الفصل الخامس

ثورة برودواي

بقلم ألن داونر

بدأت الحركة الجديدة في الدراما في مدينة نيويورك بشارع برودواي، وهو مركز المسرحية في الولايات المتحدة. ففي الأسبوع الأخير من شهر يوليو من عام ١٩١٦م دُعِي رواد المسرح لمشاهدة «قلب وتونا» وهي مسرحية غنائية عن حبِّ رجلٍ أبيض لامرأةٍ هندية أمريكية، أو «الخزف العادي» وهي مسرحية عاطفية تُعالج إحدى المشكلات، أو «بو برومل» وهي مسرحية خيالية تعرض الأزياء في مطلع القرن التاسع عشر بإنجلترا، أو «مجرد امرأة» وهي خليط من الحياة المنزلية. وبعد نصف قرنٍ من إبسن وسترندبرج، وبعد عشرات السنين من تشيكوف وهو بتمان ومُصلحي المسارح في القارة الأوروبية وأضرابهم، كان المسرح في الولايات المتحدة لا يزال مرتبطًا بالأشكال الدرامية ونظرات الماضي العتيقة؛ كان يَعتبر نفسه عملية تجارية بحت، فيصرُّ على أن مُهمته هي الترفيه، ويُعرِّف الترفيه بأنه هروب من واقع الحياة.

وخلال هذه الأسابيع عينها، وعلى بُعد أربعمائة ميلٍ شمال شرقي مدينة نيويورك، في قريةٍ صغيرةٍ يشتغل أهلها بالصيد، عند طرف رأس كود، نظمت نفسها جماعة من الفنانين من مختلف الأنواع — رسَّامين، ونحاتين، وشعراء، وروائيين — في جماعةٍ مسرحية أطلقَت على نفسها اسم «ممثلي مدينة بروفنس»، واستأجروا كوخًا من أكواخ الصيد في طرف جسر يمتدُّ في المحيط الأطلنطي، وهو عبارة عن بناء صغير يتَّسِع لأقل من مائة شخصٍ وأقاموا مسرحًا مُتنقلًا، وأخرجوا عليه مسرحية ذات فصل واحدٍ اسمها «مُتَّجِه شرقًا نحو كاردف».

وهي مسرحية بسيطة، لا تُشبِه البتة أي شيءٍ يمكن أن يعرض في ذلك الحين في مدينة نيويورك، والحركة المختصرة هنا تتألَّف من حوارٍ بين ملَّاح في نزع الموت وصبيِّه الذي يحاول أن يرفع من حالته المعنوية، وقد أُصيب الملاح في حادثةٍ على ظهر سفينةٍ من سفن النقل، وهو يرقد في سريره على المركب يحلم بالحقول الخضراء في المزرعة التي طالما اشتاق أن يستقر فيها ويتخلَّى عن حياة البحر إلى الأبد. أما الملَّاحون الآخرون، وهم خليط من أجناس العالم، فتراهم يتشاجرون، ويتجادلون، ويتبادلون النِّكات في أماكنهم البائسة المضطربة. لا يفهم بعضهم بعضًا، ولا يستطيع الملاح الذي يُعالج سكرات الموت أن يتبادل معهم رأيًا، لأنه يمثل عزلة الفرد على الأرض. ولست أظن أن الرجل من عامة رواد المسرح في ذلك الحين كان يَعُد «المتجه شرقًا نحو كاردف» مسرحيةً من أي نوعٍ من الأنواع، فهي تخلو من الحركة ومن العنف ومن الخيال ولا تعدو أن تكون حالةً من حالات النفس، أو تعليقًا تصوريًّا على خبرةٍ من الخبرات. ولكن قبولها الشديد من جمهور «مسرح مدينة بروفنس» شجَّع جماعة التمثيل على المضيِّ في عمَلِهم، وأوحى إلى كاتب المسرحية أن يكتب سلسلةً من المسرحيات التي تُشير إلى أن المسرح في أمريكا قد بلغ سنَّ الرشد، ووضعتُه موضع أول كاتبٍ من كُتَّاب المسرحية الأمريكان يظهر على المسرح العالمي، واسم هذا الكاتب «يوجين أونيل».

وكما أشرتُ من قبل كان نضج المسرح في الولايات المتحدة متأخرًا بالقياس إلى حركات المسرح الجديد في القارة الأوروبية، وكان أيضًا مُتأخرًا بالقياس إلى نضج الرواية الأمريكية والشعر الأمريكي. ومعروف أن احتراف المسرح هو دائمًا فنٌّ أشد تقيُّدًا بالقديم من نظيره من الأنواع الأخرى من الأدب والفنون الرفيعة. ولا يرجع ذلك إلى ضعف الوحي فيه أو إلى نفوره من الآراء الجديدة، وإنما يرجع إلى أن المسرح ذاته وسيلةٌ من الوسائل الضخمة المعقَّدة. ولا تقتصِر الثمرة النهائية على مُبدعٍ واحد — وهو المؤلف — بل يشترك في إخراجها عدد عديد من المبدعين؛ المديرين والممثلين، والمصورين، ومُصمِّمي الأزياء. وتشترك أيضًا في إخراجها دار التمثيل، وهي عادةً بناء ضخم مُعَد إعدادًا ثابتًا مُكلفًا. والتجريب عسير لا يجدي إلا إذا كان بين هذه المجموعة المعقَّدة من الأفراد والمعدَّات المادية نوعٌ من أنواع الوحدة، إما في الرأي أو في العمل. ومن ثم كانت ضرورة قيام هيئة مثل هيئة «ممثلي مدينة بروفنس» أو «ممثلي ميدان واشنجتن» التي ظهرت في نفس الوقت تقريبًا في قرية «جرينتش» بمدينة نيويورك، وذلك قبل أن تُثمر أية ثورة في إخراج المسرحيات أو كتابتها.

والواقع أن المسرح الأمريكي التجاري في أعقاب القرن التاسع عشر قد بدت عليه أمارات خفيفة تُشير إلى انتقاله من عاطفيته ومَيله نحو الدراما الغنائية. فقد حاول «جيمس هيرن» إدخال المذهب الطبيعي في مسرحياتٍ مثل «أراضي السواحل» و«مرجريت فلمنج»، وأيَّده وشجَّعه الروائيون والنقَّاد الطبيعيون في ذلك الحين، كما حاول «برسي ماك كاي» و«وليام فون مودي» في مطلع القرن العشرين إحياء المسرحية الشعرية والخيالية. وأصابت مسرحية «الفاصل الأعظم» ﻟ «مودي» شيئًا من النجاح.

كان المسرح في الولايات المتحدة — كما كان المسرح في القرن التاسع عشر عامةً — مسرحًا واقعيًّا، وإنك لتجد العلامات الأولى لنُضجه في محاولة كُتَّاب المسرحية معالجةَ الموضوعات الهامَّة أو الآراء الهامة مُعالجةً واقعيةً كما عالجوا من قبل المواقف وتصوير الشخصيات. ومن سوء الحظ أن عمَّال المسرح والمخرجين كانوا يقنعون بالواقعية السطحية وبالواقعية الخادعة، ولم يأبهوا إلا قليلًا بواقعية الفكرة؛ ومن ثم فقد كان لا بد لروَّاد المسرح الأمريكي من الرضا بالمسرحيات الغنائية العاطفية لكُتَّاب من أمثال «دافيد بيلاسكو» التي أُخرِجَت مع أشدِّ المراعاة لأدق تفصيلات الخداع الواقعي. وقد أغرى ظهور الواقعية — التي سمَّاها «أونيل» تفاهة السطحية — روَّاد المسرح لقبول موضوعاتٍ ومشكلات تُعالَج على المسرح بأساليب كانت تُثير الضحك والسخرية في أية رواية تزعم لنفسها مثل هذه المكانة الجدية. ولم يكن بوسع المسرح الأمريكي بعد «يوجين» و«أنيل» أن يعود إلى الماضي.

ولم يكن ظهور «يوجين» مُباغتًا؛ فلقد كانت تكمُن وراءه المهارات والحِيَل التي طوَّرها الفنانون المختلفون في مسرح القرن التاسع عشر. كان هناك عدد كبير من الممثلين الموهوبين، وكانت هناك آراء ثورية لكتَّاب غير مَسرحيين من أمثال «كارل ماركس» و«سجمند فرويد» و«فرديك نيتشه»، وكانت هناك برامج الجامعات والكليات الأمريكية المختلفة التي حاولت أن تُحرِّر عقول كُتَّاب المسرحية الناشئين بتبصيرهم بخير ما جال فيه الفكر والقول في العالم، بالإضافة إلى وحي جماعة مدينة «بروفنس». وقد انحدر «أونيل» من أسرةٍ مسرحيةٍ متميزةٍ في القرن التاسع عشر، وكان واسع الاطلاع على المفكِّرين المتقدِّمين الذين ينتمون إلى الحركات التقدُّمية في القرن التاسع عشر، ودرس في «برنستون» و«هارفارد»، والتقى مع الجمهور لأول مرةٍ في جماعة مدينة «بروفنس».

وربما كان لزامًا علينا أن نؤكد المؤثرات القومية التي تولَّدت عنها ثورة الدراما الأمريكية. فبالرغم من نجاح المسرح الجديد في أوروبا فإن المحصول الأوروبي لم يكن له أثر شديد على الكتاب الأمريكيين. فإن «إبسن» لم يَرُق كثيرًا للذوق الأمريكي بالرغم من قراءة الأمريكيين وإخراجهم لمسرحياته أحيانًا، وربما يرجع السبب في ذلك إلى أن موضوعاته الكبرى، وإصراره على حقِّ الإنسان في تحطيم أغلال الماضي — وهو ما يصِفه «شو» بروحه الهدامة — قد دُوِّنت في إعلان الاستقلال والدستور الأمريكي قبل «إبسن» بنصف قرنٍ، فلم يكن من اليسير أن تهزَّ المُشاهد الأمريكي بجدَّتها وكشفها كما فعلت في أممٍ وثقافاتٍ تقوم على مبادئ مختلفة.

ويظهر أن قادة المسرح الأوروبي الذين كان لهم تأثير على التأليف والإخراج الأمريكي كانوا ثلاثة: أولهم سويدي هو «أوجست سترندبرج» الذي أوحى بمسرحياته المنسابة المباشرة الرمزية إلى الكُتَّاب الأمريكان أن مسرحية القوة ذات الدلالة أمر ممكن في حدود المسرح الواقعي، وثانيهم «جورج قيصر» والتعبيريون الألمان، الذين عرضوا أساليب تسمح بخلْق نوعٍ من المسرحية الذاتية له جاذبية عُظمى لجيلٍ أخذ يتدبر نفسه تدبُّرًا عميقًا (وهنا يجب أن نشير إلى أن التعبير كشكلٍ من الأشكال الفنية لم ينجح قط في الولايات المتحدة، إلا أن كثيرًا من أساليب الكُتَّاب التعبيريين قد انتقلت إلينا واستُغِلت استغلالًا حرًّا ناجحًا)، وثالثهم، المخرجون والمديرون من أمثال «جاك كوبو» الذين شجعت طريقتهم الجديدة الحية المبسطة في إخراج المسرحيات، التي شهدها ونقل أخبارها عددٌ كبير من السياح الأمريكان، الإصلاحَ في الإخراج لكي يَسير جنبًا إلى جنب مع الإصلاح في كتابة المسرحية.

وليس من المبالغة أن نقول إن إصلاح المسرح الأمريكي اعتمد في نهاية الأمر على «يوجين أونيل» وما أخرجَتْه موهبته في السنوات التي تقع بين عامي ١٩١٦م و١٩٢٦م. وقد أسهم «أونيل» في نواحٍ ثلاث: فهو أولًا قد كتب مسرحياتٍ كانت مُبتكرة في شكلها إلى حدٍّ كبيرٍ، يدين بها لمحصول المسرح العالمي بأسرِه، وإن لم يكن مُقلدًا فيها، ثم إنه أبدع — أو عاوَنَ على ابتداع — أساليب جديدةٍ في الإخراج المسرحي الذي يتفق اتفاقًا تامًّا مع ما تتطلَّبه كل مسرحيةٍ جديدة، وهو من ناحية ثالثة لا يُصوِّر في مادة المسرحية وموضوعها عالم المسرح المصطَنع، أو عالمًا تقليديًّا قديمًا، وإنما يصور حياة عصره وتفكيره، وقد تمخَّض عن صناعته وشجاعته في الإبداع والتصوير محصول ضخم جديد ينضج منه المسرح في الولايات المتحدة.

وبالرغم من أن «أونيل» من أصل أيرلندي، فقد كان يستحيل على القارئ ألَّا يعتقد أنه كاتب مسرحية أمريكي، فأشخاصه أمريكيون، الفلاح، والملاح، والجندي، ورجل الأعمال، والتاجر المتجول، وعامة الرجال والنساء، وقد كان هؤلاء وحدَهم مَوضع اهتمام المسرح الأمريكي منذ بدايته. غير أن «أونبل» ينظر إليهم في ضوء تجارب ما بعد الحرب، لا كشخصياتٍ مسرحية تكرَّرَ ظهورها. الفلاحون عنده في أزمةٍ، وهم من أصحاب الشدة في إنجلترا الجديدة يُصارعون الأرض، لا يراهم مُزارعين سعداء مُبتهجين فيما يُشبه الفردوس، وملَّاحوه هم العمال المشعثون فوق السفن الناقلة، وليسوا أولئك الملَّاحين المرِحين الذين تشهدهم في الملاهي الموسيقية الوطنية. ومدمنو الخمر عنده لا يتوبون لكي يُعطوا للمتفرجِين درسًا خلقيًّا، وشئون الحب عنده تنتهي — كما تنتهي عند «سترندبرج» — بالمأساة ولا تنتهي بالرسائل الغرامية المزخرفة التي تنمُّ عن العاطفة العائلية. ومواقفه أيضًا أمريكية: فهو يكتب عن ورثة التزمُّت الذي ظهر في إنجلترا الجديدة، وعن الحرب الأهلية وعن حياة الفنان في قرية «جرينتش»، وقد كان «ماركو بولو» — أول تاجر رحالة — أحد شخصياته التاريخية القلائل.

غير أن معالجته للأشخاص والمواقف كانت دائمًا في حدود الفكر السائد في القرن العشرين، خذ على سبيل المثال مسرحية عن الحرب الأهلية «الحداد يلائم إلكترا»؛ كانت الحرب الأهلية دائمًا موضوعًا مطروقًا في المسرح الشعبي منذ اللحظة التي نشبت فيها تقريبًا، غير أن المعالجة الشائعة لهذا الموضوع كانت دائمًا تتضمن ضابطًا من الشمال يَهيم عشقًا بفتاةٍ من بنات «الاتحاد». أما الحرب الأهلية عند «أونيل» فليست إلا منظرًا خلفيًّا لقصة ذنبٍ ترتكبه أسرة وتُكفر عنه، وترتكز في الظاهر على ثالوث «الأورستية» العظيم لإيسكيلس، ولكنها تدين بدرجة أكبر — في قوتها وجذب المأساة فيها — لمكتشفات علم النفس الذي يرتد إلى «فرويد» وحياة الغابة. وأنت تلمس ذلك أيضًا إذا نظرتَ إلى مسرحيته عن الحياة الريفية الأمريكية «رغبة تحت أشجار الدردار». ففي الدراما الشائعة تجد أن الفلاح العجوز الطيب في إنجلترا الجديدة يقع تحت رغبةٍ شديدة في ذهابه إلى المدينة الكبيرة لكي ينقذ ابنه الذي وقع فريسةً للمفاسد. أما الفلاح عند «أونيل» فهو رجل قاسي القلب، مُحب للامتلاك، مؤمن بالكتاب المقدس وابنه ثائر صراحةً عليه، وهو يرفض أن يتحرك لمعونته حينما تُوجَّه إليه تهمة القتل.

ولا ترجع أهمية هذه المسرحيات أو ثورتها إلى أنها تؤكد الأوجه العابِسة المقبضة في الحياة الأمريكية، وإنما ترجع أهميتها وثورتها لأنها تصور، لأول مرةٍ في المسرح الأمريكي، الدُّنيا بعد الحرب؛ الدنيا التي تخلَّت فيها الأمور المؤكدة — الأمور الخُلقية والشرعية إلى حدٍّ ما — للأمور غير المؤكدة. ولم يعُد بالإمكان أن يقول المرء في وثوق إن هذا العمل على صواب، وهذا العمل على خطأ، وإنما كان لا بد لكل الأعمال أن يُعاد تقويمها، ولكل المواقف أن يُعاد النقاش فيها، ولكل الشخصيات والأوضاع أن يُعاد تحليلها، أملًا في إيجاد قِيَم جديدة وأمور ثابتة جديدة يؤمن بها الناس في العشرينيات من هذا القرن. وقد حقق «أونيل» هذه الأغراض بمهارة مسرحية فائقة وقُدرة خلَّاقة عُظمى، وشجَّعَت تجربته ونجاحه الجيل الجديد من كتَّاب المسرحية — «ماكسويل أندرسن»، و«فيليب باري»، و«ثورنتن وايلدر»، و«إلمر رايس»، و«روبرت شروود» — الذين اقتحموا المسرح بعدما أضاء لهم «أونيل» الطريق.

إن الصفة المميزة للمسرح الأمريكي بعد عام ١٩١٦م هي استمراره في التجريب بغير هوادة، وإنك لتجد أن عمل كل كاتبٍ من كبار كُتَّاب المسرحية ينتقل من صورةٍ إلى صورةٍ، ومن أسلوبٍ أو طريقةٍ إلى أخرى، ومن المسرحية المحبوكة إلى المسرحية العامة المفكَّكة، ومن الواقعية إلى الرمزية إلى التعبيرية. وقد يبتكِر كاتب المسرحية مُركَّبَه الخاص من الأشكال والأساليب والتجريب في كتابة المسرحية يسير جنبًا إلى جنبٍ مع التجريب في فنون التمثيل والتصميم والإدارة والإضاءة. ولما كان كل شيءٍ يخضع لرقابة المسرح العملي، ولما كان كل شيءٍ يتمُّ بقصد نقْل ما يجول بخاطر المؤلِّف إلى تجربة تمثيلية، لما كان كل شيءٍ هكذا، فسرعان ما رحَّب به الجمهور وشجَّعه. وهو ذلك الجمهور الذي ربما كنَّا نتوقَّع منه نبذ كل ما لا يُساير القديم.

ولمَّا كان أي كاتبٍ مسرحي أمريكي ممن له أكثر من مسرحيتَين جيدتَين لا بد أن تبدو في كتابته ميول تجريبية، فلا مندوحة لنا عن اختيار قلةٍ تمثِّل صنوف التجربة المختلفة في العشرينيات والثلاثينيات. وقد وقع اختيارنا على «ماكسويل أندرسن»، و«فيليب باري»، و«ثورنتن وايلدر»، لأنهم جميعًا يكتبون عن المجتمع الأمريكي المعاصر، وهو الموضوع المقبول الذي تُعالِجه المسرحية الواقعية المحكمة، ولأنهم يسيرون في اتجاهاتٍ تختلف كل الاختلاف عن الشكل والأسلوب التقليدي.

وقد حقَّق «ماكسويل أندرسن» أول نجاحٍ عظيم له بسلسلةٍ من المسرحيات النثرية المغرقة في واقعِيَّتها، وذلك بالرغم من أنه بدأ حياته صحفيًّا وشاعرًا. شخصياته كأنها صور فوتوغرافية مأخوذة من الحياة. واللغة تُردِّد في صدق وإخلاص الطبقة والظروف التي تنتمي إليها الشخصيات، وليس الموضوع، في أغلب الأحيان، مشكلةً من المشكلات التي تُثير اهتمام الجمهور المباشر؛ فمسرحيته «ما قيمة المجد؟» (التي كتبها بالاشتراك مع لورنس ستولنجز) بما تتضمَّنه من شخصيات فظة مشاغبة بذيئة، وبتصويرها تصويرًا لا وهْمَ فيه للمُحاربين، تمثل الإدراك الذي أخذ يشيع بين الناس بأنَّ الحرب لم تشتعِل طبقًا لأفكارٍ خيالية فروسية كان لها من قبل وجود، وإنما هي حرب قاسية مُنحطة. ولكنه برغم ذلك لم يخلُ من الفكاهة. أما مسرحيته «آلهة البرق» (التي كتبها بالاشتراك مع «هارولد هكرسن») فقد كانت نقدًا اجتماعيًّا يستند إلى الموضوعات الفعلية التي أثارتها محاكمة اثنَين من الفوضويين. وأما مسرحيته «المجلسان» فقد كانت تهكُّمًا على أعضاء التشريع الفدرالي. وكانت الفترة التي تلت الحرب مباشرةً — التي كُتِبت خلالها هذه المسرحيات — تتميَّز بروح النقد والسخرية. ويرجع نجاح المسرحيات إلى مُعالجتها لموضوعاتٍ مباشرة، كما يرجع إلى المهارة في تأليفها.

غير أن القيود التي وضعها ما يجوز لنا أن نُسمِّيَه كتابة المسرحية الصحفية، قد أثارت في نفس «أندرسن» القلق؛ إذ كان يعتقِد مع «برناردشو» أن المسرح «هو كاتدرائية الروح قبل كل شيء، التي تكرس جهدها للارتفاع بمستوى الإنسان.» كما يعتقد مع «جيته» «أن الشعر التمثيلي هو أعظم عمل للإنسان فوق الأرض.» فصمَّم على «أن يسمو في الطبقات العُليا من المأساة الشعرية.» ومن ثم أهمل نجاحه في الواقعية النثرية، وكتب «الملكة إليزابث». وإذا كانت هذه خطوة جريئة، فإنها لم تكن سوى نصف خطوةٍ نحو التجريب الحق. والمسرحية تاريخية في مادتها، والنَّظْم أساسه السطر ذو التفعيلات الخمس، وهما من العناصر التقليدية في المسرحية الشعرية الإنجليزية.

وقد شجع نجاح «إليزابث» «أندرسن» على أن يخطو خطوةً واسعةً نحو كتابة مأساة شعرية تتصف بالصفة الأمريكية، وتُمثل القرن العشرين، فمسرحية «ونترست» تبدأ بنفس الأدوات المستخدمة في «آلهة البرق»، ولكنها أقلُّ احتفالًا بسوء تطبيق العدالة بشكلٍ واضح على قضيةٍ من القضايا منها بطبيعة العدالة ذاتها. لا يستمدُّ شخصياته — كما جرى التقليد — من الأساطير والقَصص القديم، وإنما يَستمدُّها من الطبقات الأمريكية الدنيا: من أبناء المهاجرين، والمتشردين، والعمال، وأفراد العصابات. وهنا بالطبع قابلَتْه مشكلة اختيار اللفظ الملائم لكي يخلق عبارةً شعرية لصنوفٍ من الناس كانوا يُصوَّرون عادةً بغير فصاحةٍ، وسجل «أندرسن» المشكلةَ بشيءٍ من النجاح بتقديمه شخصياتٍ يتوقَّع المشاهد منهم أن يكونوا من أصحاب الميراث الأدبي والفلسفي الفني، كحاخام اليهود مثلًا، وهو كذلك يستمدُّ كثيرًا من الحركة في مسرحياته من مسرحيات «شكسبير» المألوفة (فعُشَّاقه الشبان يلتقون في رقصٍ يُقام في الطريق العام [وهنا تلمس أثر «روميو»] كما نجد قاضيًا مجنونًا يحقق إحدى القضايا أثناء عاصفةٍ شديدةٍ [وهنا تلمس أثر «لير»]. وهذا التشابُه — الذي لا يجعله قطُّ صريحًا واضحًا — لا بد أن يُعطي شخصياته والمواقف التي يقفونها بُعدًا إضافيًّا وكيانًا جديدًا.

وقد بُذلت مجهودات جمَّة لإحياء فن المسرحية الشعرية القديم في اللغة الإنجليزية، وتكاد «ونترست» — بالرغم مما بها من عيوبٍ وبخاصةٍ في اللغة — أن تكون المسرحية الوحيدة التي التزمت حدود المسرح العملي مع تحقيقها للمكانة الرفيعة وللعالمية التي يتطلَّع إليها كل الشعراء المسرحيين. وهي ليست مسرحية مُغلقة، ولا تمثل ناحية شاذة، ومع ذلك فهي تُرغِم بطريقتها الخاصة الممثل والمصمم والمدير على استغلال كل إمكانيات فنونهم لكي يُحققوا على أكمل وجهٍ ما خطَّهُ «أندرسن». وإليكم مثالًا لذلك: قَلَّ ممن شاهدوا المسرحية في بداية عرضها من ينسى المهارة الشعرية التي نقل بها المصمم «جو ميلزنر» تعليمات المسرح الأولية من السطور إلى الواقع. يقول المؤلف إن «المنظر هو شاطئ نهرٍ عند رأس جسر.» أما ما يُكشَف عنه الستار عند رفعه فهو شارع عام مُظلم، يقع على أحد طرفَيه بناء ضخم مربع الشكل مدخله على هيئة قبو، وفي خلف الشارع تجد إحدى قناطر جسرٍ ضخم، رشيقة مُسيطرة على الطريق، تشمل مقطع الشارع كله، وتنحرف نحو مكانٍ خفي. وينبئ المنظر المشاهدين مُقدمًا بأن هذا العمل الصغير الذي تحدُّه الأرض له أبعاد لا تُدركها شخصيات الرواية، وأن الحركة في شارع المدينة تعلو وتمتدُّ في الحقيقة الأبدية.

وكذلك الممثلون: يألفهم الرائي في أكثر الأحيان لظهورهم في الصور المتحركة، التي مثلوا فيها الأدوار المتكرِّرة في المسرحيات الغنائية التي تعرض الشباب العاشِق وأفراد العصابات. ودون أن يُعيد الممثلون الأدوار التي ألِفوا تمثيلها، دون أن يتخلَّوا عنها تمامًا، نراهم يَستخدِمونها أساسًا لخلق شخصياتٍ تمثل مقدار ما في الأسطورة من حق. وترى المعروف والمألوف يتداخل مع ما ليس بالمعروف أو المألوف، وهكذا نجد أن «إدوارد ووسيانلي» بمعطفه الذي يلتصِق بجسده، وبقُبعته السوداء المصنوعة من الفلِّين، وبحديثه الذي يخرج من بين شفتَين رقيقتَين، وبغدارته المستعدَّة دائمًا، نجد أنه بهذه الصورة يَضخُم حتى يُمثِّل قوة الشر المجردة، والقوة الخارقة التي تتجاوز قانون الإنسان والشعوب. ومن ثم ينقلب الوغد في الدراما الغنائية إلى قوة روحية. وكذلك ينقلب «بيرجس مرديث» الشاب المهموم الذي جاء من هوليوود إلى صورةٍ تُمثل الجيل الحائر؛ يتيم لا في الأسرة وحدَها، ولكن في المجتمع أيضًا. إن «ونترست» كمسرحيةٍ وكأداء قد أمست من الأعمال الخالدة في تاريخ المسرح الأمريكي.

وكذلك بدأ «فيليب باري» ﮐ «أندرسن» فيما نستطيع أن نُسمِّيَه المسرح التقليدي. كان نجاح «أندرسن» في أول حياته في المسرحيات الواقعية الاجتماعية.

أما «باري» فقد تفوَّق أولًا في الكوميديا التي تسخر من طبائع الناس، وهو كالكثيرين غيره من أبناء جيله، ثمرة للدراسة المشهورة في كتابة المسرحية التي قدَّمَها «جورج بيرس بيكر»، في الندوات السبع والأربعين، وهو من خريجي «هارفارد» الذين رحلوا إلى «برودواي» مزوَّدِين بِذَوقٍ سليم، وحسٍّ دقيق بالأسلوب، ونظرةٍ ساخرة خفيفة إزاء القِيَم التي تسود النظام الاجتماعي. وفي سلسلة من المسرحيات الهزلية — «نحو باريس»، «والعطلة»، و«مملكة الحيوان» — صوَّر هذا المجتمع بيدٍ رقيقة ثابتة، باحثًا في تلك القوى التي تفتُّ من عضد العقد الاجتماعي كالطلاق وقوانين العمل، ومدافعًا أقوى دفاعٍ عن كرامة الفرد. وجو هذه المسرحيات مرح، والشخصيات ساحرة، والحوار ينمُّ عن ذكاءٍ وحِدَّة. ولقد كان إحساس الكاتب بزمانه نافذًا حتى إن المشاهدين كثيرًا ما أحسوا أنهم يرقبون رقصًا توقيعيًّا على حافة بركان.

وقد بلغ إدراك «باري» لمجتمَعِه مَبلغًا كان يدفعه أحيانًا من كتابة المسرحيات الهزلية التي تُعالِج طبائع الناس إلى ما لا مناصَ من تَسميته بالمسرحيات الخيالية — وليس لدَينا تعبير أدقُّ من هذا — بالرغم من أنها تخلو بتاتًا من الجو الذي يُحيط بقصص الجن. ففي مسرحيته «فندق العالم» التي نشرها عام ١٩٣٠م نراه يجمع زمرةً من الشخصيات المألوفة في روايات «سكوت فتزجرالد» في ملعبٍ شائع بين الأثرياء الذين ملُّوا حياتهم في فيلا على شاطئ البحر الأبيض. وهناك ما يُوحي بمعنًى ثانوي في المنظر، وهو عبارة عن بهوٍ مثلث ترى من خلفه البحر والسماء «كأنه وتَدٌ في المكان» تنتشِر في أرجائه أشعَّة فنارٍ مجاور، كأنه كما جاء على لسان إحدى شخصيات الرواية «أصبع الإله». ونرى بعض الضيوف – كالعادة — يتجمَّعون في الصالون، ويتبادلون الأحاجي التي يسخرون فيها من أحد أفرادهم الذي يتَّصِف بالعظمة والذكاء العملي، وهذا الضرب من التسلية يُنبئ بما يخفى، لأن المشتركين في اللعبة من الشخصيات — وهم على صعيدٍ واحدٍ لا ينتمي إلى مكان دون آخر مُعلَّقين في الزمان والمكان — يستمرُّون في استعراض حدود الحاضر والمستقبل، مرةً تلوَ المرة، مُقلِّبين أوهامهم وأحلامهم، حتى يَبلغوا في النهاية لُبَّ الحقيقة، وحتى آنئذٍ لم يتطلَّب «باري» من ممثليه سوى المهارة المصقولة للمُمثلِّين الهزليين الاجتماعِيِّين، وهو يطلُب منهم الآن أن يُنمُّوا قدراتهم على تجريد الشخصيات عرضًا وعُمقًا.

أما مسرحية «هؤلاء هم المهرجون» التي نُشِرت عام ١٩٣٨م فقد كانت تتطلَّب أكثر من ذلك، كانت تتطلب مجموعة من الموسيقيين الذين يعزفون في الصالات العامة، لا لكي يؤدِّي كل منهم دورَه الخاص، وإنما لكي يخلق أيضًا مواقف حزينة تراجيدية.

والقصة عبارة عن حكاية تُمثل الخير والشر ينساق فيها كل شخصيةٍ من الشخصيات إلى أن يكشف عن دخيلة أفكاره بواسطة «كاشفٍ للأوهام». وإن يكن كل ما يكشفون فيه — تحت سحره — ينمُّ عن الألم والخيبة؛ فهذا قزم ناجح على المسرح، يعيش في العار والفزع خشية أن يجد ابنه الطبيعي بعيدًا عن المسرح، وهذا رجل يتكلَّم من بطنه تُعبر دُميته عن الأفكار التي لا يودُّ أن يصوغها لفظًا، وهذا مُساعد مسرحي يبحث عن مديرٍ لمسرحٍ اختفى اختفاءً غامضًا. هذه مسرحية بلغت درجةً قصوى من الابتكار، وهي مسرحية حارة مُشفقة لنكبة الرجل العادي في مجتمع لا تدير دَفته الأخلاق. وهي إحدى المسرحيات القلائل للمسرح المعاصِر التجاري التي تُعالج أحد الموضوعات الدينية علاجًا مباشرًا. وهي بقلم رجلٍ جعل من نفسه مُشاهدًا يسرُّه أن يرى العيوب والنقائص التي يتَّصِف بها أولئك الخاملون المثقفون الذين يبحثون عن السعادة.

وعلى خلاف «أندرسن»، و«باري» اللذَين بدآ حياتهما في المسرح التقليدي، تجد أن «ثورنتن وايلدر» يعلن لأول وهلةٍ أنه صاحب تجربةٍ جديدة، ويجد الجمهور الذي يشاهد أداء مسرحية «بلدتنا» التي ظهرت على المسرح لأول مرةٍ في عام ١٩٣٨م أمام مسرحٍ بغير ستائر وبغير مناظر. ويُحدِّد بداية المسرحية دخول مدير المسرح يُشعل غليونه، ويدلي قبعته على عينيه، ويجلس لكي يتبادل حديثًا غير رسميٍّ مع المشاهدين عن المسرحية التي سوف تُعرَض عليهم. وإذا كان المشاهدون قد ذُعِروا أولًا بغرابة هذا الأسلوب، فإنهم سرعان ما يألفونه، ويجذب انتباههم جذبًا قويًّا نحو الممثِّلين يجدون أنفسهم مغمورين في قصةٍ بسيطة عادية ما كانوا ليلحظوها لو تناولتها أيدٍ غير هذه الأيدي ولو عُرِضت في ظروفٍ للإخراج غير هذه الظروف. وليس بالمسرحية أسباب للصراع أو الجذب مما يُعتبر عادةً من ضرورات الدراما أو المسرح: هي قصة فتاة تنمو، وتتزوج، ثم تموت في قريةٍ من قرى إنجلترا الجديدة بعيدة كل البُعد عن القضايا الملتهبة في العالم الأكبر؛ حيث إنها لا تسمع عنها تلميحًا أو إشارة. ومع ذلك فهذه العُزلة عينها، التي يؤكِّدها خلاء المسرح، تَعرض عرضًا حيًّا قويًّا مشكلات كلِّ إنسان وظروفه ومواقفه، حتى لقد وجدَتْ هذه المسرحية الصغيرة — التي تبدو في مُلابساتها ومواقفها أمريكيةً بحتة — صدًى مباشرًا قويًّا في قلوب وعقول مُشاهديها في كل أنحاء العالَم.

أما مسرحية «هربنا بجلدِنا» التي نُشرت عام ١٩٤٢م فقد كانت فرصةً انتهزها «وايلدر» لكي يَستخدِم بها المسرح استخدامًا خلَّاقًا في كثيرٍ من المواقف. وموضوع المسرحية هو بقاء الجنس البشري في وجه الجهل، والمصائب، والعبث وهو يتحرك في الزمن إلى الأمام وإلى الخلف بسرعةٍ تُذكِّر بعض النقاد برواية «يقظة الفينيجان» ﻟ «جيمس جويس»، وتُفتَتَح المسرحية بالطريقة الهزلية الفكتورية المألوفة، حيث تناجي نفسها وصيفة لا تستحي، ولكن سرعان ما تميل حوائط الحجرة بزوايا جنونية، فيلتمس «هومر» و«ميوزس» وحيوان بائد صغير، المأوى من جبل الجليد المقترب، ويحث الجمهور على أن يُقدِّم مقاعده ليُشعل نارًا تحفظ الجنس البشري من أن يتجمَّد.

ولما كانت المسرحية لا تتقيَّد في شكلها بصورة مُعينة فهي تسمح بظهور الحيوانات الثديية في مدينة الأطلنطي، وبتحوُّل الوصيفة إلى تابعة في أحد معسكرات الحرب النهائية وبموكبٍ من مواكب عظماء الفلاسفة. إن مسرحية «هربنا بجلدنا» تُشبِه الكوميديا الموسيقية أشدَّ الشبَهِ من حيث التنوُّع وامتزاج العواطف، ولكن موضوعها احتفال بالبشرية أكثر منه عرض لها. ومن ثم فإن استخدام «وايلدر» للمادة المألوفة والتقاليد المعروفة بطريقةٍ جديدةٍ يقترب اقترابًا شديدًا من ذلك المسرح الشاعري الخلَّاق، الذي حثَّ «أونيل» زملاءه نحو التطلُّع إليه.

إن كلَّ كُتَّاب المسرحية الذين قدَّمنا الكلام عنهم لفتوا نظر الجمهور أولًا فيما بين عامي ١٩١٥م و١٩٣٠م، وعاونوا معاونةً كبرى على نُضج الدراما الأمريكية، وكان لهم كثير من أترابهم الموهوبين — مثل «روبرت شروود» الذي عرف بتجاوبه الحساس مع الموقف السياسي العالمي، و«سدني هوارد» الذي عرف بتعمقه في الآراء الاجتماعية — وهؤلاء مهَّدوا في الثلاثينيات من هذا القرن لظهور كُتَّابٍ مسرحِيِّين من أمثال «كليفورد أودتس»، و«سدني كنجزلي»، الذين مثلوا على المسرح شدَّة سنوات الأزمة العالمية. وقد وضع «أونيل» وأتباعه مستوًى رفيعًا للدراما الأمريكية، ونفخوا في الصور لاستدعاء الكُتَّاب من أصحاب الخيال والحيوية والمهارة الفنية.

والدراما كغيرها من الفنون لا تلبث في ذروة مجدها أمدًا طويلًا. ومع ذلك فإن الدافع الذي هز المسرح الأمريكي في العشرينيات تكرَّر ظهوره في عشرات السنين التالية، في الدراما الشعبية التي سادت في الثلاثينيات، وفي المسرحيات الهزلية الساخرة القوية التي ألَّفَها «جورج كوفمان» وغيره من أعوانه، مما أدَّى إلى ظهور المآسي الشعرية العميقة التي وضعَها «آرثر ميلروتنسي وليامز» بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن هذه المسرحيات تنتمي إلى عصرٍ مُتأخِّر، فنُرجئ الحديث عنها إلى فصلٍ آخر من هذا الكتاب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤