الفصل الثامن

أكبرُ من صبي الخبَّاز

قال سيريل: «انتبهوا لما سأقوله؛ فلديَّ فكرة.»

قال روبرت بتعاطف: «هل تؤلِّمك بشدة؟»

«لا تكن وقحًا؛ فأنا لا أخادع.»

قالت أنثيا: «اصمت، يا روبرت!»

قال روبرت: «سُكوتًا لنسمع خطبة السنجاب.»

بينما كان سيريل يحاول الاحتفاظ بتوازنه على حافة خزان المياه في الفناء الخلفي، حيث صادف أن اجتمع عنده الجميع، تحدَّث قائلًا: «أيُّها الأصدقاء، أيُّها الرومان، أيُّها السادة، أيتها السيدات، لقد وجدنا عفريت رمالٍ، وقد حقق لنا أمنيات، وصار لنا أجنحة، وكنا في غاية الجمال، لقد كان ذلك ممتعًا جدًّا لحدٍّ لا يُوصف، وكان لدينا الثروة والقلاع، كما خضنا تجربة صعبة مع هؤلاء الغجر الذين كانوا يرغبون في أخذ الحَمَل منا. حدث لنا كلُّ هذا، لكننا لم ننتفع بشيء، ليس لدينا أي شيء يستحق أن نشعر بالامتنان لأجله، في واقع الأمر.»

قال روبرت: «ولكن كان هناك أشياء تحدث، كانت أمنيتنا دومًا ما تتحقق.»

قال سيريل بحزم: «هذا لا يكفي، ما لم تكن هي الأمنيات الصائبة، وقد كنتُ أفكر …» همس روبرت قائلًا: «هل فعلت حقًّا؟»

«… في سكون الليل، يبدو الأمر كما لو طُلب منك فجأة استذكار شيءٍ من التاريخ؛ تاريخ معركة أو ما شابه، تلك المعلومة تظل على علمٍ بها طوال الوقت، ولكن عندما تُسأل عنها، تخرج من رأسك فلا تجدها. سيداتي سادتي، أنتم تعرفون جيدًا أننا عندما نرتكب الحماقة كعادتنا تَتراكَمُ علينا أكوام من المشكلات، ثم عند ذلك تخطر على أذهاننا الأمنية الحقيقية الجديرة بالطلب لكل رائي …»

قال روبرت لهم: «اسمعوا، اسمعوا!»

تابع سيريل قائلًا: «… لكل رائي، مهما كان غبيًّا، لماذا، حتى روبرت قد يفكر في رغبة مفيدة حقًّا هذا إذا لم يجرح عقله الصغير السقيم وهو يحاول التفكير جاهدًا، اخرس يا روبرت، أقول لك! لقد حان وقت إنهاء استعراضك.»

على حافة خزان المياه، شبَّ صراعٌ مثير أصابهما ببلل، وعندما انتهى الأمر، وجفَّ الصبيَّانِ جزئيًّا، قالت أنثيا:

«لقد كنت أنت حقًّا من بدأ ذلك يا روبرت، الآن وقد أرضيت غرورك، هلا تركت السنجاب يكمل؛ فنحن نُهدر الصباح بأكمله.»

قال سيريل وهو لا يزال يعصر ذيل سترته: «حسنًا إذن، سأدعو إلى هدنة إذا أراد روبرت ذلك.»

قال روبرت متجهمًا: «حسنًا، قبلت ذلك، لكن لديَّ تورمٌ كبير مثل كرة الكريكيت فوق عيني.»

عرضت أنثيا بتعقُّل منديلًا غباريَّ اللون، فبلَّل روبرت جروحه في صمت، قالت أنثيا: «والآن، يا سنجاب.»

«حسنًا — دعونا فقط نلعب لعبة قُطَّاع الطرق أو بناء الحصون أو الجنود أو أيًّا من الألعاب القديمة. نحن واثقون من أننا نفكر عندما نحاول ألا نفعل. هذا ما تفعلونه دومًا.»

وافق الآخرون، واختاروا لعبة قُطَّاع الطرق على عجل. قالت جين عابسةً: «إنها جيدة كأي لعبة أخرى.» يجب أن نقرَّ بأن روبرت لم يكن في البداية إلا قاطع طريق تعوزه الحماسة، ولكن عندما استعارت أنثيا من مارثا منديلًا ذا نقاط حمراء، كان الحارس قد أحضر فيه حبَّات الفِطر خاصتها صباح ذلك اليوم، وربطت به رأس روبرت حتى يبدو كما لو أنه البطل الجريح الذي أنقذ حياة رئيس العصابة بالأمس، فقد شعر بالابتهاج للغاية، وسرعان ما أصبحوا جميعًا مسلحين. وتبدو الأقواس والسهام المتدلية على ظهورهم جيدة، وتعطي المظلات وعصي الكريكيت العالقة في الحزام انطباعًا جيدًا بأنهم مدجَّجون بالسلاح. وللقبعات المصنوعة من القطن الأبيض التي يرتديها الرجال في الريف هذه الأيام تأثيرٌ لصوصي كبير جدًّا عندما تُعلق فيها بضع ريشات من ديك رومي. كانت عربة الحَمَل مغطاةً بمفرش طاولة ذي مربعاتٍ تحمل اللونين الأحمر والأزرق؛ ما جعل منها عربةَ أمتعةٍ مثيرةٍ للإعجاب. كان الحَمَل نائمًا بداخلها ولم يكن حجر عثرة في طريقهم، وهكذا انطلقت العصابة على طول الطريق المؤدي إلى الحفرة الرملية.

قال سيريل: «من الأفضل أن نكونَ بالقرب من عفريت الرمال في حالِ ما إذا خطرَت لنا فكرة فجأة.»

من الجيد جدًّا أن تقرِّر أن تلعبَ لعبة العصابات أو لعبة الشطرنج، أو كرة الطاولة، أو أي لعبة أخرى مقبولة ولكن ليس من السهل فِعْل ذلك بحيوية وحماس عندما تكون كل الرغبات الرائعة التي يمكنك التفكير فيها، أو التي لا يمكنك التفكير فيها، قابَ قوسَين منك أو أدنى. أضحت اللعبةُ مملَّةً بعض الشيء، حين بدأ بعض اللصوص الشعور بأن الآخرين كانوا مُملِّين، وقالوا ذلك بصراحة، حينما جاء صبي الخبَّاز على الطريق ومعه أرغفة في سلة؛ فلم يكونوا ليضيعوا الفرصة.

صرخ سيريل قائلًا: «قف وسلِّم ما معك!»

قال روبرت: «إما أموالك، وإما حياتك!»

ووقفا على جانبي صبي الخبَّاز. لسوء الحظ، لم يبدُ أنه متحمسٌ للمشاركة في اللعب معهم. كان صبي الخبَّاز كبير الحجم على نحوٍ غير معتاد. لقد اكتفى بالقول:

«ابتعدوا عني الآن، هل تسمعون؟» ودفع قُطَّاع الطريق جانبًا بازدراءٍ شديد.

عندئذٍ لفَّ روبرت حبل النط الخاص بجين حول الصبي، وبدلًا من التفاف الحبل حول كتفيه، كما أراد روبرت، التفَّ حول قدميه فسقط على الأرض. انقلبَت السلة، وتناثرَت الأرغفة الطازجة الجميلة على قارعة الطريق الطباشيري المُغبَّر، ركضَت الفتاتان لالتقاطها، وفي لحظةٍ كان روبرت وصبي الخبَّاز يتقاتلان، رجلًا لرجل، بينما وقف سيريل متفرجًا ليكون القتال نظيفًا وعادلًا بينما حبل النط يلتف حول أرجلهم مثل ثعبان مهتم يرغب في الإصلاح بينهما، ولكنه لم ينجح في ذلك. في الحقيقة لم تكن الطريقة التي كان يبزغ بها مقبضا الحبل الخشبيان فجأة وبسرعة ليضربا المتقاتلين في ساقيهما وكاحليهما طريقة إحلال سلام على الإطلاق. أعلم أن هذه هي المعركة — أو الشجار الثاني — في هذا الفصل، لكن لا أستطيع سوى التحدث عنه. كان هذا من الأيام العصيبة. بالتأكيد تعلمون أن هناك أيامًا يبدو أنكم تخوضون فيها معارك، دون إرادة منكم. ولو كنتُ كاتبةً لقصص المغامرة كتلك التي اعتدتُ قراءتها في مجلة «صبية إنجلترا» عندما كنت صغيرةً، لأستطعتُ بالطبع وصف المعركة، لكنني لا يمكنني فعل ذلك. لا يمكنني أبدًا أن أفهم ما يحدث أثناء القتال، حتى عندما لا يكون سوى قتال بين كلاب، كما أنني لو كنت أحد الكُتَّاب المساهمين في مجلة «صبية إنجلترا»، لكان روبرت حصل على المركز الأول، لكنني مثل جورج واشنطن، لا أستطيع أن أكذب، حتى على شجرة كرز، ناهيك عن أن يكون قتال، ولا يمكنني أن أخفي عنكم أن روبرت تعرض للضرب المبرح، للمرة الثانية في ذلك اليوم. فقد أحدث صبي الخبَّاز تورُّمًا في عينه الأخرى، ونظرًا لأنه كان يجهل القواعد الأولى للَّعب النظيف والسلوك الراقي، فقد شدَّ كذلك شعر روبرت وركله في ركبته، اعتاد روبرت دائمًا أن يقول إنه كان يمكنه أن يُوسِع الجَزَّار نفسه ضَربًا لولا وجود الفتاتَيْن، لكنني لست متأكدةً. على أي حال، كان هذا ما حدث، وكان مؤلمًا جدًّا للأولاد الذين يعتزون بأنفسهم.

كان سيريل على وشك أن ينزع معطفه لمساعدة أخيه كما ينبغي، عندما أحاطت جين ذراعَيها حول ساقَيه وبدأت في البكاء وهي ترجوه ألا يذهب لكيلا يُضرب هو أيضًا. كانت كلمة «أيضًا» جميلة الوقع بالنسبة إلى روبرت، ولك أن تتخيَّل، ولكنها لا تُقارَن بما شعر به عندما اندفعت أنثيا لتقف حائلًا بينه وبين صبي الخبَّاز، وأمسكت ذلك المقاتل الغاشم والمجرد من الرحمة من منطقة الخصر، مناشدةً إياه أن يتوقف عن العراك.

قالت وعيناها تفيضان بالدموع: «أوه، توقف عن إيذاء أخي! فهو لم يكن يقصد ذلك، إنها مجرد لعبة. وأنا متأكدة من أنه آسفٌ جدًّا.»

تستطيعون أن تدركوا كيف كان هذا ظالمًا لروبرت؛ لأنه لو كان لدى صبي الخبَّاز أيٌّ من غرائز الحق والشهامة، وأذعن لمناشدة أنثيا وقبِل اعتذارها وتوسلاتها المهينة، لما استطاع روبرت — أخلاقيًّا — من فعل أي شيء له في وقتٍ لاحق، ولكن مخاوف روبرت — إن كانت لديه أي مخاوف — قد تبدَّدت في الحال، فقد كانت الشهامة كلمة غريبة على صبي الخبَّاز، فلقد دفع أنثيا بعيدًا بعنف شديد، وطارد روبرت بالركلات والشتائم الشنيعة على الطريق المؤدي إلى الحفرة الرملية، وهناك أسقطه بركلةٍ أخيرة على كومة من الرمال.

قال: «لقد لقنتك درسًا، أيُّها الحقير الصغير!» وتركه لالتقاط الأرغفة واستئناف عمله. لا يستطيع سيريل، الذي أعاقته جين، أن يفعل شيئًا دون إلحاق الأذى بها؛ لأنها تشبثت بساقيه بقوة يائسة. وغادَر صبي الخبَّاز وقد احمرَّ وجهه وتصبَّب عرقًا. ولم يكتفِ بما فعل، بل استمر في إساءته إليهم، داعيًا إياهم شِرْذِمَة من البُلَهاء الحمقى، واختفى عند منعطف الطريق، فأرخت جين قبضتها، واستدار سيريل بكرامةٍ صامتة ومضى خلف روبرت، وتبعتْه الفتاتان، تبكيان دون توقف.

كانوا يشعرون بالحزن الشديد وألقَوْا بأجسامهم على الرمال بجانب روبرت الذي كان يبكي بشدةٍ وهو يشعر بالغضب الشديد. أعلم أن الأطفال الأبطال حقًّا عادة ما لا يبكون بعد الاقتتال، ولكنهم بعد ذلك دائمًا ما يفوزون، وهو ما لم يكن عليه الحال مع روبرت.

كان سيريل غاضبًا من جين؛ وكان روبرت حانقًا على أنثيا؛ وكانت الفتاتان بائستَين، ولم يكن أحد من الأربعة راضيًا عن صبي الخبَّاز، وكان هناك، كما يقول الكُتَّاب الفرنسيون: «صمتٌ مشحونٌ بالانفعالات.»

ثم حفر روبرت بقدمَيه ويدَيه في الرمال وهو يستشيط غضبًا قائلًا: «كان على الصبي أن ينتظرني حتى أَكبَرَ؛ ذاك الحيوان الجبان، اللعنة عليه! إنني أكرهه! لكنني سأنتقم منه، لقد غلبني فقط لأنه يكبرني جسمًا.»

قالت جين بلامبالاة: «أنت الذي بدأت هذا الشجار.»

«أعلم أنني فعلت، أيتها السخيفة — لكننا كما تعلمين كنا نلعب فحسب، وهو من ركلني؛ انظري هنا …»

أنزل روبرت أحد جوربيه وأظهر كدمة أرجوانية اللون بها بقعة حمراء، وقال: «كم كنت أتمنى أن أكون أكبر منه.»

حفر بأصابعه في الرمال، ثم انتصب واقفًا؛ لأن يده قد لمست شيئًا ذا فراء. بالطبع كان ذلك عفريت الرمال. علق سيريل قائلًا: «إنه يتطلع إلى جعلهم يبدون حمقى كالعادة.» بطبيعة الحال، تحققت أمنية روبرت على الفور، فأصبح أكبر من صبي الخبَّاز، أوه، بل أكبر بكثير، لقد كان أكبر من الشرطي الكبير الذي اعتاد أن يكون عند التقاطع أمام منزل عمدة لندن منذ سنوات؛ ذاك الشرطي الطيب القلب الذي كان يُساعد السيدات العجائز على عبور الطريق؛ كان أكبر رجل رأيته على الإطلاق، وأكثرهم طيبة كذلك. لم يكن لدى أحدهم مسطرة في جيبه؛ لذا لم يكن ممكنًا قياس طول روبرت، لكنه كان أطول من والد أحدكم إذا وقف على رأس أمه، وهو شيء لا أعتقد أنه سيفعله أبدًا لأنه ليس قاسيًا لهذه الدرجة. لا بد أن طول روبرت كان يتراوح بين عشر أو إحدى عشرة قدمًا، وعرضه كما يجب أن يكون لفتًى في مثل هذا الطول. لحسن الحظ كبرت بدلة النورفولك الخاصة به أيضًا، وهو يظهر مرتديًا لها الآن، وقد أنزل أحد جوربَيه الكبيرَيْن لإظهار الكدمة العملاقة في ساقه الضخمة. الدموع الكبيرة التي انهمرت منه لغضبه الشديد لا تزال على وجهه العملاق المتورد. ولقد بدا مندهشًا للغاية، وكان كبيرًا جدًّا لارتدائه ياقة إيتون، حتى إن الآخرين لم يستطيعوا أن يكتموا الضحك.

قال سيريل: «لقد خدعَنا عفريتُ الرمال مرة أخرى.»

قال روبرت: «لم يخدعنا، بل خدعني.» ثم أضاف بطيشٍ: «لو كان لديك أي أخلاقٍ كريمة لكنت جعلته يضخمك لتصبح بحجمي هذا، فليس لديك فكرة عن سخافة هذا الشعور.»

افتتح سيريل كلامه قائلًا: «وأنا لا أريد ذلك؛ يمكنني أن أرى جيدًا كيف يبدو الوضع سخيفًا.» لكن أنثيا قالت:

«أوه، توقفا! لا أعرف ما الذي أصابكما اليوم يا أولاد. استمع لما أقول يا سنجاب. دعنا نلعب بصورةٍ عادلة. كم هو كريه أن يصبح روبرت المسكين بهذه الضخامة، وأن يكون وحده كذلك. هيا نتمنى على عفريت الرمال أمنيةً أخرى لعله يوافق. في الواقع، أعتقد أنه ينبغي علينا أن نصير بنفس حجمه.»

وافق الآخرون، ولكن ليس بحماس، ولكنهم عندما عثروا على عفريت الرمال، لم يوافق.

ردَّ عليهم ردًّا قاطعًا وفرك وجهه بقدميه قائلًا: «لا، لن أفعل ذلك، إنه فتًى عنيف وقح، وسيصلح من شأنه قليلًا أن يصبح بهذا الحجم. لماذا حفر بحثًا عني بيدَيه الرطبتَين؟ لقد أوشك أن يمسني ويبللني! إنه متوحش للغاية. إن صبيًّا من العصر الحجري كان سيصبح أكثر منه تعقلًا.»

كانت يدا روبرت مبللتَيْن بالفعل بالدموع.

«ابتعدوا عني واتركوني في سلام، هيا اذهبوا. لا أستطيع أن أعرف السبب الذي يجعلكم تعجزون عن تمني أمنية معقولة؛ شيء تأكلونه أو تشربونه، أو أن تُمنَحوا أخلاقًا حميدة، أو حالة مزاجية طيبة. اذهبوا الآن من هنا، هيا!»

زمجر عفريت الرمال وهو يهز شواربه، ثم أعطاهم ظهره البني الكئيب، فشعر أكثرهم تفاؤلًا أنه لا طائل من محاولة التفاوض معه، فتحولوا مرة أخرى إلى روبرت الضخم.

قالوا جميعًا: «ماذا عسانا أن نفعل؟»

قال روبرت متكدرًا: «أولًا، سأتفاهم مع صبي الخبَّاز، سألحق به في نهاية الطريق.»

قال سيريل: «لا تضرب غلامًا أصغر منك، أيُّها الرجل الكبير.»

قال روبرت باحتقار: «هل أبدو كمن سيضربه؟ ليس هناك ما يدعوني لقتله. لكنني سأُعطيه شيئًا للذكرى. انتظر حتى أرفع جوربي.» رفع روبرت جوربه الذي كان كبيرًا بحجم غطاء وسادة صغيرة وأخذ يمشي. كان اتساع خطواته يتراوح ما بين ست أو سبع أقدام؛ لذا كان من السهل عليه أن يكون عند سفح التل، في انتظار صبي الخبَّاز الذي نزل وهو يؤرجح السلة الفارغة في طريقه لمقابلة عربة سيده، التي كانت توزِّع الخبز على البيوت الريفية الواقعة على طول الطريق.

ربضَّ روبرت على مقربة من الصبي وراء كومة قش في فناء مزرعة، وعندما سمع الصبي يقترب مصفِّرًا، قفز نحوه وأمسك بخناقه.

قال وقد أصبح صوته يعدل نحو أربعة أضعاف علوه المعتاد، تمامًا كما أصبح جسده يعدل أربعة أضعاف حجمه الأصلي: «والآن سأعلِّمك كيف تركل الأولاد الذين هم أصغر منك.»

رفع صبيَّ الخبَّاز ووضعه على أعلى كومة القش، التي كان ارتفاعها يبلغ نحو ست عشرة قدمًا من الأرض، ثم جلس على سطح حظيرة الأبقار وأخبر صبي الخبَّاز برأيه فيه بالضبط. لا أعتقد أن الصبي سمع كل شيء؛ فقد كان في حالة رعب شديد، عندما انتهى روبرت من قول كل شيء خطر بباله، حتى إنه كرَّر بعض الأشياء مرتين، هزَّ الصبي قائلًا:

«والآن ابحث عن أفضل طريقة يمكنك بها النزول من أعلى الكومة.» ثم تركه وغادر.

لا أعرف كيف تمكَّن صبي الخبَّاز من النزول، لكنني أعلم أن العربة قد فاتتْه، ومن المؤكَّد أنه قد تعرَّض للعقاب في المخبز، وإني لأشعر بالأسف لما حدث له — ولكن رغم كل شيء — كان من الصواب أن يتعلَّم أن الصبية الإنجليزيين يجب ألَّا يستخدموا أقدامهم عندما يتعاركون، لكن بمقدورهم استخدام قبضاتهم بدلًا من ذلك، وبالطبع تعرَّض لعقوبة أشد عندما حاول إخبار سيده عن الصبي الذي ضربه والعملاق الذي كان في حجم كنيسة؛ لأنه لم يكن لأحد أن يصدق مثل هذه القصة، وفي اليوم التالي، صدقوها ولكن بعد فوات الأوان، عندما لم يكن لذلك كبير فائدة لصبي الخبَّاز.

عندما عاد روبرت إلى إخوته، وجدهم في الحديقة، فقد طلبت أنثيا من مارثا أن تسمح لهم بتناول الغداء هناك لأن غرفة الطعام كانت صغيرة إلى حدٍّ ما، وكان من الصعب جدًّا أن يتواجد بها أخٌ بحجم روبرت، أما الحَمَل، الذي كان ينام بهدوء في الخارج طوال فترة الصباح العاصف، فقد ظل يعطس، فقالت مارثا إنه مصاب بنزلة برد وسيكون بحال أفضل في الداخل.

قال سيريل: «في واقع الأمر، هذا أفضل؛ إذ لا أعتقد أنه كان سيكف عن الصراخ إن رآك بهذا الحجم المرعب!»

كان حجم روبرت في الواقع ما يمكن أن يصفه تاجر الملابس بأنه أكبر من «المقاس المألوف» لدى الأولاد، لقد وجد نفسه قادرًا بسهولةٍ أن يخطوَ فوق البوابة الحديدية التي في الحديقة الأمامية.

أخرجت مارثا الغداء الذي كان يتكوَّن من لحم البتلو البارد والبطاطا المهروسة، مع بودنج دقيق الساغو وبرقوق مطهو.

لم تلحظ بالطبع أن روبرت لم يكن بالحجم المعتاد؛ لذا فقد أعطته حصته المعتادة من اللحوم والبطاطس وليس أكثر من ذلك. لا تتصوَّروا مدى صغر حجم حصتكم المعتادة من الغداء عندما يتضاعف حجمكم عدة مرات، تذمَّر روبرت، وطلب المزيد من الخبز، لكن مارثا لن تستمر في تقديم المزيد من الخبز إلى الأبد. فقد كانت في عجلة من أمرها؛ لأن الحارس كان ينوي المرور بها في طريقه إلى معرض بنينهارست، وكانت ترغب أن تتزيَّن قبل مجيئه.

قال روبرت: «أتمنى أن نذهب إلى المعرض.»

قال سيريل: «لا يمكنك الذهاب إلى أي مكان بهذا الحجم.»

قال روبرت: «ولمَ لا؟ لديهم عمالقة في المعارض، أكبر مني.»

قال سيريل: «ليس أكبر منك كثيرًا كما تظن.» عندئذٍ صرخت جين: «أوه!» كانت الصرخة مفاجئة وصاخبة لدرجة أنهم ضربوها جميعًا على ظهرها متسائلين عما إذا كانت قد ابتلعت نواة برقوق.

قالت وهي تلتقط أنفاسها من أثَر الضرب على ظهرها: «لا، ليست نواة برقوق، بل إنها فكرة، لنأخذ روبرت إلى المعرض، ونجعلهم يعطوننا مالًا مقابل أن نريهم إياه، ثم بذلك نكون قد انتفعنا بشيء من ذلك العفريت العجوز.»

قال روبرت ساخطًا: «صحيح، فلتأخذوني! بل من المحتمَل أن آخذكم أنا إلى هناك!»

وهذا ما آل إليه الأمر. فقد جذبت الفكرة الجميع على نحو لا يقاوم باستثناء روبرت، حتى إنه لم يرضَ إلا بعد اقتراح أنثيا بأنه سيحصل على ضعف نصيب أي أحد منهم من أي أموال قد يجنونها. كان هناك حنطور قديم في مرآبٍ بالمنزل، وهذا الحنطور كان يُطلق عليه عربة المربية. بدا أنه النوع المنشود للوصول إلى المعرض بأسرع وقت ممكن؛ لذا وافق روبرت الذي أصبح بإمكانه أن يقطع خطوات هائلة وبسرعة كبيرة بالفعل على نقل الآخرين في هذه العربة. لقد كان الأمر سهلًا بالنسبة إليه الآن مثلما كان يدفع عربة الحَمَل في الصباح. وقد منع البرد الحَمَل مرافقة المجموعة.

ثمة إحساس غريب ما بعثه السفر بعربة حنطور يجرُّها عملاق، ولقد استمتع الجميع بالرحلة باستثناء روبرت وعدد قليل من الناس الذين مروا بهم في طريقهم، والذين في الأغلب جنحوا إلى التوقف على جانب الطريق، كما قالت أنثيا، واختبأ روبرت عندما وصلوا إلى مشارف بنينهارست في حظيرة، بينما ذهب الآخرون إلى المعرض.

كان هناك بعض الأراجيح، وأصوات هتافات وأبواق تدوِّي من لعبة دوامة الخيل، ومنصة للرماية ولعبة ضرب جوز الهند بالكرات. صعد سيريل وهو يقاوم اندفاعه للفوز بجوز الهند أو على الأقل ليحظى بالمغامرة إلى المرأة التي كانت تحمل بنادقَ صغيرة قُبالة مجموعة من الزجاجات المصفوفة أمام قماشٍ غليظ.

قالت المرأة: «أيُّها الفتى المهذب، محاولة التصويب الواحدة ببنس واحد!»

قال سيريل: «لا، شكرًا لكِ، نحن هنا من أجل العمل، وليس من أجل الترفيه، من هو مدير المكان؟»

«عفوًا، عمن تسأل؟»

«المدير، الرئيس، صاحب هذا المعرض.»

قالت وهي تشير إلى رجل بدين يرتدي سترةً متسخة من الكتان كان ينام في الشمس: «إنه هناك، لكنني لا أنصحك بإيقاظه فجأة، فسيتعكر مزاجه، وخاصة في هذه الأيام الحارة، من الأفضل الانتظار حتى يصحو.»

قال سيريل: «إن الأمر مهم، وسيكون مربحًا جدًّا له، وأعتقد أنه سيأسف إذا مضينا دون أن نعرضه عليه.»

قالت المرأة: «حسنًا، ما دام الأمر يتعلق بمكسبٍ مادي، فما هو ذاك الشيء، مع العلم بأنه لا مجال للمزاح؟»

«برفقتنا عملاق.»

«أتمزح؟»

قالت أنثيا: «تعالَي وانظري.»

نظرت المرأة إليهم بارتياب، ثم دعت فتاة صغيرة رثَّة الثياب ذات جواربَ مخططة وتنورةٍ تحتية بيضاء متسخة تظهر من تحت ثوبها البني، وجعلتها مسئولة عن «منصة التصويب» والتفتت إلى أنثيا قائلة: «حسنًا أسرعي، ولكن إذا كنتِ تمزحين، فمن الأفضل أن تقولي ذلك الآن، أنا متسامحة إلى حد بعيد فيما يخصني، لكن زوجي بيل يفقد أعصابه بسهولة و…»

قادتها أنثيا إلى الحظيرة، وقالت: «إنه حقًّا عملاق، إنه ولد صغير عملاق — يرتدي زي نورفولك مثل أخي الذي هناك، ولم نُدخِله المعرض لأن الناس سيحدِّقون به، ويبدو أنهم سيندفعون إليه عندما يرونه، وكنا نظن أنكم ربما ترغبون في عرضه على الناس مقابل الحصول على نقود، ولن تفعلوا ذلك حتى تدفعوا لنا. وكل ما سيتعين عليكم أن تدفعوا لنا مبلغًا كبيرًا؛ لأننا وعدناه أن يحصل على ضعف نصيب كل منَّا.»

غمغمت المرأة بكلام غير واضح، لم يتمكن الأطفال من سماع شيء منه سوى بعض الكلمات، «ليساعدني!» و«مخبول» و«كعكة محلَّاة» وهي كلمات لم يستطيعوا أن يفهموا منها أي فكرةٍ محددة. كانت قد أخذت يد أنثيا، وأمسكتها بشدة؛ ولم تستطع أنثيا أن تمنع نفسها عن التساؤل عما إذا كان روبرت قد غادر مكانه أو عاد إلى حجمه الطبيعي خلال الفترة التي تركوه خلالها، لكنها تذكرت أن الأمنيات التي حققها عفريت الرمال لهم استمرت فعلًا إلى وقت غروب الشمس، بصرف النظر عن مدى انزعاجهم منها؛ ولم تعتقد بطريقةٍ ما أو بأخرى أن روبرت سيرغب في الخروج بمفرده وهو بهذا الحجم.

عندما وصلوا إلى الحظيرة، نادى سيريل: «روبرت!» كان هناك جلبة بين القش المهلهل، وبدأ روبرت في الخروج، ظهرت يده وذراعه أولًا؛ ثم قدمه وساقه، وعندما رأت المرأة اليد قالت: «يا إلهي!» لكنها عندما رأت القدم قالت: «يا للهول!» وعندما أخذ يظهر شيئًا فشيئًا جسدُ روبرت الضخم لتكتمل الصورة في النهاية، أخذت نفسًا عميقًا وقالت أشياء كثيرة تصبح بجانبها الكلمات التي قالتها في البداية مثل «مخبول» و«كعكة محلَّاة» عاديةً للغاية. وأخيرًا، تفوَّهت بلغة مفهومة.

قالت بحماس: «ماذا تريدون مقابله؟ أي شيء سيبدو معقولًا، سنحتاج إلى صنع عربة خاصة له. على أقل تقدير، أعرف مكانًا تُوجد فيه عربةٌ مستعملة كانت مخصَّصة لفيل رضيع قد مات، ماذا تريدون مقابله؟ إنه لطيف، أليس كذلك؟ معظم العمالقة يكونون كذلك — لكنني لا أراهم أبدًا — لا، أبدًا! ماذا تريدون ثمنًا له؟ الآن وفورًا، وسوف نعامله كملك، ونمنحه وجبات من الدرجة الأولى وفِراشًا مناسبًا، لا بد أنه غريب الأطوار ليرضى أن يقود بكم الحنطور، ماذا تريدون ثمنًا له؟»

قال روبرت بشدة: «لن يأخذوا أي شيء، وأنا لست أكثر لطفًا مما أنتِ عليه؛ ليس إلى هذا الحد، ولا عجبَ في ذلك، بل سآتي إليكم وأقدم عرضًا اليوم إذا كنتم ستعطونني …» — وتردد النطق بالسعر الهائل الذي كان على وشك أن يطرحه — «إذا كنتم ستعطونني خمسة عشر شلنًا.»

قالت المرأة في رد غير متوقع: «موافقون.» لدرجة أن روبرت شعر أنه لم ينصف نفسه، وتمنى لو أنه طلب ثلاثين شلنًا. وواصلت المرأة كلامها قائلة: «تعال الآن — لتقابل زوجي بيل — وسنعمل على تحديد سعر لهذا الموسم، وأعتقد أنك قد تحصل على ما يصل إلى جنيه في الأسبوع بانتظام. تعال واجعل نفسك صغيرًا قدر الإمكان، حبًّا بالله!»

لم يمكنه أن يصبح صغيرًا بما فيه الكفاية، وسرعان ما تجمع حوله حشد، بحيث كان روبرت على رأس موكب متحمس عندما وطئت قدماه المرج الممهَّد المقام عليه المعرض، وخطا على الأعشاب المتربة الصفراء القصيرة إلى باب أكبر خيمة. تسلَّل داخلها، بينما ذهبَت المرأة إلى بيل. لقد كان الرجل الضخم نائمًا، ولم يبدُ مسرورًا على الإطلاق من إيقاظه، رآه سيريل — وهو يراقب من خلال الشق في الخيمة — وهو يتجهم ويهز قبضته الثقيلة ورأسه النعسان، ثم استمرت المرأة في التحدُّث إليه بسرعة كبيرة، سمع سيريل كلامًا من قبيل «يا إلهي!» و«أكبر ربحٍ لك على الإطلاق؛ لذا ساعدني!» وبدأ يشعر بشعور روبرت بأن خمسة عشر شلنًا كانت بالفعل أقل مما ينبغي، اتجه بيل بخطواته المترهلة باتجاه الخيمة ودخلها، وعندما رأى الأبعاد الهائلة لروبرت قال شيئًا من قبيل «يا للعجب!» تلك كانت الكلمات الوحيدة التي يمكن أن يتذكرها الأطفال بعد ذلك، لكنه عرض خمسة عشر شلنًا، معظمها من فئة الستة بنسات والعملات النحاسية، وسلَّمها إلى روبرت.

وقال بحماس شديد: «سنصل إلى اتفاق فيما بيننا حول الأرباح بعد نهاية العرض الليلة، يا إلهي! ستكون سعيدًا معنا حتى إنك لن ترغب في أن تتركنا، هل يمكنك أن تغنِّيَ الآن أو أن تؤديَ بعض الرقصات الشعبية؟»

قال روبرت: «ليس اليوم.» رافضًا فكرة محاولة غناء أغنية «كما كان الحال في شهر مايو»، وهي الأغنية المفضَّلة لأمه، والأغنية الوحيدة التي يمكن أن يفكر بها في الوقت الحالي.

تابع الرجل قائلًا: «فليأتِ ليفي ليلتقط له صورًا، وأخلوا الخيمة، وضعوا ستارة أو شيئًا ما، يا إلهي! للأسف ليس لدينا لباس رقص في مقاسه! ولكن سيكون لدينا قبل نهاية الأسبوع، أيُّها الشاب، لقد صنعت ثروتك، من الجيد أنك أتيت إليَّ، وليس إلى شخصٍ آخر، يمكنني أن أؤكِّد لك ذلك، لقد عرفت رجالًا يضربون عمالقتهم، ويجوعونهم أيضًا؛ لذلك سأخبرك بصراحة، أنت محظوظ هذا اليوم كما لم تكن قطُّ من قبل، لأنني حَمَلٌ وديع، ولا أخدعك.»

قال روبرت وهو ينظر إلى «الحَمَل الوديع»: «أنا لا أخاف من أن يضربني أحد.» كان روبرت جاثمًا على ركبتيه؛ لأن الخيمة لم تكن كبيرة بما يكفي للوقوف منتصبًا، لكن حتى في هذا الوضع كان لا يزال بإمكانه أن ينظر إلى معظم الناس من أعلى، وأردف قائلًا: «ولكنني جائعٌ إلى أبعد حدٍّ، أتمنى أن تأتيَني بشيءٍ لآكله.»

قال بيل بصوتٍ أجش: «حسنًا يا بيكا، أحضري له بعض الطعام وليكن من أفضل ما لديك، من فضلك!» ثم همس لها بشيءٍ آخر، لم يسمع منه الأطفال سوى «أول ما تفعلينه في الغد أن تكتبي اتفاقًا رسميًّا معه.»

عندئذٍ ذهبت المرأة للإتيان بالطعام الذي اتضح بعدما أحضرته أنه لم يكن إلا الخبز والجبن فقط، لكنه كان لذيذًا لروبرت الضخم الجائع؛ وذهب الرجل لنشر الحراس حول الخيمة، للتنبيه إذا ما حاول روبرت الهرب بالخمسة عشر شلنًا.

قالت أنثيا بسخط عندما اتضح لها ما يعنيه وجود الحراس: «كما لو كنا لسنا صادقين.»

ثم بدأت فترة ما بعد الظهر والتي كانت غريبة جدًّا ورائعة.

كان بيل رجلًا محترفًا في عمله؛ ففي فترةٍ وجيزة، كانت المناظر الفوتوغرافية، والنظارات التي تنظر إليها من خلالها، بحيث تبدو حقيقية إلى حد ما، والأضواء التي تراها بتسليطها عليها، كانت كلها جاهزة، كان هناك ستارة وكانت عبارة عن سجادةٍ قديمة باللونين الأحمر والأسود عُلقت بالخيمة من الداخل، حيث احتجب روبرت خلفها، وكان بيل يقف على منصة الخطابة خارج الخيمة يلقي كلمة. لقد كانت كلمة جيدة. حيث بدأ بالقول إن العملاق الذي من دواعي سروره أنه سيعرضه على الجمهور في ذلك اليوم هو الابن الأكبر لإمبراطور سان فرانسيسكو، الذي اضطرتْه علاقة حب مؤسفة مع دوقة جزر فيجي لمغادرة بلده واللجوء إلى إنجلترا — أرض الحرية — حيث إن الحرية فيها من حق كل إنسان، مهما كان حجمه. وأنهى كلمته بالإعلان عن أن العشرين الأوائل الذين سيأتون إلى باب الخيمة سوف يرون العملاق مقابل ثلاثة بنسات للفرد الواحد. وقال بيل: «بعد ذلك، سيرتفع السعر، وأنا لا ألتزم بتحديد ما سيئول إليه؛ لذا فهذه فرصتكم.»

كان أولَ مَن تقدم شابٌّ برفقة محبوبته في موعدٍ جمعهما بعد الظُّهر. في تلك المناسبة، كان يتعامل بفخامة وسخاء كما الأمراء، فلم يكن لديه أي اعتراض فيما يتعلق بالنقود. وكان قراره عندما رغبت محبوبته في أن ترى العملاق؛ حسنًا، لا بد أن ترى العملاق، على الرغم من أن رؤية العملاق يكلف كلًّا منهما ثلاثة بنسات، في حين أنَّ كل وسيلةٍ من وسائل الترفيه الأخرى تكلِّف بنسًا واحدًا فقط.

رُفعَ طرفُ الخيمة، ودخل الثنائي، في اللحظة التالية، انطلقَت صرخة مدويَّة من الفتاة من شدةِ الإثارة وسط كل الحاضرين. عندئذٍ صفع بيل ساقه، وقال هامسًا لبيكا: «لقد تحقَّق المراد!» لقد كان بالفعل إعلانًا عظيمًا عن روعة روبرت. وعندما خرجت الفتاة كانت شاحبةً وترتجف، وكان الحشدُ قد تحلَّق حول الخيمة.

سألها أحد الحاضرين: «كيف كان شكله؟»

قالت: «يا إلهي! لقد كان منظرًا فظيعًا! لن يمكنك تصديقه، إنه كبير كالحظيرة، وضارٍ جدًّا لدرجة أن الدم جمد في عروقي، لم أكن لأفوت رؤيته بأي حال.»

كان سبب الضراوة فقط هو محاولة روبرت عدم الضحك، لكن الرغبة في الضحك سرعان ما فارقَتْه، وقبل غروب الشمس كان أقرب إلى البكاء منه إلى الضحك، وأكثر ميلًا للنوم من البكاء والضحك على السواء؛ لأن الناس استمروا في القدوم فرادى ومثنى وثلاث طوال فترة بعد الظهر، وكان على روبرت أن يصافحَ أولئك الذين يرغبون في ذلك، وأن يسمح لهم بلكمه وجذبه والتربيت عليه ووخزه، حتى يتمكن الناس من التأكد من أنه كان بالفعل حقيقيًّا.

جلس الأطفال الآخرون على مقاعد وشاهدوا وانتظروا، وكانوا يشعرون بالملل الشديد بالفعل. بدا لهم أن هذه كانت أصعب طريقة يمكن اختراعها لكسب المال، المال الذي هو خمسة عشر شلنًا فقط! وهو ما تحصَّل بيل على أربعة أضعافه بالفعل؛ لأن أخبار العملاق انتشرت، وجاء التجَّار في عرباتهم، والسادة في حناطيرهم، من كل حدبٍ وصوب، وقدم رجل نبيل يرتدي نظارة، ويعلق وردة صفراء كبيرة جدًّا في عروة سترته، وعرض على روبرت — هامسًا بطريقةٍ فيها نوعٌ من الإغراء — عشرة جنيهات في الأسبوع ليظهر في كريستال بالاس، اضطُر روبرت أن يرفض.

قال بأسف: «لا أستطيع، ولا فائدة من الوعد بما لا يمكنك فعله.»

«آه، يا صديقي المسكين، أنت مقيَّدٌ لسنوات على ما أظن، حسنًا، ها هي بطاقتي، وعندما تنقضي مدة عملك هنا، فلتأتني.»

قال روبرت بصدق: «سأفعل، إذا كنت بالحجم نفسه حينها.»

قال الرجل: «إذا كبر حجمك قليلًا، فستكون أفضل بكثير.» وعندما رحل الرجل، أومأ روبرت لسيريل وقال:

«أخبرهم أنه ينبغي عليَّ أن أستريح، وأريد الشاي الخاص بي.»

قُدِّم الشاي، وعُلِّقت ورقة بسرعة على الخيمة، كُتِبَ فيها:

مُغلقٌ لنصف ساعة ريثما يشرب العملاقُ الشاي.

عندئذٍ انعقد اجتماع الإخوة على عجل.

قال روبرت: «كيف يمكنني الفرار؟ لقد كنت أفكر في ذلك طيلة فترة ما بعد الظهر.»

«ولمَ؟ ما عليك إلا أن تخرج عندما تغرب الشمس وأنت بحجمك الطبيعي، عندئذٍ لا يمكنهم فعل أي شيء لنا.»

فتح روبرت عينيه وقال: «لماذا؟ سيرغبون في قتلي إذا رأَوْني في حجمي الطبيعي، لا، علينا أن نفكِّر بطريقةٍ أخرى. يجب أن نكون بمعزل عن الآخرين عند غروب الشمس.»

قال سيريل باهتمام: «أعلم ذلك.» وذهب إلى الباب، وكان بيل يدخِّن في الخارج بغليونٍ فخاري ويتحدَّث بصوت منخفض إلى «بيكا»، سمعه سيريل وهو يقول لها: «إنه أمر جيدٌ للغاية، إن هذا بمثابة كنز عثرنا عليه.»

قال سيريل: «انظر، يمكنك السماح للناس بالدخول مرةً أخرى بعد دقيقةٍ واحدة، لقد انتهى تقريبًا من تناول الشاي، ولكن يجب أن يُترك بمفرده عندما تغرب الشمس، لأنه يصبحُ غريب الأطوار في ذلك الوقت من اليوم، وإذا شعر بالقلقِ، فلن أكون مسئولًا عن العواقب.»

سأله بيل: «لماذا؟ ما الذي يحل به؟»

قال سيريل بصَرَاحَة: «لا أدري، يطرأ عليه نوع من التغيير يجعله شخصًا آخر تمامًا، بحيث يصعب عليك التعرف عليه، ويصبح غريبًا جدًّا في الحقيقة، وسيلحق الضرر بأحدهم إذا لم يُترك وحده عند غروب الشمس.» وكان سيريل صادقًا في هذا.

«سيتعافى من ذلك في المساء، أليس كذلك؟»

«بالطبع بعد نصف ساعة من غروب الشمس، سيعود هو نفسه تمامًا كما كان.»

قالت المرأة: «من الأفضل مداعبته.»

وهكذا، حدث ما دبَّره سيريل، فقبل نحو نصف ساعة من غروب الشمس، أُغلقت الخيمة مرة أخرى «ريثما يتناول العملاقُ العشاء.»

كان الحشد مبتهجًا جدًّا بوجبات العملاق وتقارب أوقاتها من بعضها البعض.

قال بيل: «حسنًا، يمكنه تناول وجبته؛ فأنتم ترون أنه يجب أن يأكل بشراهة، كونه بهذا الحجم.»

وفي الخيمة، رتَّب الأطفال الأربعة خطة انسحاب، قال سيريل للفتاتين: «اذهبا الآن، واقصدا المنزل بأسرع ما يمكن، أجل، ولا تكترثا بالعربة، سنأخذها في الغد. أنا وروبرت نرتدي الملابس نفسها، سنتدبر الأمر بطريقة ما، مثلما فعل سيدني كرتون، لكن يجب أن تخرجا أنتما أولًا، وإلا فلن تسير الأمور كما ينبغي. يمكننا الركض، لكن لا يمكنكما ذلك، مهما كان ما تعتقدانه. ليس هناك فائدة يا جين من أن يخرجَ روبرت ويطرح الناس أرضًا، فلو فعل ذلك لتعقبته الشرطة إلى أن يتحوَّل إلى حجمه الطبيعي، ثم يعتقلونه في لمح البصر، اذهبا، يجب عليكما ذلك! إذا لم تفعلا ذلك، فلن أتحدث معكما مرة أخرى. أنتما من دفعنا إلى هذه الفوضى في الحقيقة. عليكما أن تتسلَّلا من بين الناس مثلما فعلتما هذا الصباح. اذهبا الآن، إنني آمركما بذلك!»

وافقت جين وأنثيا على الذهاب.

قالتا لبيل: «نحن عائدتان إلى المنزل، وسنترك العملاق معك، كن لطيفًا معه.» وكان هذا — كما قالت أنثيا لاحقًا — خادعًا جدًّا، لكن ما الذي كان عليهما فعله؟

وبعدما انصرفتا، ذهب سيريل إلى بيل.

وقال: «انظر هنا، يريد بعض أكواز الذرة، هناك بعضٌ منها في الحقل بعد الذي يلينا، أنا سأذهب بسرعة وأحصل عليها، أوه، ويسألك أيضًا ألا يمكنك رفع الخيمة من الخلف قليلًا؟ لأنه يقول إنه يحتاج لاستنشاق الهواء. ولا يختلس أحدٌ النظر إليه. سأغطيه، لينال غفوة ثم أذهب لجلب الذرة ليأكلها، فهو يصبح شخصًا صعبَ المراس عندما لا يأكلها.»

كان العملاق مسترخيًا على كومةٍ من الأكياس وقماش مشمع قديم. كانت الستارة مرفوعةً، وتُرِكَ الأخوان وحدهما، وحبكا خطتهما في همس، وفي الخارج، كانت لعبة الخيول الدوَّارة بأنغامها الكوميدية تدوِّي، مُطلِقة صياحًا بين الحين والآخر لجذب انتباه الجمهور.

وبعد نصف دقيقة من غروب الشمس، خرج صبيٌّ يرتدي بدلة نورفولك مارًّا ببيل.

قال: «أنا خارجٌ لجلب الذرة.» وسرعان ما غاب وسط الزحام.

في اللحظة نفسها، خرج صبيٌّ من الجزء الخلفي من الخيمة مارًّا ببيكا، والتي كانت واقفة هناك للحراسة.

قال ذلك الصبي كما قال الأول: «أنا خارج لأجلب الذرة.» وقد ابتعد أيضًا بهدوء وغاب وسط الزحام، كان الصبي الذي خرج من الباب الأمامي هو سيريل، أما الذي خرج من الباب الخلفي فقد كان روبرت الذي كان قد عاد إلى حجمه الطبيعي بعدما غربت الشمس. سار كلٌّ منهما بسرعةٍ عبر الحقل، وعلى طول الطريق، حيث لحق روبرت بسيريل. عندئذٍ بدءا يركضان. وعند وصولهما إلى المنزل كانا قد لحقا بالفتاتين؛ لأن الطريق كان طويلًا، ما اضطرهما إلى أن يركضا معظمه. لقد كان بالفعل طريقًا طويلًا للغاية، تأكَّدوا من ذلك عندما اضطروا للذهاب وسحب العربة إلى المنزل في صباح اليوم التالي، حينما لم يكن روبرت ضخمًا ليقودها بهم كما لو كانت عربة بريد، أو كما لو كانوا أطفالًا رضَّعًا ترعاهم خادمة عملاقة.

لا يمكنني أن أخبركم بما قاله بيل وبيكا عندما اكتشفا أن العملاق قد غادر، لسببٍ واحد، وهو أنني لا أعرف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤