من حضيض الضعة إلى أوج الرفعة

قلَّما اجتاز شابٌّ شارع بال مال في أوائل القرن الثامن عشر إلا خفق فؤاده عند اقترابه من دكان المستر رنِّي الخياط، واخترق نافذته بنظره لعلَّه يظفر بلمحة من ماري كليمنت التي تتعلَّم الخياطة عنده. وقد شاع ذكر جمالها الفائق في جميع الألسنة، وبات موضوع حديث الخاص والعام.

وتلك الشهرة المستفيضة التي حازها حُسنها البديع لم تكن شهرة باطلة، ولا مموَّهة بطلاء المبالغة؛ ففي لندن كلها في عهد الملك جورج الثاني لم يشاهد الناس فتاةً فاقت ماري كليمنت في بهاء عينَيْها الساحر، وجمال ابتسامتها المُسكِر. وقد زان حُسنها وجمالها خفر وحشمة لا مزيد عليهما. فإنها كانت على رغم تسابق المارة لاختلاس نظرة إليها أو لمحة منها تقضي نهارها جالسة مُطرِقة حاصرة نظرها فيما تخيطه، وغير مكترثة لشيء آخر على الإطلاق. قال أحد واصفيها: «لمَّا سبكتها الطبيعة كانت في أحسن حالات الصفاء، وأجلى ساعات الوحي والإلهام؛ ولذلك تسنَّى لها أن تفرغها في أجمل قالب وأبدع صورة. وقلَّما يتاح للندن أن ترى محاسن باهرة كهذه مرة في القرن.»

ولا يخفى أن كل علقٍ غالٍ يكون دائمًا عزيز المطلب صعب المنال. والحصول على كليمنت لم يكن من الهنات الهيِّنات. وهي لعلمها بما امتازت به من القسامة النادرة المثال كانت تعرض عن كل خاطِب مهما يكن أرفع منها رتبةً ومقامًا، ولم تلتفت بعين الرضا والقبول إلا إلى شاب واحد كان فريدةَ عقدِ الشبان الحسان، وهو إدورد ولبول ثاني أنجال السر روبرت ولبول رئيس وزراء إنكلترة. وكان منزله فوق دكان الخياط. هذا الفتى خلب لبَّها بجمال طلعته وحُسن صفاته.

وكان في ذهابه وإيابه أمام الدكان ووقوفه في شرفة بيته فوقه يخالسها النظر وهي مُكِبَّة على عملها لفقًا أو شلًّا أو تفصيلًا. وكلما رفعت نظرها وأرسلته من النافذة وقعت عيناها على إدورد شاخصًا إليها، فيلتقي النظران ويمهِّدان سبيل التعارف والتآلف. وتلك النظرات المختلسة على التبادل عقبها ابتسامات فتحيَّات في أثناء غفلة الخياط، فاجتماعات على خلوة بمعزل عن الرقباء ولم يكذبا أن وجدا حبال الحب عالقة بهما كليهما.

ولمَّا بلغ ذلك قرينةَ الخياط اشتعلت غيظًا وحنقًا على ماري، فأسرعت إليها وأوسعتها تقريعًا وتعنيفًا، وقالت لها: «ويحك أيتها الطائشة الحمقاء! أَبَلَغَ من قدرك أن تعلِّلي نفسك بالحصول على شابٍّ كهذا يفوقك جاهًا ورفعة شأن؟ ساء فألك!» ثم زادت على هذا أن أوعزت إلى زوجها بطردها من دكانه حرصًا على كرامته.

فسقط في يد ماري ولم تجسر أن ترجع إلى بيتها على هذا الوجه، ولم ترَ بدًّا من أن تذهب إلى إدورد لتشكو إليه ما أصابها. وبعدما فرغت من شكواها طوَّقها بذراعَيْه ومسح دموعها بقُبلات عطفِهِ ومؤاساته، وقال لها: «خلِّي عنكِ الجزع والهلع، فلن يستطيع أحدٌ أن ينالك بشرٍّ أو أذًى ما دمتُ قريبًا منكِ، ومستعدًّا لبذل روحي في سبيل الذود عنكِ. وستكونين مذ الآن زوجة لي من كل وجه، ما خلا الاسم، ولا يفرِّق بيننا سوى الموت.» وهي على الفور حلفت له يمين الأمانة والولاء، وبرَّت بقسمها إلى آخر دقيقة من حياتها. وعلى هذا الاتفاق تم الاتحاد والاقتران بين الخيَّاطة الوضيعة الحقيرة وبين ابن أعظم رجل سياسي في إنكلترة. وحينئذٍ لم يدُرْ قط في خلد ماري أن هذا الاتحاد سينمو ويُثمر، ويكون من نتاجه فتاة تصير فيما بعد إحدى أميرات الأسرة المالكة، وأمَّ ولدٍ أمكنه أن يلبس تاج الإمبراطورية البريطانية. ولكن تلك الأيام كانت لا تزال بعيدة منها، فعاشت مع زوجها المحبِّ الأمين قريرة العين طيبة النفس.

وقد رُزقت منه خمسة أولاد: ثلاث بنات وصبيين، وهؤلاء الخمسة أخذوا الحسن والجمال تراثًا عن والديهم. وأُتيح للبنات الثلاث أن ينلن من الجاه ورفعة الشان ما لم تنله والدتهن. وتُوفيت ماري بعد ولادة ولدها الخامس، وهي في غلواء صباها وشرخ شبابها غير مجاوِزة الرابعة والعشرين، فحزن عليها زوجها حزنًا ليس في استطاعة أبلغ كاتب أن يعبِّر عنه. وإذ كان ممتازًا بالنبوغ وشدة الذكاء أخذ يرتقي في سلم المعالي، فنال أسمى الرتب والوسامات، وتقلَّد أرفع المناصب، وكان في استطاعته لو أراد أن يتزوَّج بأعظم الفتيات حسبًا ونسبًا، ولكنه أبى ذلك مفضِّلًا أن يعيش حافظًا لذكرى زوجته، وقاصرًا اهتمامه على تربية أولاده.

وتدرَّجت الفتيات الثلاث، لورا وماري وشارلوت، من جمال الحداثة إلى بهاء الصبوة، فكنَّ بُدورًا مُشرقة في سماء الحُسن والملاحة. قال عنهن أحد المؤرخين: «لم يتفق أن يوجد في إنكلترة ولا في غيرها ثلاث شقيقات مثلهن مستوفيات أقساطهن من الجمال والذكاء والظُّرف والأدب وسرعة الخاطر. فكنَّ قبلة أنظار الطلَّاب والخُطَّاب، ومنتهى آمال العشَّاق والروَّام من أرباب الغنى والجاه وأصحاب الصوالجة والتيجان. وكنت تراهن حيثما يذهبن مُحاطات ومتبوعات بجماهير من المعجبين بهن والمتعطشين إلى الفوز بنظرة من عيونهن الساحرة أو ابتسامة من شفاههن الشائقة الآسرة.

وكان عمُّهن هوارس ولبول شديد المباهاة والافتخار بجمالهن، وكثير الاهتمام بتدليلهن وترفيههن وتوجيه التفات أهل البلاط إليهن. مع هذا كله ورغم كونهن حفيدات رئيس الوزراء ظلَّت أبواب البلاط موصدة دونهن لحقارة مولدهن وضعة نَسبهن من جهة الأم. ولكنهن لم يبالين هذا الحرمان، وفضَّلن إكرام الناس عامَّتهم وخاصَّتهم لهن على بهارج البلاط وزخارفه.

وكانت كبيرتهن لورا أوَّل من تزوَّجت منهن، فخطبها أخو اللورد البيمرل وهو من كبار رجال الدين، لم يلبث أن ترقَّى إلى درجة مطران. وفي هذه كتب عمُّهن إلى أصدقائه فقال: نسيت أن أخبرك بأننا عمَّا قليل عازمون على الاحتفال بزفاف ابنة أخي لورا إلى مطران ونسور أخي اللورد البيمرل. ونحن مسرورون جدًّا بهذا الأمر، والعروس تليق به من كل وجه، وإن كانت مع شدة جمالها دون شقيقتَيْها حسنًا وبهاءً. أما أختها ماري فهي الجمال مجسَّمًا، وجميع محاسنها كاملة، ولا عيب فيها سوى أن وجهها كثير الاستدارة، وأما صفاتها فكلها مما يُرتمى بعين الاستحسان ويُثنى عليه بكل شفة ولسان.»

وبعد بضع سنوات اقترنت الأخت الصغرى شارلوت بالكونت ديسارت. وهكذا رأينا كبرى بنات الخيَّاطة قرينةً لأخي لورد، وصغراهنَّ مُحرِزة لقب كونتس. ولكن هذا كله على عظمته وسمو شأنه لا يستحق الذكر بجانب ما خبَّأه القدر للثانية ماري الحسناء التي أُتيح لها أن تقرن نسب أمها الوضيع بنسب الأسرة الملكية؛ أسرة هنوفر.

وبعدما رفضت قبول كثيرين من الأمراء وكبار الأعيان والشرفاء الذين طلبوا الاقتران بها، رضيت أخيرًا من كان أكبرهم سنًّا وأقلهم حسنًا وجمالًا، وهو الأرل والدغرايف مستشار ولي عهد بريطانيا ومؤدِّبه. وكان في سنِّه كأبيها، ولكنها مع هذا فضَّلته على كل من تقدَّمه. وفي سنة ١٧٥٩ خرجت ماري من الكنيسة وهي الكونتس والدغرايف عروس رجل من أكبر عظماء إنكلترة عقلًا وشرفًا وثروةً.

وبعد زواجها بأربع سنين أُصيب الكونت بالجدري إصابةً لم تمهله بضعة أيام حتى قضى نحبه، فتجرَّعت عليه الكونتس غُصص الحزن والاكتئاب، وقضت وقتًا طويلًا في حِداد ونَوح وانتحاب. ثم خرجت من عزلة الحِداد وخلوة الحزن لتدهش العالم بجمالها الذي زاد بدرُه إشراقًا وبهاءً. وعاد الخُطَّاب يزحمون بعضهم بعضًا إليها، من غير أن يظفر أحد منهم بطائل؛ لأن نفسها الطموح إلى المعالي كانت تحدِّثها بالحصول على زوج يفوق جميع الذين تقدَّموا إليها. يُروى عنها أنها فاجأت أباها ذات يوم وهي بعد ولد بقولها له: «تحدِّثني نفسي بأني سأصير يومًا ما أميرة خطيرة.»

– خلِّي عنكِ هذا الهذيان. إن ما ترجينه مستحيل؛ فأنتِ لست سوى فقيرة حقيرة، ويهمك أن تعلمي هذا وترعوي عن طيشك وغرورك.

– سأصير أميرة فقيرة.

هذا ما قالته في حداثتها، وقد حقَّقته الأيام. ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت أجمل أرملة في إنكلترة موضوع هيام وليم هنري دوق غلوسستر العزيز الغالي على قلب أخيه الملك جورج الثالث. وكان الدوق في التاسعة عشرة عندما أَسَرَ فؤادَه جمالُ أرملة لها ثلاثة أولاد. ومن أول نظرة أضرم حُسنها في قلبه «نارَ جوًى، أحرُّ نارِ الجحيم أبردها»، فطارحها الوجد والغرام، وباح لها بصبابة عبثت به ولعبت وأكلت عليه وشربت، وسلبت من عقله ما سلبت. وعلى رغم ما أبدته الكونتس من المعارضة والممانعة بحجة الفرق العظيم الذي بينها وبينه في السن والمقام، ظلَّ مصرًّا على طلب الاقتران بها قائلًا لها: «إنكِ عندي أعز من نفسي وأغلى من حياتي. فإن لم تجيبي طلبي فلن أتزوج غيرك، وإني في سبيلك مستعد لأن أضحي بتاج الملك نفسه.»

وحينئذٍ لم يبقَ في وسع الكونتس أن تمانع. وفي أحد أيام شهر ديسمبر أعلنت رضاها بأن تصير زوجة له، وكان ذلك في بيتها في بال مال قُرب دكان الخيَّاط الذي كانت والدتها منذ نحو ثلاثين سنة تجلس فيه تعمل بإبرتها عند صاحبه. وبموجب هذا الزواج أصبح ممكنًا — بل محتملًا كل الاحتمال — أن نرى أحد أعقاب الخيَّاطة جالسًا على العرش الذي لم يؤذَن لإحدى بناتها في الدنو منه.

وقد كتما زواجهما ولم يبوحا بسره إلى أحد. ولكنَّ تعلُّق الدوق بالكونتس ذاع وشاع، فاستوقف الأنظار وأصبح موضوع أحاديث القوم. ولم تكن ملاحظاتهم مقصورة على ما شاهدوه من ملازمة الدوق لها وعدم انفصاله عنها، بل لاحظوا أيضًا أن القائمين على خدمتها يرتدون ملابس شبيهة بالرسمية، وأن حجَّاب الدوق نفسه يسيرون في خفارتها، ويوفونها من الاحترام ما هو حقيق بالأميرات. هذه الملاحظات وأشباهها وسَّعت مجال الارتياب والانتباه أمام الخواطر والأفكار، وأطلقت العنان للألسنة المولعة بالغيبة والنميمة، فتناولت الكونتس بما شاءت من التهم.

وكان الأمير لا يقل عن زوجته رغبةً في كشف حِجاب الخفاء عن زواجهما وطلب رفعها إلى المقام اللائق بزوجة أخي الملك، ولكنه رأى أنه لم يحِن بعدُ وقت مفاوضة الملك في ذلك. وكان الملك قبل هذا قد بلغه أن أخاه دوق كمبرلند قد تزوَّج مسز هورتن الحسناء، وهي أرملة رجل من دربشير، فحمي غضبه حموًّا لا مزيد عليه، ودعا أخاه إليه وقال له: «أفٍّ لكَ أيها الأرعن الأحمق! بئس ما فعلتَ! إن تلك الأرملة التي تزوَّجتَها لن يكون لها أقل صلة وانتساب بالأسرة الملكية. لن تكون شيئًا يُعتدُّ به على الإطلاق.»

– إذن ماذا أفعل؟

– اذهب عني. سِرْ إلى حيث شئتَ وانتظر ريثما أتمكَّن من حل هذه المعضلة.

فرجع الدوق على عقبه إلى كاليه حيث كانت زوجته، وأخبرها بما لقيه من أخيه من الانتهار والامتهان.

ولما اتصل خبر هذه الحادثة بمسمع أخيه الأمير وليم زوج ماري، قال في نفسه: «إذا كان هذا مبلغ غيظه وغضبه على أخي فردريك وهو أكبر مني، فكم يكون مبلغهما عليَّ أشد وأعظم؟» ثم إن الإسراع في قضاء هذا الأمر كان ضروريًّا جدًّا؛ لأن زوجته كانت مُشرِفة على الولادة، فإن لم يعترف بزواجه أنه شرعي قانوني عُدَّ الولد نغلًا.

فلم يرَ بدًّا من أن يكتب إلى أخيه الملك ويخبره بأمر زواجه باللادي والدغرايف، ويطلب إليه أن يبعث إليها من قبله من يُعنى بها في نفاسها اعترافًا بأنها من أميرات الأسرة المالكة. فلما قرأ رسالته استشاط حنقًا على أخيه، وعدَّ زواجه شائنًا معيبًا. وبعدما سكن غيظه قضى ليله في الأرق والبكاء. وقال لواحد من رجاله: «إن قلبي يوشك أن يتفطَّر حزنًا على حادثة أخي وليم؛ لأن محبَّتي له تفوق الوصف.» ولكنه لم يُجِبه عن كتابه.

وأخيرًا هدَّده وليم برفع شكواه إلى مجلس الأعيان. فاضطر الملك أن يبعث لجنة مؤلَّفة من رئيس أساقفة كنتربوري وبعض الوزراء إلى بيت أخيه لينظروا في أمر زواجه، ويرفعوا إليه تقريرًا عنه. فجاء في تقرير اللجنة أن الزواج بين الدوق والكونتس حصل حقيقةً، ولكن التقرير لم يُشِر إلى هذا الزواج بكونه شرعيًّا. فبلغ اليأس من الدوق كل مبلغ؛ لأن ولادة الطفل كانت منتظَرة ساعة بعد ساعة، فهرع قُبيل نصف الليل إلى قصر رئيس الأساقفة، فوجده مع مطران لندن يستعدان للنوم، فشكا إليهما أمره وألحَّ عليهما أن يذهبا على الفور إلى الملك ويقولا له إن كان عنده أقل شكٍّ في شرعية الزواج وصحَّته فأخوه مستعدٌّ أن يزيله. فقال له رئيس الأساقفة: «ليس في إمكاننا أن نذهب إليه في وقت كهذا.» فأجابه بعزمٍ واهتمام: «لن يتاح لأحدكما أن يلقي رأسه على وسادته قبل ذهابكما إلى جلالته!» فذهبا مضطرين غير مختارين.

ولكن الملك أبى أن يجيب طلبهما، وأصرَّ على وجوب إنكار الزواج الأول وعدم الاعتراف به ما لم يحتفل بزواجهما مرة ثانية. فرفض أخوه هذا الاقتراح رفضًا مطلقًا، واضطر الملك أن يعترف بالزواج، وكان ذلك قُبيل ولادة الدوقة ابنًا.

وبعدما أعلن الملك اعترافه بصحة اقترانهما زالت العقبات من سبيل ابنة ماري كليمنت، فأصبحت إحدى أميرات الأسرة المالكة، وبلغت غاية ما تمنَّته وعلَّلت نفسها بالحصول عليه، وتسنَّى لها الوقوف في أعلى درجات العظمة والمجد، مرفوعة الرأس موفورة الكرامة وقاطعة ألسنة الوشاة والنمَّامين، وظلَّت بضع سنوات ناعمة في ظلال الصفاء والرخاء، تجرُّ ذيول الغبطة والسعادة، وترشف كئوس المسرَّة مترعة.

ولكن الدهر الذي بَسَمَ لها مصافيًا مواليًا عاد فعبس وتجهَّم. فبعدما أخلص لها زوجها الحب والوفاء، مال عنها بعد سنوات إلى اللادي أليرا كربنتر، وكانت ذات حُسن بارع وجمال رائع، فسَبَتْ لُبَّه وأسرت قلبه. وبذلت الدوقة ماري جهدها في نصحه وإرجاعه عن غيِّه، فذهبت مساعيها أدراج الرياح. ولما أعيتها الحيل وتحقَّقت أن زوجها انتزع قلبه منها ووهبه لغيرها، أبت البقاء معه وسعت في الانفصال عنه. وقضت بقية أيامها في عزلة وانفراد متفرِّغة لإغاثة الفقراء والمساكين بالرفق بهم والتصدُّق عليهم. ولما تُوفيت في ٢٣ أغسطس سنة ١٨٠٧ بعد وفاة زوجها بسنتين لم يكن الاحتفال الملكي الفخم بجنازتها عنوان إيفائها حقَّها من التجلة والتكريم، بل كانت كما قال ولموت دكسون: «الدموع الغزيرة التي ذرفتها عيون الفقراء البائسين — رجالًا ونساءً وأولادًا — أولئك المتربين المدقعين، الذين طالما زارتهم في بيوتهم وتصدَّقت عليهم بما خفَّف وطأة بؤسهم وشقائهم، وحلَّى مرارة أحزانهم وأدوائهم. هؤلاء كلهم اصطفوا على جانبَي الطريق إلى كنيسة سنت جورج في ونسور حيث دفنت الأميرة وهم يبكونها بدموع غزيرة وقلوب كسيرة.»

أما بناتها الثلاث من زوجها الأول، فصارت الأولى منهن كونتس والدغرايف، والثانية دوقة غرافتن، والثالثة لادي سيمور. وكان لها من زوجها الثاني ولدان: أحدهما الأمير وليم فردريك دوق غلوسستر، الذي تزوَّج الأميرة ماري ابنة عمه الملك جورج الثالث، وثانيهما الأميرة صوفيا، وقد توفيت سنة ١٨٤٤ عزبة. فلو قُدِّر لماري كليمنت الخيَّاطة أن تعمَّر قليلًا لشاهدت حفيدها زوج ابنة الملك وحفيدتها أميرة خطيرة تدعو الملك عمها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤