الْأَرْنَبُ بيتر يُحَاوِلُ الْمُسَاعَدَةَ
إِنَّ الْأَرْنَبَ بيتر مِنْ أَطْيَبِ سُكَّانِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ أَوِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ الصِّغَارِ؛ فَهُوَ خَالِي الْبَالِ، وَدَائِمًا مَا يُوقِعُهُ فُضُولُهُ الْبَغِيضُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَتَاعِبِ. وَرُبَّمَا يَكُونُ وُقُوعُهُ هُوَ نَفْسِهِ فِي مَآزِقَ عَدِيدَةٍ هُوَ سَبَبَ إِشْفَاقِهِ عَلَى الْآخَرِينَ الَّذِينَ يَقَعُونَ فِي الْمَتَاعِبِ. وَعَلَى أَيِّ حَالٍ، فَالْأَرْنَبُ بيتر مَا إِنْ يَسْمَعْ أَنَّ أَحَدَهُمْ وَقَعَ فِي مُشْكِلَةٍ، حَتَّى يَبْدَأَ فِي التَّفْكِيرِ فِي كَيْفِيَّةِ مُسَاعَدَتِهِ؛ لِذَا فَإِنَّهُ مَا كَادَ يَعْرِفُ أَنَّ طَائِرَ السِّنْدِيَانِ سامي كَانَ يَقُولُ الْحَقِيقَةَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسِّنْجَابِ الْأَحْمَرِ ثرثار، وَأَنَّ ثرثار كَانَ مَسْجُونًا بِالْفِعْلِ فِي مَنْزِلِ الْمُزَارِعِ براون، حَتَّى بَدَأَ يُفَكِّرُ وَيُفَكِّرُ فِي وَسِيلَةٍ لِمُسَاعَدَتِهِ.
وَلَمْ يَكُنْ بيتر يَعْرِفُ بِالطَّبْعِ نَوْعَ السِّجْنِ الَّذِي كَانَ ثرثار مَحْبُوسًا فِيهِ. وَقَدْ تَذَكَّرَ عَلَى الْفَوْرِ كَيْفَ أَنَّ الشَّيْهَمَ الْبَدِينَ بريكلي بوركي أَخَذَ يَقْرِضُ الصُّنْدُوقَ الَّذِي احْتَفَظَ فِيهِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون بِرَضِيعِ الْخُلْدِ جوني الْمَفْقُودِ وَأَحْدَثَ فِيهِ ثَقْبًا كَبِيرًا. فَلِمَ لَا يَفْعَلُ بريكلي بوركي الشَّيْءَ ذَاتَهُ لِثرثار؟ سَيَذْهَبُ لِرُؤْيَتِهِ حَالًا. وَمُشْكِلَةُ بيتر أَنَّهُ لَا يُفَكِّرُ فِي الْمُشْكِلَةِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهَا، فَهُوَ مُنْدَفِعٌ؛ أَيْ إِنَّهُ يَمْضِي قُدُمًا فِي أَوَّلِ شَيْءٍ يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِ، وَأَحْيَانًا لَا يَكُونُ ذَلِكَ السَّبِيلُ هُوَ الْأَكْثَرَ حِكْمَةً أَوِ الْأَفْضَلَ؛ لِذَا فَقَدْ هُرِعَ إِلَى دَاخِلِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ مُطْلِقًا سَاقَيْهِ الطَّوِيلَتَيْنِ لِلرِّيحِ، بَحْثًا عَنْ بريكلي بوركي. وَلَمْ يُوَاجِهْ صُعُوبَةً فِي إِيجَادِهِ، فَمَا كَانَ عَلَيْهِ سِوَى تَتَبُّعِ صَفِّ الْأَشْجَارِ الْمُجَرَّدَةِ مِنْ لِحَائِهَا.
وَقَالَ لَهُ بيتر، مُتَحَدِّثًا بِسُرْعَةٍ كَبِيرَةٍ؛ إِذْ كَانَ مُتَقَطِّعَ الْأَنْفَاسِ: «مَسَاءُ الْخَيْرِ يَا بريكلي بوركي. هَلْ بَلَغَتْكَ أَنْبَاءُ ثرثار؟»
فَأَجَابَهُ بريكلي بوركي: «نَعَمْ. لَقَدْ نَالَ مَا يَسْتَحِقُّهُ. أَرْجُو أَنْ يَتَعَلَّمَ دَرْسًا.»
فَسَقَطَ قَلْبُ بيتر، وَسَأَلَ: «أَلَا تَظُنُّهُ أَمْرًا مُفْزِعًا؟» ثُمَّ قَالَ: «فَلْتُفَكِّرْ فَقَطْ فِي أَنَّهُ لَنْ يَسْتَطِيعَ أَبَدًا الْجَرْيَ وَاللَّعِبَ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ ثَانِيَةً، مَا لَمْ نَتَمَكَّنْ مِنْ إِخْرَاجِهِ.»
فَنَخَرَ بريكلي بوركي بِأَنْفِهِ قَائِلًا: «هَذَا أَفْضَلُ، هَذَا أَفْضَلُ؛ فَلَطَالَمَا كَانَ مُزْعِجًا. لَمْ يَسْبِقْ لِي قَطُّ أَنْ رَأَيْتُ أَحَدًا يُحِبُّ إِيقَاعَ غَيْرِهِ فِي الْمَتَاعِبِ مِثْلَهُ. نَعَمْ، لَمْ أَرَ ذَلِكَ قَطُّ. وَالْآنَ يُمْكِنُ لِبَقِيَّتِنَا أَنْ يَنْعَمُوا بِالسَّلَامِ. لَقَدْ نَالَ مَا يَسْتَحِقُّهُ.» وَوَاصَلَ بريكلي بوركي مَضْغَ اللِّحَاءِ كَأَنَّ وَرْطَةَ ثرثار لَمْ تَكُنْ تَعْنِيهِ.
فَسَقَطَ قَلْبُ بيتر أَكْثَرَ مِنْ ذِي قَبْلُ. وَحَكَّ أُذُنَهُ الطَّوِيلَةَ بِقَدَمِهِ الْخَلْفِيَّةِ الطَّوِيلَةِ، وَهِيَ عَادَتُهُ عِنْدَمَا يَكُونُ غَارِقًا فِي التَّفْكِيرِ. وَكَانَ شَدِيدَ الِانْشِغَالِ بِالتَّفْكِيرِ حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَرَ وَمِيضَ عَيْنَيْ بريكلي بوركي الصَّغِيرَتَيْنِ الشَّاحِبَتَيْنِ، الَّذِي لَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ قَاسِيَ الْقَلْبِ مِثْلَمَا بَدَا مِنْ كَلَامِهِ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ، أَخَذَ بيتر يُفَكِّرُ خِلَالَهَا بَيْنَمَا كَانَ بريكلي بوركي يَأْكُلُ وَيَأْكُلُ، تَحَدَّثَ الْأَخِيرُ مُجَدَّدًا.
فَسَأَلَ: «فِيمَ تُفَكِّرُ يَا بيتر؟»
فَأَجَابَهُ بيتر عَلَى اسْتِحْيَاءٍ: «ﻛُ… كُنْتُ أُفَكِّرُ كَمْ يَكُونُ رَائِعًا حَقًّا أَنْ تَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ وَتَقْرِضَ سِجْنَ ثرثار حَتَّى تَصْنَعَ لَهُ مَخْرَجًا.»
فَنَخَرَ بريكلي بوركي بِأَنْفِهِ قَائِلًا: «هَهْ! هَهْ! يَظُنُّنِي الْبَعْضُ غَبِيًّا، وَلَكِنِّي أَذْكَى مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَلْتُفَكِّرْ فِي الْأَمْرِ جِدِّيًّا أَيُّهَا الْأَرْنَبُ بيتر.»
فَأَصَرَّ بيتر قَائِلًا: «أَنْتَ لَا تَخَافُ كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر وَلَا ابْنَ الْمُزَارِعِ براون، بَيْنَمَا يَخَافُهُمَا كُلُّ مَنْ عَدَاكَ، سِوَى الظَّرِبَانِ جيمي، لِمَ لَا إِذَنْ؟»
فَرَدَّ عَلَيْهِ بريكلي بوركي قَائِلًا: «لِسَبَبٍ وَجِيهٍ؛ هُوَ أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ لِي أَنْ أَقْرِضَ سِجْنَ ثرثار لِأَصْنَعَ مَدْخَلًا فَسَيُمْكِنُ لَهُ أَنْ يَقْرِضَهُ حَتَّى يَصْنَعَ مَخْرَجًا. فَإِذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ صُنْعُ مَخْرَجٍ بِأَسْنَانِهِ الْحَادَّةِ، فَلَنْ يُمْكِنَنِي ذَلِكَ بِالتَّأْكِيدِ. أَيْنَ عَقْلُكَ أَيُّهَا الْأَرْنَبُ بيتر؟»
فَأَجَابَهُ بيتر بِبُطْءٍ وَأَسَفٍ: «هَكَذَا! لَمْ يَخْطُرْ ذَلِكَ بِبَالِي. لَا بُدَّ أَنْ أُفَكِّرَ فِي وَسِيلَةٍ أُخْرَى أُسَاعِدُ بِهَا ثرثار.»
فَقَالَ بريكلي بوركي — إِذْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَظُنَّهُ بيتر قَاسِيَ الْقَلْبِ حَقًّا كَمَا بَدَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ: «كَانَ بِوُدِّي أَنْ أُحَاوِلَ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ مُجْدِيًا. وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُجْدِيًا.»
فَلَوَّحَ بيتر مُوَدِّعًا بريكلي بوركي وَاتَّجَهَ إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ؛ لِكَيْ يُحَاوِلَ التَّفْكِيرَ فِي وَسِيلَةٍ أُخْرَى يُسَاعِدُ بِهَا ثرثار. وَأَيْقَظَ فِي طَرِيقِهِ الْعَمَّ بيلي الْأَبُوسُومَ وَالرَّاكُونَ بوبي، وَلَكِنَّهُمَا عَجَزَا عَنْ تَقْدِيمِ أَيِّ مُسَاعَدَةٍ؛ فَتَنَهَّدَ بيتر قَائِلًا: «حَقًّا لَا أَرَى وَسِيلَةً لِمُسَاعَدَتِهِ.» وَكَانَتْ تِلْكَ هِيَ الْحَقِيقَةَ.