الفصل الخامس

الخلايا الجنسية والجنس

تنمو الأجنَّة الحيوانية من خلية واحدة، وهي البويضة المخصبة أو الملقحة، وهي نتيجة اندماج بويضة وحيوان منوي. يوجد فرق جوهري، في الكائنات الحية التي تتناسل جنسيًّا، بين الخلايا الجنسية وخلايا الجسد الجسمية؛ فمن الأُولى تنشأ البويضات والحيوانات المنوية؛ ومن ثَمَّ تحدِّد طبيعة الجيل القادم، بينما لا تساهم خلايا الجسد جينيًّا في الجيل القادم. للخلايا الجنسية ثلاث وظائف رئيسية: الحفاظ على السلامة الجينية للخط الجنسي، وخلق تنوُّع جيني، ونقل المعلومات الوراثية إلى الجيل القادم. في كل الحيوانات ما عدا أبسطها، تكون الخلايا الجنسية هي الخلايا الوحيدة التي يمكنها تكوين كائن حي جديد؛ لذلك على عكس خلايا الجسم، التي تموت جميعها في نهاية المطاف، يمكن القول إن الخلايا الجنسية تعيش أطول من الأجسام التي أنتجتها؛ لذلك تكون هذه الخلايا خاصة جدًّا وبمنأًى عن التعرض للشيخوخة.

تكون نتيجة نمو الخلية الجنسية في الحيوانات إما حيوانًا منويًّا أو بويضة. البويضة هي خلية مميزة بوجه خاص؛ لأنها تُنتج جميع الخلايا في الكائن الحي في نهاية المطاف. في حالة الأنواع التي لا يحصل فيها الجنين على تغذية من الأم بعد التخصيب، يجب أن توفِّر البويضة جميع الأشياء اللازمة للنمو أيضًا؛ حيث لا يساهم الحيوان المنوي بأي شيء تقريبًا في الكائن الحي غير كروموسوماته المحتوية على الجينات.

تتحدد الخلايا الجنسية وتُعزل في الحيوانات في الجنين المبكر، بالرغم من أن البويضات الناضجة الجاهزة والحيوان المنوي لا يتكونان إلا في الحيوان البالغ. من الخصائص المهمة للخلايا الجنسية أنها متعددة القدرات؛ إذ يمكنها أن تُنتج كلَّ أنواع خلايا الجسم المختلفة. ومع ذلك نجد أن البويضات والحيوانات المنوية في الثدييات لديها جينات معينة، تختلف من حيث كونها معطلةً أثناء نمو الخلايا الجنسية، ويتم تعطيلها بعملية تسمى الدمغ الجينومي كما سنذكر لاحقًا. وجدير بالذكر أن بعض الحيوانات البسيطة مثل الهيدرا، الذي سنقوم بمناقشته لاحقًا، يمكنها التناسل بطريقة لا جنسية بواسطة التبرعم، وحتى في بعض الفقاريات مثل السلاحف، يمكن للبويضات أن تنمو دون إخصاب. بالرغم من أن النبات يتكاثر جنسيًّا، فإنه يختلف عن معظم الحيوانات في أن الخلايا الجنسية لا تتحدد في وقت مبكر من نمو الجنين، بل أثناء نمو الزهور. من خصائص النبات الخاصة أن الخلية المفردة المأخوذة من النبات البالغ يمكن أن تُنتج نباتًا كاملًا.

تتمايز الخلايا الجنسية إلى بويضات وحيوانات منوية، داخل أعضاء تناسلية متخصصة تسمَّى مناسل: المبيض في الإناث والخصية في الذكور. في حالة الذباب والديدان الخيطية والسمك والضفادع، تساهم جزيئات، تقع في سيتوبلازم مخصوص في البويضة، في تحديد الخلايا الجنسية. أَوْضحُ مثال على ذلك نجده في الذبابة؛ حيث توجد منطقة بها سيتوبلازم مخصوص في القطب الخلفي للبويضة تقوم بتحديد الخلايا الجنسية. لا يوجد دليل على وجود مناطق خاصة في البويضة تقوم بتحديد الخلايا الجنسية في الفرخ أو الفأر أو الحيوانات الثديية الأخرى. يكون نمو طلائع الخلايا الجنسية الأولى، في كثير من الحيوانات، على مسافة من المناسل، ولا تهاجر إليها إلا في وقت لاحق فقط؛ حيث تقوم بالتمايز إلى بويضات أو حيوانات منوية. يمكن اكتشاف أول طلائع خلايا جنسية أولى في الفأر قُبيل ابتداء تكوُّن المُعيدة، وهي تكوِّن مجموعة من ست إلى ثماني خلايا. وبعد حوالي أسبوع واحد يصبح هناك ٤٠ من تلك الخلايا في الخط البدائي؛ وهي تمثل التكملة المتممة لطلائع الخلايا الجنسية الأولى التي سوف تهاجر إلى مناسل الفأر في آخر المطاف.

كي يظل عدد الكروموسومات ثابتًا من جيل إلى جيل، تُنتَج الخلايا الجنسية بواسطة نوع مخصوص من الانقسام الخلوي يسمى الانقسام الاختزالي، يتم فيه إنقاص عدد الكروموسومات إلى النصف. ما لم يحدث هذا التخفيض عن طريق الانقسام الاختزالي، فإن عدد الكروموسومات كان من شأنه أن يتضاعف كلَّ مرة تخصَّب فيها بويضة؛ لذلك تحتوي الخلايا الجنسية على نسخة واحدة من كل كروموسوم وتسمَّى فَردانية، بينما خلايا الطليعة للخلايا الجنسية والخلايا الجسدية الأخرى للجسم تحتوي على نسختين وتسمَّى ضِعفانية. يعني اختزال عدد الكروموسومات إلى النصف في الانقسام الاختزالي أنه عند الْتِقاء البويضة والحيوان المنوي في الإخصاب، يتم استعادة العدد الضِّعفاني للكروموسومات.

يشمل الانقسام الاختزالي انقسامين خلويين؛ وتتضاعف الكروموسومات قبل الانقسام الأول ولكن ليس قبل الانقسام الثاني؛ ومن ثَمَّ ينقص عددها إلى النصف. في مرحلة مبكرة في الانقسام الاختزالي الأول، تزدوج الكروموسومات المتناظرة وتتبادل المناطق؛ مما يولِّد كروموسومات تحتوي على مجموعات جديدة من الجينات، وبناءً عليه يَنتج عن الانقسام الاختزالي أمشاج تحمل كروموسوماتُها مزيجًا مختلفًا من الجينات مقارنةً مع الأصلية؛ وهذا يعني أنه عندما يلتقي الحيوان المنوي والبويضة عند الإخصاب، فإن الحيوان الذي سينتج عن هذا اللقاء سيكون مختلفًا في التركيب الجيني عن كلٍّ من والديه؛ ولهذا السبب رغم أن المولود قد يشبه والديه، فإنه لا يتطابق معهما في الشكل تمامًا. قد يحدث خطأ كبير أثناء عملية الانقسام الاختزالي لبويضة الإنسان ينتج عنه تكوُّن كروموسوم إضافي ٢١، وهو ما يعرف باسم تثلُّث الكرموسوم ٢١، نتيجةً لخطأ في الانقسام الاختزالي الأول. يسبِّب هذا التثلُّث الكروموسومي متلازمة داوِن، وهو أحد أكثر الأسباب الوراثية المسببة للتشوهات الخلقية وصعوبات التعلم.

ربما تعتمد البويضة النامية على الأنشطة التصنيعية للخلايا الأخرى؛ فعلى سبيل المثال، تُصنع بروتينات المُح في الطيور والبرمائيات بواسطة خلايا الكبد، ويحملها الدم إلى المبيض؛ حيث تدخل إلى البويضة النامية وتصبح معبأة بالصفائح المُحِّيَّة. تختلف البويضات اختلافًا شاسعًا في الحجم بين الحيوانات المختلفة، ولكنها دائمًا تكون أكبر من خلايا الجسم. في الثدييات، تخضع الخلايا الجنسية لعدد صغير من الانقسامات الخلوية أثناء هجرتها إلى المنسل ولا تتكاثر بعد الانقسام الاختزالي مرةً ثانية؛ وبهذا يكون عدد البويضات النامية في هذه المرحلة الجنينية، على وجه العموم، هو العددَ الأقصى الذي يمكن أن تنتجه أنثى الثدييات. في الإنسان، تضمحل معظم البويضات النامية قبل البلوغ، تاركة حوالي ٤٠٠ ألف بويضة على قيد الحياة من أصل ٦ إلى ٧ مليون. يقل هذا العدد مع التقدم في العمر، ويزداد التراجع في العدد حدةً بعد منتصف الثلاثينيات حتى انقطاع الطمث، الذي عادةً يكون في الخمسينيات من العمر. يقف نمو البويضات النامية في الثدييات وحيوانات فقارية أخرى عديدة معلقًا في أول مرحلة من مراحل الانقسام الاختزالي، ولكن بعد الولادة — وعندما تصبح الأنثى ناضجة جنسيًّا — تبدأ البويضة النامية عملية النضج، نتيجة للمحفزات الهرمونية.

يختلف نمو الحيوان المنوي اختلافًا كبيرًا عن البويضة. الخلايا الجنسية الضِّعفانية المنشئة للحيوانات المنوية لا تمر بعملية الانقسام الاختزالي في الجنين، ولكن تظل حبيسة في مرحلة مبكرة من دورة الخلية في خصية الجنين، وتستأنف التزايد بعد الولادة. ولاحقًا في ذَكر الحيوان الناضج جنسيًّا، تخضع الخلايا الجذعية لانقسام اختزالي وتنمو لتصبح حيوانًا منويًّا؛ ولذلك، على عكس العدد الثابت من البويضات في إناث الثدييات، يستمر الذكر في إنتاج حيوانات منوية طوال فترة حياته.

بعض الجينات المعينة في البويضات والحيوانات المنوية تكون «مدموغة»، بحيث يختلف نشاط الجين الواحد حسب مصدره إذا كان أموميًّا أو أبويًّا. الدمغ الخاطئ يمكن أن يؤدي إلى تشوهات في النمو في الإنسان، وقد تم التعرف على ما لا يقل عن ٨٠ جينًا مدموغًا في الثدييات، وبعضها يساهم في التحكم في النمو؛ على سبيل المثال، عامِلُ النمو شبيه الأنسولين IGF-2 ضروري لنمو الجنين؛ ويكون الجين الخاص به معطَّلًا (مدموغًا) في الجينوم الأمومي، بحيث تكون النسخة الأبوية فقط من الجين هي النَّشِطة. يستفيد الأب من النمو الأقصى لذريته حتى يكون لجيناته فرصة جيدة في البقاء والاستمرار، بينما تستفيد الأم، التي قد تتزاوج مع ذكور مختلفة، بشكل أكبر عن طريق توزيع مواردها على كل نسلها؛ ولذلك تحتاج إلى منع النمو المتعاظم في أي جنين؛ ولذلك يُعطَّل جين مثل IGF-2 — الذي يعزز النمو الجنيني — في نسخة الأم. ومع ذلك، يوجد العديد من التأثيرات للجينات المدموغة بخلاف تأثيرها على النمو.

يرتبط عدد من اضطرابات النمو في الإنسان بالجينات المدموغة؛ فالأطفال الذين يعانون من متلازمة برادر-ويلي يعانون للبقاء أحياءً، وبعد ذلك يمكن أن يصبحوا مفرطي السمنة؛ كما تظهر عليهم أيضًا أعراض التخلف العقلي والاضطرابات العقلية مثل سلوك الوسواس القهري. تؤدي متلازمة أنجلمان إلى تخلف شديد حركي وعقلي، أما متلازمة بيكويث ويدمان فسببها تعطُّل عمومي في الدمغ على منطقة من الكروموسوم ٧؛ مما يؤدي إلى فرط نمو الجنين وزيادة الاستعداد للإصابة بالسرطان.

الإخصاب هو اتحاد البويضة بالحيوان المنوي، وهو المحفِّز للنمو. يرتبط الإخصاب وتنشيط البويضة بانطلاق هائل لأيونات الكالسيوم الحرة التي تسبب بدء اكتمال الانقسام الاختزالي في البويضة المخصبة بأن تؤثر على البروتينات التي تتحكم في الانقسام الخلوي. بعد ذلك تندمج نواتا البويضة والحيوان المنوي لتكوين نواة الجنين، وتبدأ البويضة في الانقسام وتشرع في تنفيذ البرنامج النمائي الخاص بها.

الحيوانات المنوية خلايا متحركة مصممة نموذجيًّا لتنشيط البويضة وإدخال نواتها إلى السيتوبلازم الخاص بها. وهي تتألَّف أساسًا من نواة، وميتوكوندريا توفر مصدرًا للطاقة، وسوطٍ للحركة. لا يساهم الحيوان المنوي بأي شيء في الكائن الحي إلا بكروموسوماته. في الثدييات، تتفتت ميتوكوندريا الحيوان المنوي بعد الإخصاب؛ ومن ثَمَّ تكون كل الميتوكوندريا في الحيوان أمومية المصدر.

في كثير من الكائنات البحرية، مثل قنافذ البحر، تنجذب الحيوانات المنوية، التي يطلقها الذكور في المياه، إلى البويضات عن طريق تدريج للمادة الكيميائية التي تطلقها البويضات. تلتحم أغشية البويضة والحيوان المنوي، وتدخل نواة الحيوان المنوي داخل سيتوبلازم البويضة. في الثدييات وحيوانات أخرى عديدة، يتم تخصيب كل بويضة بواسطة حيوان منوي واحد من كل الحيوانات التي يطلقها الذكور. في كثير من الحيوانات، ومنها الثدييات، ينشِّط اختراق الحيوان المنوي آلية حجب في البويضة تمنع دخول أي حيوان منوي آخر. هذا أمر ضروري؛ لأن دخول أكثر من نواةِ حيوانٍ منويٍّ إلى البويضة سيؤدي إلى وجود مجموعات إضافية من الكروموسومات؛ مما يؤدي إلى نمو غير طبيعي. في أجنَّة البشر المصابين بمثل هذه التشوهات يفشل النمو. تمنع آليات البويضة الإخصاب بأكثر من حيوان منوي واحد، وعادةً ما تحاط البويضة غير المخصبة بعدة طبقات واقية خارج الغشاء الخلوي. للكائنات الحية المختلفة طرق مختلفة لضمان الإخصاب بحيوان منوي واحد؛ على سبيل المثال، في الطيور، يخترق العديد من الحيواناتِ البويضةَ ولكنَّ نواةَ واحدٍ فقط منها هي التي تندمج مع نواة البويضة؛ وتتحطم نَوى الحيوانات المنوية الأخرى في السيتوبلازم.

يوجد عدد قليل جدًّا من البويضات الناضجة في الثدييات — عادة واحدة أو اثنتان في الإنسان وحوالي ١٠ في الفئران — تنتظر الإخصاب، بينما يصل إلى هذه البويضات بالفعل ما يصل إلى مائة مليون من الحيوانات المنوية المقذوفة. يمكن أن تُخصَّب البويضات البشرية وبويضات الثدييات الأخرى في مزرعة ثم يتم نقل الجنين في مرحلة مبكرة جدًّا إلى رحم الأم؛ حيث ينغرس وينمو بطريقة طبيعية. هذا الإجراء المسمَّى التخصيب في المختبر (يُعرَف أيضًا بأطفال الأنابيب) يؤدي خدمة جليلة للأزواج الذين لديهم صعوبات في الحمل لأسباب متنوعة. نحن الآن نستخدم التخصيب في المختبر كعلاج لحالات العقم في الإنسان كأمر مُسلَّم به، رغم أنه لم يمضِ على تطبيقه والحصول على أول طفل أنابيب — تدعى لويز براون، ولدت في المملكة المتحدة — إلا ٣٠ عامًا. يمكن كذلك إخصاب بويضة بشرية بواسطة حقن حيوان منوي واحد سليم داخل بويضة في المزرعة، وهذا مفيد عندما يكون العقم ناتجًا عن عدم قدرة الحيوان المنوي على اختراق البويضة. يمكن تجميد أجنَّة التخصيب في المختبر ثم زرعها بنجاح بعد ذلك بسنين عديدة.

في الآونة الأخيرة، أصبح من الممكن فحص جينات الأجنَّة الناتجة عن التخصيب في المختبر بغرض تجنب زراعة جنين به عيب جيني وراثي. وبسبب قدرة الأجنَّة البشرية على التنظيم، يمكن إزالة خلية واحدة من الجنين أثناء التفلُّج المبكر دون تغيير يُذكر في نموه اللاحق، ثم يتم فحص الدنا الخاص بهذه الخلية المفردة ويُبحث عن وجود الطفرات التي تسبب أمراضًا. يُجرى هذا الفحص السابق على الغرس بصورة منتشرة في حالات يُعرف عنها أن الآباء والأمهات حاملون لمرض وراثي معين مثل التليف الكيسي. وهذا الفحص يضمن أن الأجنَّة ذات الجينات الطبيعية هي التي يتم غرسها في الأم. يزداد الطلب على تشخيص ما قبل الغرس؛ لأنه يمكن استخدامه، ليس فقط في اكتشاف الطفرات في الجينات التي تؤثر على الطفل الحديث الولادة، ولكن أيضًا في اكتشاف الجينات التي تعرِّض الشخص للمرض في مرحلة لاحقة من حياته. كمثال على ذلك نجد طفرات الجين BRCA1 التي تُعرِّض النساء للإصابة بسرطان الثدي والمبيض، وهي ترتبط بنسبة ٨٠٪ من هذه الأورام في النساء المعرَّضات وراثيًّا للسرطان. في الذكور، ترتبط طفرات الجين BRCA1 بزيادة القابلية للإصابة بسرطان البروستاتا؛ لذلك عند استبعاد الأجنَّة ذات الطفرات في الجين BRCA1، يمكن إزالة التعرض الوراثي لهذه الأنواع من السرطانات من العائلة. يثير التشخيصُ الجيني السابق للغرس بعضَ المسائل العملية والأخلاقية، مثل السؤال بشأن ماهية الأمراض الجينية التي يجب عمل الفحص لاكتشافها. حتى عندما لا يكون الفحص هو موضوعَ النقاش فإن التخصيب في المختبر يُنتج عادةً أجنَّة أكثر عددًا من تلك التي تم غرسها؛ ويظل ما ينبغي علينا فعله بهذه الأجنَّة الفائضة مسألةً خلافية، ولكن يتم التخلص من معظمهم وحسب.
يكون النمو المبكر متماثلًا في كلٍّ من ذكور أجنَّة الثدييات وإناثها، ولا تظهر الاختلافات الجنسية إلا في مراحل لاحقة. يتحدد نمو الفرد وراثيًّا كذكر أو أنثى عند الإخصاب من واقع المحتوى الكروموسومي للبويضة والحيوان المنوي اللذين يندمجان كي يكوِّنا البويضة المخصَّبة. يوجد نوعان من كروموسومات الجنس؛ إكس وَواي. تحتوي خلايا الأنثى على كروموسومَي إكس (إكس إكس)، بينما يمتلك الذكور كروموسوم إكس وكروموسوم واي (إكس واي). كل حيوان منوي يحمل إما كروموسوم إكس وإما واي، بينما تحتوي البويضة على كروموسوم إكس؛ ومن ثَمَّ، يتحدد جنس جنين الثدييات لحظة الإخصاب، عندما يقدم الحيوان المنوي إما كروموسوم إكس وإما واي للبويضة. هناك جين على كروموسوم واي، هو SRY يسبب نمو الخصيتين، وهي تقوم بإفراز هرمونات مثل الهرمون الخصوي (التستوستيرون) الذي يسبب نمو الأنسجة الذكورية ويثبِّط نمو الأنسجة الأنثوية. يرجع نمو القضيب وكيس الصفن في الذكور، بدلًا من البظر والشفرين في الإناث، وإنقاص حجم الغدد الثديية في الذكور؛ إلى تأثير هرمون التستوستيرون (شكل ٥-١). في الحيوانات الأخرى مثل الذبابة، يحدد عددُ الكروموسومات إكس إكس في كل خلية جنسَها، ولا دور للهرمونات في ذلك.
fig19
شكل ٥-١: نمو الأعضاء التناسلية في الإنسان. في المراحل الجنينية المبكرة، تَكُون الأعضاء التناسلية هي نفسها في الذكور والإناث. وبعد تكوُّن الخصية في الذكور تشكِّل الوذرةُ والطيةُ التناسليةُ القضيبَ، بينما في الإناث تشكلان البظر والشفرين الصغيرين. يشكل البروز التناسلي كيس الصفن في الذكور والشفرين الكبيرين في الإناث.

يتضح الدور الذي تلعبه الهرمونات في النمو الجنسي للثدييات من خلال حالات نادرة من النمو الجنسي الشاذ. بعض الذكور ذوو الكروموسومَين إكس وواي يَنْمُون كإناث من ناحية المظهر الخارجي، بالرغم من أن لديهم خصيتين ويقومون بإفراز هرمون التستوستيرون، إذا كانت لديهم طفرة جعلتهم غير حساسين للتستوستيرون. وعلى العكس، الإناث — من الناحية الجينية — ذوات الكروموسومَين إكس من الممكن أن ينمون بنمط ظاهري ذكوري في المظهر الخارجي إذا تعرضْن لهرمونات ذكرية أثناء النمو الجنيني. في غياب الكرموسوم واي، يسير النمو بشكل افتراضي في مسار الأنوثة. هناك أيضًا حالات نادرة لإناث يمتلكْن الكروموسومَين إكس وواي، وذكور يمتلكون الكروموسومَين إكس ويبدون ذكورًا من الناحية الجسدية. يكون هذا نتيجة لفقدان جزء من كروموسوم واي في الإناث ذوات الكروموسومين إكس وواي، أو نتيجة نقل جزء من الكروموسوم واي إلى الكروموسوم إكس في الذكور ذوي الكروموسومين إكس. يمكن أن يحدث هذا أثناء الانقسام الاختزالي في الخلايا الجنسية للذكور؛ حيث تكون الكروموسومات إكس وواي قادرة على الازدواج، ويحدث تبادل بينهما.

في كثير من الحيوانات مثل الثدييات، بما في ذلك الإنسان، يوجد عدم توازن في الجينات المرتبطة بالكروموسوم إكس بين الجنسين؛ فأحد الجنسين يملك نسختين من الكروموسوم إكس، بينما يملك الآخر نسخة وحيدة فقط. هذا الخلل يجب أن يُصحح حتى يكون مستوى التعبير الخاص بالجينات الموجودة على الكروموسوم إكس هو نفسه في كلا الجنسين. تُسمَّى الآلية التي يتم بها التعامل مع الخلل في الجينات المرتبطة بالكروموسوم إكس «التعويض بالمعايرة». يؤدي عدم تصحيح الخلل إلى تشوهات وتوقُّف النمو. تحقِّق الثديياتُ مثل الفئران والإنسان التعويضَ بالمعايرة في الإناث بواسطة تعطيل أحد كروموسومَي إكس، تختاره عشوائيًّا، في كل خلية. وبمجرد تعطيل الكروموسوم إكس في خلية جنينية، يبقى هذا الكروموسوم في حالة غير نشطة في جميع خلايا الجسم، ويستمر التعطيل طوال حياة الكائن الحي. أحيانًا يكون التأثير الفسيفسائي لتعطيل الكروموسوم إكس ظاهرًا في جلود إناث الثدييات؛ فإناث الفئران التي يُعطَّل فيها أحد جينات الأصباغ على الكروموسوم إكس، تُرى بقعٌ من الألوان على جلودهن، أنتجتها خلايا بشرة مستنسخة تعبِّر عن الكروموسوم إكس الحامل لجين الصبغة النشط. يعمل التعويض بالمعايرة بطريقة مختلفة في الذباب؛ فعوضًا عن تثبيط نشاط الكروموسوم إكس «الإضافي» في الإناث، يزداد نَسْخ الكروموسوم إكس في الذكور بنحو الضعف. في الديدان الخيطية، يتم تحقيق التعويض بالمعايرة بواسطة إنقاص مستوى تعبير الكروموسوم إكس في الديدان ذات الكروموسومَين إكس؛ بحيث يتساوى مع مستواه في الذكور التي لديها كروموسوم إكس منفرد.

خلافًا للحيوانات، لا يعزل النبات خلايا جنسية في الجنين، ويتم تحديد الخلايا الجنسية فقط عند نمو الزهرة. تستطيع أيُّ خلية إنشائية، من حيث المبدأ، تكوينَ خلية جنسية من أيٍّ من الجنسين، ولا توجد كروموسومات جنسية. ينشأ عن الغالبية العظمى من النباتات الزهرية أزهار تحتوي على الأعضاء الجنسية الذكرية والأنثوية، وهي التي يتم فيها الانقسام الاختزالي. أعضاء الجنس الذكرية هي: السداة؛ وهي تنتج حبوب اللقاح، التي تحتوي على نَوى الأمشاج الذكرية المناظِرة للحيوانات المنوية في الحيوانات. تقع أعضاء التناسل الأنثوية في منتصف الزهرة، وهي تتكون من مبيض به كَرْبَلتان تحتويان على البُذيرات. كل بُذيرة تحتوي على بويضة نامية، وعندما تسقط حبة لقاح على سطح كربلة، ينمو منها أنبوب يقوم باختراق الكربلة ويقدم نواتَي حبتَي لقاح فردانيتَيْن للبويضة. تقوم نواة واحدة بإخصاب خلية البويضة، بينما تندمج الأخرى مع نواتين أخريين في البويضة. ينشأ عن هذا خلية ثلاثية، سوف تنمو إلى نسيج متخصص مغذٍّ — السويداء — يحيط بالبويضة المخصبة ويوفر لها مصدرًا للغذاء اللازم للنمو الجنيني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤