؤال الثالث بمحاولة البحث عن القيمة الباطنة في الطبيعة، ودلالات هذه القيمة على وجود كائنات وعناصر أخرى تحمل قيمة في ذاتها، وطبيعية الموقف البشري الذي ينبغي اتخاذه منها.

ويعرض البحث في النهاية محاولات إيجاد مخرج من أزمة الإنسان مع بيئته من خلال المسئولية الأخلاقية تجاه البيئة، كما يدعو إلى مواصلة الجهود المشتركة للبحث عن أخلاقيات بيئية رشيدة تستند على نموذج معرفي جديد، أي نموذج يقوم على تنمية الوعي الأخلاقي والجمالي بالبيئة، ولفت الأنظار إلى المسئولية العالمية المشتركة في ظل أخلاق كوكبية جديدة تضع في اعتبارها بالدرجة الأولى حماية البيئة وصيانتها من منطلق كونها ميراث البشرية ورصيدها الذي ينبغي صيانته والمحافظة عليه.

مصطلحات بيئية: قبل التعرض لهذه الأسئلة والإشكاليات يجدر بنا أن نقف عند المصطلحات الأساسية التي يتناولها البحث: الطبيعة Nature، والبيئة الطبيعية Natural Environment، وعلم الأيكولوجيا Ecology، وهي مصطلحات تبدو كأنها مترادفة أو ذات مضمون واحد. والواقع أن هناك اختلافات بين هذه المصطلحات، وإن كانت في حقيقة الأمر اختلافات طفيفة، ولكنها دقيقة. ففي الموسوعات الفلسفية تعني الطبيعية بالمعنى الأشمل «الموجودات في مجموعها، أي أنها نوع من الجرد لكل ما هو موجود في الكون، كما أنها تشير أيضًا إلى مبادئ وقوانين البنية التي تتحكم في سلوك الكائنات والأشياء، وهذان المعنيان لا ينفصلان عن بعضهما.»١ ويتم تعريف الطبيعة أيضًا باستخدام الصفة من الاسم، أي تعريف شيء ما بأنه طبيعي من خلال التناظر والتضاد، بحيث نقصد بهذا الشيء أنه الفطري في مقابل المكتسب،٢ والتلقائي في مقابل الإرادي، والعفوي في مقابل المتروي والمقصود، والطبيعي في مقابل الوضعي والمفتعل أو الصناعي، كما أننا نقول كذلك بالطبيعي في مقابل المعجز أو الخارق للطبيعة، لننتهي من هذا كله إلى أنها (أي الطبيعة) تجمع بين الموجودات الطبيعية التي تعبر عن الإرادة الإلهية الفاعلة في الطبيعة، والتي لا تتدخل فيها الإرادة البشرية وبين المصنوعات الإنسانية أي ما قام به الإنسان محاولة منه للتدخل في تغيير مسار الطبيعة سواء كان هذا بقصد منه أو عن غير قصد.
أما مصطلح البيئة الطبيعية Natural Environment، فيدل على «ظروف المكان الذي يعيش فيه الكائن الحي بكل ما فيه من عناصر أو مكونات طبيعية يتأثر بها ويؤثر فيها.» وتصف البيئة الطبيعية تلك الخصائص الطبيعية (مثل المناخ أو الجيولوجيا وغيرها من عناصر البيئة الطبيعية) التي هي ليست من صنع الإنسان ولا يستطيع تغييرها، بينما تشتمل البيئة الجغرافية على البيئة الطبيعية بجانب أي تغيير أو تعديل قام به البشر على هذه البيئة (مثل التصنيع أو تحويل المناطق الريفية إلى مناطق حضارية) أما علم الأيكولوجيا Ecology، فهو العلم الذي يقوم على «دراسة تفاعل الكائنات العضوية الحية مع بيئتها الطبيعية»،٣ أي أنه العلم الذي يدرس العلاقات بين عناصر الكائنات الحية وغير الحية. وقد أكدت قضية التوازن الأيكولوجي منذ الستينيات أن الناس يجب أن تعيش في حدود الموارد البيئية المحدودة، وليس ثمة شك أن المحافظة على البيئة هو الموضوع الأساسي الذي يهتم به علم الأيكولوجيا، ويحذر مما تتعرض له مناطق واسعة من البيئة الطبيعية من سوء الاستخدام والإسراف.

هناك أيضًا مصطلحات بيئية خاصة مع تطور علم الأيكولوجيا الحديث، ولكن هذا البحث يقتصر على هذه المصطلحات الثلاثة فقط؛ لأنها — في رأينا — تعبر عن المراحل التاريخية للعلاقة بين الإنسان والبيئة الطبيعية، حيث يعبر المصطلح الأول (أي الطبيعة) عن الرؤية الفلسفية التي تطورت من خلالها علاقة الإنسان بالمحيط البيئي حوله. فقد كان مصطلح الطبيعة هو المفهوم الأساسي الذي يعبر عن نظرة الإنسان للعالم طوال تاريخ الفلسفة، في حين أن مفهوم البيئة الطبيعية بالمعنى المعاصر لم يكن من مصطلحات الفلاسفة لا في العصر اليوناني ولا حتى في العصور الحديثة. والواقع أن المصطلح «البيئة الطبيعة» وهو المصطلح الثاني إنما يعبر عن بداية أزمة الإنسان مع بيئته الطبيعية، تلك الأزمة التي بدأت بوادرها في أواخر القرن التاسع عشر مع تطور التقدم العلمي والتقني. ثم ظهر مصطلح الأيكولوجيا، وهو المصطلح الثالث والأخير، في الآونة الأخيرة بعد أن استفحلت أزمة الإنسان مع البيئة. فجاء علم الأيكولوجيا كأحد وسائل الإنقاذ من الأزمة. ومما لا شك فيه أن أزمة الإنسان مع بيئته الطبيعية لها جانب علمي وتكنولوجي، وتتداخل فيها عناصرُ كثيرةٌ وتعالجها مجالات مختلفة تخرج عن نطاق هذا البحث، وتدخل في دوائر متخصصة وبعيدة عن المجال الفلسفي الذي سيقتصر البحث عليه.

(١) رؤية تاريخية تقييمية للعلاقة بين الإنسان والطبيعة

العلاقة التاريخية بين الإنسان والطبيعة في تاريخ الفكر الفلسفي علاقة قديمة قِدَم الفلاسفة الطبيعيين قبل سقراط، وإن كانت جذورها تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك التاريخ في الفلسفات الشرقية القديمة، ولكننا سنصرف النظر عن هذه الأخيرة، ليس لعدم أهميتها، بل لجدارتها بأن يُفرد لها بحث أو بحوث أخرى مستقلة. كما سنقتصر في هذا الجزء التاريخي على أهم المحطات الرئيسية التي تُلقي الضوء على تحولات الموقف الفلسفي من الطبيعة، وهي التي بدأت بسؤال الفلاسفة الأيونيين (أو الطبيعيين) عن ماهية الطبيعة، وكأن السؤال كان يتطلب البحث عن المادة الأولى التي يتكون منها العالم الطبيعي، فقال طاليس بالماء، وحددها انكسيمينيس بالهواء، وردَّها أنكسيماندر إلى «الأبيرون» الذي يفتقد إلى كل تحدد أو تعين، ثم تحول السؤال عند الفيثاغوريين فلم يَعُد بحثًا عن ماهية الطبيعة، بل عن بنائها ووجودها في الشكل الهندسي لتُصبح مادة العالم قادرة على استقبال الأشكال الرياضية.

أما عالم الطبيعة عند أفلاطون فهو عالم ناقص بالضرورة؛ لأن الزمان يسري عليه، فهو غير ثابت، كما أنه نتاج الخلق الديني أو بالأحرى الصنع الإلهي؛ إذ تم إيجاده وفقًا لنماذج الأشكال الأبدية الثابتة. والألوهية لا تحول بين أي شيء وبين أن يوجد؛ لأن كل شيء تتجلى فيه قدرتها العظيمة على الإبداع، وقد كانت هذه أول فكرة تقرر أن الطبيعة سلسلة كبرى من الموجودات المتفاوتة في ترتيبها على سُلَّم الوجود، وهو ما وضحه أرسطو بفكرته عن المحرك الأول الذي لا يتحرك والذي هو العلة الغائية الأخيرة للطبيعة. باختصار كانت نظرة فلاسفة اليونان إلى الطبيعة تتسم بالحيوية والعضوية، كما تنطوي على مفهوم الكون المنظم العاقل؛ إذ «اعتقد المفكرون اليونانيون أن وجود العقل في الطبيعة هو مصدر الانتظام القائم في العالم الطبيعي أو مبدأ اتساقه.»٤ والنتيجة التي نستخلصها من هذا العرض الشديد الإيجاز أن الكون الذي يتصف بالانسجام والاتساق وله عقل يسيره ويضفي عليه مثل هذا النظام لا بد أن تكون له قيمة باطنة فيه، ولم يستمدها من شيء آخر سوى العقل الباطن في الطبيعة.
اختفت النظرة العضوية والحيوية من عالم الطبيعة بدءًا من العصر الوسيط بسبب سيادة التصور الديني وفكرة الخلق من العدم. لم يَعُد عقل الطبيعة هو الذي يسيرها، بل العقل الإلهي الذي أخرج العالم من ظلام العدم إلى نور الوجود، مما جعل الطبيعة بل الكون بأكمله مرهونًا بالإرادة الإلهية. لقد رأت مشيئة الله — التي هي خيرة في ذاتها — أنه من الأفضل أن يخلق العالم من أن يظل عدمًا، فكانت هذه هي فلسفة الطبيعة التي سادت العصور الوسطى وتبناها المفكرون المسيحيون أمثال أوغسطين وتوما الأكويني، ثم جاء فكر عصر النهضة ليؤكد المفهوم المسيحي لخلق العالم، وليرسم صورة للطبيعة باعتبارها آلة لا عقل فيها. و«اعتمد العلم الطبيعي لعصر النهضة على تشبيه الطبيعة بوصفها شيئًا من صنع الإرادة الإلهية، بالآلات التي تُعدُّ من صنع الإنسان.»٥ وهكذا بدأ تجريد الطبيعة من سحرها ومن مغزاها الإنساني شيئًا فشيئًا إلى أن تفككت العلاقة بين الإنسان والطبيعة مع بدايات الفلسفة الحديثة ونشأة العلم الحديث.
اتسعت الفجوة بين الإنسان والطبيعة بشكل لا تُخطئه عينٌ مع الثنائية التي اتسم بها الفكر الديكارتي وطبعت العصر الحديث — والعصور التالية له — بطابعها عندما وضع الذات في مقابل عالم الأشياء، وبذلك عزل الإنسان عن الطبيعة عزلًا تامًّا، وسار كلٌّ منهما في طريقٍ موازٍ للآخر دون أن يلتقيا. وعلى الرغم من أنه حفظ للطبيعة استقلالها، إلا أنه جردها من طابعها السحري وقوتها الذاتية، وقدم نظرية للمعرفة قوامها العقل وغايتها «أن نجعل أنفسنا سادة ومسخرين للطبيعة.»٦ وبذلك أكد ديكارت صيحة بيكون — المبشر بالمنهج التجريبي في العصر الحديث — الذي نادى بأن المعرفة قوة يجب إخضاعها لمنفعة الإنسان وفائدته، ودعا إلى استخدام الملاحظة والتجربة لمعرفة قوانين الطبيعة من أجل السيطرة عليها، وممارسة السلطة على الأشياء والسيادة على العالم لتحقيق سعادة البشرية.

هكذا صاغ ديكارت في مستهل العصر الحديث نموذجًا معرفيًّا عقليًّا تزامن مع نشأة العلم الحديث، وتأسيس مناهج دقيقة للسيطرة العلمية على الطبيعة بفضل جاليليو وكبلر وغيرهما لإقامة علم طبيعي رياضي، ثم جاء إسحاق نيوتن الذي كان له الفضل في تفسير قوانين كبلر، ووضع أهم كتبه «المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية» عام ١٦٨٧م الذي تعود أهميته في تاريخ الفلسفة إلى أنه كان بداية انفصال العلم الطبيعي عن دائرة العلوم الفلسفية على عكس ما يوحي به العنوان. وانحصرت فلسفة الطبيعة منذ ذلك التاريخ في فرعين من فروع الدراسات الفلسفية: أحدهما فلسفة العلم الذي قصر اهتمامه على دراسة المناهج والمفاهيم والنظريات العلمية، والآخر علم الجمال الذي اختزل الطبيعة في إطار التجربة الفنية والجمالية، دون أن يركز أيٌّ منهما على مفهوم الطبيعة ذاته. بينما تحولت علوم أخرى مثل السياسة والأخلاق والاجتماع إلى الاهتمام بدراسة البيئة الاجتماعية دونما اهتمام بالبيئة الطبيعية.

أما على مستوى العلم الطبيعي الذي تطور بصورة هائلة في خط مستقيم بدءًا من الثنائية الديكارتية — التي أعلت من شأن العقل — فقد كان هذا إيذانًا باختفاء المفاهيم الكيفية للطبيعة التي طالما تغنَّى بها جوردانو برونو، وبداية اتفاق غير معلن على أن ما يمكن التعرف عليه هو ما ينتج رياضيًّا فحسب، وأن ما يفهم بشكل آلي هو فقط المفهوم علِّيًّا، وحجبت القوانين الآلية للعلم الطبيعي والميكانيكا الكلاسيكية في القرن الثامن عشر العلاقة الجدلية بين الإنسان والطبيعة، وأصبح العقل الإنساني نفسه هو المشرع لقوانين الطبيعة عند كانط، وارتبطت النزعة الآلية الطبيعية ارتباطًا وثيقًا بالتقنية، ولكن هذه الآلية زادت الطبيعة فقرًا، فقد وقف العلم «عاجزًا عن تفسير الطبيعة بمصطلحات العلل الغائية.»٧ وصار العلم والتقنية اللذان تطورَا منذ بدايات العصر الحديث والثورة الصناعية «غريبَين غربة تامة عن خصائص الطبيعة، وعن معناها الحقيقي، كما أن الفكر الحسابي الذي يتجه إلى تكميم كل شيء قد حجَّر وشيَّأ كل شيء لمستْه يداه»،٨ ومما لا شك فيه أنه قد تم منذ عصر التنوير تجريد الطبيعة من سحرها وبلغت ذروة هذا الجريد في عصرنا الحاضر.
ثبت عصر التنوير فكرة أساسية مفادها أن الإنسان هو محور الكون، وهي الفكرة التي ورثها من العصر المسيحي الوسيط، وعلى الرغم من أن عصر التنوير قد ثار على الفكر الديني، وحاول أن يتحرر من أسْره، إلا أنه استبقى الفكرة التي تقرُّ بأن للإنسان وضعًا خاصًّا بين المخلوقات الأخرى في الطبيعة. لقد رسخت الديانة المسيحية في الأذهان أن الله خلق البشر على صورته ليكونوا حالة خاصة بين الكائنات الأخرى غير الشبيهة بالله. وأكدت الديانة الإسلامية أيضًا هذا التميز للإنسان على سائر المخلوقات الأخرى في قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا.٩ وورث عصر التنوير هذه الفكرة لا ليؤكد جانبها الديني، وإنما للتدليل على تميز الإنسان وتفوقه العقلي على سائر الكائنات. ولعل عبارة كانط التالية تلخص فكر التنوير بأكمله. «أن الإنسان هو الكائن الوحيد على الأرض الذي يملك العقل أو الفهم، وهو على يقين سيد الطبيعة بلا نزاع، وإذا نظرنا إلى الطبيعة باعتبارها نسقًا غائيًّا متكاملًا، فقد ولد الإنسان ليكون الغاية النهائية لها.»١٠ وهذا النص يؤكد ارتباط ثلاثة عوامل أساسية رسخت المركزية البشرية ألا وهي العقل، والسيادة أو السيطرة، والغائية. فقد استطاع الإنسان بفضل العقل أن يسيطر على الطبيعة ليصبح هو محور الكون وغايته، أو محور الدائرة ومركزها. وكانت هذه أيضًا هي الفكرة التي أكدها فرويد في معرض كلامه عن التسامي بالعدوان البشري بالتوجه ناحية المجال الحيوي، وبعيدًا عن البشر الآخرين، فلكي «يصبح الإنسان عضوًا في المجتمع البشري، عليه أن يتوجه — بمساعدة التقنية المسترشدة بالعلم — لمهاجمة الطبيعة وإخضاعها للإرادة البشرية.»١١
إن فكرة استخدام القوة العقلية للعلم لقهر الطبيعة وغزوها بالحرب أو الإخضاع — كما ترى ماري ميدجلي — ظلت فكرة عادية تمامًا عند العديد من المفكرين، على الأقل في كل من العالمين الرأسمالي والشيوعي، ولعل النص الذي أوردته يؤكد هذا الرأي: «يسهل التنبؤ بأنه في المستقبل، عندما يبلغ العلم والتقنية الكمال الذي لا يمكن تخيله، ستصبح الطبيعة كالشمع الطيع في يد الإنسان، حيث سيكون قادرًا على أن ينطلق في أي شكل يختار»،١٢ وليست الإنجازات العلمية والتقنية هي وحدها التي ساعدت على السيطرة على الطبيعة، وإنما التقدم في الدراسات التاريخية، التي مجدت الإنسان باعتباره صانع التاريخ ومحقق الإنجازات البشرية، قد ساعد أيضًا على اتساع الفجوة بين الإنسان والطبيعة. ولعل كل هذه المظاهر أو السمات المعبرة عن المركزية الإنسانية هي وليدة فلسفات الذات والنموذج المعرفي الذي وضعه ديكارت — كما سبق القول — وجعل الذات في مقابل عالم الأشياء، بحيث انتهى هذا النموذج العقلي بعد سلسلة طويلة من التطورات إلى عقلانية أداتية، وإلى نوع من التقنية المدمرة التي قال عنها هيدجر في مقاله الشهير عن التقنية «إن التقنية أو الصنعة هي الفاعلية العنيفة للمعرفة»، ولقد أدت التقنية طبقًا لهذا النموذج إلى غزو وحشي للواقع، وأصبحت الذات «متجردة من كل دور أخلاقي وسياسي وجمالي؛ لأن دورها مقصور على الملاحظة «المحضة» والقياس والحساب المحض»،١٣ كنتيجة طبيعية لسيادة النظر إلى الطبيعة نظرة كمية مكنت من السيطرة عليها. ومع أننا بطبيعة الحال لا نرفض هذا الجانب الكمي الذي ساعد على تقدم العلوم الطبيعية تقدمًا هائلًا، إلا أن من الضروري ألا يغيب عن بالنا أنه جانبٌ واحد فقط من جوانب الواقع، ولا يستوعب كل جوانبه.
هكذا «ازداد الاعتراف بعظمة الإنسان، لا بمعنى قدرته على الإحساس بالوعي الذاتي، ولكن بوجه خاص لما عنده من قدرة عقلانية وقدرة على السيطرة على الطبيعة»١٤ إلى الحد الذي أفضى إلى تدمير البيئة الطبيعية وخلق مشكلات بيئية ناجمة عن سوء استغلال الإنسان للطبيعة ومواردها. وإذا بالتقنية — التي كانت تهدف في البداية إلى سعادة الإنسان ورفاهيته — تتحول إلى عامل مدمر يهدد حياة الإنسان وبقاءه. وإذا بالتقدم العلمي نفسه يُلقي بشكوكه حول طريقة التفكير نفسها، كما أن وجهات النظر العلمية التي كانت تؤكد النزعة المركزية الإنسانية أصبحت هي نفسها موضع شك، كما أصبحت فكرة الغاية النهائية للكون غريبة على العلم الحديث شأنها في هذا شأن الفكرة الأخرى التي تُثبت الإنسان في مركز الكون. ومن مفارقات العلم أن تأتيَ العلوم الحديثة لتحذرنا وتُثبت خطأ المركزية الإنسانية التي تزعم أن الإنسان هو الهدف الأول من خلق العالم؛ فعلم الفلك يُثبت أن الكون ليس له مركز فيزيقي وليس هناك ما نُطلق عليه فوق أو تحت، وإنما هناك كون أشبه بالمسرح العظيم الاتساع في مكان وزمان لا متناهيين تتحرك فيه الكائنات البشرية بشكل غير مدرك بالحس مثل الحشرات والبكتريا على أحسن تقدير.
ويُعلمنا علم الأحياء أن الكائنات البشرية من بين الكائنات الحية التي ظهرت على مسرح الكون، ولكن ظهورها كان متأخرًا، وربما تكون قد وصلت إلى خشبة المسرح بالمصادفة البحتة، بمعنى أنه ربما لم يكن الإنسان — كما يفهم من بعض العلوم الحديثة — هو الغاية النهائية للطبيعة أو تاج الخليقة كما هو مأثور في التراث الديني وفلسفة العصر الوسيط، ولم تكن هذه الكائنات البشرية أبدًا على صورة الله كما تقول المسيحية. ثم يضيف علم الجغرافيا أن القارات التي اعتدنا التفكير فيها على أنها ثابتة وراسخة في مسرح الكون إنما هي متحركة. وفي الآونة الأخيرة يأتي علم الأيكولوجيا ليُخبرنا أننا لا نشكل الشمع في أمان كما تفعل الطبيعة ليلبيَ احتياجاتنا، ومن المرجح ألا نتمكن من ذلك أبدًا، بل على العكس من ذلك فإننا دائبون على تحطيم فروع الشجرة التي نجلس عليها، ولن نتوقف عن هذا إلا إذا استجبنا للمبادئ الداخلية التي تحكم الطبيعة بدلًا من محاولة تدميرها بأدوات ابتكرناها بأنفسنا. والمفارقة التي قد تبدو كوميدية أو تراجيدية — حسبما تنظر إليها — هي أن العلم الذي طالما بدا لؤلؤة أو جوهرة متألقة في تاج سيد الطبيعة بلا نزاع، قد انقلب إلى فأس يضرب الأرض تحت عرشه ويهدمها.١٥

هذه المفارقة العلمية وضعت الإنسان في مأزق، وولدت مشاعر متضادة بين شعوره المتضخم بأهميته الهائلة على مسرح الحياة من ناحية، وضآلته وتفاهته في الكون من ناحية أخرى، كما أحدثت فجوة عميقة بين نزعة إنسانية ركز أصحابها كل جهودهم لجعل الإنسان هو كل شيء بزعم أهمية النوع البشري وتبوئه مركزًا أساسيًّا بين المخلوقات الأرضية، وبين علوم ودراسات حديثة لا ترى الكائنات البشرية سوى دُمى مرتعشة أو أسراب نمل أو بكتريا ظهرت صدفة أو اتفاقًا على خشبة المسرح الكوني. وربما لن يستطيع الإنسان سد هذه الفجوة في الحالين. إذا أصر من ناحية على أن يكون كل شيء، أو إذا استسلم من ناحية أخرى لنتائج العلوم الحديثة، فأصبح لا شيء. فكيف الخروج من هذا المأزق.

لن يكون الخروج من هذا المأزق إلا إذا تحرر الإنسان من الفكر الذي أفضى به إلى هذا التضاد، وتبنَّى فكرًا جديدًا يضع الإنسان في حجمه الصحيح، وينظر إلى الطبيعة بوصفها ذاتًا مستقلة، لا مجرد وسيلة لإشباع رغباتنا وتلبية احتياجاتنا. ومعنى هذا أنه لن يكون لنا خلاص من هذا المأزق إلا برؤية راشدة جديدة للعالم، بمعنى آخر هناك حاجة ملحة لإيجاد نموذج معرفي جديد يمكن أن يهتديَ بالنموذج المصاحب للثورة العلمية عند توماس كون، الذي يؤكد أن كل ثورة علمية لا بد أن يصاحبها نموذج إرشادي Paradigm مغاير للمعرفة العلمية السابقة على هذه الثورة. وعلى الرغم من أن كون قد استخدم مصطلح النموذج الإرشادي بمعانٍ عديدة ومختلفة، إلا أنه أكد على المعنى السوسيولوجي للمصطلح، وهو أنه: «يعبر عن جماع المعتقدات والقيم المتعارف عليها والتقنيات المشتركة بين أعضاء مجتمع بذاته.»١٦ مما يتيح للجماعة العلمية الملتزمة بهذه النماذج الإرشادية حل بعض المشكلات التي تواجه المجتمع العلمي. ذلك أنه «عندما تتغير النماذج الإرشادية يتغير معها العالم ذاته … إن التحولات التي طرأت على النماذج الإرشادية تجعل العلماء بالفعل يرون العالم الخاص بموضوع بحثهم في صورة مغايرة. وطالما أن تعاملهم مع هذا العالم لا يكون إلا من خلال ما يرونه ويفعلونه، فقد تحدونا رغبة في القول بأنه عقب حدوث ثورة علمية يجد العلماء أنفسهم يستجيبون لعالم مغاير.»١٧ إن المجتمع الذي يقصده كون هو المجتمع العلمي، وما يسري على العلم باعتباره فرعًا من فروع المعرفة، لا بد أن يسري بالضرورة على مجالات أو فروع المعرفة الأخرى، وبهذا المعنى يمكن لنا أن نتلمس الطريق إلى نموذج معرفي جديد يساعدنا على تغيير جذري في الوعي لإعادة تقييم موقفنا من الطبيعة. وإذا كان النموذج المعرفي السابق قد تمخض عن جعل البشر الكائنات الوحيدة القادرة على التقييم، بمعنى أنه جعلهم يقيمون البيئة الطبيعية تقييمًا أداتيًّا خالصًا لتلبية مصالحهم الذاتية، فإن هذا النموذج قد وضع أسسًا معرفية كان لها أثرٌ سلبي على البيئة الطبيعية، وجردها من أية قيمة خاصة بها، كما قطع العلاقة الحميمة والمتوازنة التي كانت تربط الإنسان بالطبيعة في العصور الماضية.

(٢) نموذج معرفي جديد للخروج من أزمة الإنسان مع بيئته

ليس هدفنا من الكلام السابق أن يجرنا إلى الحديث عن ذاتية القيم أو موضوعيتها، فهذا أمر لم يحسمه التاريخ الطويل لعلم الجمال، وإنما نريد أن نؤكد النقطة الهامة في هذا الموضوع، وهي أن الإنسان هو الكائن الذي باستطاعته إدراك قيمة الأشياء بصرف النظر عما إذا كانت هذه القيمة نابعة من الذات المدركة (أي الإنسان) أو من الشيء المدرك (أي البيئة الطبيعية). وإذا صح أن الإنسان لا يستطيع أن يحيا بلا قيمة، فمن الصحيح أيضًا أن الأشياء الطبيعية لا يمكن أن تحيا بدون أن يكون لها قيمة في ذاتها. بمعنى آخر إذا كان الكائن البشري له قيمة، وهو جزء من إبداعات هذه الأرض، فإن الأرض بكل ما فيها وما عليها ينطق بالقيمة. وإذا لم يكن هذا صحيحًا، فكيف يُثمر ما هو عديم القيمة (الأرض) كائنًا (كالإنسان) له قيمة في ذاته، بل وله القدرة على التقييم. وما دمنا نعيب على النموذج المعرفي السابق أنه أدى في نهاية الأمر إلى إخضاع البيئة الطبيعية وقهرها بالعلم، ونطالب بنموذج آخر جديد يُنصت إلى صوت الطبيعة، ويعيد الاعتبار لقوانينها ونواميسها الداخلية، فلا بد أن يتخذ هذا النموذج موقفًا أكثر إنصافًا من البيئة الطبيعية، وأعمق إيمانًا بأن لها قيمة كامنة فيها وليست متوقفة على الإدراك كما يقول باركلي على سبيل المثال.

وربما يكون هذا الموقف الجديد قد عبر عنه أصدق تعبير عنوان كتاب بول تيلور Paul W. Taylor «احترام الطبيعة» الذي يؤكد أنه الموقف الوحيد الملائم لنظرة الإنسان إلى الطبيعة. فإذا كان النموذج السابق ينطلق من الاعتقاد في «النزعة المركزية الإنسانية»، فلا بد أن يأتي النموذج الجديد باعتقاد مختلف يقوم على «النظرة الحيوية إلى الطبيعة» التي ترتكز على احترام البيئة الطبيعية باعتباره «الموقف الأخلاقي الأساسي». هذه النظرة الحيوية المركزية إلى البيئة الطبيعية — من كونها رصيد البشرية وميراثها الذي ينبغي صيانته — هي التي تفسر وتبرر اتخاذ الإنسان لذلك الموقف الأخلاقي الذي ينعكس إيجابًا عليه. ويثير هذا الموقف قضية هامة، وهي مسئولية الإنسان الأخلاقية تجاه البيئة الطبيعية، وضرورة أن يأتي النموذج المعرفي الجديد متضمنًا نزعة أخلاقية متمركزة من حول البيئة الطبيعية في مقابل النزعة الأخلاقية السابقة المتمركزة من حول الإنسان، لإيجاد نوع من التناغم والانسجام بين الأخلاق البيئية (أي المتعلقة بتقييم القدرات البيئية وإمكاناتها) والأخلاق الإنسانية التي ينبغي أن تُقنن بيئيًّا.
وبطبيعة الحال، فإن الحديث عن الأخلاق البيئية يفترض بشكلٍ مسبق أن للطبيعة أو للمحيط البيئي بصفة عامة قيمة باطنة، من هنا يتبين لنا أن مشكلة النموذج المعرفي الجديد تعبر عن أزمة قِيَم، وأن بقاء البيئة الطبيعية وقدراتها على العطاء المتواصل مرتبط بتغير قيمنا تجاه البيئة من ناحية، والاعتراف من ناحية أخرى بأن للبيئة الطبيعية أيضًا قيمة باطنة مستقلة عن العقل الذي يقيمها. وقد تبدو هذه نظرة رومانسية إلى الطبيعة باعتبارها ذاتًا أو آخر، خاصةً وأن هناك مَن ينكر أن يكون للبيئة الطبيعية قيمة خارج العقل. فها هو وليم جيمس يُعلن في بداية القرن العشرين: «أن العالم بدون عقل المدرك ليس فيه جزءٌ واحد يفوق في أهميته أيَّ جزء آخر. وبدون عقل المدرك يبدو كل شيء سلبًا ومواتًا. وأيًّا كانت القيمة التي تبدو مشحونة بها عوالمنا، فما هي في الواقع إلا هدايا خالصة أضفاها عليها المدرك.»١٨ ثم هناك أيضًا في نهاية القرن العشرين مَن يعتقدون «أن علماء الأخلاق المهتمين بشئون البيئة قد ضلوا طريقهم بالبحث عن القيمة في الكائنات الحية مستقلة عن التقييم البشري، فقد أغفل هؤلاء الفكرة الأساسية في عملية تقييم أي شيء وهي حدوثها من وجهة نظر الشخص الذي يقوم بالتقييم، وأن البشر وحدهم هم الذي يخلعون القيمة على الأشياء.»١٩ والحقيقة أن المشكلة ليست في النظرة الرومانسية إلى الطبيعة، ولا في النظرة الذاتية التي تجعل الإنسان مصدرًا للقيمة؛ لأن كليهما سيجعل الإشكالية محصورة في دائرة محورها الإنسان. ولهذا يتعين علينا الآن أن نوضح أن القيمة كامنة في البيئة الطبيعية نفسها، وفي الكائنات الطبيعية ذاتها.

وقبل أن نتطرق للحديث عن هذا الجانب المتعلق بالقيم، فمن الضروري أن نؤكد أنه لا خلاف حول أهمية القيمة الموضوعية للعالم الطبيعي؛ لأن معرفة العالم معرفة موضوعية تساعدنا على اكتشاف ما فيه من قيم وإبداعات خلاقة، وبدون دراسة هذا الإبداع أو الجوانب الخلاقة في البيئة، سنصبح كمَن يُطلق قيمًا على عالم لم نعرف قيمته معرفة كافية. ولكيلا نُضفي على العالم قيمًا ذاتية أو قيمًا تمليها الصدفة، لا بد أن نعرف العالم نفسه معرفة موضوعية. وتبدأ معرفتنا بالعالم الطبيعي من خلال عمليتين أساسيتين: الأولى هي تطور الكائنات ومحافظتها على نفسها، وهي العملية التي تنم عن قيمة إبداعية، والثانية هي إدراك البشر لتلك القيم الموضوعية للطبيعة، والوعي بأن مَن يدركون هذه القيم هم أنفسهم جزء من نماذج الأرض المبدعة وثمرة نتاجها الطبيعي.

يؤكد القيمة الباطنة في البيئة الطبيعية ثلاث فرضيات أساسية: (١) فرضية نفي الغائية. (٢) فرضية الاستقلال. (٣) فرضية اللاتناسق. تقر الفرضية الأولى «أن الأرض (الطبيعة) لم تأتِ للوجود وتستمر فيه من أجل خدمة الأغراض البشرية، وبهذا المعنى ليس هناك غائية.»٢٠ وعلى الرغم من أن هناك جوانب في البيئة الطبيعية تمثل قيمة أداتية للجنس البشري مثل الطعام والملبس والمأوى، كما أن هناك جوانب أخرى من البيئة الطبيعية تمثل قيمة أداتية أيضًا للكائنات غير البشرية «النباتات يمكن أن تستفيد من الطبيعة غير الحية لتدعيم كمالها الوظيفي، وبهذا المعنى يكون ثاني أكسيد الكربون، والماء والحرارة والضوء المستمد من الشمس … إلخ ذات قيمة أداتية بالنسبة للنبات.»٢١ كما يحدث أيضًا نفس الشيء بالنسبة للحشرات التي تمثل أوراق النبات بالنسبة لها قيمة أداتية. فهل يعني هذا أن البيئة الطبيعية غير الحية وجدت من أجل تحقيق هذه الأغراض؟ لا شك في أنه سيكون من الخطأ القول إن الطبيعة وجدت أو ظهرت إلى الوجود من أجل تحقيق قيمة نفعية أو أداتية للحياة البشرية أو غير البشرية.
وتعبر فرضية الاستقلال عن القيمة الباطنة في البيئة الطبيعية من خلال بعض الخصائص الطبيعية التي يؤكدها تاريخ التطور الطبيعي الطويل ومنها: (١) أن الأرض نشأت مستقلة تمامًا عن البشر، وسابقة على وجودهم بما لا نهاية له من الدهور، بينما لم تظهر الحياة البشرية على مسرح الطبيعة إلا منذ ما يقرب من مائة ألف سنة. (٢) يمكن للنوع البشري أن يفنى لسبب أو آخر، بينما تبقى الأرض ومجالها الحيوي وتمتلئ بأنواع أخرى جديدة من الوجود (أو الموجودات). (٣) قدرة المجال الحيوي على أداء وظيفته بشكل كامل وسليم بغير عون أو مساعدة من البشر.٢٢ ويترتب على هذا أن نشأة البيئة الطبيعية واستمرارها في الوجود لا يعتمد على الوجود البشري، وأن كمال وسلامة أدائها الوظيفي مستقل تمامًا عن الإنسان، بل إن هذا الأخير قد عرض تلك السلامة للتدمير عندما شرع في التدخل في البيئة الطبيعية دون مراعاة نواميسها وقوانينها الداخلية، ويعني هذا أن الأرض ومجالها الحيوي لهما القدرة على الوجود والاستمرار، وأداء وظيفتهما بدون الاعتماد على البشر.
أما الفرضية الثالثة والأخيرة فهي التي تقرُّ بأنه «ليس هناك تناسق في الارتباط العلي بين البشر والطبيعة، فبينما يعتمد البشر على الطبيعة، بحيث لا يمكنهم أن يحيوا بمنأى عنها، فإن وجود الطبيعة وسلامة وظيفتها مستقلان عن الوجود البشري.»٢٣ ولدينا أيضًا في الفكر العربي ما يؤكد هذه الفرضية بشكل غير مباشر في تعريف ابن سينا للطبيعة: «الطبيعة هي المبدأ الفعلي أو الانفعالي الأول الدائم لحركة الجسم وسكوناته، من حيث إن الموجودات تتحرك وتسكن على نسق واحد، فتدل على أن فيها علة الحركة والسكون، وعلة اطرادهما، فالفعل الباطن واطراده (القانون) علامتان على الطبيعة.»٢٤ وربما يدل هذا التعريف على القيمة الباطنة في الطبيعة باعتبار أنها علة ذاتها، وتعتمد اعتمادًا ذاتيًّا لبلوغ كمالها الوظيفي. بهذا المعنى فإن البيئة الطبيعية غير الحية توجد من أجل ذاتها، وليس من أجل الإنسان وخدمة أغراضه، تمامًا كما وجد الإنسان من أجل ذاته، وليس من أجل الطبيعة، وإذا اعترفنا بأن للإنسان قيمة في ذاته؛ لأنه مخلوق لذاته، فلا بد أن نمنح البيئة الطبيعية نفس الحق ونعترف بأن لها قيمة كامنة في باطنها ما دامت قد وجدت لذاتها، ولا ينفي هذا ولا يقلل منه أن يجد فيها الإنسان منفعة له، ويكتشف فيها قيمة أداتية تحقق أغراضه.
ويؤدي الإيمان بالقيمة الباطنة في الطبيعة — من الناحية الفلسفية — إلى فكرة مفادها وضع الذات الطبيعية في مقابل الذات الإنسانية، وقد تبدو هذه الفكرة متشابهة مع النموذج المعرفي المتوارث من ديكارت، والذي وضع الذات في مقابل عالم الأشياء. وهو النموذج الذي نطالب بتغييره الآن، ولكن لا بد من التذكير بأن النموذج المعرفي الديكارتي إذا كان قد اعترف للعالم الطبيعي بوجوده المستقل عن عالم الذات، فهو لم يفعل هذا إلا لإثبات التفوق العقلي للإنسان والبرهنة على قدرة العقل على السيطرة على العالم الطبيعي — كما ورد في بداية هذا البحث — وهي الرؤية الفلسفية التي استمرت حتى هيجل عندما رفض الحركة الداخلية للطبيعة، ومنح للإنسان القدرة على التحكم في قوانينها عن طريق الدهاء، بحيث يحيل أعمالها العمياء إلى أعمال هادفة بعكس ما كانت تريده الطبيعة نفسها. ولا شك أن هذه الرؤية تعبر عن فلسفة الأنا والسيطرة المطلقة، وتسخير كل شيء للأنا البشرية. بينما تشكل فكرة ذات الطبيعة هنا موقفًا مختلفًا من الطبيعة، ليس نابعًا من السيطرة أو الهيمنة عليها. بل إن النظر إلى الطبيعة بوصفها ذاتًا يمكن أن يكون منطلقًا لرؤية ثورية جديدة للعالم تستمد غذاءَها من تراث صوفي طويل، وتحدوها الرغبة والشوق لإعادة السحر إلى العالم (كما في التراث الشرقي القديم الذي يتميز بانسجام الإنسان وتناغمه مع الطبيعة)، وربما تستند هذه الرؤية أيضًا إلى تراث رومانسي لا ينتقص من شأنها، فعندما فقد الإنسان رومانسيته فقدَ معها توازنه مع البيئة الطبيعية من حوله، وتحولت علاقة الانسجام مع الطبيعة إلى نوع من التعالي عليها. إن فكرة ذات الطبيعة تولد لدى الذات الإنسانية الشعور بالآخر، أي أن الطبيعة هي «الآخر» المختلف عنها. و«فكرة أخرية الطبيعة Otherness، أي انفصالها وتميزها عن المخلوقات البشرية أو عن المخلوقات التي تنتج الثقافة والتقنية، يؤكد فكرة القيمة الباطنة الموجودة في الطبيعة، كما أن إحساسنا بآخرية الطبيعة هو الذي يُثير فينا الاستجابة التي تمكننا من إضفاء القيمة عليها.»٢٥ من الصحيح إذن أن للطبيعة قيمةً باطنة في ذاتها، ومستقلة عن الإنسان، ومن الصحيح أيضًا أن البشر وحدهم هم القادرون على التقييم، ولكنهم لا يقيمون عالمًا بلا قِيَم، بل إن البيئة الطبيعية تعرض عليهم بغير شك ما يستوجب التقييم.
إن فكرة النظر إلى الطبيعة باعتبار أنها «الآخر» تتطلب تجاوز النظرة الإنسانية الضيقة التي تتمركز حول الإنسان وتضعه على قمة سُلَّم الموجودات (أو التسلسل الهرمي للموجودات)،٢٦ «فآخرية» الطبيعة التي تحدَّثنا عنها هي الأساس الوطيد لما يكمن فيها من قيمة باطنة. هذا بالإضافة إلى قيمتها الجمالية التي تدعم أيضًا قيمتها الباطنة؛ ففي الطبيعة خصائص (مثل التنوع والثبات، الجلال والجمال، الانسجام والرقة، الإبداع والتنظيم … إلخ) نلمس فيها القيمة الجمالية للطبيعة، والتي تساعدنا على إدراكها، وربما تكون هذه الخصائص ذاتها هي التي تساعدنا على إقناع الرافضين للقيمة الباطنة في الطبيعة، أي إقناعهم بقيمتها الجمالية الإيجابية التي هي الأساس الوطيد لما يكمن فيها من قيمة باطنة، ولعل أهم ما يميز القيمة الجمالية للطبيعة هي أنها تحققت بغير تصميم قصدي، وبدون تدخل هادف، وتنبع قيمة الطبيعة من أنها تطورت تطورًا طبيعيًّا بدون تدخُّل تكنولوجي. ويكشف علم الأيكولوجيا عن هذا التطور والعمليات الطبيعية المختلفة التي تؤدي إلى التنظيم الذي نلاحظه في الطبيعة، والذي هو أحد أسباب قيمتها الباطنة.

إن الإشكالية الحقيقية في علاقة الإنسان ببيئته الطبيعية هي أن نقول إن البيئة الطبيعية غير الحية يمكن أن يكون لها قيمة باطنة، وربما تقترب هذه الإشكالية من الحل عند الإقرار أو الاعتراف بأن البيئة الطبيعية الحية وغير الحية متداخلان، فكلٌّ منهما يتضمن الآخر بشكل لا مفر منه، فإذا ما اعترفنا بأن لأحدهما قيمة في ذاته، فلا بد أن ينسحب هذا الاعتراف — بطبيعة الحال — على الآخر، فكل ما حولنا له قيمة باطنة، ينطبق هذا على الطبيعة الحية وغير الحية على السواء، ولعل هذا هو الذي جعل بول تيلور يميز بين ثلاثة أنواع من القيمة.

(١) القيمة الباطنة Intrinsic Value وهي القيمة الإيجابية التي يضفيها البشر على حدث أو تجربة ما من حيث إمكان الاستمتاع بها في ذاتها ولذاتها. (٢) القيمة الملازمة لشيءٍ ما أو لمكانٍ ما أو المتضمنة في طبيعة الشيء نفسه Inherent Value، والتي تجعلنا نعتقد أن هذا الشيء أو هذا المكان ينبغي الحفاظ عليه لا بسبب قيمته النفعية أو التجارية، بل ببساطة لأنه جميل في ذاته أو له أهمية تاريخية أو دلالة ثقافية أو حضارية. (٣) الجدارة الكامنة في الشيء Inherent Worth، وهي التي لا تنبع فحسب من قيم يستمدها أو يضيفها عليه مَن يقوم بتقييمه، بل تقوم على حرية الشيء نفسه، ويكون هذا الشيء أو الكائن خيرًا إذا أمكن أن يوصف بالخير بغير إحالة إلى أي شيءٍ آخر. ومعنى هذا أن كون الشيء موجودًا يعطي له الجدارة أو الخيرية، وأن أي كائن سواء كان نباتًا أو حيوانًا، وباعتباره فردًا هو في الحقيقة يمثل غائية الحياة. وعلى هذا فإن «كل الأشخاص أو الكائنات الأخلاقية الذين لديهم وعيٌ أخلاقي عليهم واجب أولي في تنمية الحفاظ على خيرية الشيء، وتنميتها باعتبارها خيرًا في ذاته.»٢٧
وقد استطاع بول تيلور وفقًا للتحليل السابق لأنواع القيمة أن يحسم الصراع بين ما يمكن أن نُطلق عليه خير البشر، وخير ما هو غير بشري. فلكل شيء، حتى لو كان حزمة أعشاب — وفق القيمة الثالثة من التحليل السابق — جدارة كامنة فيه، ويستحق الاعتبار الأخلاقي، وكل إنسان يتخذ هذا الموقف الأخلاقي — وهو احترام الطبيعة — فإنما «يقر بمجموعة من المبادئ المعيارية، ويلزم نفسه بالتقيد بقواعد السلوك الصحيح ومستويات الخلق الطيب التي تتسق مع اتخاذ موقف الاحترام من الطبيعة.»٢٨ هكذا أصبح «الاحترام» هو الموقف الأخلاقي الجديد الذي ينبغي أن ينظر إليه بعين الاعتبار عندما نكون بصدد تأسيس أخلاق بيئية، وذلك بعد أن أوهمنا التقدم العلمي والتقني بأننا يمكن أن نتحكم في الطبيعة بالسيطرة عليها، مما جعل العلاقة بين الإنسان والبيئة الطبيعية تتسم لفترة طويلة من الزمن بنوع من التكبر والغطرسة من قِبَل الطرف الأول (الإنسان) تجاه الطرف الثاني (البيئة الطبيعية) بزعم المكانة المتميزة للنوع البشري، ولكن التطور قد أثبت — كما رأينا — عدم شرعية هيراركية (تراتبية) الموجودات. كما أن نشأة البيئة الطبيعية واستمرار وجودها وسلامة أدائها الوظيفي دون الاعتماد على البشر — كما سبقت الإشارة — يجب أن يحول موقف الإنسان منها من التكبر والغطرسة إلى التواضع والتهيب؛ لأنه في حضور الطبيعة «يجب أن تمتلئ نفوس البشر بالإجلال مع الهيبة والدهشة، الدهشة من أن ما نشاهده هو إلى حدٍّ كبيرٍ نوعٌ من الإعجاز، والتهيب ليس فقط لأن الطبيعة معجزة، بل لأنها تملك قوة تفوقنا وعليها يعتمد وجودنا.»٢٩ فكيف يتكبر الإنسان، ويترفع على مَن لا يعتمد عليه في وجوده وبقائه! هذا الشعور بالإجلال والاتضاع أمام البيئة الطبيعية هو الذي يُملي علينا أن نسلك حيالها السلوك الملائم، ألا وهو الاحترام.
ربما تصور البعض أن النظام الأخلاقي المتمركز حول البيئة يتضمن التزامات مختلفة عما يتضمنه النظام الأخلاقي المتمركز حول الإنسان، بينما لا يوجد في حقيقة الأمر تعارض أساسي كما رأينا في موقف تيلور المتمثل في إيمانه بضرورة تناسق أو انسجام الأخلاق البيئية مع الأخلاق الإنسانية. ولعل هذا الموقف أن يكون مشابهًا إلى حدٍّ كبيرٍ للموقف الأخلاقي الكانطي الذي طالما اتُّهم بأنه معادٍ للقيم الخاصة بالبيئة. وحجة القائلين بذلك «إن كانط يُعلي من قيمة الكائن الإنساني العاقل، بينما ينكر على الكائنات غير العاقلة أي اعتبار أخلاقي.»٣٠ولقد أثير هذا الاتهام بحجة أن كانط يقصر المواقف الأخلاقية على البشر باعتبارهم الفاعلين الأخلاقيين أو القادرين على الفعل الأخلاقي مما يترتب عليه أن يقتصر على الكائنات القادرة على أداء الواجب، وتُستثنى منه الكائنات غير العاقلة.
ويحاول أحد الباحثين الرد على هذا الاتهام بقوله إن المهتمين بأخلاق البيئة لم يتدبروا هذا الأمر بشكلٍ كافٍ؛ لأنهم «فهموا من الواجبات المباشرة أنها متضايفة مع الحقوق، ومن ثم يكون الاعتراض على الأخلاق الكانطية هو أنها تنفي عن الكائنات غير العاقلة أيَّ حقوق طالما أنها عاجزة عن القيام بأي واجبات.»٣١ وحقيقة الأمر أن الاتهامات الموجهة إلى الأخلاق الكانطية المتمركزة حول الإنسان أثارت تساؤلات هامة عن معنى الموقف أو الاعتبار الأخلاقي نفسه، فلم تركز الأخلاق الكانطية على مَن يقع عليهم الفعل الأخلاقي في مقابل الفاعل الأخلاقي العاقل.
ولكن هل يعني عدم وجود التزام أخلاقي نحو الكائنات غير العاقلة — مثل الحيوانات على سبيل المثال — هل يعني هذا أن نؤذيَها أو نظلمَها؟ الواقع أن كانط لم يقصد ذلك على الإطلاق؛ لأنه كما يقول في محاضراته في الأخلاق: «إن واجباتنا تجاه الحيوانات هي مجرد واجبات غير مباشرة تجاه الإنسانية»، ثم يستطرد بذكر هذا المثال: «إذا ضرب رجل كلبًا بالرصاص، فإنه لم يخطئ في واجبه نحو الكلب؛ لأن الكلب لا يستطيع أن يحكم، ولكن فعله (أي القتل) غير إنساني، ويدمر في نفسه أو ذاته تلك الإنسانية التي من واجبه أن يُبديَها نحو البشر.»٣٢ وهناك من يستشهد بهذه العبارة لإثبات تحيز الأخلاق عند كانط، وتمركزها حول الإنسان. ومما لا شك فيه أن هذا الرأي صحيح إلى حدٍّ كبير؛ فالأخلاق الكانطية هي ذروة المركزية الإنسانية التي يعارضها هذا البحث، حتى لو انتهت عنده بما يوحي بأنها إرهاصات بأخلاق بيئية، فهذا ما لم يقصده كانط صراحةً أو بشكل مباشر (على الإطلاق). وإيمانه بأن واجباتنا تجاه الحيوانات هي واجبات غير مباشرة تجاه الإنسانية لم يكن إلا من منطلق هذه المركزية الإنسانية التي لم يحاول إخفاءها أو الالتفاف حولها. فالأخلاق الكانطية هي بلورة لأفكار عصر التنوير بأكمله، وإن كان هذا الموقف لم يمنعه من الوقوف من الطبيعة موقف التواضع والاحترام، وإذا كان هذا هو الموقف الذي نسعى إليه في تأسيس أخلاق بيئية، فلا نزعم أن كانط كان معنيًّا بتأسيس تلك الأخلاق التي ننشدها؛ لأنه لسبب بسيط لم تكن في زمنه مشكلة للإنسان مع بيئته؛ إذ لم تظهر بوادر هذه الأمة إلا في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين إلى أن تفجرت في العقود الأخيرة منه. وأيًّا كان الرأي في الأخلاق الكانطية تجاه الكائنات غير العاقلة، فلا يمكننا أن نتغافل عن شعور كانط بالرهبة والإجلال أمام الطبيعة، وليس أدل على ذلك من العبارة المحفورة على قبره،٣٣ والتي تعني أن الطبيعة لها قيمة باطنة في ذاتها، وإن كانت واجباتنا ناحيتها غير مباشرة؛ لأننا إذا دمرنا الطبيعة، فهذا يعني تدمير طبيعتنا البشرية ذاتها التي هي جزء من الطبيعة ككل.
والواقع أن التاريخ قد أثبت صدق فكرة كانط — بدون أن نشغل أنفسنا بالحاملين للاعتبار الأخلاقي عنده — عما يعنيه تدمير البيئة الطبيعية من تدمير للطبيعة البشرية ذاتها. ومما لا شك فيه أن المشكلات البيئية المعاصرة التي نجمت عن سوء استغلال الإنسان للبيئة ومواردها الطبيعية قد تمخض عنه تدمير مقومات الحياة الإنسانية ذاتها. أضف إلى ذلك المخاطر التي أصبحت تهدد كوكب الأرض، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في علاقتنا بهذا الكوكب الذي تتوقف عليه حياتنا؛ لأن البشرية «منذ فجر التاريخ تواجه حقيقة مفادها أننا نعيش على الكوكب الوحيد الذي يستطيع أن يعول الحياة.»٣٤ ويفسر هذا علاقة التبعية المتبادلة بين البشر وكوكب الأرض، وكيف انعكست عواقب النشاط البشري على البيئة الطبيعية، وكيف أثرت التغيرات الطبيعية بدورها على المجتمع البشري.
يبدو مما سبق أن إدراك القيمة الباطنة في البيئة الطبيعية ينصب على كوكب الأرض، ربما لأن الأنظمة الأرضية لها نوع من التميز والتفرد لارتباطها بالحياة الإنسانية التي نشأت فوقها، وربما لا تكون الأرض هي الكوكب الوحيد الذي يحتوي على أشياء لها قيمة، ولكنها بغير شك الكوكب الوحيد الذي نعلم حتى الآن أن به بيئة ومجالًا حيويًّا وحياة عضوية تسمح بالحياة عليه، ولكن تقييم الإنسان للأرض عادةً ما يكون تقييمًا أداتيًّا وفق مصلحته الذاتية، ومن منطلق أن الأشياء والأحداث الطبيعية تسهم في إشباع الرغبات والمصالح الإنسانية. ولذلك فإن الاعتقاد بأن للأرض قيمة باطنة يبدو كأنه نوع من البرهنة على المحال؛ فالأرض ليس لها قيمة في حد ذاتها، ولكنها استمدت هذه القيمة من اندماجها في نظامٍ بيئيٍّ متكامل سمح بنشأة الإنسان من جزئها العضوي، وظهر على سطحها عندما أثمرت الأرض أكثر ثمراتها تعقيدًا وهو الإنسان العاقل. كما أنها — أي الأرض — لم تستمد قيمتها من ارتباط تاريخها الطبيعي بالتاريخ البشري الذي جاء متأخرًا عنها بآلاف السنين. بهذا المعنى فإن البرهنة على القيمة الباطنة للأرض ونظامها البيئي ليس نوعًا من البرهنة على المستحيل، لكن ماذا بعد أن أثبت العلم أن الكونيات الحديثة برهنت على أننا نحيا في كون لا نهائي لا مركز له أو محيط؟ وبعد أن أصبح واضحًا «أننا لا نسكن في مركز متميز من الكون، بل في كوكب ضئيل على أطراف مجرة متواضعة تضم مائة ألف مليون مجرة على الأقل في القطاع الذي نسكنه من الكون، أو ما يُعرف بالكون المنظور أو المرصود؛ إذ لا يمكننا أن نلمَّ بحجم الكون كله.»٣٥ فهل يحق لنا الآن أن نعطيَ كل هذه الأهمية لكوكب الأرض وهو مجرد جزء ضئيل من الكون اللانهائي؟ وهل يوجد في الكون جزءٌ له أهمية أكثر من أي جزء آخر؟ إذا صح ما سبق قوله بأن كل ما يوجد لذاته، وينشأ ويستمر بشكل مستقل، وبدون الاعتماد على شيء آخر، له قيمة باطنة، فكل ما في الكون ينطوي على قيمة داخلية أو كامنة فيه.
ولكن الأرض ومجالها الحيوي هي الكوكب الوحيد الذي يوفر أو تتوافر فيه بيئة صالحة للحياة، وهذه البيئة ليست مجرد نظام بيئي، بل مجموعة ضخمة من النظم البيئية التي تتداخل فيها الطبيعة الحية وغير الحية، ولا تبدو الطبيعة «كركام تنتشر داخله أنواعٌ عديدة منهمكة في التنافس بضراوة أو يلتهم بعضها البعض الآخر، بل كمكان رمزي منظم وعامر بالمعاني التي تتيح لكل نوع إمكانية الحياة في أحسن ظروف ممكنة»،٣٦من هنا تأتي أهمية تأسيس أخلاق بيئية مرتبطة بالأرض، ولا بد أن تكون هذه الأخلاق هي الركيزة الأساسية في النموذج المعرفي الذي أصبح مطلبًا ملحًّا يستحق أن تتضافر الجهود لوضعه.
إن مفهوم البيئة Environment باعتبارها الوسط أو المحيط الذي ينشأ فيه الكائن، يشير إلى المجال الذي يُضفي على حياتنا الدلالة والمعنى a field of Significance، كأن يشعر شخص ما (أو حيوان) بالألفة والانتماء إلى الوطن أو إلى موضع معين من البيئة.٣٧ويفرض هذا المفهوم على الإنسان التزامًا أخلاقيًّا تجاه بيئته التي تمثل له ميدانًا ذا دلالة ومعنى، ولا يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل يفرض عليه أيضًا نفس الالتزام الأخلاقي تجاه المجالات الأخرى التي تحمل دلالة ومعنى للكائنات الأخرى من أجل توفير بيئة ملائمة للعيش، بعد أن غدت البيئة ملكًا مشتركًا لجميع أعضائها، مما جعل صيانة المحيط البيئي أو المجال الحيوي مطلبًا أساسيًّا لاستمرار الحياة الإنسانية، خاصةً بعد أن أصبحت البشرية تواجه مشكلات حرجة مع بيئتها كاتساع ثقب الأوزون، وتركُّز ثاني أكسيد الكربون في الجو، وارتفاع درجة حرارة الأرض، وجرف التربة وما ترتب عليه من تدهور الأراضي الزراعية وما نتج عنه من مجاعات في أنحاء كثيرة من المعمورة، وتغير المناخ الذي أدى إلى فيضانات عارمة في أنحاء من العالم يقابله الزحف الصحراوي أو التصحر في أماكن أخرى، وفناء العديد من الأنواع والسلالات النباتية والحيوانية، وتدمير الغابات، واستنفاذ موارد الطاقة، والتلوث الذي طال الماء والهواء على السواء، والنمو السكاني المتزايد الذي يهدد التوازن الطبيعي وغيرها من كوارث بيئية عديدة.
إن هذه الكوارث البيئية العديدة والمتنوعة التي حدثت في أنحاء متفرقة من العالم خاصةً في النصف الثاني من القرن العشرين بفضل التقدم العلمي والتقني. هذه الكوارث قد لفتت الانتباه إلى أهمية المسئولية الأخلاقية عن البيئة؛ لأنه عندما تخلى الإنسان عن مسئوليته تجاه الطبيعة أصبح قوة مدمرة لها بدلًا من أن يكون قوة معمرة. ومن ثم فإن «اتخاذ القرار بشأن صيانة المحيط الحيوي لا يمكن تأجيله أو تجاهله أمام هذه المشكلات»،٣٨ والمعايير التي نحتاجها لإنقاذ الجنس البشري هي نفس المعايير المطلوبة لإنقاذ بقية المجال الحيوي، إذ لا يوجد قارب نجاة يمكن أن ينقذ الجنس البشري وحده. فالبشر ليسوا أسمى من الكائنات التي تشاركهم نفس البيئة. ولذلك نجد أنه من الضروري الأخذ بالمبادئ الأربعة الأساسية التي أقرها تيلور في هذا الشأن، وتستحق أن نعود لتأكيدها بشيء من التفصيل:
  • (١)

    الاعتقاد بأن البشر أعضاء في مجتمع الحياة الأرضية بنفس المعنى ونفس الظروف والشروط التي تكون بها بقية الكائنات الحية أعضاء في نفس المجتمع.

  • (٢)

    الاعتقاد بأن أفراد النوع من الكائنات الحية الأخرى هي عناصر مكملة في نظام يعتمد كل عنصر فيه على الآخر، بحيث إن بقاء كل كائن حي على قيد الحياة أو رضاءه أو شقاءه لا يتحدد فقط بشروط البيئة الطبيعية، وإنما يتحدد كذلك بعلاقاته بغيره من الكائنات الحية.

  • (٣)

    الاعتقاد بأن كل الكائنات العضوية هي غايات في ذاتها، وأن كلًّا منها كيان متفرد، ويسعى إلى تحقيق خيره الخاص بوسائله الذاتية.

  • (٤)
    لا لزوم للاعتقاد بأن الجنس البشري أسمى من غيره من الكائنات الحية الأخرى.٣٩
من كل ما سبق يتضح أنه ليس أمام المجتمع البشري سوى طريقين لا ثالث لهما، إما إنقاذ وحماية وصيانة البيئة الطبيعية كمتطلب لاستمرار الحياة البشرية، أو مواجهة الكارثة المحققة إذا أغفلنا أو تغافلنا عن إدراك الحجم الحقيقي لمشكلات البيئة. فالحفاظ عليها (أي البيئة) أصبح مسئولية عامة ومشتركة بين الأفراد والدول والحكومات والمنظمات غير الحكومية والشركات المتعددة الجنسيات أو العابرة للقارات؛ لأن هذه المؤسسات لا تتعامل مع بيئتها التنظيمية الداخلية فحسب، بل مع البيئة الطبيعية ذاتها، ولأن مثل هذه الأمور الداخلية والخارجية يجب التعامل معها كأمور متعلقة «بالوعي المشترك الذي يتطلب تخطيطًا طويل الأجل يقوم على العناصر الأخلاقية والاجتماعية التي تعتمد عليها العقلانية والاحترام، وهما اللذان يؤلفان العنصرين الفلسفيين اللذين يتكون منهما الوعي المشترك. فالعقلانية عنصر أخلاقي موجَّه توجيهًا ذاتيًّا تحدد أي جماعة من خلاله أهدافها وسبل تحقيق هذه الأهداف عن طريق الاختيارات العقلية المحسوبة بدقة (…) أما الاحترام فهو — كما رأينا من قبل — عنصر أخلاقي موجَّه نحو الآخرين، ومن خلاله تحدد الجماعة علاقتها برؤى الآخرين وحاجاتهم في نطاق قدراتها التنظيمية.»٤٠ ويمثل العنصران السابقان أساس المسئولية المشتركة.

(٣) الوعي البيئي والمسئولية الأخلاقية

إن الوعي البيئي هو الذي يحدد المسئولية الأخلاقية المشتركة تجاه البيئة الطبيعية من ناحية، والمجتمع البشري من ناحية أخرى. فمما لا شك فيه أن الأخلاق هي أحد الأبعاد الأساسية — التي لا يمكن الاستخفاف بها — في مشكلة الإنسان مع بيئته الطبيعية، فالأخلاق هي جزء من البيئة الاجتماعية أو النسيج الاجتماعي الذي يعمل فيه الفاعلون الأخلاقيون الذين لديهم وعيٌ بالقواعد والممارسات الأخلاقية المسموح بها، مما يترتب عليه أن الأخلاق جزء من المجتمع البشري ومرتبطة أشد الارتباط بما يفعله البشر، وما ينتج عن هذا الفعل من تأثير على حياتهم البشرية من ناحية، وعلى المحيط البيئي من حولهم من ناحية أخرى. ولكي تغدوَ البيئة الملائمة للعيش — التي تحدثنا عنها سابقًا — ليست فقط كلامًا نظريًّا، بل إجراءات عملية لحماية الإنسان من الهواء الملوث الذي يتنفسه، ومن المؤثرات السرطانية في الماء الذي يشربه … إلخ، فإن حماية البيئة من أجل بقاء الجنس البشري تتضمن «عملية إنقاذ لها ثلاثة أبعاد: البعد الأول هو إنقاذ الكوكب من الكوارث البيئية المتعددة. والبعد الثاني هو إنقاذ الجنس البشري من الأشكال المختلفة من التدمير الذاتي الذي أصبح ممكنًا من خلال التطور التكنولوجي، أما البعد الثالث فهو تحقيق العدل الاقتصادي والاجتماعي الحقيقي بين كل أعضاء «العائلة البشرية».»٤١ ومما يؤسف له أن حضارتنا العلمية والتقنية قد دمرت — وما زالت تدمر — توازن البيئة الطبيعية، ونحن لا نقدر حتى الآن حجم الدمار الذي ألحقناه بكوكبنا، ولم ندرك بشكلٍ كافٍ أن بقاء وحماية محيطنا الحيوي الذي يستند إليه وجودنا البشري يتطلب أن نغير قيمنا، وكما أن تغيير القيم نفسه يتطلب تغييرًا جذريًّا للوعي إذا أردنا إيجاد مخرج لأزمة البيئة التي نتحمل وحدنا المسئولية عنها، كما يجب أن تشمل الأخلاق البيئية ليس فقط موقفنا من كوكب الأرض، بل كذلك موقفنا من الكواكب الأخرى.
ويبدو مما سبق أن هناك نوعًا من التناقض والمفارقة بين العلم والأخلاق، ففي الوقت الذي نتحدث فيه عن التقدم العلمي والتقني الهائل الذي وصل إليه العقل البشري في العقود الأخيرة من القرن العشرين، نجد في الجانب الآخر تدنيًا في السلوك البشري في التعامل مع منجزات العقل إلى الحد الذي يمكن وصفه بأنه نوع من النكوص في الناحية الأخلاقية، مما يستدعي التوقف لتحليل العلاقة بين التطور المعرفي (العلمي والتقني) وبين التطور الأخلاقي. وقد استطاع لوارنس كولبرج — الأستاذ بجامعة شيكاغو — في دراسته عن الضمير الإنساني،٤٢ التي قام بها بين عامي ١٩٦٣–١٩٧٣م أن يكتشف نوعًا من التضايف بين التطور المعرفي والتطور الأخلاقي، وأظهرت العينات التي بحثها أن الأفراد يتقدمون في مراحل سلوكهم الأخلاقي عن طريق الترابط المتبادل بينه وبين مستويات الوعي المعرفي أكثر بكثيرٍ من ارتباطه بمستويات الطبقة الاجتماعية أو التقاليد الدينية والتوجهات الثقافية. والشيء المهم بالنسبة لعملية التطور الأخلاقي للضمير المشترك، هو أن العكس من ذلك يبدو صحيحًا. فالسلوك الأخلاقي أو غير الأخلاقي المشترك يبدو أنه غير مرتبط ارتباطًا أساسيًّا بالمعرفة العلمية أو التقنية، بدليل أن هناك كثيرًا من المؤسسات التي تملك هذا التطور الأخير بدرجات شديدة التعقيد، ومع ذلك فهي تمثل مستويات متدنية للأخلاق المشتركة.
وقد أثبتت دراسات كولبرج أن ضمير الفرد يتشكل من خلال عملية تطور أخلاقي في ست مراحل عبر الزمان. ففي المرحلة الأولى يقوم الفرد بالفعل الأخلاقي بدافع من الخوف من العقوبة، أو المرحلة الثانية فيمكن أن نطلق عليها اسم أخلاق المنفعة أو النسبية الأداتية، بمعنى أن يتصرف الشخص وفق منفعته الخاصة، وهي تمثل مرحلة ما قبل الأخلاق الاصطلاحية أو المتواضع عليها (وهي الأخلاق التي تمارس في دنيا المال والأعمال). في المرحلة الثالثة تكون الأخلاق اجتماعية أي نابعة من قيم متفق عليها اجتماعيًّا. في المرحلة الرابعة يتصرف الفرد أخلاقيًّا وفق قواعد ومعايير ينظمها القانون. وتقوم المرحلة الخامسة من تطور الأخلاق على التعاقد القانوني، والسلوك في هذه المرحلة يعكس نوعًا من الأخلاقية يقوم على استعداد الإنسان للحفاظ على وعوده كما تنص عليها التعاقدات القانونية. أما المرحلة السادسة والأخيرة فتقوم على المبادئ الأخلاقية الكلية. والأخلاقية في هذه المرحلة متطورة إلى أقصى حد، وتظهر بشكل خلاق عند أولئك الأشخاص الذين يوجهون حياتهم من خلال سلوك منظم وصارم طبقًا للمبادئ الكلية للعدل والتعاون المشترك.٤٣ وينتهي كولبرج من دراسته إلى أن عددًا قليلًا من الناس هم الذين يصلون إلى هذه المرحلة، بل يندر الوصول إليها ندرة شديدة.

(٤) نتائج تقييم العلاقة بين الإنسان وبيئته

يتضح لنا من الدراسة السابقة لماذا تتصرف بعض الدول الكبرى بلا مسئولية من منطلق التطور المعرفي العلمي المتقدم، بينما تكتفي من التطور الأخلاقي البيئي بمراحله البدائية، وكيف وصلت البشرية إلى مفترق طرقٍ يحتاج الأمر معه إلى التوقف طويلًا للتأمل فيما آلت إليه الحضارة الإنسانية. وهذا يؤكد من جانب آخر الحاجة الملحة إلى نموذج معرفي أخلاقي جديد في مقابل النموذج (الديكارتي-البيكوني) الذي أفضى بنا على مدى ثلاثة قرون إلى عقلانية أداتية خالصة. وربما يكون تغيير النموذج — بالمعنى الذي سبق أن أشرنا إليه عند توماس بيكون — هو المعنى المقصود في هذا الصدد «عندما تتغير النماذج الإرشادية يتغير معها العالم ذاته.» وبهذا المعنى نفسه لا بد أن يأتيَ النموذج المقترح بنظرة جديدة إلى العالم وقيم أخلاقية مغايرة للقيم المصاحبة للنموذج السابق، نظرة وقيم تُعيد التصالح بين الإنسان ومحيطه البيئي، وتستعيد العلاقة الحميمة الآمنة بينهما بعد أن تحولت إلى مجابهة وصراع انتهى بالسيطرة البشرية الكاذبة؛ لأنها سيطرة خادعة ومدمرة لمقومات وجود الإنسان. ويرى بعض الباحثين — تعزيزًا للفكرة السابقة — أن هذه الأزمة قد أحدثتها القيم الغربية، وأن أسبابها تعود إلى «الفروض الفلسفية الخاطئة التي سلم بها العالم الغربي الحديث، وتمتد جذورها وخيوطها في فكر كل من فرانسيس بيكون وديكارت وهوبز ولوك وهيوم.»٤٤
ويتمثل أهم هذه الفروض الفلسفية التي أصبحت موضع شك في العصر الحديث في ستة فروض:
  • (١)

    النزعة الذرية التي نظرت إلى الواقع على أنه أجزاء أو ذرات صغيرة غير مترابطة، ولم تنظر إليه على أنه كل عضوي موحد مما ترتب عليه تحطيم مشاعر الارتباط بالأرض خاصةً بعد الثورة الصناعية، والإعلاء من الشعور بالنزعة الفردية على حساب الدفء والمشاعر والعاطفة والألفة بين الكائنات البشرية، وانهيار التعاطف بين البشر والحيوانات.

  • (٢)

    النظر بعين الاعتبار إلى الوضع الاقتصادي على حساب البيئة، وهو ما بدأ مع التصنيع ونشأة الرأسمالية، وتقديس الربح، وتشجيع الحركة الاستهلاكية، وتضليل الرأي العام، وخلق «حاجات» اصطناعية.

  • (٣)

    نبذ الأرض، وهي الفرضية التي تنظر للأرض على أنها مصدر للموارد الطبيعية فحسب، وأن للبشر حق السيطرة عليها واستغلالها.

  • (٤)

    انتصار الجشع على مستوى الأفراد والمجتمعات على حدٍّ سواء.

  • (٥)

    سوء فهم السعادة الذي يسود المجتمعات الصناعية للعالم الأول على وجه الخصوص، وتتمثل في فكرة خاطئة مضللة عن أن النقود والممتلكات المادية هي التي تجلب السعادة للبشر.

  • (٦)
    تدعيم السيطرة، وهو الموقف الذي ساد، وكان له أكبر أثر تدميري في العصر الحديث بفعل السيطرة التقنية على الكائنات الحية ومحيطها الحيوي، بل وعلى كل شيءٍ على سطح الأرض أو تحتها.٤٥

(٥) سبل مواجهة الأمة

هذا الوضع غير المتوازن بين الإنسان وبيئته يفرض علينا أن نتساءل: ما هو المخرج إذن من هذه الأزمة وكيف يمكن تصوره؟ إن الخروج من الأزمة البيئية لا بد أن يكون في رأي البعض من خلال نظام جديد وقيم جديدة، أو فيما نطلق عليه الآن اسم النزعة الكوكبية Globalism؛ لأن هناك احتياجًا شديدًا إلى «أخلاقيات كوكبية تتعلق بالتغير الجذري لطريقتنا في التفكير والإحساس وعلاقتنا بكوكب الأرض وعلاقة بعضنا بالبعض، كما تتطلب إعادة تقييم موقفنا من الطبيعة واستهلاك الموارد غير القابلة للتجديد … والشخص المؤمن بالكوكبية هو الذي يشارك في صنع التغيير الثوري للوعي.»٤٦

هذه الأخلاقيات الجديدة تتطلب — كما ذكرنا من قبل — تنمية الوعي البيئي الكوني، الذي يرتكز على تضافر العنصر البيئي والعنصر الإنساني، على أن يكون الاحترام هو العلاقة القائمة بينهما؛ احترام الأرض وكل الكائنات الحية بشرية أو غير بشرية، أي أننا نحتاج إلى الوعي بأننا أفراد مشاركون في دراما كونية هائلة، أو كما يقول هوايتهد: «نحن في العالم والعالم فينا»، فليس هناك ما يدعو إلى ابتلاع الكائنات الأخرى أو السيطرة عليها؛ لأن هذا الوعي البيئي الكوني الجديد يولد لدينا الإحساس بجماعية المصير، ويفرض علينا شكلًا جديدًا من المسئولية ناحية البيئة، بحيث نتخذ إزاءها موقف الاحترام، هذه القيمة الأخلاقية التي تلاشت أو كادت أن تتلاشى في القرن العشرين، وهكذا تتطلب «الجوهرية المشتركة» للإنسان والبيئة الطبيعية فهمًا جديدًا للعالم، وعلمًا آخر وتقنية أخرى يعتمدان على طريقة الإنسان في النظر إلى البيئة الطبيعية والإحساس بها.

نعم … نريد علمًا آخر وتقنية أخرى، علمًا يبتعد عن فلسفات الذات وتقنية تبتعد عما يمكن أن نسميه بتقنية السيطرة والعنف وهما — أي العلم والتقنية — اللذان أفرزهما العلم الحديث كمحصلة نهائية لنظرته إلى البيئة الطبيعية من الناحية الكمية فحسب، وإغفال جوانبها الكيفية. وكثيرًا ما ينظر إلى الكوارث البيئية كالفيضانات والجفاف والأوبئة … إلخ، على أنها نوع من الكوارث الطبيعية «كما لو لم يكن هناك أناس يمكن أن يكون لهم دخل أو دور في صنعها. والحقيقة أن الطبيعة تعتبر بصفة عامة هي المانع أو المسكن لهذه الكوارث، وأن زيادة أعداد الفيضانات وحدتها وانحباس الأمطار وغيرها من المآسي المشابهة تحدث أو تتفاقم عادة نتيجة أسلوب العنف والقسوة الذي يتبعه الإنسان في حق بيئته الطبيعية.»٤٧ لذلك أدرك الأيكولوجيون خطورة تدهور المحيط الحيوي، وسيادة تقنية العنف في العقود الأخيرة من القرن العشرين هي التي يمكن أن تفسر لنا أصالة المشروع الأيكولوجي الذي ينظر إلى البيئة الطبيعية نظرة مختلفة، ويضعها في موضع مساوٍ لوضع الإنسان، بحيث يستعيد التعاطف معها في محاولة للتخلص من التطورات الشاذة للمشروع التقني.
إن النظر إلى البيئة الطبيعية باعتبارها ذاتًا أو آخر يمكن اعتباره من جهة محاولة لإعادة السحر إلى العالم، كما يمكن اعتباره من جهة أخرى محاولة لاستعادة النظرة الحيوية إلى الأرض (أو جايا Gaia بالمعنى الديني القديم عند الإغريق)، بوصفها الأم التي تحتضن كل الكائنات الحية أكثر منها مصدر موارد تستغل فحسب. وهي نظرة تُفضي إلى الاحترام والتبجيل، والاستعاضة عن النزعة الذرية Atomism   بالنزعة الكلية Holism … وقد يبدو من كل هذا أن تلك رؤية رومانسية إلى البيئة الطبيعية مما يطرح السؤال عن مشروعية الخطاب الأيكولوجي، وهل هو صورة يوتوبية خيالية أم مشروع جاد للمستقبل؟ إن الخطاب الأيكولوجي يمكن أن يتصوره البعض «مجرد تعبير عن رغبات أو أماني لا يمكن تحقيقها أو عن خيالات (فانتازيا)، ولكنه من ناحية أخرى يمكن أن يكون برنامجًا معبرًا عن التصميم على اكتشاف طبيعة جديدة تُضفي عليها الروح والمعنى»،٤٨ ولكن يجب أن يحذر هذا المشروع الضخم من الوقوع في خطرين متطرفين: «الوقوع في الهيمنة الوحشية على القوى الطبيعية، والوقوع في نوع من الروحية أو الصوفية الجوفاء.»٤٩

خاتمة

نخلص من كل ما سبق إلى أن الإنسان والبيئة الطبيعية يمثلان قطبين في متصل واحد (مع وجود مستويات أخرى بطبيعة الحال من العلاقة بين الإنسان والبيئة الطبيعية تتوسط المسافة بين هذين القطبين). وقد بدأ المتصل بخوف الإنسان من قوة وبطش البيئة الطبيعية، عندما نظر إليها على أنها شيء آخر مختلف عنه يُثير فيه الرعب، فتحولت الحيرة وعدم فهم ما يحدث حوله من ظواهر طبيعية تهدد حياته وبقاءه (من برقٍ ورعدٍ وأعاصير وفيضانات وبراكين … إلخ) تحولت إلى خوف مدمر للبيئة الطبيعية ذاتها، وذلك لحماية نفسه من أهوالها. وقد انتهى هذا المتصل — كما رأينا — إلى تدمير الإنسان للبيئة الطبيعية إلى الحد الذي أصبح يهدد حياته وبقاءه أيضًا، مما جعل الأيكولوجيين يبذلون المزيد من الجهد في محاولة لإنقاذ البيئة الطبيعية من قوة الإنسان وبطشه.

صحيح أن الإنسان هو الكائن الذي كُتب عليه أن ينظم هذا العالم باعتباره الكائن العاقل الوحيد على هذا الكوكب، ولكن من الصحيح أيضًا أنه ليس سوى نوع واحد بين أنواع وكائنات أخرى عديدة، وإذا كان العقل هو الملكة التي تميز الإنسان عن سائر المخلوقات، فإنها قد تحولت (أي ملكة العقل) من نعمة ممنوحة له إلى نقمة عليه منذ أن رفع ديكارت لواء العقل، ووضع أسس نموذج معرفي قائم على الثنائيات المتضادة، مما أدى في نهاية الأمر إلى السيطرة الكاملة على البيئة الطبيعية وتدميرها، فكيف يكون المخرج؟ أي كيف نعود إلى البيئة وتعود البيئة إلينا؟ بمعنى آخر كيف نحقق التوازن والتوازي بين إمكانيات البيئة الطبيعية وقدراتها وبين احتياجات الإنسان الراشدة بما يسهم في استدامة التنمية من ناحية، وحماية البيئة الطبيعية وصيانتها من ناحية أخرى؟

لن يكون المخرج إذن إلا بالتخلي عن نموذج الثنائيات الضدية، أي لا بد أن تتحول الثنائيات والازدواجيات المتضادة والحاسمة إلى قطبين في داخل نسق أكبر لا يكون التفكير فيه قائمًا على هذا أو ذاك، بل يكون هذا وذاك، ولا يتأتى هذا — كما بينا في هذا البحث — إلا من خلال نموذج معرفي جديد يجمع بين المتقابلات، ويقضي على التوتر القائم بين الثنائيات المتضادة التي تفصل بين العقل والجسم، الطبيعة والحضارة، القيم الباطنة والقيم الأداتية … إلخ، نموذج يُعلمنا أن نرى المفارقات والاختلافات بوضوح، وأن ننظر إلى هذه الاختلافات لا على أنها مجرد متعارضات، بل كأقطاب متناقضة في تفاعل داخل ميادين معقدة من العلاقات. وقد لا يرى البعض في مثل هذا النموذج الحل القاطع والسريع لمشكلة تتفاقم آثارها بشكل مرعب ومخيف؛ لأن تغيير النموذج المعرفي في مجالات النظم الاجتماعية والسياسية والأخلاقية لا يكون ثوريًّا، ولا يؤتي بثمار سريعة كما هو الحال عند توماس كون في مجال النظريات العلمية، وغالبًا ما يستغرق التغيير المصاحب للنموذج الجديد زمنًا إن لم يكن طويلًا فهو ليس بالقصير، ولكن هذه من ناحية أخرى ليست بالحجة القوية بدليل أنه قد تمت بعض التحولات في النظم الفكرية بشكل ثوري وفجائي، ولم تمرَّ بتلك التطورات البطيئة، بل أحدثت طفرة معرفية كالماركسية على سبيل المثال وغيرها.

لقد حاولنا تحسس الطريق إلى نموذج معرفي جديد لإعادة تقييم موقفنا من البيئة الطبيعية، وهي محاولة أولية تحتاج إلى تكاتف جهود العلماء من مختلف الميادين والتخصصات لكي يتحقق لها المزيد من التنسيق والوضوح، كما بينا أن هذا النموذج المعرفي يأخذ في الاعتبار القيم البيئية؛ لأن المشكلة التي تتعلق بالمأزق البيئي — كما رأينا — هي في المقام الأول مشكلة أخلاقية، فلا بد إذن أن يحاول النموذج المعرفي الجديد تأسيس أخلاق بيئية جديدة تقوم على عناصر أساسية، يمكن أن نوجزها فيما يلي:
  • (١)

    دحض النزعة المركزية الإنسانية التي تجعل الإنسان مصدر القيمة وموطنها ومنبعها الوحيد.

  • (٢)

    الإيمان بمفهوم القيمة الباطنة في البيئة الطبيعية.

  • (٣)

    أن يكون «احترام البيئة الطبيعية» هو القيمة الأخلاقية الأساسية التي ترتكز عليها الأخلاق البيئية.

  • (٤)

    تنمية الوعي الجمالي والوعي الكوني المشترك بأهمية عودة العلاقة الحميمة بين الإنسان والبيئة الطبيعية.

  • (٥)

    النظرة الحيوية إلى البيئة باعتبارها الأم أو «الموطن» الذي تتوفر فيه مقومات الحياة البشرية.

  • (٦)

    تنمية الإحساس بمبدأ المسئولية المشتركة تجاه البيئة ومحيطها الحيوي، وما يستلزمه ذلك من التركيز على فكرة الضمير البيئي وإحيائها بالمعنى الشامل الذي يضع «المصير الجماعي» نصب عينيه.

  • (٧)

    سن قوانين أخلاقية لحماية البيئة الطبيعية؛ فالبيئة الملائمة للعيش باعتبارها حقًّا مشروعًا هي مطلب أساسي من أجل بقاء واستمرار الجنس البشري وسائر الكائنات الأخرى.

  • (٨)

    تحمل الشركات الكبرى مسئولية أفعالها؛ لأنها مسئولة عما تنتجه، وعن آثار إنتاجها على الجنس البشري وبقية الكائنات الحية.

  • (٩)

    الاحتياج إلى تكاتف جهود العلماء في جميع التخصصات المختلفة لتنمية التكنولوجيا، وإنتاج ما يمكن أن نُطلق عليه تكنولوجيا نظيفة لا تدمر البيئة.

ولكي يتحقق مثل هذا النموذج لا بد أن يتوقف العلم عن أن يكون عبدًا تجرُّه التقنية والمصالح الأنانية من رقبته، وألا يقتصر دوره على خدمة الإنتاج والسلع المادية التي تتجه إلى الربح فقط، بل لا بد أن يعود العلم كما كان معرفة بالحقيقة، أي معرفة غير مرتبطة بمنفعة محددة. ولا بد أيضًا أن يصاحب التطورَ العلمي تطورٌ أخلاقي مماثل، حتى لا يتحول — كما حدث في العقود الأخيرة — إلى فأس يحفر بيديه قبر الكائنات البشرية وغير البشري على السواء. وإذا لم نُسرع بالسيطرة على أزمة البيئة، فربما يرى العالم نهاية التاريخ البشري في وقت أقرب بكثير مما نتصور.

ولعل الأبيات التالية للمتصوفة الألمانية هيلد جاردفون بنجين٥٠ أن تكون تعبيرًا صادقًا عما سيلحق الجنس البشري من جراء سوء استخدامه لبيئته الطبيعية، ومع أنها تؤكد النزعة الإنسانية التي رفضناها، فهي من ناحية أخرى تنبهنا إلى العلاقة الحميمة التي يجب أن تسود بين الإنسان والبيئة، وهي العلاقة التي دعت إليها جميع الأديان السماوية والأرضية، كما حثت عليها الفلسفات الكبرى في الشرق والغرب قبل الميلاد: إن الأعلى والأدنى/ والخلق جميعًا/ أعطاها الله إلى الجنس البشري وأودعها بين يديه لكي يتصرف فيها/ فإذا الإنسان أساء استخدام عطيته/ سمح العدل الرباني لخلقه/ بمعاقبة الإنسان …

ومن هذا المنطلق، فإن النموذج المعرفي الجديد ينبغي أن يرتكز — إلى جانب كل الأسس التي سبق ذكرها — على أخلاقيات الأديان السماوية التي علمتنا أننا لم نخلق العالم ولا نملكه حتى نعطيَ لأنفسنا حقَّ التصرف فيه وفق إرادتنا ورغباتنا، ولكننا نستمتع بثماره كهدية أو هبة لا يحق لنا امتلاكها، وبشرط أن نتركه — أي العالم — في حالة جيدة للآخرين، وأن تكون عقيدتنا الحقيقية هي الرحمة والرفق بالكائنات الطبيعية الأخرى، والتواضع أمام البيئة الطبيعية التي نخضع وإياها لإلهٍ واحد، وأن نحقق العدل بالشكل الذي يحفظ علاقة التوازن بين الإنسان وبيئته بما يحقق مصلحة طرفي العلاقة، صيانة البيئة وحمايتها من ناحية، وتحقيق احتياجات الإنسان الأساسية بصورة متواصلة من ناحية أخرى.

١  Edwards, Pual (Ed): Encyclopedia of Philosophy. London, Macmillan Publishers. 1972. V.5 Article Nature. p. 454.
٢  Crystal David (Ed): The Cambridge Paperback Encyclopedia Cambridge University Press. New Updated, edition. 1994. p. 235.
٣  Ibid. p. 240.
٤  كولنجوود، د: فكرة الطبيعة، ترجمة د. أحمد حمدي محمود، مراجعة د. توفيق الطويل، القاهرة، الهيئة العامة للكتب والأجهزة العلمية، مطبعة جامعة القاهرة، ١٩٦٨م، ص٤٠.
٥  المرجع السابق، ص١١.
٦  ديكارت، رينيه: المقال عن المنهج، ترجمة محمود محمد الخضيري، راجعها وقدم لها الدكتور محمد مصطفى حلمي، القاهرة، وزارة الثقافة، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر ١٩٦٨م، ص١١٩.
٧  ماركوز، هربرت: الإنسان ذو البعد الواحد، ترجمة جورج طرابيشي، بيروت، منشورات دار الآداب، ط٢، ١٩٧١م، ص١٩٨٤.
٨  Arenilla, Louis: Ecology. A Different Perspective. Translated by Jeanne Ferguson. Diogenes. Volume. 104. 1978. p. 20.
٩  الإسراء، آية: ٧٠.
١٠  ورد نص كانط في: Midgely. Mary: The End of Anthropocentrism. in Philosophy and The Natural Environment Edited by Robin Attfield & Andrew Belsey. Cambridge. 1994. P. 104. The Royal Institute of Philosophy conference. O Philosophy and the Natural Environment. held at the University of Wales in Cardiff from 20 to 22 July. 1993.
١١  Ibid. p. 105.
١٢  Ibid. p. 104.
١٣  ماركوز، هربرت: الإنسان ذو العبد الواحد، ص١٨٤.
١٤  فرانكلين. ل. باومر: الفكر الأوروبي الحديث (القرن السابع عشر)، ترجمة د. أحمد حمدي محمود، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٨٧م (ألف كتاب الثاني)، ص٩٣.
١٥  Midgly, Mary: The end of Anthropocentrism. p. 106-107.
١٦  كون، توماس: بنية الثورات العلمية، ترجمة شوقي جلال، الكويت، عالم المعرفة، عدد ١٦٨، ديسمبر ١٩٩٢م، ص٢٤٤.
١٧  المرجع السابق، ص١٦٥.
١٨  James, William: The Vaieties of Religious Experience, New York: Longmans, Green. 1925. p. 150.
١٩  Rolston, Holmes III: Value in Nature & the Nature of Value. In: Philos, and the Natural Environment. p. 13.
٢٠  Lee, Keekok: Awe and Humility: Intrinsic Value in Nature. Beyond an Earthbound Environmental Ethics. In Philos & the Natural Environment. p. 92.
٢١  Ibid, p. 92.
٢٢  Ibid, p. 93.
٢٣  Ibid, p. 93.
٢٤  عبد المنعم حفني: المعجم الفلسفي، ودار ابن زيدون للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط١، ١٩٩٢م، ص١٥٢.
٢٥  Elliot, Robert: Ecology and the Ethics of Environmental Restoration, In: Philos & the Natural Environment. p. 36.
٢٦  Taylor, Paul, W: Respect for Nature. Princeton. N J: Princeton University Press 1986. p. 73.
٢٧  Ibid, p. 75.
٢٨  Ibid, p. 169.
٢٩  Lee, Keekok: Awe and Humility. p. 94.
٣٠  Hayward. Tim: Kant & the Moral Consider ability of Non-Rational Beings. In: Philo & Envirornment. P. 129.
٣١  Ibid, p. 129.
٣٢  وردت نصوص كانط في المرجع السابق، ص١٣٢.
٣٣  وهي العبارة المنقوشة على قبر كانط في كنيسة كونجسبرج: هناك أمران يبعثان الإعجاب والإجلال في نفسي: القانون الأخلاقي في صدري، والسماء ذات النجوم من فوقي.
٣٤  إلين، روبرت: كيف ننقد العالم، تقديم السير بيتر سكوت، تعريب د. علي علي البنا، ود. زين الدين عبد المقصود، الكويت، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ط١، ١٩٨٦م، ص٢٩.
٣٥  جلال عبد الفتاح: الكون ذلك المجهول، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، ١٩٩٨م، ص٦٨.
٣٦  برا. لي هارفيه: العالم وحدوده، الأساطير الشائعة حول الطبيعة والسكان، ترجمة حليم طوسون، القاهرة، دار المستقبل العربي، ١٩٩٧م، ص١٩٠.
٣٧  Dower, Nigel: The Idea of Environment. In: Phlo and the Natural Environment. p. 143-144.
٣٨  ألين روبرت: كيف ننقذ العالم، ص٢٥.
٣٩  Taylor, Paul, W: Respect for Nature p. 99-100.
٤٠  Guerrette, Richard. H: Environmental Integrity and Corporate Responsibility. Journal of Business Ethics. 5. 1986. p. 412.
٤١  Cadwallader, Eva: Ultimate Reality and Meaning in the Conflict Between Globalism and Anti Globalism. p. 232.
٤٢  وردت هذه الدراسة في: Guerrett, Richard H: Environmanal Integrity and Corporate Resposnibility, p. 413.
٤٣  كون، توماس: بنية الثورات العلمية، ص١٦٥.
٤٤  Cadwallader, Eva: Ultimate Reality and Meaning in the Conflict Between Globalism and Anti Globalism. p. 234.
٤٥  Ibid, p. 232-236.
٤٦  Ibid, p. 233.
٤٧  إلين، روبرت: كيف ننقذ العالم، ص٩٧-٩٨.
٤٨  Arenilla, Louis: Ecology: A different Perspective, p. 22.
٤٩  Ibid, p. 22.
٥٠  وردت هذه الأبيات: Cadwallader, Eva: Ibid, p. 244.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤