فوق السعادة

(المنظر: حجرة معدَّة للجلوس اليومي، أثاث أنيق في غير بذخ، تجلس عليه الأختان ثريا وأمينة.)

ثريا : أنتِ التي دائمًا تُغلطينني.
أمينة : والله يا أختي أنا أقول الحق، وطبعًا أنا آسفة أن أراك دائمًا هكذا.
ثريا : بل أنت دائمًا تقولين عني غلطانة؛ حتى لا يقال عنك إنك تحابين أختك.
أمينة : يا ثريا إن المعاملة التي تعاملين بها زوجك لا ترضي أحدًا.
ثريا : أي معاملة؟!
أمينة : وهل قليل أن يخرج زوجك كل يوم غاضبًا، وأن يبيت كل ليلة حزينًا، من يرضى بهذا؟!
ثريا : إنه هو الذي يختلق المشاكل.
أمينة : لنفترض ذلك، إنما واجبك أن تحلي أنتِ هذه المشاكل، ولو أن ما أراه أنكِ دائمًا أنت، وأنتِ وحدك التي تختلقين المشاكل.
ثريا : إنه دائمًا غضبان لا أعرف كيف أرضيه.
أمينة : إنه غضبان مما يرى يا ثريا، ماذا يفعل المسكين حين يجد نفسه، كلما يدخل إلى منزله، أمام وجه كشر!
ثريا : وماذا أفعل إن كان يضايقني دائمًا؟!
أمينة : وفيمَ يضايقك، أنتِ تعلمين قلة موارده، وأنت مع ذلك لم ترحميه من الطلبات، وأقول الحق، إنه يكلف نفسه فوق طاقتها، وأنت مع ذلك غير راضية.
ثريا : وماذا أفعل في قلة موارده؟!
أمينة : أجننت! فماذا يفعل إذا لم تفعلي أنت، يجب أن تفعلي كل شيء يعاونه في حياته، أو يجب عليك — على الأقل — أن تخففي من طلباتك.
ثريا : وهل شكا لك هو من كثرة طلباتي؟
أمينة : لم يشكُ. ولكن لي عيونًا ترى.
ثريا : ولكنه لا يكلمني في مثل هذا أبدًا.
أمينة : فهو رجل صاحب حياء.
ثريا : ولكنه في هذه المرة ليس غاضبًا من كثرة الطلبات.
أمينة : وهل تنتهي أسباب إغضابك له؟
ثريا : لقد غضب لأنني خرجت من غير إذنه.
أمينة (ساخرة) : بسيطة!
ثريا : طبعًا بسيطة، نحن في القرن العشرين، ولا بد للرجل أن يثق في زوجته، وإلا فلا لزوم للحياة الزوجية نفسها.
أمينة : وهل في استئذانك له ما يجرح من ثقته بك؟
ثريا : فلماذا أستأذن؟
أمينة : اسمعي يا ثريا، تأكدي أن زوجك يثق بك، ثقة عمياء، فهو بغير هذه الثقة لا يستطيع أن يعيش معك يومًا واحدًا، ولكنه حاول أن يمنع كلام الناس ولا أحد يلومه عليها.
ثريا : وما شأننا بالناس؟!
أمينة : كيف هذا؟ الناس هم كل شيء، الشرف سمعة، فأنت شريفة ما دام الناس يرونك كذلك. أما إذا قالوا غير ذلك، أصبحتِ كما يقولون.
ثريا : ما هذا الكلام الفارغ؟! الشريفة شريفة في نفسها.
أمينة : هذا هو الكلام الفارغ، ما فائدة الشرف إذا كنت — لا قدر الله — تجلسين في البارات وتخرجين مع غير زوجك، الشريفة يا ثريا هي التي تحافظ على سمعتها كما تحافظ على شرفها، وواجب الزوج أن يمنع كل كلام يثار حول زوجته.
ثريا : وهل يستطيع أحد أن يقول عني كلمة، والله.

(تدخل الخادمة.)

الخادمة : جواب يا ستي.
ثريا : أي جواب؟
الخادمة : جواب أرسله سيدي.
ثريا : هاتيه يا علية (تأخذ الجواب وتبدأ في قراءته، ولكن عينها تترقرق فيها الدموع فتعطيه لأمينة).
أمينة : خذي اقرئيه أنت.
ثريا : «أحببتك يوم طلبت يدك حبًّا أخذ على حياتي جميعًا وأقسمت يومذاك، بيني وبين نفسي، أن أهيِّئ لك من أسباب السعادة ما لم يتهيأ لأحد في العالم، وكان ظني يومذاك أنك ستنعمين بهذه السعادة وتسكبين علي من فيضها ما أحيا به في أهنأ حياة، وكنت في هذه الأيام ذا آمال كبار، وكنتِ أنتِ شريكتي في آمالي، فما طمحت إلى شيء في نفسي إلا فكرت فيما سينالك أنتِ من خير إذا تحقق. ثم تزوجنا ومرت الأيام فإذا آمالي كلها تتحقق إلا شيئًا واحدًا وددت لو كان وحده هو الذي تحقق — نعم يا ثريا، لم أستطع أن أهيئ لك السعادة التي نشدتها لك في نفسي. ولست أدري من منا كان المخطئ فيما حدث لنا ولكني أدري تمامًا أني لم أستطع أن أهيئ لك السعادة التي نشدتها، وإنني اليوم تاركك، راجيًا لك أن تنالي يومًا ما فوته عليك من السعادة.»
«ملحوظة سأحضر الساعة ٦ لأخذ مذكراتي التي لا أحب أن يلمسها أحد غيري، وكل رجائي أن تتركي المنزل مدة ربع ساعة.»
سامي
ثريا (باكية ومحاولة التجلد) : حسنًا ما دام هو الذي فعل هذا، أنا لا يهمني شيء.
أمينة (وقد ظهر عليها كأنما تذكرت شيئًا) : ثريا، كم الساعة الآن؟
ثريا : أهذا وقته يا أمينة، لا أعرف.
أمينة : كيف لا تعرفين أنه سيحضر في الساعة السادسة؟!
ثريا : آه حقًّا، الساعة الآن.

(تنظر في الساعة ثم تذهل حائرة.)

أمينة : نعم أعرف أنها السادسة لقد تأخر الساعي في إحضار الجواب، لا بأس، سأحضر لك حقيبتك من الغرفة، لتخرجي حالًا.

(تذهب أمينة، ولكن ما تكاد تخرج حتى تدخل الخادمة مسرعة.)

الخادمة : سيدي يا ستي، دخل العمارة الآن.
ثريا : أجاء؟ (في اضطراب) سأدخل في الصالون فإن سأل قولي له خرجت.
الخادمة : حاضر.

(يدخل سامي متجهمًا.)

سامي : أين سيدتك يا علية؟
الخادمة : خرجت يا سيدي.
سامي : طيب (ويهم بالدخول إلى غرفته فتخرج أمينة).
أمينة (مضطربة) : أهلًا سامي.
سامي : أهلًا أمينة، عن إذنك.
أمينة : تفضل.

(يدخل سامي.)

أمينة : أين ستك؟
الخادمة (في صوت خفيض) : في الصالون وطلبت إلي أن أخبر سيدي بأنها خرجت، يتهيأ لي يا ستي أمينة أن في الأمر شيئًا.
أمينة : لا شأن لك يا علية. اذهبي أنتِ إلى المطبخ.
الخادمة : أمرك يا ستي.

(تخرج، يدخل سامي وفي يده المذكرات.)

سامي : عن إذنك يا أمينة فأنا على ميعاد مهم.
أمينة : اقعد يا سامي، ما زال أمامك وقت.
سامي : لا، أرجوكِ.
أمينة : لا تخف، أنا أعرف أنك غضبان من ثريا، كالعادة طبعًا، ولكنني لا أعرف شيئًا عن الخلاف، فقد جئت لزيارتها فلم أجدها.
سامي : فلماذا أقعد؟
أمينة : أكلمك يا أخي، ليس هذا من حقي؟!
سامي : يظهر أنك لا تعرفين شيئًا عن الموضوع.
أمينة : أي موضوع؟
سامي : الذي حصل بيني وبين ثريا (يفتح باب الصالون) ولا يحس بهذا سامي، بينما تراه أمينة فتتظاهر بأنها لم تره.
أمينة : لا شأن لي بها.
سامي : لا شأن لك بها، أليست أختك!
أمينة : إن قلبي فوق أختي وفوق كل قوة في الوجود. (يحاول سامي أن يجيب فتندفع أمينة في سرعة) أحبك وأنت تحبني، إلامَ نظل نخفي هذا الحب؟ لماذا لا نتخلص من ثريا؟ لماذا لا نعيش نحن في ظل حبنا، لماذا نحرم من الحق الذي يهيئه لنا حبنا؟
ثريا (مندفعة من الحجرة) : الله، الله، أهذه هي الحقيقة إذن (أمينة تغالب الضحك) لا، لا تحاولي يا أختي العزيزة أن تجعليه مزاحًا فأنتِ تظنين أنني خرجت، ألهذا إذن ترينه دائمًا على صواب وأنا دائمًا المخطئة، وأنتَ أيها الزوج المخلص، أهو حب آخر إذن ما جعلك تقلب حياتي إلى هذا البؤس وأنت مع هذا لا تخجل أن تكتب لي هذا الخطاب وكأنك المظلوم المسكين!
سامي (مذهولًا) : أقسم لك يا ثريا؟ إن هذه أول مرة تكلمني فيها أمينة بهذا الشكل، أقسم لك، أقسم لك بالله العظيم، أقسم لك أني بريء، أنا لا أعرف شيئًا.
أمينة (منفجرة في الضحك) : أيها المغفلان.
ثريا : وتضحكين!
أمينة : لقد قالت لي «علية» إنك في الصالون، وهذا طبيعي، فلو كنت خرجت لقابلك سامي، أيها المغفلان، إن كلًّا منكما يحب الآخر، وتلك هي السعادة، إن السعادة تصنعانها بأيديكما، ولكن الحب يصنعه الله، عيشا معًا، وليظهر كل منكما حبه للآخر فتلك هي السعادة، إن الحب لا يوجد إلا مرة واحدة، ولكن السعادة تجيء وتذهب، إن لحظة سعيدة بين حبيبَين هي الحياة، هي الدنيا، هي كل شيء، الحب (يقترب كل من الزوجين إلى الآخر).
الحب سيخلق لكما السعادة التي تنشدانها (ويتعانق الزوجان) عيشا، عيشا، عيشا، فإنه الحب.
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤