الفصل التاسع عشر

نائب المدير الغاضب

يونيو ٢٠٠٧

«لطالما كنتَ مخادعًا وكاذبًا في كل خطوة على الطريق.» قالها بات وهو يُنهي جولتي سعيدة الحظ مع المصانع والعلامات التجارية.

بات هو نائب مدير فرع التوريدات العالمية لشركة ديكرز أوتدور؛ وهي الشركة الأم لشركة أحذية يو جي وسيمبل وتيفا، التي تَصنع شبشبي المطاطي الخفيف. كنتُ في المكتب المحلي لديكرز، بالقرب من مدينة جوانزو، بالصين، أما بات فكان في … حسنًا، لستُ متأكدًا بالضبط من مكان بات. أتخيَّل أنه يجلس بمكتبه الفسيح في المقر الرئيسي بكاليفورنيا، وربطة عنقِه مفكوكة بعد قضاء يوم طويل من إبرام الصفقات التجارية الناجحة، يَرتشف النبيذ من كأس كريستال، ووجهه مخضَّب بحمرة الغضب أثناء حديثه في هاتفه المحمول. ثمَّة شيء واحد كنت متأكدًا منه قطعًا، ألا وهو أنني لم أكن أروق لبات.

قال: «لقد زرتَ المصنع. من الذي أعطاك العنوان؟»

أجبته قائلًا: «مكتب شركة تيفا. لقد اتصلتُ به الأسبوع الماضي، والرجل الذي ردَّ على الهاتف سأل مديره وأعطوني إياه.»

قال بات: «اذكر لي اسمًا.»

فقلت له: «لا أعرف اسمه. لقد تحدَّثت إلى ما لا يقل عن ثمانية أشخاص في شركتَي تيفا وديكرز خلال الأسبوع الماضي.»

استطرد بات قائلًا: «غير مسموح لأحد أن يُدلي بتلك المعلومة. ليس من المفترض أن تكون متاحة للجمهور.»

فقلت له: «حسنًا، لكنَّهم أعطوني إياها. الشركات الأخرى التي عملتُ معها كانت عناوين مصانعها متاحة للجمهور. لا أرى سببًا وراء اعتبار زيارة المصنع مشكلة كبيرة.»

علَّق قائلًا: «هذا أغبى شيء سمعته طوال اليوم؛ عدم الاهتمام بظهور «سائحٍ» ما في المصنع. نحن لا نستضيف سائحين. ولا نُتيح معلومات مصنعنا للجمهور.»

جاء ردي عليه: «لستُ سائحًا.»

كان هذا كل ما استطعت أن أقوله. أردت أن أشرح له أن زيارتي للمصانع في بنجلاديش وكمبوديا والصين ليست على سبيل قضاء إجازة مطلقًا، وأنني كنت قد قضيت جولة سياحية في هندوراس خصَّصت منها يومًا لزيارة مصنع ملابس هناك. أما الآن بعد أن غفوتُ في غرفة عريفة، ولعبتُ الفريسبي في مكبِّ نفايات بمدينة بنوم بنه، وزرتُ القرى في كمبوديا، فأنا «لست» بالتأكيد سائحًا. فهذه الرحلة ليسَت لها علاقة باستمتاعي بالوقت. لقد أخذت رهنًا عقاريًّا ثانيًا لآتي إلى هنا. لقد فوَّتُّ فرصة التخطيط لحفل زفافي وهو أمر لم يُحبطني على الإطلاق. ومع ذلك، السفر في إجازة بمفردي أثناء هذه المرحلة سيجعل مني شخصًا مُغفَّلًا تمامًا. تخيَّلني وأنا أقول لآني: «استمتعي بالتخطيط لحفل زفافنا يا آني. سأُسافر لأقضي إجازة بأموال لا نَمتلكها. أراكِ بعد ثلاثة أشهر.»

قال بات: «لقد قضيتُ ٣٠ عامًا في هذا المجال، ورأيت الكثير من الأمور. وأستطيع أن أكتشف من يكذب عليَّ ويخدعني.»

كان بات يَستفزني، وشعرتُ بأن وجهي يتخضب بالحمرة. الشيء الوحيد الأسوأ من الدخول في حلقة مفرغة من المكالمات الهاتفية للوصول إلى أحد المسئولين بالشركة هو الدخول في حلقة مفرغة من المكالمات الهاتفية لتصل إلى أحد المسئولين بالفعل ليَنتقدك وينعتك بالكاذب والسائح الأناني حين تَتصرَّف بناءً على المعلومات (القليلة جدًّا) والمساعدة التي أُتيحت لك. قبل أن أحجز تذكرة السفر إلى الصين، أجريتُ عدة مكالمات هاتفية مع شركة ديكرز في محاولة للوصول إلى الشخص المناسب. وسارت الأمور على النحو التالي:

عند اتصالي لوصف رحلة البحث، قلت: «مرحبًا، أنا كاتبٌ أسافر إلى جميع الأماكن التي تُصنع فيها ملابسي. لديَّ شبشب مطاطي ماركة تيفا مصنوعٌ بالصين، وأود أن تُخبرني بالمكان الذي يُصنع فيه هذا الشبشب بالصين.»

وآتاني الرد: «انتظر من فضلك.» أو «سأقوم بتحويل مكالمتك.»

وصفتُ رحلة البحث مرة أخرى.

«انتظر من فضلك.» أو «سأقوم بتحويل مكالمتك.»

وفي النهاية، ربما انقطع الخط «مصادفة»، أو انتظرت لأجل غير مُسمًّى أو حُولت لترك رسالة صوتية.

انقطع الخط. ثم اتصلت مرة ثالثة.

أخيرًا، أخبرني رجل يُدعى برايس أنه مصنوع في مدينة جوانزو، وهو ما كان يَكفي لأضع خطط سفريتي في ذلك الوقت.

عندما وصلت إلى مدينة جوانزو، واجهت جولة أخرى أكثر إرهاقًا من المكالمات الهاتفية من أجل الوصول لأحد مسئولي الشركة. كنت بحاجة إلى عنوان المصنع، والأهم، كنتُ أريد أن أتحدث مع أحد الممثلين بالبلاد في محاولةٍ مني لترتيب لزيارة أو على الأقل لمقابلة شخصية. ففي مدينة هندوراس، ما إن وصلت إلى وجهتي حتى استُقبلت بفتور بالغ. وفي بنجلاديش اختلق دالتون كذبة، وجاريتُه فيها بارتباك. ولكن الترتيب لزيارة مصنع مع مدير قُطْري، كما فعلتُ في كمبوديا عند زيارتي مصنع ليفايس، كانت بالتأكيد الطريقة التي جرَّبتها من قبل وآمل تكرارها في الصين.

اتصلت بمكتب شركة ديكرز بكاليفورنيا من فندقي بمدينة جوانزو وعرفتُ أن برايس لم يعد يعمل هناك. انتظرت وانقطع الخط أثناء انتظاري لسيدة لم أعرف اسمها لتسأل مديرها عن طلبي. عاودتُ الاتصال وتحدثتُ مع روبرت. أعطاني مديره عنوان المصنع، ولكن لم يُعطني أيَّ معلومات للاتصال بمكتبهم في الصين. أخبروني بأن أتَّصل بجايم على الرقم الداخلي الذي لم يتمكنوا من تحويلي له. أغلقت الهاتف واتصلت بجايم، ولكنها لم تكن موجودة فتركتُ لها رسالة صوتية. وعاودت الاتصال وتحدثت إلى ستيفن، الذي قال إنه سيتحدَّث إلى جايم.

مرَّت الأيام دون استجابة من أحد. أرسلتُ رسائل إلكترونية وتركت رسائل صوتية. وعندما وصلت أخيرًا إلى جايم، أعطتني معلومات الاتصال ببات. أرسلتُ سلسلةً من الرسائل الإلكترونية والصوتية إلى بات إضافة إلى روابط لمُدوَّنتي عليها المقابلات الشخصية التي أجريتها والمنشورات الخاصة بزيارة المصانع في بنجلاديش وكمبوديا.

لقد قضيتُ ساعات وأنفقت أكثر مما كنتُ أتخيل من المال لأقطع مسافة طويلة كي أصل في النهاية إلى لا شيء. كل ما كنت أريده هو اسم ورقم شخص بشركة ديكرز في الصين يُمكنني أن ألتقي به. يمكنهم أن يقرروا بأنفسهم ما إذا كانوا راغبين في مُساعدتي أم لا.

راودني شعور بأنهم يَنتظرون اختفائي. ولكنَّني لم أقطع كل هذه المسافة لأختفي. زرتُ موقع شركة ديكرز على الإنترنت وقرأتُ: «مكتبنا للإشراف الداخلي بمدينة بان يو سيتي، بالصين، هو نقطة وصل محلية بين مصنعَيْنا المستقلَّيْن في منطقة الشرق الأقصى.» هذا جعلني أومِن بأن مكتب ديكرز قد يكون واقعًا في المصنع الذي لديَّ عنوانه بالفعل؛ وهو عنوان بالقرب من مدينة بان يو سيتي؛ ولذا ذهبت إلى هناك.

شرحتُ كل هذا لبات، بالإضافة إلى كيف أنني ظللتُ أحاول طيلة شهور الحصول على معلومات اتصال مناسبة ولم أحصل إلا على ردود غامضة. وسألته ماذا كان سيفعل لو كان مكاني.

قال بات: «أنا من يتعين عليَّ أن أسأل هذا السؤال!» أتخيله وهو يضع كأس النبيذ التي أفرغها توًّا بعصبية على مكتبه.

ما تبع ذلك لم يكن أسئلة وإنما اتهامات عن إجادتي الخداع، كما لو كنتُ استعنت بحِيَل عقلية شديدة المكر والدهاء كتلك التي يَتمتَّع بها فرسان الجيداي لأخدع موظَّفي شركة ديكرز وعمال المصنع.

قال لي: «لقد أخبرتهم بأنكَ تَعرفني وأنني دعوتُك للزيارة.»

فكان ردي: «لم تَسِر الأمور على هذا النحو، يا بات.»

fig19
شكل ١٩-١: خارج مصنع الشباشب المطاطية الخفيفة.

•••

قالت آنجيل، مترجمتي: «في الصين، عندما تذهب إلى مكانٍ كهذا ينبغي أن يكون معك خطاب تعريفي.»

لم يرغب حراس المصنع في التورُّط بأي شيء له علاقة بنا؛ ومن ثم قالوا إنهم لم يَسمعوا من قبل عن شركة ديكرز مطلقًا. ثم اقتربت سيدة تملأ بعض الاستمارات الورقية في كشك الحراسة من آنجيل. لقد سمعت عن ديكرز وعملت معهم. في الواقع كان مكتبهم في الطابق العلوي، كما أشارت. (شكل ١٩-١).

سألتني السيدة: «ما طبيعة نشاطك التجاري؟»

أخبرتها.

فسألتني: «مَن الذي أَذِن لك أن تأتي إلى هنا؟»

جاءت إجابتي بعيدة تمامًا عن حصافة فرسان الجيداي؛ إذ قلت لها: «لا أحد! لم يدعُني أحد. ولكن شركة ديكرز أعطتني هذا العنوان. لقد تحدثتُ مع ستيف وجايم وحاولت أن أصل إلى بات.»

بينما كانت السيدة تتَّصل بمديرها، سألتُ آنجيل عما إذا كانت تلك السيدة قد تعرَّفت على أيٍّ من الأسماء التي ذكرتها؛ كانت قد تعرَّفت على اسم بات، وهو الشخص الوحيد بالتأكيد في طاقم عاملي ديكرز الذي «لم» أكن قد تَحدثتُ إليه.

ولذا، افترضتُ أن بات لديه سبب وجيه ليَحمل ضغينةً تجاهي؛ وذلك لاستغلال اسمه، ولكن لماذا لم يستوعب أحد قولي: «لم يَدعُني أحد»؟ إنني حتى كررت هذه العبارة. لم أمارس أي نوع من الكذب.

قادتْنا السيدة أمام الحرس وعبر بوابة معدنية مُتحرِّكة إلى مصنع يبدو وكأنه أشبه كثيرًا بحرم جامعي، محاط بنوافذ ذات زجاج مُعتم ووحدات تكييف تنقط على الرصيف بالأسفل. كانت البنايات متصلة بعضها ببعض من خلال طُرقٍ علوية، وكانت توجد نخلة وحيدة في الظل. سمعتُ طنينًا مرتفعًا صادرًا من مولد كهربائي في مكان بعيد.

دخلنا إلى أقرب بناية عبر قاعة مليئة بموظفين يَجلسون على مكاتب، ربما كانوا مُصمِّمين يفحصون أحذية. كانت رائحة المكان طيبة عبارة عن مزيج مثالي لرائحة الجلد والغراء التي تزيد رغبتك في شراء تلك الأحذية الجديدة. توجَّهنا إلى قاعة محاطة بمقصورات زجاجية تبدأ من الأرض وتصل إلى السقف، تَعرض أحذية تحمل العلامتين التجاريتين تيفا وسيبمل.

بعد مرور بضع دقائق، دخل السيد هوانج، مدير تلك المرأة وسأل: «مَن الذي أَذِن لك أن تأتي إلى هنا؟»

أجبتُ عليه، وأنا أكرر واحدًا من الأعذار التي أُقدمها بسبب ضعف التواصُل فيما بينهم قائلًا: «لا أحد. موظفو ديكرز أعطوني هذا العنوان، ولأنهم مشغولون بمشروعٍ مُرتقب لم أتمكن من التواصل معهم مؤخرًا للحصول على المزيد من المعلومات. أتمنى أن يكون بإمكانكم مساعدتي.»

قال السيد هوانج: «هذه منطقة سرية للغاية مُخصَّصة للأبحاث والتطوير. لا يُمكننا السماح لأحد بالتجول فيها فقد يَسرق أسرار الصناعة.»

من الواضح أن «مكتب الإشراف الداخلي» لم يكن المقر الرئيسي لشركة ديكرز بالصين، وكان السيد هوانج يعمل لدى المصنع، لا لدى شركة ديكرز. حاولت أن أُؤكِّد له أنني أودُّ فقط أن أعرف كيف تُصنع أحذيتي مثلما عرفت طريقة تصنيع سراويلي في كمبوديا لدى شركة ليفايس، وأنه إذا أمكنه أن يُساعدني في الوصول إلى المسئولين المناسبين في شركة ديكرز، فسوف أُقدِّر له جميله هذا.

كرَّر السيد هوانج سؤاله عما إذا كنتُ قد تلقَّيتُ دعوة أو ما إذا كان لي سابق معرفة ببات. كررت التأكيد على أنني لم أتلقَّ دعوة ولا أعرف بات، رغم أنك إذا ما سمعتَ بات وهو يحكي عن الزيارة والجزء الذي يخصه، فقد تظنُّ أنني أخبرت السيد هوانج: «أجل، أنا وبات صديقان. لقد أخبرني أن آتي لزيارة المصنع لتَصحبني في جولة داخله.»

ترَك السيد هوانج الغرفة وجاء ومعه بطاقات عمل. وقرأ المعلومات الموجودة فيها لآنجيل.

قال: «هذا رقم مكتب شركة ديكرز في مدينة بان يو. يجب أن تتصل بهم. لا يُمكنني أن أخبرك بأي شيء هنا حتى يَسمحوا لي بذلك. آسف لا يُمكنني أن أعطيك العنوان. يجب أن تتصل وتُرتِّب للزيارة بنفسك.»

الآن، هل كان السيد هوانج سيقول هذا لو أنني كنت قد خدعته بشأن علاقتي ببات وديكرز؟

اعتذرت عن مجيئي بدون سابق ميعاد وشكرته على وقته.

•••

قلت لبات: «لقد حاولتُ أن أفعل الشيء الصحيح في كل خطوة على طول الطريق. آسف إن كان ثمة نوع من سوء التواصل أو سوء الترجمة. شكرًا على …» ترددتُ؛ شكرًا على ماذا؟ على نعتي بالكاذب؟ «شكرًا على وقتك.» أعدتُ لديندو، المدير القُطْري لشركة ديكرز، هاتفه المحمول.

أجرى ديندو حوارًا من طرف واحد مع بات وقال «نعم» بعدة أشكال مختلفة قبل أن يُغلق الخط. وبدا أن ما أخبره بات به على العكس تمامًا مما قاله بات لي وطريقة قوله إياه. فاعتذَر عن سوء الفهم وقال إن بات أخبره بأن يُجيب عن أي سؤال قد أطرحه عليه.

كان ديندو لطيفًا للغاية؛ بدا وكأننا صديقان مقربان. لقد واجهتُ غضبًا، ولقد واجه هو ذلك الغضب أيضًا عدة مرات على الأرجح. حكى لي عن حياته؛ حيث إنه وُلد في الفلبين وانتقل إلى الولايات المتحدة حين كان في الخامسة من عمره. وفي ذلك الوقت كان يقضي ثلاثة أشهر هنا وشهرًا في بلده مع زوجته وابنه ذي السبعة عشرة ربيعًا في ولاية كاليفورنيا. تحدثنا عن رياضة الغطس. لم يكن يَفصلنا من هذا المكان عن الفلبين سوى رحلة قصيرة. وتُقدِّم الفلبين تجربة رائعة فيما يتصل برياضة الغطس.

في النهاية، عدتُ إلى المهمة التي جئت من أجلها وراجعتُ قائمة الأسئلة الموجودة في مفكرتي. قلت له: «خذني في جولة لتفقُّد عملية تصنيع صندلي.»

قال: «جميع الخامات تأتي من الصين. نحن نختار المُورِّدين ونُصدِر موافقة على جميع العناصر التي تستخدمها المصانع. ونختار التصميم الموجود على الأشرطة والمواد المستخدمة في تصنيع النعال الخارجية والداخلية.»

خلعتُ صندلي كريه الرائحة الذي ارتديته طوال الرحلة، بل حتى قبل بدئها، ورفعته على الطاولة.

قلت: «احذر لمسه؛ إنه قذر.»

أشار ببطاقة العمل خاصتي إلى كل قطعة على حدة، موضِّحًا أن الأشرطة تأتي على هيئة بكرات ضخمة وأنها تُقطع إلى أطوال مناسبة قبل رتق القطع بعضها مع بعض. ثم تُثبَّت بحلقات أشبه بحلقات منع ارتشاح ماء الصنبور عند إصبع القدم الكبير وعلى جانبي القدم حيث موضع التقائها بالنعل الداخلي. ويُصنع النعل الداخلي والخارجي من مطاط ابتكرته شركة تيفا. ولم تسجل الشركة المادة المطاطية المستخدمة كبراءة اختراع باسمها، ولكنها الشركة الوحيدة تقريبًا التي تستخدم هذه المادة، وهي عبارة عن مادة عالية المرونة والكثافة. وتُرتَق النعال معًا وتلصق بالغراء. ولم أكن لأظن أبدًا أن أيَّ حياكة تتمُّ في شبشب مطاطي خفيف.

الشباشب المطاطية الخفيفة سهلة الصنع، ويحتاج تصنيعها إلى نحو خمسة أشخاص: قاطع وحائك وعامل غراء وعامل تلميع وعامل تعبئة. ويستطيع العاملون أن يُنتجوا من ألفين إلى ثلاثة آلاف زوج أحذية في اليوم. قارن هذا بالخمسين إلى الثمانين شخصًا الضروريِّين لإنتاج حذاء تِنِس تقليدي، يصل معدل إنتاجه اليومي لنصف مُعدَّل إنتاج الشبشب المطاطي الخفيف.

سألته: «هل ستحلُّ الماكينات محل الأيدي العاملة؟»

قال: «التكنولوجيا موجودة منذ ١٥ عامًا، ولكن الحال ليست كما كانت عليه. [عليك أن تتعامل مع] كل قطعة جلد على نحو مختلف. والماكينة لن تَعرف ما يتعيَّن عليها فعله. فشركة ريبوك لديها خط ماكينات، ولكن ماكينات الحياكة هي الماكينات الوحيدة التي يَستخدمونها، حيث يجمع العُمال القطع ويَضغطون على زر. وبعد مرور بضع ثوانٍ، يَجري عمل الغُرز.»

fig20
شكل ١٩-٢: سيدة في مدينة الأحذية الكبرى، جوانزو، تجلس وسط أرفف الأحذية.

سألته قائلًا: «إذن، كيف حال صناعة الأحذية؟»

فقال: «بخير. المبيعات تزداد (شكل ١٩-٢). سؤالي هو من الذي يَرتدي كل هذه الأحذية؟ تُنتج شركة نايكي ٢٠ مليون حذاء في الشهر، وتُنتج شركة ريبوك ١٠ ملايين حذاء. ونحن نُنتج نحو ٨ ملايين حذاء في العام.»

قلت: «يا إلهي، هذا العدد يَقترب من العدد الذي تنتجه شركة ريبوك.»

علق قائلًا: «العدد ٨ مليون حذاء في «العام»، وليس في الشهر. لدينا خمسة مصانع نعمل معها في ضاحية بان يو. وكنا نَمتلك من قبل مصانع في ماكاو وتايلاند، ولكن بإمكاننا الإشراف والمراقبة على كل شيء على نحوٍ أفضل في مكان واحد. والشباشب المطاطية مثل الذي تَرتديه مصنوعة في مصنع أروفا بضاحية بان يو.»

سألته: «هل من المُمكن زيارة خط الإنتاج؟»

رد قائلًا: «موسم تصنيع صنادلك انتهى في الوقت الحالي.» هذا أول «رفض».

وهذا منطقي، كنَّا في شهر يونيو، وهم على الأرجح يُنتجون أحذية الخريف والشتاء في الوقت الحالي.

قلت له: «أي خطٍّ لإنتاج الأحذية سيَفي بالغرض. أتوقع أن تكون مُشاهَدة تصنيع الأحذية العادية أكثر إثارة للاهتمام على أيِّ حال.»

قال: «للأسف، المصنع الذي يُنتج صندلك مغلق في الوقت الحالي بسبب انقطاع الكهرباء. وفي مقاطعة جوانجدونج، يوجد جدول لانقطاع الكهرباء. وبعض المصانع تُشغِّل مُولِّدات الكهرباء، وبعضها يغلق.» هذا ثاني «رفض».

أظن أن ديندو يحب عمله؛ إذا أراد أن يحافظ عليه، فما مِن سبيل لدخولي أي مصنع من المصانع التي تتعاون مع شركة ديكرز. إنه يتعامل بأدب وحسب.

سألته: «ربما الأسبوع المقبل؟»

فأجاب: «ربما الأسبوع المقبل.»

•••

كان بات محقًّا؛ فمن الذي سيأتي إلى الصين ليرى أين يُصنَع شبشبه المطاطي؟ فلو كنتُ مكانه لساوَرني الشك أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، ليس لديَّ أي أوراق اعتماد. فأنا لا أعمل لدى صحيفة «نيويورك تايمز»، بل إنني لا أعمل لدى أيِّ جهة. هكذا يصعب التعامل معي على محمل الجد إلى أن تجدني واقفًا على عتبة بابك وحينئذٍ لا يَعود بإمكانك تجاهلي.

ولكن ما الذي يَسوءني في أن أكون عميل تيفا المُخلص الذي يريد أن يعرف من أين يأتي شبشبه المطاطي الخفيف؟

أنا على يقينٍ بأن واقع صناعة الأحذية، مثل واقع صناعة الملابس، ليس جميلًا. وبات لا يريدنا أن نُفكِّر فيها. ولهذا السبب لم أَرُق لبات. ولكنَّ ثمة شيئًا واحدًا يجب أن يَعرفه بات: أنا أحبُّ ارتداء الأحذية. ولا أحب أن تَخِزَني الأجسام الحادة في قدمي. وأحب أن أحظى بدعامة صغيرة للنعل.

تقريبًا كل حذاء لديَّ مصنوع في الصين، وأظن أن أحذيتك كذلك. من أنا لأصب اللعنات على العلامات التجارية والمصانع التي تصنع أحذيتي؟

بات لا يُريدنا أن نفكر في أحذيتنا. إنه يريدنا أن نشتريها ونبليها ونشتري زوجًا آخر منها. بات لا يريدنا أن نفكر في العُمال الذين يصنعون أحذيتنا وكيف تبدو حياتهم. ولكن بصرف النظر عن قدر السيطرة التي يُمارسها بات على سلسلة توريداته العالمية، هو لا يستطيع أن يَمنعني من مقابلة العُمال الذين يَصنعون شبشبي المطاطي الخفيف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤