مغامرة صغيرة

دق جرس التليفون في منزل «تختخ»، وكان المتحدث هو المفتش «سامي»، وعندما رفع «تختخ» السماعة قال المُفتش: صباح الخير … مُدهِش أنك استيقظت مبكرًا برغم أنك في إجازة!

رد «تختخ»: إنني أعمل بالنصيحة الذهبية … نمْ مُبكِّرًا واستيقظ مبكرًا!

المفتش: إنني أتحدَّث من المعادي …

تختخ: خير … حادث؟

المفتش: نعم … حادث سرقة لثالث مرة في المعادي!

تختخ: لقد قرأتُ عن الحادثتَين السابقتين … هل الثالثة من النوع نفسه؟

المفتش: نعم … وبالأسلوب نفسه … من الواضح أنها العصابة نفسها في كل مرة.

تختخ: هل لنا عمل؟

المفتش: نعم … وسآتي بعد ساعة إذا كان هذا مُناسبًا لكم!

تختخ: مناسب جدًّا … سأتصل بالأصدقاء … وسنكون كالمعتاد في حديقة منزل «عاطف».

المفتش: اتفقنا وإلى اللقاء.

واتصل «تختخ» بالأصدقاء، ثم أخذ «زنجر» معه واتجه إلى منزل «عاطف»؛ حيث اعتاد المغامرون الخمسة أن يجتمعوا … وكانوا جميعًا في انتظاره هناك فقصَّ عليهم مُكالَمة المفتِّش «سامي»، فصاحت المُغامِرة المتحمِّسة «لوزة»: لغز … لغز! وطبعًا رد عليها شقيقها الساخر «عاطف» قائلًا: أخشى أن تَنظُري في وجهي يومًا فتجدين لغزًا!

لوزة: إن هذا سيكون لغزًا مثيرًا … لغز الوجه الجميل!

محب: أو لغز الأنف الأحمر!

نوسة: بالمناسبة يا «عاطف» … ما سبب احمرار أنفِك؟

لوزة: أقول لكم؟

«عاطف» ثائرًا: لا تقولي شيئًا … أنفي أحمر أو أزرق لا دخلَ لأحد فيه …

تختخ: هل هي حكاية مُضحكة؟

لوزة: جدًّا … إن المسألة فيها بصل!

وعاد «عاطف» إلى مرحه قائلًا: في هذه الحالة نُسمِّيه لغز بصلة المحب … أو بصلة «محب».

محب: وما دخلي أنا … نُسمِّيها بصلة «عاطف».

تختخ: إنه يقصد المثل الذي يقول: بصلة المحب خروف!

وفي هذه اللحظة وصَل المفتِّش بقوامه الفارع ونظارته السوداء، فاستقبله الأصدقاء في حماسٍ؛ فهو يَحمل إليهم مغامرة، وهم دائمًا يُرحِّبون بالمغامرات والألغاز.

وبعد أن تبادلوا التحية، أخرج المفتش من جيبه ورقة صغيرة، ثم بدأ الحديث قائلًا: هذه الورقة فيها تواريخ الحوادث الثلاث التي وقعت في «المعادي» فقط، ولكن هناك حوادث سرقة أخرى وقعت في أحياء مُتفرِّقة من «القاهرة»، تمَّت بالأسلوب نفسه … والحوادث التي وقعت في «المعادي» كانت الأولى بتاريخ ٦ يونيو، والثانية بتاريخ ٢٠ يونيو، والثالثة التي وقعت اليوم أي بتاريخ ١١ يوليو، وكلُّها وقعت في منازل ليس بها أصحابها.

لوزة: مهجورة؟

المفتش: لا … ولكن إما أن أصحابها سافَرُوا إلى المصيف، وإما أنهم كانوا خارج المنزل في وقت وقوع السَّرقة، في سينما أو مسرح أو عند أصدقاء. وكذلك الحوادث التي وقعت في «القاهرة»، كانت في منازل ليس بها أصحابها.

تختخ: أي إن العصابة تختار منزلًا خاليًا من السكان وتسرقه.

المفتش: بالضبط … والسرقة تتمُّ بفتح الباب بمفاتيح مُصطَنعة … وفي الحقيقة إن العصابة من أبرع العصابات في فتح الأبواب بالمفاتيح المُصطَنعة … فهي لا تكسر الباب أو النافذة، ولكن تفتح الباب ببساطة مُدهِشة.

تختخ: وما هي الإجراءات التي اتخذتموها حتى الآن يا حضرة المفتِّش؟

المفتش: الإجراءات المُعتادة … فقد أعلنَّا في الصحف عن ضرورة قيام المواطنين بإخطارنا قبل سفرهم حتى يُمكن مراقبة المنازل التي ليس بها أصحابها … والحقيقة أنها مشكلة صعبة … فالناس تُسافر في المصيف بالألوف … ومن الصعب جدًّا إيجاد عدد كافٍ من رجال الشرطة لمُراقبة كل بيت!

محب: وبخاصَّة البيوت التي يذهب أصحابها إلى السينما أو المسرح أو لسهرة عند الأصدقاء، فهؤلاء لا يُخطَرون … ولو أخطروا ما استطعتم تدبير شرطيٍّ لحراسة كل بيت!

المفتش: تمامًا.

تختخ: وما هي الإجراءات الأخرى؟

المفتش: أخذنا نراجع سجلَّ اللصوص الذين يُجيدون فتح الأبواب بالمفاتيح المُصطَنعة، وقد وجدنا أن أخطر هؤلاء اللصوص قد أُفرج عنه منذ شهر بعد قضاء مدة العقوبة فاعتقلناه لفترة.

نوسة: هل توقفَت السرقات؟

المفتش: للأسف لم تتوقَّف … لقد وقعت حادثتان وهو في الحبس، وهكذا لم نجد بدًّا من الإفراج عنه.

وسكَت المفتِّش لحظات ثم مضى يقول: لقد شدَّدنا الحراسة في مختلف المناطق، ولكني شخصيًّا لا أعتقد أن في إمكاننا إيقاف اللصوص عند حدِّهم بهذه الوسيلة. فكيف نَحرُس مدينةً تعدادُها ٧ ملايين شخص؟

محب: هل هم مُتخصِّصون في سرقة نوع مُعيَّن من المنقولات؟

المفتش: لا … إنهم يَسرقُون أي شيء يقع بين أيديهم … تليفزيونات … راديوهات … مجوهرات … نقود … حتى الملابس!

عاطف: ألم تَتتبَّعوا هذه المسروقات؟

المفتش: طبعًا … ولكن حتى الآن لم نَعثُر على شيء من المسروقات يُمكن أن تدلَّنا على اللصوص.

لوزة: والبصمات، وأعقاب السجائر؟

وابتسم المفتش وقال: يبدو أنهم لا يُدخِّنون يا «لوزة» حتى نعثر على أعقاب سجاير مكانهم … كما أنهم لا يتركون أي بصمات … إنَّ الوسائل العادية في الاستكشاف قد جرَّبناها كلها.

تختخ: شيء مزعج للغاية … ولكن المثل يقول إنه لا توجد جريمة كاملة.

المفتش: طبعًا … لا بد أنهم سيُخطئون يومًا … أو يقعون بطريق الصدفة.

عاطف: والشاويش «علي»؟

ابتسم المفتش قائلًا: إنه واثق تمامًا أنه سيَقبض على العصابة.

عاطف: هل كوَّن فكرة معينة؟

المفتش: إنه يطوف طول الليل على دراجته … وعنده أمل أنه سيجدهم، ويقبض عليهم.

تختخ: الحقيقة أنه يفعل الشيء الوحيد المُمكِن.

محب: هل تعني ما تقول يا «تختخ»؟

تختخ: طبعًا! ماذا تَستطيع أن تفعل إلا أن تُراقب وتراقب؟ إنني شخصيًّا سوف أركب دراجتي الليلة وأفعل ما يفعله الشاويش بالضبط!

لوزة: وأنا أيضًا.

وضحك المفتش قائلًا: وماذا تفعلين عندما تجدين اللصوص؟

ارتبكت «لوزة» لحظات ثم قالت: أصرخ بأعلى صوتي.

مد المفتش يده فمسَح شعرها قائلًا: هذا هو الحل الأمثل والسلاح الذي لا يمكن مقاومته.

وقام المفتش مودِّعًا الأصدقاء، وطلب منهم كالمعتاد أن يحترسوا.

•••

وفي المساء اجتمع الأصدقاء وقسموا المراقبة … «لوزة» و«نوسة» معًا تدوران من الثامنة مساء حتى التاسعة فقط، ثم تعودان، فيخرج «محب» و«عاطف» معًا و«تختخ» و«زنجر» معًا. على أن يقسموا المعادي إلى قسمين؛ كل اثنين يعملان في جزء منهما.

وفي الثامنة تمامًا خرجت «نوسة» و«لوزة»، وفي التاسعة عادتا … وكان وجه «لوزة» تبدو عليه علامات الضيق، وما كادت تدخل حتى قالت: لم نعثر على شيء طبعًا؛ فمن غير المعقول أن تقوم عصابة بالسرقة في هذا الموعد … أنتم تضحكُون علينا، ولن أخرج مرة أخرى.

وجلست ومدت ساقيها إلى الأمام فقال «تختخ» مبتسمًا: سوف نسأل العصابة عن موعد قيامها بالسرقات حتى يُمكنكِ مراقبتها.

وقال «عاطف» ضاحكًا: عظيم يا «تختخ»، هذه نكتة فعلًا … ها … ها …

لوزة: اضحك كما تشاء … سنرى ماذا تفعل أنت.

وخرج الأولاد الثلاثة … وسار «محب» و«عاطف» في اتجاه. وسار «تختخ» في اتجاه مختلف، وخلفه «زنجر».

كانت حوادث السرقة قد تمَّت في أماكن متطرفة من «المعادي» … وأخذ «محب» و«عاطف» يتحدثان وهما يسيران في الطرق الهادئة … يتركان المنازل المضاءة ويقفان أمام البيوت و«الفيلات» المظلمة … فقد كان إظلامها دليلًا على أن لا أحد فيها … وأن اللصوص قد يطرقون بابها.

وانعطفا من شارع واسع إلى شارع ضيق، كانت تُظلِّلُه الأشجار كأنه مسقوف بورق الشجر، وكان هادئًا هدوءًا غريبًا … وتوقَّف الصديقان في منتصفه … وأرهفا السمع … وخُيِّل إليهما أنهما يسمعان صوت أقدام من بعيد أمام أحد المنازل.

قال «محب»: هل تسمع؟

عاطف: نعم.

محب: أعتقد أنه في هذا الاتجاه …

وأشار بإصبعه إلى منزل بعيد … كان مُظلمًا وفانوس الشارع أمامه غير مُضاء، واقتربا بهدوء … وهمس «محب»: هناك دراجة!

عاطف: هل تظنُّ أن اللصوص يستخدمون الدراجات؟

محب: لا أعرف … ولعله واحد منهم فقط يتأكد من خلوِّ المنزل من السكان.

وزاد اقترابهما … ثم تركا الدراجتين، ونزلا واتجها إلى المنزل … وزاد الصوت الذي سمعاه وضوحًا. وهمس «محب»: كأن شخصًا يَختبر قفلًا!

عاطف: فعلًا!

ووقفا خلف سور الحديقة القريب من الباب … كان الظلام كثيفًا، ولكنهما استطاعا تمييز شبح طويل … وفجأةً في الصمت صاح «عاطف» متألمًا، فقد قرصته حشرة قرصة مُوجِعة.

وتحرَّك الشبح سريعًا في اتجاههما وهو يصيح: قف عندك!

وعرفا على الفور أنَّ الشبح لم يكن إلا الشاويش «علي»، ووقفا مذهولَين … ثم أطلقا سيقانهما للريح … وقد أدركا أن المتاعب ستُواجههما إذا استطاع أن يصل إليهما.

جريا في اتجاه الدراجتين، وكان الشاويش خلفهما يجري، وسمعا صوت إعداد مسدسه للإطلاق … ولم يكن أمامهما إلا أن يقفا … ووصل الشاويش، وأطلق ضوء مصباحه الكشَّاف في وجهَيهما ثم صاح: أنتما؟

لم يردَّا. وعاد الشاويش يقول في غضب شديد: ماذا تفعلان هنا؟

قال «محب»: إننا نبحث عن اللصوص.

الشاويش: أي لصوص؟

محب: الذين قاموا بالسرقات الثلاث هذا الشهر.

الشاويش: ومن أين عرفتما؟

محب: من المفتش «سامي»!

الشاويش: إنني لا أصدق حرفًا مما تقولان … اعترفا فورًا!

لم يتمالك «عاطف» نفسه فقال ساخرًا كعادته: سنَعترف فورًا يا شاويش، سنعترف!

الشاويش: ستَعترفان … نعم، لا بد أن تَعترفا، ولكن بأي شيء؟

عاطف: كما تريد يا شاويش «علي» … بأننا مثلًا لصوص.

وتقدم الشاويش ساخطًا منهما. وبدون أن يرى موضع قدمه تعثَّر في الرصيف وسقط على الأرض.

كانت فرصتهما للنجاة من هذا الاستجواب، فقفزا إلى دراجتَيهما وانطلقا يسابقان الريح، وصوت الشاويش يرنُّ في آذانهما: سأنتقم منكم جميعًا … إنكم تُعطلونني عن عملي، إنني …!

ووصلا إلى الشارع المضاء، وانطلقا يجريان ولم يتوقفا إلا عند منزل «عاطف» فافترقا على أن يلتقيا في صباح اليوم التالي كالمعتاد في حديقة «عاطف».

وفي هذا الوقت كان «تختخ» و«زنجر» يطوفان بالشوارع … ولم يحدث أي شيء غير عادي يلفت الأنظار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤