خاتمة نسخة عام ٢٠١٠ من الكتاب

ويستمر الجدل
إس دبليو هوكينج وآر بنروز

في السنوات التي تلت النسخة الأولى من كتاب «طبيعة الزمان والمكان» حدث كثيرٌ من التطورات المهمة، وذلك على مستوى الملاحظات وأيضًا على المستوى النظري. لكن رغم هذه المعرفة المتزايدة، يبدو أن وجهتَي نظرنا تباعدتَا أكثر مما كانتا عليه من قبل، بدلًا من أن تتقاربَا للوصول إلى فهمٍ واضح موحَّد. هذا بلا شكٍّ مؤشر على الكمية الهائلة من الأشياء التي ما زالت مجهولة حول أساسيات علم الفيزياء، وتحديدًا حول طبيعة الجاذبية الكمية. في هذه الخاتمة الجديدة، نطرح تصوُّرًا مختصرًا لما أوصلتنا إليه وجهتَا نظرنا، ولجوهر الاختلافات فيما بيننا. يمكن لمسألة أن التعارض الأساسي بين وجهتَي نظرنا ما زال قائمًا أن تكون مؤشرًا على حقيقة أنه، خلال الخمس عشرة سنةً منذ إلقائنا هذه السلسلة من المحاضرات المشتركة في كامبريدج — التي يعتمد عليها هذا الكتاب — يظل الجدل المفيد جدًّا دائرًا حول التساؤلات العميقة والمثيرة التي كانت تؤرِّقنا حول الطبيعة الجوهرية للواقع المادي.

نحن متفِقان من ناحية الدراسات المبنية على الرصد — على الأقل — على أي الاكتشافات الجديدة هو الأعلى إثارة والأكثر أهمية. بدأ ذلك من عمليات رصد المستعرات العظمى البعيدة عام ١٩٩٨، والتي اكتشفها فريقان ترأَّسهما بريان بي شميدت وسول بيرلموتر على الترتيب، حيث أتاحت تلك الأرصاد وما تلاها دلائل قوية جدًّا على الحقيقة الواضحة والمفاجئة بأن تمدُّد الكون «يتسارع». التفسير الأبسط (وروجر راضٍ عنه) هو أنه يوجد ثابتٌ كوني موجب صغير في معادلات أينشتاين (كما اقترح أينشتاين نفسه عام ١٩١٧، على الرغم من بعض التحفظات القوية اللاحقة). تتعلق التفسيرات الأخرى ﺑ «طاقة مظلمة» غامضة ما، قد يكون لها أساس مختلف. على أي حال، يزيد هذا العنصر الجديد من الكثافة الكلية الفعَّالة للكون، التي تؤدي، بالاشتراك مع «المادة المظلمة» السائدة — التي تتسم ماهيتها بأنها أيضًا غامضة، ولكن يبدو أن وجودها الفعلي مؤكد بعمليات الرصد العدسية الثقالية للتصادمات المجرية — إلى تكوين صورة تكون فيها البنية الهندسية المكانية الكلية قريبة جدًّا من كونها مسطحة، بل قد تتخذ أيضًا شكل المنحنى الموجب الذي من شأنه أن يكون متسقًا مع فرضية «غياب الحدود» الأصلية التي طرحها هارتل وهوكينج، والتي ذكرها ستيفن في الفصل الثالث، أو يتخذ شكل المنحنى السالب الذي يميل إليه روجر مبدئيًّا على أساس فكرة التويستورات، والتي أُشير إليها في نهاية الفصل الخامس (رغم أن هذه الفكرة قد عُدِّلت الآن بعض الشيء بسبب وجود ثابت كوني).

أحرزت فرضية غياب الحدود تقدمًا أيضًا من ناحية الدراسات النظرية، حيث سمح تضمين أوزان الحجوم لهذا النهج بالحصول على كمياتٍ كبيرة من التضخم. يؤدي هذا التطور إلى تقريب نهج ستيفن ليصبح أكثر اتساقًا مع أفكار علم الكونيات التضخمي، الذي أصبح جزءًا أكبر من الصورة القياسية لعلم الكونيات مما كان عليه قبل خمسة عشر عامًا. يعود دعم ملاحظات التضخم، من ناحية، إلى النتائج التفصيلية المُستقاة من قمر WMAP الصناعي. وهي تؤكد وجود ثبات مقياس عالي الدقة لتوزيع التباين الزاوي في درجات الحرارة، حيث تُقدِّم هذه الملاحظات وغيرها دعمًا واسعًا لتنبؤات التضخم (رغم وجود بعض حالات الشذوذ التي لا يمكن تجاهلها). وتُظهر هذه الملاحظات أيضًا كونًا أوليًّا يتضمن نظيرًا من نوع دي سيتر للتقلبات الحرارية الخاصة بالثقوب السوداء، حيث يكون لكونٍ أولي متضخم بنيةٌ شبيهة بالتأكيد ببنية دي سيتر. ومن شأن قمر بلانك الصناعي، الذي أُطلق في ربيع عام ٢٠٠٩، أن يقدِّم المزيد من المعلومات المهمة، تحديدًا فيما يتعلق بالتنبؤات التضخمية للموجات الثقالية الأولية.
إضافةً إلى ذلك، تدعم التضخمَ أيضًا حقيقةُ أن وجودَ كونٍ مسطح مكانيًّا كان يعني دومًا وجودَ كونٍ متضخم، وقد اتجهت الملاحظات حديثًا نسبيًّا على نحوٍ مُقنِع في ذلك الاتجاه، لكن يظل روجر مُتشككًا؛ إذ لا يمكن للتضخم «وحده» أن يُفسر الانتظام المذهل الذي نجده في الكون في مراحله المبكرة جدًّا. وهذه حالةٌ خاصة جدًّا، توفر ظروفًا تنخفض فيها الإنتروبيا بشدة من الناحية الثقالية، وهو ما يرسِّخ أساسًا للقانون الثاني للديناميكا الحرارية؛ وهو السبب الذي دفع روجر إلى طرح فرضية انحناء فايل (WCH)، كما ذُكِر في الفصل الثاني. ثَمة ملاحظةٌ أخرى باهرة تدعم التضخم أيضًا، وازدادت مصداقيتها في السنوات الأخيرة، وهي وجود ترابطات في إشعاع الخلفية الميكروي الكوني (2.7K)، وهي من النوع الذي يقع خارج التأثير السببي المحتمل في النموذج الكوني للانفجار الكبير القياسي (غير التضخمي)، لكن حيث يُقرب التضخم تلك الأحداث البعيدة لتصبح قريبة من الناحية السببية، لكن يظل روجر متشككًا، وقد طرح مؤخرًا تفسيرًا بديلًا لهذا الأمر (وأيضًا للألغاز المختلفة الأخرى، بما في ذلك أساس منطقي لفرضية انحناء فايل). هذا نهج كوزمولوجي (علم الكون الدوري المطابق، أو CCC)، يفترض عدم وجود أي تضخم في بدايات الكون المبكرة جدًّا، لكن تُتيح فيه وجهة نظر الهندسة المطابقة (الوثيقة الصلة بمخططات كارتر-بنروز المذكورة هنا) للبنية الهندسية المطابقة ﻟ «المستقبل» («التضخمي» الشبيه بكون دي سيتر) البعيد جدًّا لنموذجٍ كوني له ثابتٌ كوني موجب أن ترتبط في تناغم مع الانفجار الكبير لنموذجٍ كوني لاحق. يُتيح هذا للنموذج الكوني الناتج (الزمكان المطابق) أن يمرَّ بسلسلة من «الدهور»، التي يبدأ كلٌّ منها بانفجارٍ كبير، و«ينتهي» بتمدد يتسارع تسارعًا غير محدود.
إن التطور النظري الذي ربما كان له التأثير الأهم على البحوث النظرية الحديثة هو الفكرة المعروفة باسم ازدواجية ADS-CFT (وهو اختصار لاسم نظرية المجال المطابق لفضاء دي سيتر المضاد)، التي طرحها خوان مالداسينا عام ١٩٩٧. رغم أن هذه النظرية تظلُّ تخمينًا غير مبرهَن، فقد كان لها تأثيرٌ قوي على تطوير نظرية الأوتار (وتجلياتها الأحدث، مثل النظرية M)؛ وذلك لأنه يبدو أنها تقدِّم تكافؤًا بين نظرية المجال الكمي التقليدية ونوعٍ معيَّن من نظرية الأوتار؛ ومن ثَم توفِّر أساسًا رياضيًّا حقيقيًّا لهذا النوع من نظرية الأوتار. إن تناظر المجال المطابق لفضاء دي سيتر المضاد (ADS-CFT) له الكثير من الآثار المترتبة الأخرى التي تغيِّر منظور نظرية الأوتار وما تلاها، بتحديدٍ أكثر فيما يتعلق بمصطلح «العوالم الغشائية»، التي قد يكون فيها ما نعيشه باعتباره «واقعًا ماديًّا» هو في الحقيقة حدٌّ من نوعٍ ما لبنيةٍ ذات أبعاد عُليا.
من وجهة نظر ستيفن، قدَّم تماثُل ADS-CFT أيضًا حلًّا لما يُعرَف باسم «مفارقة المعلومات» في الثقوب السوداء، حيث يدعم القول بأن المعلومات لا تُفقد. كان موقف ستيفن قد تغيَّر عما كان يعتقد قبل حوالَي عام ٢٠٠٤، الذي كان قد طرح فيه فكرة أن المعلومات التي تسقط في بنية الثقب الأسود أثناء تكوينه لا بد أن تُفقَد (أو تَفقد تماسكها) في اختفاء الثقب في النهاية بفعل ما يُعرَف باسم «تبخر هوكينج». كان قد أعلن عن تغيير وجهة نظره، بما يدعم الافتراض البديل بأن المعلومات في الحقيقة تُسترجَع، وذلك في مؤتمر GR17 في دبلن عام ٢٠٠٤. ومؤخرًا طرح تفسيرًا أكثر اكتمالًا للأمر، يمكنه فيه الاستفادة من تماثُل ADS-CFT هذا.
غير أن طريقة تعامل روجر مع هذا الأمر المهم مختلفة اختلافًا كبيرًا، كما أن الأمور المتعلقة ﺑ «مفارقة» فقد المعلومات هذه في الثقوب السوداء هي أكثر ما نختلف عليه بشدة. تكمن النقطة الأساسية هنا فيما إذا كانت القواعد القياسية لميكانيكا الكم ستظل غير منتهكة في سياق النسبية العامة، أو إذا كانت ستظهر حاجة لإضافة شيء جديد إلى أسس ميكانيكا الكم قبل أن يُصبح ممكنًا التوصل إلى نظريةٍ صحيحة لما يُسمى «الجاذبية الكمية». كما قال ستيفن في بداية الفصل الأول، رغم أن علماء فيزياء الجسيمات كانوا يعتبرونه شخصًا «راديكاليًّا خطرًا»، فهو «بالتأكيد يُعَد محافظًا مقارنةً بروجر»! أي فقد للمعلومات أثناء تبخُّر الثقوب السوداء سيمثِّل بالتأكيد انتهاكًا لعملية «التطور الموحد» الميكانيكية الكمية القياسية، ومن هنا تنشأ الصعوبة الجوهرية. لكن روجر يفضِّل حدوث انتهاك فعلي لهذا «التوحيد»، في سياقٍ ثقالي؛ وذلك للأسباب المذكورة في هذا الكتاب (تحديدًا في الفصل الرابع). وفي نقاشاتٍ حديثة، وفيما يتصل بنموذج علم الكون الدوري المطابق (CCC) (المذكور أعلاه)، وأوجُه أخرى للقانون الثاني للديناميكا الحرارية في سياق كوزمولوجي، يطرح روجر فكرة أن فقد المعلومات في عملية تبخُّر الثقوب السوداء هي في الواقع مسألة «ضرورية».

إن أغلب الحجج المقدَّمة في هذا الكتاب لا تزال ذات صلة بالدراسات الحالية في مجال الفيزياء الأساسية. وجدير بالذِّكر أن إدوارد ويتن — على سبيل المثال — توصَّل في نهاية عام ٢٠٠٣ إلى بعض التطبيقات الجديدة لأفكار نظرية التويستورات (وهي الموضوع الرئيس الذي يدور حوله الفصل السادس)، حيث تُدمج أساليب التويستورات مع أساليب نظرية الأوتار، لتقديم أساليب أفضل بكثير لحساب عمليات التشتت في دراسات فيزياء الطاقة العالية. نحن نعتقد أنه لا يزال ثَمة الكثير مما يمكننا التوصل إليه بالمزيد من الدراسة لكثير من الأمور التي طرحناها وناقشناها قبل خمسة عشر عامًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤