في عرين الأسد

من «تختخ» إلى «محب»

حاول أن تراقب السيارة التي دخلت القصر ليلًا … قد تعود مرة أخرى … ومن المهم أن تعرف هل تدخل السيارة إلى القصر محملة بشيء، ثم تخرج فارغة، أم العكس؟

إن معرفة هذا قد يُضيء بصيصًا من النور في الظلام الذي يحيط بهذا القصر العجيب … واكتب لي سريعًا.

«تختخ»

من «محب» إلى «تختخ»

لم تظهر السيارة خلال الأيام الأربعة الماضية … وقد ظللت كل هذه الليالي ساهرًا أُراقب … وأمس ليلًا عادَت السيارة إلى الظهور … في نفس الموعد نحو الثانية صباحًا. إنها ليسَت سيارة نقل عادية، بل سيارة من سيارات نقل الأثاث الكبيرة المغلقة … وأستطيع أن أؤكِّد أنها دخلت القصر فارغة … وخرجت بعد نحو ساعتَيْن مُحمَّلة … وقد عرفت ذلك من صوت «الموتور» أولًا وطريقة سير السيارة ثانيًا … فقد كان صوت الموتور خفيفًا عندما وصلت … وثقيلًا عند خروجها … كذلك كانت السوست تئنُّ وهي خارجة … ومعنى هذا أنها محملة … إنك تفهمني طبعًا فصوت السيارة الفارغة يختلف كثيرًا عن صوت السيارة المحملة.

وعندما دار «الموتور» لتعود السيارة أسرعتُ إلى دراجتي وركبتها وتبعت السيارة عن بُعد، ولكنني بعد أن تبعتها فترةً وقفت السيارة فجأة، ونزل منها شخص … وأدركت أنهم يشكون أن هناك من يتبعهم … وقد كنت مستعدًّا فانحرفت في أول شارعٍ قابلني وأطلقت للدراجة العنان … وهكذا لم أعرف أين ذهبت السيارة!

ولكن ليس هذا هو المهم … هناك مفاجأة في انتظارك … هل تعرف ما هي؟

لقد دخلت القصر!

أنا أتصورك الآن أنت و«لوزة» و«عاطف» تقولون إنني مجنون، ولكن صدقوني أن هذه المغامرة تستهويني حقًّا … إنني لا بد أن أحل لغز هذا القصر وسر سكانه … وسر سرقه مجموعة طوابع البريد النادرة، وسر اختفاء «الطيب» وسر السيارة التي تأتي ليلًا.

إنها أسرارٌ كثيرةٌ كما ترون … ولكن لها مفتاح واحد … موجود في هذا القصر … قصر الصبار الغامض!

وقد خطرَت لي فكرة دخول القصر أمس ليلًا وأنا أُراقبه في انتظار ظهور السيارة … لقد تَعوَّدَتْني الكلاب بعض الشيء … ولم تعُد تنبح عندما أقترب من السور … وهذا يعني أنني أستطيع دخول القصر عن طريق السور دون أن تحدث ضجَّة تلفت الأنظار … وهكذا قرَّرت الدخول.

في البداية كنت سأُوقِظ «نوسة» وأخبرها، ولكني خشيت أن تعترض، فكتبت لها ورقة قلت لها فيها إنني سأدخل القصر، فإذا لم أعُد في الصباح فعليها أن تخطر المفتش «سامي» إذا وجدته أو من يقوم مقامه … وأن تخطركم … وتركت الورقة بجوار فراشها.

المهم … لبست حذاءً من الكاوتشوك حتى لا أحدث صوتًا، وأخذت معي بطاريتي الصغيرة، وأغلقت باب الفيلا الخلفي وأخذت المفتاح، ثم تسلَّلت إلى الخارج بعد أن تزودت بكمية من اللحم للكلاب.

دُرت حول سور القصر كله أبحث عن منفذ … وهو سور مرتفع من الحديد المدبب، فلم أجد منفذًا، ولكني لحسن الحظ وجدت شجرة كبيرة قرب منطقة الصبار … وهي مزروعة في داخل حديقة القصر، ولكن أفرعها الطويلة تمتد عبر السور إلى الخارج … وقفت تحتها واستجمعت قوتي، ثم قفزت وأمسكت بأحد الأغصان الكبيرة القوية، واعتمدت على عضلات ذراعي، ورفعت جسمي إلى فوق … ثم حركت جسمي كبندول الساعة بضع مرات، وفي المرة الأخيرة انثنيت بشدة ووجدت نفسي على الفرع … وزحفت ببطءٍ ثم نزلت من على جذع الشجرة! وقد صح ما توقعته قبلًا، فقد جاءت الكلاب تجري وتنبح بصوتٍ منخفض وتهمهم في سعادة وأنا ألقي إليها بقطع اللحم … وتركتها مشغولة بالطعام، وبحثت عن منفذٍ بين الصبار الكثيف … ولحسن الحظ وجدت فراغًا بين الصبار على شكل مربع قد نبتت على حوافِّه الحشائش فوقفت لحظات … وقد بدا لي أن الأرض ليست مستقرة تمامًا تحتي … ولعل ذلك كان مجرد وهم … ولكني على كل حال شققت طريقي بين الصبار محاذرًا حتى وصلت إلى القصر … وأخذت أدور حوله على أمل أن أجد طريقًا للدخول … ولكن النوافذ والأبواب جميعًا كانت مغلقةً بإحكام … وفجأةً وجدت الكلاب تتبعني عن قرب وتلمس ساقي ويدي وهي تطلق نباحًا خافتًا ربما تعبيرًا عن فرحتها بي … ووقفت مكاني ساكنًا. كنت أقف بجوار أحد الأبواب، وخيل إليَّ أنني أسمع صوت أقدام تتحرك داخل القصر … وقبل أن أتحرك من مكاني فُتح الباب. ورأيت شخصًا يخرج وينظر في الخارج … فالتصقت بالجدار وكتمت أنفاسي … كان موقفي حرجًا ما زلت أحس بجسمي يرتجف كلما تذكرته … وأسرعت الكلاب إلى الرجل … وحمدت الله أن الليلة كانت مظلمة وكنت أقف في حمى عمودٍ من الأعمدة الضخمة … وكان الضوء الخارج من الباب المفتوح يسمح لي أن أرى شبح الواقف بالباب … كنت أراه بزاويةٍ من طرف عيني، فلم أكن أجرؤ أن أدور برأسي لأراه … وبرغم أنني لم أستطع تبيُّن ملامحه، إلا أنني لاحظت أنه رجلٌ طويل القامة قوي البنيان … ظل واقفًا فترة ثم نزل إلى الحديقة وهو يحمل بطارية وعصا … وجمد الدم في عروقي … فلو أنه اتجه ناحيتي لرآني ووقعت في مشكلةٍ ضخمة … ولكن مرةً أخرى تدخَّل حظي الحسن … واتجه الرجل إلى الناحية الأخرى من الحديقة … ولم أستطع مقاومة إغراء الباب المفتوح … كنت أريد أن ألقي — ولو نظرةً واحدة — على القصر من الداخل … ووجدتُ نفسي دون وعيٍ أتحرك بسرعة وأدخل من الباب … وجدت نفسي في دهليز واسع، أحد جانبيه جدار القصر وفي الجانب الآخر لاحظت أبوابًا متقاربة … وكانت الجدران كلها مغطاة بالرخام الأخضر الجميل … شيء مذهل … ثم جذب انتباهي فتحة في جانب الجدار تتدرج منها سلالم نازلة إلى ما تحت مستوى الدهليز … وتذكرت السراديب التي يقال إنها موجودة تحت القصر فأسرعت إلى الفتحة، ووجدت أن السلالم تنتهي بباب مغلق … من المؤكد أنه باب سرداب … وفكرت أن أحاول فتحه ولكني تذكرت موقفي … فقد يمر أحد سكان القصر أو يعود الرجل الذي بالخارج … وهكذا أسرعت بالخروج من الباب، وقررت أن أجري مرة أخرى إلى الشجرة … ولكني تصورت أن ألتقي بالرجل وهو يتجول بالحديقة، فذهبت إلى العمود الذي كنت أختبئ بجواره ووقفت … ومضت فترة طويلة دون أن يعود الرجل … وأحسست بالقلق والخوف، ثم حزمت أمري في النهاية ومشيت محاذرًا في اتجاه الشجرة … ولكني لم أكد أقترب من منطقة الصبار حيث توجد الشجرة حتى وجدت الرجل يقف هناك … تحت الشجرة تمامًا! لم أكن أراه بوضوحٍ ولكني رأيت سيجارة مشتعلة في الظلام، وضوء البطارية يدور مع الأرض كأنَّ الرجل يبحث عن شيءٍ ضاع منه … ثم رأيته يلقي السيجارة ورأيت نور البطارية يتحرك … كان متجهًا إلى القصر.

انتظرت فترةً كافية حتى أضمن دخوله إلى القصر، ثم أسرعت إلى الشجرة، وعندما وصلت عندها رأيت عقب السيجارة ما زال مشتعلًا على الأرض … وكما اعتدنا على جمع الأدلة انحنيت فالتقطته وأطفأته ووضعته في جيبي، ثم تسلَّقت الشجرة في هدوء، وزحفت على الفرع حتى الشارع ونزلت وأسرعت إلى الفيلا.

عندما دخلت غرفتي تنهدت بشدة … لقد كانت مغامرة تحبس الأنفاس لم أصدِّق أنني عُدت منها بسلام … ولكن تصور أنني، وأنا أكتب لك هذه الرسالة، أفكِّر في العودة مرة أخرى ودخول القصر … إنه — كما قلت قبلًا — يستهويني حقًّا … أريد أن أعرف ماذا يدور خلف هذه الجدران!

لعلكم الآن متضايقون لأنني لم أستمع إلى نصحكم ودخلت القصر … ولكن كيف يُطلب مني أن أقف ساكنًا أمام كل هذه الأسرار ولا أحاول حلها! لا يمكن في هذه الحالة أن أكون أحد المغامرين الخمسة …

وقد أخبرت «نوسة» في الصباح فذهلَت!

هذه هي كل معلومات الأيام الخمسة الأخيرة، فما رأيكم؟

«محب»

من «تختخ» إلى «محب»

هل تريد رأينا؟ رأينا أنك مغامرٌ متهور … ولولا حسن حظك لأمسك بك الرجل، وقد ينتهي بك الأمر إلى اتهامك بالسرقة … أو حبسك في أحد سراديب القصر حيث لا يسمع بك أحد، الحمد لله أنك لم تقع في يد الرجل … فلا تحاول مرة أخرى.

لا ندري حتى الآن قيمة المعلومات التي حصلت عليها … ولكن هناك شيئًا هامًّا، هو ذهاب الرجل إلى منطقة الصبار ليلًا، والشيء الذي يبحث عنه … لقد قلت إن الأرض في هذه المنطقة ليست مستقرة! فماذا تقصد بالضبط بهذا التعبير؟ هل أحسست بشيءٍ يهتز تحت قدمَيْك؟ هل يمكن أن تكون هناك فتحةٌ في الأرض مغطاة لسببٍ أو لآخر؟ إن المهم حقًّا أن نعرف ماذا تقصد بما قلت.

أرجو أن تراقب السيارة مرة أخرى … وأقترح أن تحاول معرفة ماذا تحمل من القصر … فقد يكون في هذا ما يكشف غموض الرحلة الليلية للسيارة.

لقد قابلت المفتِّش «سامي» هنا قبل وصول خطابك الأخير … وتحدثنا طويلًا عن قصر الصبار … إنه مشغولٌ الآن بقضيةٍ هامة في الإسكندرية، وعندما ينتهي منها سيعود إلى القاهرة ويتصل بك … وقد نكون نحن قد عُدنا أيضًا، ونقوم معًا بمحاولة حل اللغز!

إنك لم تكتب شيئًا عن الشاويش «علي» وما فعله في سر اختفاء «الطيب» وسرقة مجموعة الطوابع، وأرى أن تزوره … فقد يكون قد حصل على معلومات تُفيدك … ويمكن الاستعانة مرة أخرى ﺑ «جلال» ابن شقيق الشاويش … إن أي معلومةٍ ولو صغيرةً قد تكون هي بداية حل اللغز.

«تختخ»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤