الفصل الثاني والعشرون

طَائِرُ الْقَرْقَفِ تومي يُحَقِّقُ مَا تَفَاخَرَ بِهِ

ظَلَّ تومي يُرَدِّدُ أَثْنَاءَ تَحْلِيقِهِ فَوْقَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ عَبْرَ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الْفِنَاءِ الْأَمَامِيِّ لِمَنْزِلِ الْمُزَارِعِ براون، وَقَدِ اصْطَبَغَ صَوْتُهُ بِالْبَهْجَةِ: «صَوْ صَوْ صَوْ! انْظُرُوا إِلَيَّ! انْظُرُوا إِلَيَّ!» وَكَانَ صَوْتُهُ فِي الْوَاقِعِ هُوَ الصَّوْتَ الْأَكْثَرَ مَرَحًا وَبَهْجَةً فِي ذَاكَ الصَّبَاحِ الْمُشْرِقِ الْقَارِسِ الْبُرُودَةِ. لَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَتْ ثَمَّةَ أَصْوَاتٌ أُخْرَى، لَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَرِحَةً أَوْ مُبْتَهِجَةً. فَكَانَ هُنَاكَ صَوْتُ طَائِرِ السِّنْدِيَانِ سامي، وَلَكِنَّهُ بَدَا نَكِدًا مُسْتَاءً. وَتَرَدَّدَ صَوْتُ الْغُرَابِ بلاكي، لَكِنَّهُ كَانَ خَشِنًا مُزْعِجًا. وَكَذَلِكَ صَوْتُ السِّنْجَابِ الْأَحْمَرِ ثرثار، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَذَمَّرُ كَعَادَتِهِ، ولَمْ يَكُنْ صَوْتُهُ يَبْعَثُ عَلَى السُّرُورِ.

فَمَا كَانَ مِنْ أَيٍّ مِمَّنْ سَمِعُوا صَوْتَ تومي الْمُبْتَهِجِ ذَاكَ الصَّبَاحَ الشَّتْوِيَّ الْبَارِدَ إِلَّا أَنْ يَبْتَسِمَ. أَجَلْ، مَا كَانَ مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يَبْتَسِمُوا، حَتَّى طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي وَالْغُرَابُ بلاكي. فَجَمِيعُهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا تَمَالُكَ أَنْفُسِهِمْ مِنْ الِابْتِسَامِ. وَعِنْدَمَا بَلَغَ تومي الْجِدَارَ الْحَجَرِيَّ الَّذِي يَفْصِلُ الْبُسْتَانَ الْقَدِيمَ عَنْ فِنَاءِ مَنْزِلِ الْمُزَارِعِ براون، مَا لَبِثَتْ عَيْنَاهُ الثَّاقِبَتَانِ أَنْ أَبْصَرَتَا الْأَرْنَبَ بيتر وَالسِّنْجَابَ الرَّمَادِيَّ جاك السَّعِيدَ، وَثرثار مُخْتَبِئِينَ فِي الْجِدَارِ الْقَدِيمِ؛ حَيْثُ يُمْكِنُهُمُ الْإِطْلَالُ بِرُءُوسِهِمْ وَرُؤْيَةُ كُلِّ مَا يَحْدُثُ فِي الْفِنَاءِ الْأَمَامِيِّ لِمَنْزِلِ الْمُزَارِعِ براون. وَإِذْ نَظَرَ إِلَى الْخَلْفِ عَبْرَ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ رَأَى مَا بَدَا لَهُ كَقِطْعَةٍ صَغِيرَةٍ مِنَ السَّمَاءِ الزَّرْقَاءِ تُرَفْرِفُ فِي صَمْتٍ مِنْ شَجَرَةٍ إِلَى شَجَرَةٍ. وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ سامي. وَبِالْأَعْلَى فِي قِمَّةِ شَجَرَةِ قَيْقَبٍ عَالِيَةٍ، مِنْ عَلَى بُعْدٍ، كَانَتْ ثَمَّةَ بُقْعَةٌ سَوْدَاءُ. وَلَمْ يَحْتَجْ تومي إِلَى مَنْ يُخْبِرُهُ أَنَّ ذَاكَ هُوَ الْغُرَابُ بلاكي، الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَجْرُؤُ عَلَى الِاقْتِرَابِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

وَكَادَ تومي يَرْقُصُ فَرَحًا؛ فَقَدْ عَرَفَ مَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ. كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَرْنَبَ بيتر وَجاك السَّعِيدَ وَثرثار وَطَائِرَ السِّنْدِيَانِ سامي وَالْغُرَابَ بلاكي جَاءُوا لِرُؤْيَتِهِ يُحَقِّقُ مَا تَفَاخَرَ بِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ سَيَأْكُلُ مِنْ يَدَيِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون، وَأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يُصَدِّقْ أَنَّهُ سَيَفْعَلُ ذَلِكَ حَقًّا. وَقَدْ شَعَرَ بِالسُّرُورِ يَغْمُرُهُ وَرَاحَ يَتَقَافَزُ طَرَبًا. وَفِي النِّهَايَةِ طَارَ إِلَى شَجَرَةِ الْقَيْقَبِ النَّامِيَةِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَنْزِلِ الْمُزَارِعِ براون.

فَنَادَى تومي قَائِلًا: «صَوْ صَوْ صَوْ صَوْ! انْظُرُوا إِلَيَّ! انْظُرُوا إِلَيَّ!» وَقَدْ بَدَا صَوْتُهُ أَكْثَرَ مَرَحًا وَبَهْجَةً مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى.

ثُمَّ انْفَتَحَ بَابُ مَنْزِلِ الْمُزَارِعِ براون، وَخَرَجَ مِنْهُ ابْنُهُ ثُمَّ رَفَعَ عَيْنَيْهِ إِلَى تومي، وَبَدَتْ نَظْرَةُ عَيْنَيْهِ رَقِيقَةً وَطَيِّبَةً لِلنَّاظِرِينَ. ثُمَّ ضَمَّ شَفَتَيْهِ، وَمِنْهُمَا خَرَجَ أَرَقُّ وَأَلْطَفُ صَفِيرٍ، وَبَدَا صَوْتُهَا هَكَذَا: «فُووووو … يِييي.»

قَرَصَ الْأَرْنَبُ بيتر نَفْسَهُ لِيَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَيْقِظٌ؛ فَقَدْ كَانَتْ تِلْكَ تَغْرِيدَةَ تومي، وَلَوْلَا أَنَّ بيتر كَانَ يَنْظُرُ إِلَى ابْنِ الْمُزَارِعِ براون مُبَاشَرَةً، لَكَانَ وَاثِقًا أَنَّ تومي نَفْسَهُ هُوَ مَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ الصَّفِيرَ.

ثُمَّ صَفَّرَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون ثَانِيَةً: «فُوووو … يِييي.»

وَرَدَّ عَلَيْهِ تومي بِصَفِيرِهِ: «فُوووو … يِييي.» مِنَ الصَّعْبِ الْقَوْلُ أَيُّ الصَّفِيرَيْنِ كَانَ الْأَرَقَّ وَالْأَلْطَفَ.

وَصَفَّرَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون مَرَّةً أُخْرَى «فُوووو … يِييي.» ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ. وَكَانَ فِيهَا ثَمَرَةُ جَوْزٍ مَشْقُوقَةٌ.

فَهَتَفَ تومي قَائِلًا: «صَوْ صَوْ صَوْ! انْظُرُوا إِلَيَّ! انْظُرُوا إِلَيَّ!» وَرَفْرَفَ نَازِلًا مِنْ عَلَى شَجَرَةِ الْقَيْقَبِ لِيَقِفَ عَلَى يَدِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون، وَلَمَعَتْ عَيْنَاهُ الْبَرَّاقَتَانِ بِمَرَحٍ بَيْنَمَا رَاحَ يَأْكُلُ قِطْعَةً مِنْ ثَمَرَةِ الْجَوْزِ.

فَنَظَرَ الْأَرْنَبُ بيتر إِلَى جاك السَّعِيدِ، وَنَظَرَ جاك السَّعِيدُ إِلَى ثرثار، وَبَدَا عَلَى ثَلَاثَتِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ أَعْيُنَهُمْ. ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى ابْنِ الْمُزَارِعِ براون مِنْ جَدِيدٍ، لِيَجِدُوا تومي جَالِسًا عَلَى رَأْسِهِ.

فَنَادَى تومي قَائِلًا: «صَوْ صَوْ صَوْ صَوْ! انْظُرُوا إِلَيَّ! انْظُرُوا إِلَيَّ!» وَقَدْ بَدَا صَوْتُهُ أَكْثَرَ مَرَحًا مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى؛ لِأَنَّهُ حَقَّقَ مَا تَفَاخَرَ بِهِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤