الفصل الحادي عشر

مَاذَا حَدَثَ لِثرثار بَعْدَهَا

هَلْ سَبَقَ لَكَ أَنْ شَعَرْتَ بِخَوْفٍ رَهِيبٍ جِدًّا؟ كَانَ ذَلِكَ مَا شَعَرَ بِهِ ثرثار. لَقَدْ وَقَعَ فِي الْفَخِّ؛ ولَا شَكَّ فِي ذَلِكَ! فَلَمْ تَكُنْ أَسْنَانُهُ الْحَادَّةُ تُجْدِي نَفْعًا مَعَ تِلْكَ الْأَسْلَاكِ الصُّلْبَةِ. كَانَ يُمْكِنُهُ النَّظَرُ مِنْ خِلَالِهَا، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ. وَقَدْ أَعْجَزَتْهُ شِدَّةُ الْخَوْفِ عَنِ التَّفْكِيرِ. وَظَلَّ قَلْبُهُ يَخْفِقُ بَيْنَ ضُلُوعِهِ، حَتَّى تَأَلَّمَ. وَنَسِيَ تَمَامًا أَمْرَ الطَّعَامِ الْعَجِيبِ الَّذِي رَغِبَ فِي تَذَوُّقِهِ، وَالَّذِي كَانَ أَمَامَهُ مُبَاشَرَةً الْآنَ. بَلْ إِنَّهُ شَعَرَ وَكَأَنَّهُ لَنْ تُعَاوِدَهُ الرَّغْبَةُ فِي الْأَكْلِ أَبَدًا. فَمَا الَّذِي سَيَحْدُثُ لَهُ الْآنَ؟ مَاذَا سَيَفْعَلُ بِهِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون عِنْدَمَا يَجِدُهُ فِي تِلْكَ الْمِصْيَدَةِ؟

أَرْهِفُوا السَّمْعَ! مَا هَذَا؟ كَانَ ذَاكَ وَقْعَ أَقْدَامٍ خَارِجَ بَابِ صَوْمَعَةِ الذُّرَةِ مُبَاشَرَةً. فَابْنُ الْمُزَارِعِ براون آتٍ! رَكَضَ ثرثار فِي أَنْحَاءِ قَفَصِهِ السِّلْكِيِّ وَأْنَشَبَ أَنْيَابَهُ فِي الْأَسْلَاكِ الصُّلْبَةِ. وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُجْدِ نَفْعًا، لَمْ يُجْدِ نَفْعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَلَمْ يُؤَدِّ إِلَّا إِلَى إِصَابَةِ فَمِهِ بِآلَامٍ مُبَرِّحَةٍ. ثُمَّ انْفَتَحَ بَابُ الصَّوْمَعَةِ، وَتَدَفَّقَ الضَّوْءُ إِلَى الدَّاخِلِ، وَظَهَرَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون.

وَهَتَفَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون عِنْدَمَا أَبْصَرَ ثرثار، قَائِلًا: «مَرْحَبًا! إِذَنْ فَأَنْتَ اللِّصُّ الَّذِي كَانَ يَسْرِقُ الذُّرَةَ مِنْ صَوْمَعَتِنَا، وَأَنَا كُنْتُ أَظُنُّكَ جُرَذًا أَوْ فَأْرًا. حَسَنًا حَسَنًا أَيُّهَا الْوَغْدُ الْأَحْمَرُ الصَّغِيرُ، أَلَا تَعْلَمُ أَنَّ الْجَرِيمَةَ لَا تُفِيدُ؟ إِنَّكَ ذَكِيٌّ حَقًّا؛ إِذْ لَمْ تَخْطُرْ عَلَى بَالِي قَطُّ، وَلَكِنَّكَ لَسْتَ ذَكِيًّا كَمَا كُنْتَ تَظُنُّ. وَالْآنَ مَاذَا نَفْعَلُ بِكَ يَا تُرَى؟»

ثُمَّ الْتَقَطَ الْمِصْيَدَةَ وَبِدَاخِلِهَا ثرثار، وَخَرَجَ فِي الْهَوَاءِ الطَّلْقِ الْبَدِيعِ. وَكَانَ ثرثار يَرَى عَبْرَ الْفِنَاءِ الْأَمَامِيِّ لِلْمَنْزِلِ الْبُسْتَانَ الْقَدِيمَ وَالْجِدَارَ الْحَجَرِيَّ الْقَدِيمَ الْمَأْلُوفَ الَّذِي كَثِيرًا مَا جَرَى عَلَيْهِ. وَبَدَوَا كَمَا كَانَا يَبْدُوَانِ دَائِمًا، وَلَكِنَّهُمَا كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ رُؤْيَتَهُمَا دُونَ رُؤْيَةِ تِلْكَ الْأَسْلَاكِ الْقَاسِيَةِ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَهُمَا.

أَنْزَلَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون الْمِصْيَدَةَ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ بَدَأَ يُنَادِي قَائِلًا: «بوسي، بوسي، بوسي.» كَادَ قَلْبُ ثرثار — الَّذِي كَانَ يَخْفِقُ بِقُوَّةٍ — أَنْ يَتَوَقَّفَ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ. فَهَا قَدْ حَضَرَتِ الْقِطَّةُ بوسي السَّوْدَاءُ، الَّتِي كَثِيرًا مَا كَانَ يُضَايِقُهَا وَيَسْخَرُ مِنْهَا. وَلَاحَ فِي عَيْنَيْهَا الصَّفْرَاوَيْنِ بَرِيقُ لَهْفَةٍ بَيْنَمَا دَارَتْ حَوْلَ الْمِصْيَدَةِ وَأَخَذَتْ تَتَشَمَّمُهَا. وَلَمْ يَسْبِقْ لِثرثار قَطُّ أَنْ سَمِعَ صَوْتًا بِبَشَاعَةِ صَوْتِ أَنْفَاسِهَا الْمُتَلَهِّفَةِ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى مِنْهُ! ثُمَّ حَاوَلَتْ بوسي السَّوْدَاءُ أَنْ تُدْخِلَ يَدَهَا بَيْنَ الْأَسْلَاكِ، فَرَأَى ثرثار مَخَالِبَهَا الْكَبِيرَةَ الْقَاسِيَةَ. وَلَكِنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ إِدْخَالِ يَدِهَا بَيْنَ الْأَسْلَاكِ.

فَسَأَلَهَا ابْنُ الْمُزَارِعِ براون: «مَا رَأْيُكِ أَنْ تَلْتَهِمِيهِ عَلَى الْفَطُورِ؟»

فَرَدَّتْ بوسي السَّوْدَاءُ: «مِيَاو.» مُقَوِّسَةً ظَهْرَهَا بَيْنَمَا تَمَسَّحَتْ بِسَاقَيْهِ.

فَضَحِكَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون قَائِلًا: «أَظُنُّكِ تَقْصِدِينَ أَنَّ ذَلِكَ يَرُوقُ لَكِ كَثِيرًا. أَتَظُنِّينَ أَنَّهُ يُمْكِنُكِ الْإِمْسَاكُ بِهِ إِذَا أَطْلَقْتُ سَرَاحَهُ؟»

فَكَرَّرَتِ الْقِطَّةُ رَدَّهَا: «مِيَاو.» وَهُوَ مَا بَدَا لِثرثار الْمِسْكِينِ أَبْشَعَ صَوْتٍ سَمِعَهُ فِي حَيَاتِهِ.

فَقَالَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون: «حَسَنًا، سَنَرَى ذَلِكَ بَعْدَ حِينٍ. فَهَا هُوَ جَرَسُ الْإِفْطَارِ، وَأَنَا لَمْ أُطْعِمِ الدَّجَاجَاتِ بَعْدُ.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤