يوم الخميس

في صباح اليوم التالي اجتمع الأصدقاء، ولم تمضِ دقيقة واحدة حتى وصل الشاويش «فرقع». وبالطبع كانوا يتوقعون حضوره بعد حادث الأمس … وعندما ظهر أمامهم كان يضع على جانب وجهه شريطًا طبيًّا … وكان واضحًا أنه أصيب بجرح عندما وقع على الرصيف.

واستقبلوه مرحِّبين، ولكنه صاح في وجوههم كالمعتاد: هذه آخر مرة أسمح لكم فيها بالتدخل في عملي … آخر مرة، بعد ذلك سوف أقبض عليكم جميعًا بتهمة تعطيل العدالة.

رد «تختخ» بهدوء: كيف عطلنا العدالة يا شاويش؟ إنني في الحقيقة لا أفهم سبب غضبك الدائم علينا، برغم أننا ساعَدناك كثيرًا.

الشاويش: لا أريد مساعدتكم … إنني أرفضها، وأنا حرٌّ في قبولها أو رفضها … إنني …

قال «عاطف» مقاطعًا: هل إذا شاهدنا العصابة ووجدناها تسرق، نسكُتُ ولا نُبلغُك؟ في هذه الحالة نكون فعلًا قد عطلنا العدالة، وتستَّرنا على اللصوص!

صاح الشاويش: أنتم تجدون اللصوص؟ أنتم تعثرون عليهم قبلي؟

وأمسك شاربه وقال: في هذه الحالة لا أُسمِّي نفسي الشاويش «علي».

قال «عاطف» معابثًا: ماذا تُسمِّي نفسك في هذه الحالة يا شاويش؟

انفجر الشاويش يَصيح في كلمات غير مفهومة … ولكنه لم يستمرَّ طويلًا، فقد ظهر «زنجر» وتمطَّى وهو يتقدَّم من الشاويش لإشباع هوايته في معابثته. ولكن الشاويش هذه المرة كان أسرع منه، فقد قفز إلى دراجته وانطلق مُبتعِدًا.

قال «محب»: إن الشاويش …

ولكن «نوسة» قاطعته قائلة: دعنا من الشاويش الآن … فقد عثَرنا على شيء هام!

محب: متى؟

نوسة: أمس ليلًا بعد أن ذهبتم للمراقبة … فقد راجعت التواريخ التي أعطانا إياها المفتش «سامي» ووجدتُ شيئًا غريبًا …

والتفت إليها الأصدقاء جميعًا بانتباه فقالت: إنَّ هذه التواريخ جميعًا تقع يوم الخميس؛ ٦ يونيو يوم خميس، ٢٠ يونيو يوم خميس … ١١ يوليو يوم خميس!

تختخ: مُدهش جدًّا!

لوزة: إن «نوسة» هي المدهشة!

محب: هذا يعني أن العصابة لا تَرتكب حوادثها إلا يوم الخميس … إن هذا يُضيِّق نطاق بحثنا كثيرًا.

نوسة: بدلًا من أن نقوم بالمراقبة كل يوم … تكفي فقط أيام الخميس.

عاطف: إنها عصابة ظريفة جدًّا … عصابة يوم الخميس!

تختخ: فعلًا … ولكن لماذا يوم الخميس بالذات … لا بد أن هناك سببًا أو أسبابًا قوية.

نوسة: لقد فكَّرتُ في هذا أيضًا، والسبب الوحيد الذي عثرت عليه أن يوم الخميس هو اليوم الذي يسهر فيه الناس غالبًا خارج البيوت … لأن الإجازة الأسبوعية هي يوم الجمعة … ويستطيع الناس أن يسهروا طويلًا.

محب: سبب معقول!

تختخ: معقول فعلًا … ولكن ألا تكون مجرَّد صدفة وهناك أسباب أخرى؟

وغرق المغامرون الخمسة في أفكارهم، ثم قالت «لوزة»: فلنتصل بالمفتش «سامي» ونسأله عن بقية السرقات التي قامت بها العصابة … فإذا كانت يوم الخميس أيضًا كان ذلك تأكيدًا لاستنتاجات «نوسة»، ولا تكون المسألة مجرد صدفة.

وسرعان ما أحضرت «لوزة» التليفون واتصل «تختخ» بالمفتش «سامي» وأخبره بما توصلت إليه «نوسة» فقال المفتش معلقًا: شيء لطيفٌ حقًّا … لا أدري لماذا لم نتنبَّه إليه هنا.

تختخ: هل نستطيع أن نعرف بقية التواريخ؟

المفتش: طبعًا … وأمامي النتيجة وسوف أراجعها … انتظر على التليفون.

وجلس «تختخ» ساكنًا والتليفون في يده، وأخذ بقية المغامرين ينظرون إليه في انتباه … ومضت بضع دقائق، ثم سمع «تختخ» المفتش «سامي» يقول: كما استنتجتم تمامًا … جميع الحوادث تمَّت يوم الخميس … شيء غير معقول!

تختخ: إن ذلك يُقرِّبنا خطوة من حل هذه المشكلة العجيبة … وبالمناسبة فقد أطلق «عاطف» على العصابة اسم «عصابة يوم الخميس».

ضحك المفتش في التليفون قائلًا: معه حق … وسأكتُب على الملف نفس الاسم … وأرجو أن تشكر «نوسة» على ذكائها البارع، واطلُب منها أن تُحاول مرةً أخرى؛ فقد تجد شيئًا آخر.

ووضع «تختخ» السماعة واستمر النقاش، فقال «محب»: اليوم الثلاثاء … فلن يكون أمامنا عمل إلا يوم الخميس، أي بعد يومين.

لوزة: هل نُخطر الشاويش «علي» بما وصلنا إليه؟

عاطف: سوف يسخر منا كالعادة، ولن يصدق شيئًا.

تختخ: على كل حال سوف نُخطره، وهو حر في أن يصدق أو لا يصدق!

لوزة: وهل نُبقي هذين اليومين بلا عمل؟

تختخ: لا بأس بيوم واحد مُغامرة في الأسبوع.

ومر يومان عاديان في حياة الأصدقاء … وجاء يوم الخميس … فاستعدوا بالدراجات، وفي العاشرة مساءً خرج «محب» و«عاطف» معًا و«تختخ» و«زنجر» معًا بعد أن ألغيت دورة «لوزة» و«نوسة» من الثامنة إلى التاسعة؛ فقد أدرك الأصدقاء فعلًا أن العصابة لا يمكن أن ترتكب سرقاتها في هذا الوقت المبكر.

تجاوزت الساعة منتصف الليل، والأصدقاء «محب» و«عاطف» في جهة، و«تختخ» و«زنجر» في جهة أخرى، يسيرون فترة، ويرتاحون فترة أخرى، وقد قطعوا أكثر شوارع المعادي بدون أن يلفت نظرهم شيء غير عادي.

وقرب الساعة الواحدة، كان «محب» و«عاطف» يمران قرب شارعٍ فلاحَظا أنه مُظلم تمامًا … برغم أن بقية الشوارع المُجاوِرة له كانت مضيئة … لفت ذلك نظرهما … فقررا أن يطوفا به … ولكن قبل أن يدخلا الشارع … شاهدا في الظلام هيكل سيارة واقفة وأشباحَ أشخاص يقفون بجوارها وهم يُصلحونها.

فقال «عاطف»: شيء غريب أن يتمَّ إصلاح سيارة في الظلام!

محب: لعلها تعطَّلت منهم في هذا المكان.

عاطف: لو كنت مكانهم لدفعتها إلى الشارع المضاء حتى يُمكن إصلاحها.

محب: لنقف ونرقب.

عاطف: سأتسلَّل قريبًا منهم بجوار الجدران لعلي أسمع أو أرى شيئًا ذا أهمية.

ونزل بهدوء من على دراجته ثم تسلل سريعًا في الظلام، واقترب من السيارة … كان غطاء المحرك مرفوعًا، وهناك شخص مُنحنٍ على المُحرِّك وبيده كشَّاف صغير، على حين وقف شخصان بجوار السيارة … وكانوا جميعًا صامتين …

دهش «عاطف»؛ لأنه عندما تتعطَّل سيارة بهذا الشكل فغالبًا ما يدور حوار بين ركابها عن سبب توقفها … ولكنه قال في نفسه … لننتظر ونرى … ومرَّ الوقت بدون أن يسمع كلمة من الواقفين … ولا يسمع يد الرجل الذي يُصلح «الموتور» تصدر صوتًا كدليل على أنه يعمل حقًّا في إصلاح «الموتور».

وسمع … أو خُيِّل إليه أنه سمع، صوت جرس يدق بعيدًا وأرهف كل حواسه للسمع … وتأكد أن الجرس يضرب … وفجأة ظهر شبح رجل رابع اقترب من السيارة وهمس بحديث للشخصين الواقفين، فتبعه أحدهما، واتجها إلى «فيلا» مُظلمة … ولم يُضيِّع «عاطف» وقتًا بل أسرع يجري مستترًا بالجدران إلى حيث كان يقف «محب» وهمس: هذه السيارة ومن فيها، وحركاتهم تدعو إلى الشك!

محب: كيف؟

وهمس «عاطف» بما رأى «لمحب» قال «محب»: أسرع إلى الشاويش «علي» فورًا. ولو أن مسكنه بعيد، إلا أنهم — إذا كانوا هم اللصوص — سيبقون هنا ساعة على الأقل لإنجاز مهمَّتهم، وسوف أقوم أنا بمراقبتهم.

وجرَّ «عاطف» دراجته بدون أن يركبها حتى لا يحدث صوتًا، وعندما وصل إلى الشارع الرئيسي قفز إليها وطار.

أما «محب» فقد أسند دراجته بجوار سياج من الشجر، ثم تقدم ببطء في الظلام بجوار الجدران حتى أصبح قريبًا من العربة، وشاهد بابها يُفتح … ثم شاهد شبحين يمدان أيديهما داخل السيارة … وبعد لحظات نزل شبح ثالث … كان واضحًا أن الأولين كانا يُساعدانه على النزول.

قال «محب» في نفسه: شيء غريب … إنه يبدو مريضًا أو عجوزًا … فكيف تأتي عصابة معها رجل عاجز للسرقة؟

نزل الرجل ببطء من السيارة، وكان الآخران يسندانه، ثم سار معهما وصعد سلالم «الفيلا»، وغاب عن عينَي «محب»، وأصبحت السيارة مهجورة … فاقترب منهما «محب» أكثر حتى زحف وأصبح بحوارها، وأخذ يُحدق في أرقامها، واستطاع أن يقرأ الرقم ٢٢٦٨ ملاكي «القاهرة»، وأخذ يردد الرقم في ذهنه حتى لا ينساه … وبعد فترة سمع أقدامًا مقبلة، فأسرع يختفي في مكانه الأول، وأخذ يرقب ما يحدث … كان الرجل العجوز أو المريض عائدًا يسنده رجلان، ففتحا باب السيارة، ثم وضعاه فيها وأغلقا الباب، وعادا مُسرعَين إلى «الفيلا».

أخذ «محب» يرقب «الفيلا»، وفي الوقت نفسه يقيس في ذهنه المسافة إلى منزل الشاويش «علي» وهو يفكر فيما يفعله إذا تأخَّر «عاطف» والشاويش عن العودة في الوقت المناسب.

ومضى وقت طويل قدَّره «محب» بنصف ساعة … ثم شاهد أحد الرجال يعود من «الفيلا» ومعه حقيبة، ففتح مؤخرة السيارة ووضعها فيها، ثم عاد إلى «الفيلا»، وحضر شخص آخر يحمل حزمة كبيرة وضعها هو الآخر … وأدرك «محب» أنها العصابة وأنهم يَسرقُون «الفيلا» … وبدأت أعصابه تتوتر وهو يرى السرقة تتم أمامه بدون أن يستطيع أن يفعل شيئًا لإيقافها … وأخذ يفكر … ليس من الممكن طبعًا أن يتدخل وحده فسوف يتمكنون من القضاء عليه … هل يصيح في طلب النجدة؟ إنهم سيفرون قبل أن يلحق به أحد … هل يدق باب أحد المساكن ويخطر السكان؟ إن الساعة قد تجاوزت الثانية صباحًا، وأكثر الناس نيام … وحتى يوقظهم سيأخذ وقتًا طويلًا، وقد يرفضون التدخل خوفًا من العصابة.

وأخذت الأفكار تدور في رأسه، وتوتُّره يزداد، وبخاصة عندما سمع باب «الفيلا» يغلق بهدوء … وشاهد أفراد العصابة يحملون أسلابهم ويتجهون إلى السيارة. ركب منهم ثلاثة، وكان الرابع يحمل حملًا ثقيلًا فمشى مترنِّحًا … وفي هذه اللحظة سمع «محب» صوت الدراجتين وهما تدخلان الشارع، والشاويش «علي» يصيح: قف عندك … لا تتحرك.

دار محرك السيارة، وألقى الرجل الرابع ما يحمله على الأرض، وأسرع نحوها، ولكن «محب» لم يترك هذه الفرصة تفوته، فقد قفز في الظلام وألقى بنفسه على الرجل فسقطا معًا على الأرض يتدحرجان … وكانت العربة قد انطلقت بسرعة … واقترب «عاطف» والشاويش من «محب» وعضو العصابة الذي نجح في الوقوف في محاوَلة للهرب، ولكن «محب» انقضَّ عليه مرةً أخرى، وحاول الإمساك به … ولكن الرجل كان أقوى منه فضربة لكمة قاسية سقط على أثرها «محب» على الأرض، وارتطمت رأسه بها.

أسرع «عاطف» إلى «محب» على حين انطلق الشاويش جاريًا خلف الشبح، وكان آخر ما رآه «عاطف» اللص وهو يقفز سور إحدى الحدائق، والشاويش وهو يقفز خلفه. وانحنى «عاطف» على «محب» الذي كان ممدَّدًا على الأرض.

وصاح «عاطف»: «محب» … «محب»!

لم يرد «محب» فأخرج «عاطف» كشافه وأضاء وجه «محب»، ثم سمع صوت سيارة تقف فرفع بصره لعله يجد نجدة، ولكن السيارة استأنفت سيرها، فمال مرةً أخرى على صديقه وسمعه يتأوَّه، فحمد الله أنه حي، وعاد يقول: «محب» … هل أنت مُصاب؟

رد «محب» بصوت ضعيف: لا أظن … فقط أشعر بدوخة شديدة … لقد سقطت رأسي … أين الرجل؟ وأين الشاويش؟

عاطف: لقد جرى الرجل وجرى الشاويش خلفه.

محب: هل نستطيع أن نلحق بهما؟

عاطف: لا أظن …

وتساند «محب» على «عاطف» ووقف … وأخذا يستمعان لحظات لعلهما يسمعان صوت المطاردة … ولكن الصمت كان يُخيِّم على المكان، عدا نافذة فتحت وأطل منها شخص أخذ يتساءل ماذا حدث.

ولم يرد عليه الصديقان، بل اتجها إلى حيث كانت دراجتاهما، فركبا، ثم انطلقا عائدين … وعندما وصلا إلى قرب منزل «تختخ» وجداه عائدًا ومعه «زنجر» فأسرعا إليه، ووقفوا جميعًا يتحدثون …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤