ملوك المارجوانا!

عندما انصرف الشياطين من «النادي الدولي»، واتجهوا إلى فندق «النجمة الحمراء» كانت المفاجأة بانتظارهم … ففور دخولهم غُرَفهم شاهد «مصباح» ورقة صغيرة ملقاة من أسفل الباب … كانت الكلمات المكتوبة عليها بلغة إنجليزية، وكانت تقول: لقائي بك في العاشرة باستراحة الفندق، وكان التوقيع بحرف K.

أمسك «مصباح» بالورقة، واتجه بها إلى «خالد» الذي صاح: لا ليس من المعقول أن يكون مستر «رومايرو»! لقد تركناه هناك، فكيف سبقتنا إلى هنا … ثم كيف عرف مكاننا؟!

فقال «باسم»: ربما قال له «كازان» عن مكاننا.

ردَّت «زبيدة»: لا ليس من المعقول؛ لأن «كازان» أو مستر «سولا» — كما ناداه «رومايرو» — الذي لا تعرفه يعمل معنا وليس ضدنا، وأكملَت «زبيدة»: إنه من المستحيل أن يفعل ذلك … وأيَّدها «خالد» قائلًا: معكِ حقٌّ يا «زبيدة» … وعلى كل حال سنعرف كلَّ شيء في العاشرة، ونظر إلى ساعته وقال: باقٍ من الزمن ساعتان.

كان السؤال الذي يطرح نفسه: مَن هو «رومايرو»؟

هل هو أحد أعوان «لوكا برازي»؟! أو أنه زعيم عصابة جديد؟ أم هو تاجر مخدرات؟ أسئلة كثيرة دارَت بعقول الشياطين، وجعلَت الوقتَ يمضي مسرعًا حين صاح «باسم»: لقد حانت الساعة العاشرة، تُرى مَن في انتظارك يا مستر «كردغلي»؟! وضحك الشياطين و«خالد» يستعد للنزول إلى استراحة الفندق لمقابلة صاحب الرسالة.

كانت استراحة الفندق تعجُّ بالحركة، وقد امتلأت عن آخرها بنزلاء الفندق … دخل «خالد» بنفس البذلة الزرقاء ونفس السيجار الذي جعله يبدو أكبر كثيرًا من عمره الحقيقي.

جلس على أقرب كرسي صادفه، ثم ترك لبصره العنانَ ليتفحص معظم الوجوه في الصالة المزدحمة، وبالقطع لم يتعرف على أحد، وظل ينتظر لمدة عشر دقائق مرَّت بعد العاشرة دون أن يرى مستر «رومايرو» ولا «كازان»، وفكَّر «خالد» في الانصراف بعد عشر دقائق أخرى، وقبل أن ينهض اقترب منه أحد الرجال. كان طويل القامة، غزير الشعر، ذا لحية سوداء كثيفة، ويضع على عينَيه نظارة سميكة … قال وهو يقترب من «خالد»: مرحبًا بك مستر «كردغلي».

على الفور نهض «خالد» … ومدَّ يده لمصافحة يد الرجل الممدودة الذي صاح من بين أسنانه الناصعة البياض: إنني مبعوث السيد «سولا»، لقد أرسلني لمقابلتك والتحدث معك بشأن لقاء مستر «روم» للاتفاق على شحنة «البن» الذي تنوي تصديرها إلى بلدكم «سوريا» … فقال «خالد»: لا بأس، ولكنني متى سألتقي بمستر «روم» …

قال الرجل في حدة: عن قريب … ولكن كم ستدفع في الكيلو الواحد؟!

فقال «خالد»: لا بد من رؤية البضاعة أولًا قبل أن نتفق على السعر.

فقال الرجل: إن السعر المبدئي الذي يمكنك التفاوض بشأنه خمسمائة ألف دولار. فتظاهر «خالد» أن المبلغ ليس كبيرًا، وقال: لا بأس، على أن تكون البضاعة سليمة مائة في المائة. فضحك الرجل بصوتٍ عالٍ وهو يقول: لا تدفع إلا إذا أعجبَتك البضاعة، ثم ختم حديثه قائلًا: سأنصرف الآن على أن ألقاك غدًا في نفس المكان لتحديد الموعد الذي ستلتقي به بمستر «رومايرو»، وصافح بعدها الرجل «خالد» وانصرف.

كان حديث الرجل مع «خالد» كالومضة، فلم يستغرق سوى ثوانٍ معدودة تركَت بعدها أسئلة ليس لها حدود، فمن يكون هذا الرجل؟ وكيف عرف «خالد» بهذه السهولة؟ ثم هناك تساؤل آخر … لقد شعر «خالد» بأنه قد سمع ضحكات هذا الرجل من قبل، فأين سمعها؟ وكيف؟

عندما نهض «خالد» وتوجَّه صوبَ المصعد كانت رأسه تعجُّ بالأفكار، توقف فجأة على يد تجذبه من الخلف، فاستدار بسرعة وقد تحرر من اليد التي حاولت الإمساك به، وأخذ وضع الاستعداد للاشتباك، وضحك عندما رأى «باسم» و«رشيد» يقفان خلفه.

لقد هبط «باسم» و«رشيد» لمراقبة الموقف دون أن يدريَ «خالد» … لقد اعتاد الشياطين أن يفعلوا ذلك تحسُّبًا لأي مفاجأة قد تحدث.

وكان الاجتماع الصغير الذي عقده «خالد» للشياطين بغرفته في منتهى الأهمية … لقد أجمعوا على أن الموقف يتطور بسرعة غريبة دون أدنى بارقة في الوصول إلى «لوكا برازي» أو «كارلوس روبيرتو» الرجل الذي مات سبع مرات، ثم عاد للحياة مرة أخرى.

قال «خالد»: المشكلة التي تُواجهنا الآن أننا قد نخوض صراعاتٍ مع عصاباتٍ أخرى دون أن نتوصل إلى أية معلومات بشأن «لوكا برازي»؛ ولذلك سأطرق الحديد وهو ساخن.

قال «باسم»: أتقصد السؤال عنه عندما تجتمع بمستر «رومايرو»؟!

قال «خالد» هذا ما أقصده بالتحديد … ثم أكمل قائلًا: على كل حال لقد علموا أننا نتاجر في «المارجوانا»، وعرفوا أننا ملوك هذا الصنف في بلادنا؛ ولذلك فهم يضعون أعلى سعر لنا.

قالت «زبيدة»: برغم أن هذه المخدرات لا تلقَى إقبالًا مثل «الكوكايين» مثلًا أو «الهيروين»، وأكملت «زبيدة»: إن «المارجوانا» أمريكية الصنع والمزاج!

فضحك «رشيد» وهو يقول: صحيح يا «زبيدة» ما ذكرتيه برغم أنني لم أرَ هذا الصنف مطلقًا.

قبل أن يُنهيَ «خالد» الاجتماع المصغر قال: إن كل ما يُحيرني الآن الاشتباه في هذا الرجل … ويقصد الرجل ذا اللحية والشعر الكثيف والنظارة الطبية. وأكمل «خالد»: إنني لم أرَه من قبل، ولكن ضحكته ونبرات صوته ليست غريبة على أُذُني.

قال «رشيد»: ربما اصطدمنا به من قبل في أي مغامرة.

ردَّ «خالد»: ربما … وهذا ما أرجحه.

انتهى الاجتماع بالتوجُّه إلى أسرَّة النوم بعد أن تجاوزت ساعة «كولومبيا» الواحدة بعد منتصف الليل.

عندما استيقظ الشياطين من نومهم في اليوم التالي كان بانتظارهم «كازان» الذي صحبهم في رحلة لمشاهدة شواطئ «كولومبيا».

هناك على شواطئ «البحر الكاريبي» وفي بلدة اسمها «كارتاخينا» قال لهم: لقد قررت أن ألتقيَ بكم بعيدًا عن العيون التي تراقبكم، وخاصة الرجل الجديد الذي انضم إلى عصابة «لوكا»، وصمت «كازان» لحظات، وقال بعدها: إن «لوكا» هو أخطر رجل في «كولومبيا» كلها، وهو متخصص في تجارة «الكوكايين» و«الهيروين» ويصدِّرهما إلى منطقة «الشرق الأوسط» … لقد وافق «لوكا» على الرجل الجديد الذي انضم لأفراد عصابته وهو عربي الهوية، ولكنني لم أعرف من أيِّ بلد على وجه التحديد وإن عرفت شكله … فهو قوي الجثة، له لحية كثيفة وشعر كثيف، ويرتدي نظارة طبية سميكة وهم ينادونه ﺑ «الأفعى» … لقوته الخارقة وذكائه الحاد.

صمت «كازان» لحظاتٍ تلاقَت فيها عيون الشياطين قبل أن يتحدث «خالد» موجهًا حديثَه إلى «كازان»: ولكن ما علاقة هذا الرجل العربي بمستر «رومايرو»؟ فضحك «كازان» ضحكةً مريبة هزَّت رأسه الأصلع، وقال: العلاقة بين «رومايرو» و«لوكا» السحري!

فقال «باسم» متسائلًا: ومَن هو «لوكا» السحري؟

ردَّ «كازان»: هو نفس الرجل الذي تبحثون عنه، وأكمل: إنه «لوكا برازي» الرجل الذي لا يموت ولم يقترب منه أحد … بل ربما لم يشاهده أحد سوى بضعة رجال مقرَّبين جدًّا له … وأعتقد أن هذا العربي الجديد منهم! وأكمل «كازان»: إن مهمتي قد شارفت على الانتهاء؛ فبعد أن يتم اللقاء بينكم وبين مستر «رومايرو» في قصره الفولاذي … سيكون لقائي بكم في الخفاء، فلديَّ أعمال أخرى أقوم بها.

كانت الشمس قد بدأت في الانسحاب تاركةً وراءها بعضَ أشعتها الذهبية التي تراقصَت مع أمواج «البحر الكاريبي»، وبدَت وكأنها سبائك من الذهب … تبادل الصعود والهبوط في حركة منتظمة.

قام «كازان» وهو يردد: سيكون لنا لقاء آخر قبل مقابلة «رومايرو» … فقاطعه «خالد» قائلًا: وما علاقة الرجل العربي ذي النظارة الطبية بمستر «روم»؟ فلمعَت عينَا «كازان» وأجابه: ماذا يدور بخلدك أيها الفتى؟!

إنني لا أعرف شيئًا عن هذه العلاقة … وعلى كل حال فمستر «روم» له علاقة وثيقة ﺑ «لوكا» الزعيم، وأكمل «كازان»: وربما يكون هذا العربي قد عرف مستر «روم»، ولكنه ليس متأكدًا من هذه العلاقة.

كان الليل في «كولومبيا» الموحشة يزيدها وحشة ورعبًا … فالقتل هناك والسرقة لا حدَّ لهما، وتجارة المخدرات تتم علنًا … والعصابات تتحدى أجهزة الشرطة، ولا تتورع في عمل أي شيء لتحافظ على كيانها.

هبط الشياطين من السيارة التي كان يقودها «كازان» الذي ودَّعهم بابتسامةٍ وهو يقول: إلى اللقاء. صَعِد بعدها الشياطين إلى غرفهم؛ فقد شعروا جميعًا أن المغامرة قد أوشكت على البدء، ثم إنهم أصبحوا ملوكًا للمارجوانا، وعلى هذا الأساس سوف تتعامل معهم عصابات «كولومبيا».

كان السؤال الذي حيَّر الشياطين: ما هي العلاقة التي تربط «كازان» بزعماء هذه العصابات؟ وهل إنكاره معرفة العلاقة بين الرجل العربي ومستر «روم» صحيحة؟

ثم سؤال آخر: هل «كازان» نفسه محل ثقة للزعيم رقم «صفر»؟

كانت هذه الأسئلة تشغل عقول الشياطين وهم يتناولون طعام العشاء في صمت، فقطع «مصباح» هذا الصمت بقوله: لقد تشعَّبَت الخطوط وتشابكَت … فهل نستمر في العلاقة مع الرجل العربي دون أن يعرف «كازان»؟! أم نتوقف إلى أن يتمَّ اللقاء بيننا وبين مستر «رومايرو» تاجر البن الأبيض؟

قال «خالد»: صحيح ما تُفكر فيه يا «مصباح». لقد تشابكَت الخطوط فعلًا، وأصبحنا الآن في حيرة شديدة، وخاصة بعد لقائي مع العميل العربي الجديد في عصابة الداهية «لوكا برازي» الشهير ﺑ «لوكا» السحري …

كانت ساعة الشياطين تقترب من العاشرة وهو نفس الموعد الذي سيلتقي فيه «خالد» أو السيد «كردغلي» بالعميل العربي …

هبط «خالد» بواسطة المصعد إلى استراحة الفندق، وهناك شاهد العميل العربي يجلس بمفرده، ويحتسي قدحًا من القهوة «الكولومبية» الشديدة المرارة.

ألقى عليه التحية، وجذب كرسيًّا بجواره، وجلس دون أن يتحدث.

كان العميل العربي غارقًا في التفكير … وفاجأ «خالد» بعد لحظات صمت طويلة بقوله مستر «كردغلي»: سنتقابل مع الزعيم «رومايرو» بعد ساعة.

وفوجئ «خالد» بما يقوله هذا العميل … وتماسك لحظاتٍ قال بعدها: وأين سيكون اللقاء يا …

فأجاب العميل العربي: «الأفعى» … فأومأ «خالد» برأسه موافقًا وهو يقول: كما شئت أيها «الأفعى».

ضحك العميل ضحكة مريبة وهو يقول: فلنذهب الآن!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤