دور ﻟ «زنجر»

قال «تختخ»: بدلًا من ضياع الوقت هيا نبحث عن الحذاء.

نوسة: هل تتوقَّع أن نجده؟

تختخ: نعم، وعلى كل حالٍ لا بأس من المحاولة.

عاطف: وما أهمية هذا الحذاء؟ إنني فكرت فيه فلم أجد أنه سيكون ذا أهمية كبيرة.

تختخ: تستطيع أن تبقى أنت، وسنذهب نحن … إن أصغر دليل في لغز قد يكون أهم دليل … ثم إنني بدأت أكوِّن فكرةً ما عن هذا اللغز أو عن عصابة يوم الخميس … وبالمناسبة سنمرُّ بمنزلنا لنأخذ «زنجر» معنا … فلا بد أن يكون له دور في هذه المغامرة، وهذا هو الدور الوحيد الآن.

وركبوا الدراجات … وعندما اقتربوا من منزل «تختخ» وقف الشاويش بعيدًا وقال: هذا الكلب … إنني …

تختخ: لا تخف يا شاويش … إن «زنجر» … يفهم متى يكون جادًّا، ومتى يحبُّ الهزار معك … إنه سيحسُّ هذه المرة أننا نعمل معًا.

وأسرع «تختخ» يضع «زنجر» في سلته خلفه، وانطلقوا إلى أطراف المعادي حيث تقع «الفيلا» … وعندما أصبحوا أمامها نزلوا جميعًا، وبدءوا السير على أقدامهم، وخلع «تختخ» فردة حذائه وقال ﻟ «زنجر» وهو يشير له بها: اسمع يا «زنجر» نُريد العثور على حذاء … حذاء … هل تفهم؟

وأشار «تختخ» بالحذاء بضع مرات ﻟ «زنجر» الذي أخذ ينظر إليه وهو يهز ذيله … ثم نبح نبحة واحدة كأنما يقول له: فهمت!

وساروا حسب ما قال الشاويش … من شارع إلى شارع … ومن حديقة إلى حديقة؛ فقد قفز اللص عدة أسوار وهو يجري وخلفه الشاويش … وكان المغامرون الخمسة ينتشرون وهم منحنون على الأرض حتى لفتوا أنظار المارة إليهم.

فقال أحد الواقفين: ما هي الحكاية؟ هل يبحثون عن إبرة في الرمل؟

ورد «عاطف» بلسانه السليط: لا يا سيدي … إننا نبحث عن البترول.

وانسحب الرجل مسرعًا بعد أن وجد من هو أطول منه لسانًا … وفجأةً بجانب أحد الأسوار قفز «زنجر» بين الحشائش وخرج بفردة حذاء … وأسرع إلى «تختخ» الذي تناولها، وأخذ يفحصها وقد التفَّ حوله الأصدقاء والشاويش، وقال «تختخ»: إنها فردة طازجة إذا صحَّ هذا التعبير، لم يمض وقت طويل عليها في هذا المكان، فهي طرية أولًا، وليس عليها أتربة ثانيًا.

لوزة: إنها ليست حذاءً بالضبط، إنها نوع من الأحذية المطاط التي يستخدمها الرياضيون.

نوسة: لقد قال الشاويش إنَّ الرجل كان يجري بسرعة كأنه من أبطال سباق الجري.

هز «تختخ» رأسه وأشار إلى بقعة حمراء بدت واضحة على وجه الحذاء: هذه البقعة … ما هي بالضبط؟

وتقاربت الرءوس تفحص البقعة، ولكن «تختخ» قال: فلنبحث عن الفردة الثانية. إنَّ مهمة «زنجر» ستكون أسهل.

وقبل أن يُكمل جملته كان «زنجر» قد عاد بالفردة الأخرى، فقال «تختخ»: «برافو» «زنجر»، طبعًا ما دمتَ قد شممت الفردة الأولى فمن السهل أن تجد الفردة الثانية.

وفحص «تختخ» الفردة الثانية ثم سلَّم الفردتين إلى الشاويش قائلًا: هل انتهيتم من رفع البصمات يا حضرة الشاويش؟

الشاويش: نعم … منذ الصباح الباكر حضر الخبراء لهذه المهمة … ولكن لقد نسيت أن أقول لكم … ليست هناك بصمات … ومن الواضح أن العصابة حَذِرة؛ فقد مسحوا كل البصمات فلم نجد بصمة واحدة.

تختخ: غير معقول … إنهم في منتهى البراعة، على كل حالٍ أرجو يا شاويش أن تُرسل هذا الحذاء إلى المعمل الجنائي، نُريد أن نعرف مقاسه … وأهم من هذا أن نعرف هذه البقعة الحمراء … هل هي دماء أو شيء آخر؟

الشاويش: إنني ذاهب لمقابلة المفتش «سامي» لأتحدث معه حول التقرير الذي أرسلته؛ فهو مشغول ولم يحضر … وسوف أسلمه الحذاء كدليل.

تختخ: إنه دليل هام.

عاطف: ما زلتُ مُصرًّا على أنه لا قيمة له … فهناك آلاف الأحذية من هذا النوع … ولا نستطيع أن نسأل البائع عن الذي اشتراه.

تختخ: لن نسأل أحدًا … ولكن هذا النوع من الأحذية والبقعة الحمراء التي عليه قد يؤديان إلى شيء هام.

لوزة: ولكن … لماذا خلع الرجل الحذاء؟ … إنه خفيف يساعد على الجري!

تختخ: هذه ملاحظة ذكية جدًّا يا «لوزة» … وقد فكرت فيها بمجرد أن رأيت الحذاء … وسأشرح لك ما فكرت … إن هذا النوع من الأحذية — إذا كان قديمًا واستخدم فترة طويلة كهذا الحذاء — يُصبح مشكلة بعد الجري به فترة طويلة … وبخاصة في الحر، فسرعان ما يتجمَّع فيه العرَقُ فيُصبح لزجًا يَصعُب الجري به … وقد انتهز اللص فرصة صعودِه إلى السور وخلعه، ولهذا وجدناه بجوار السور.

وعاد الأصدقاء وقد اشتدت حرارة الشمس، وغادرهم الشاويش في طريقه إلى مكتبه ثم إلى «القاهرة» ليُقدِّم تقريره إلى المفتش «سامي».

تفرق الأصدقاء وعاد كلٌّ منهم إلى منزله، وجلس «تختخ» في غرفته وقد أغلق النافذة اتقاء الحر … وتمدد على الفراش ووضع يديه خلف رأسه وأخذ يفكر … كان يحس أن ثمة رابطة ما بين عدد من الأحداث التي وقعت مؤخرًا … ولكن ذهنه لا يستطيع الربط بينها … إن هناك حلقة ناقصة في السلسلة.

وفجأة قفزت إلى ذهنه فكرة … سيارة الطبيب التي أخذتها العصابة ليلًا لاستخدامها في السرقة ثم أعادتها إلى مكانها … إن عصابات الشبان كما يقول المفتش «سامي» تأخذ السيارة للنزهة بها ثم تتركها في أيِّ مكان … فلماذا أعادت العصابة السيارة إلى مكانها نفسه؟ إن هذا بالطبع يعني أن العصابة لا تريد أن يَكتشِف أحد أنها أخذت السيارة … ولكن كيف تعرف أن صاحبها لن يكتشف سرقتها ليلًا؟ الإجابة الوحيدة أن العصابة تَعرف أن صاحب السيارة لن يخرج بها ليلًا! معقول جدًّا … هكذا أخذ «تختخ» يحدث نفسه، ثم مضى في استنتاجاته … سؤال وجواب.

السؤال الثاني هو: وكيف تعرف العصابة أن صاحب السيارة لن يخرج بها ليلًا؟

جواب: لأنها تعرف صاحب السيارة … تعرف أنه سيكون مرتبطًا بمكانه ومشغولًا بعمله حتى الصباح … وهذا يعني أن العصابة تعرف الدكتور صاحب السيارة.

وقفز «تختخ» من فراشه، وأسرع يتصل بالمفتش «سامي» وحكى له استنتاجاته.

فقال المفتش: وإلى أيِّ شيء يقودنا هذا الاستنتاج؟

تختخ: إن العصابة قريبة من مُستشفى «قصر العيني» … وتعرف الدكتور.

المفتش: ولكن هناك عشرات الأماكن وآلاف الناس حول «قصر العيني»، فمن أين نبدأ؟

تختخ: أريد أن أعرف ما إذا كانت هناك سيارة طبيب آخر، أو حتى الطبيب نفسه قد سرقت من قبل.

المفتش: هذا سهل عن طريق قسم مكافحة سرقة السيارات، وسأتصل بك بعد دقائق.

وجلس «تختخ» بجوار التليفون، وهو يستكمل استنتاجاته، كان يُحسُّ أنه قريب من نقطة هامة … ربما تؤدي إلى حل لغز عصابة يوم الخميس … ومضت دقائق ودق جرس التليفون، وكان المتحدث هو المفتش «سامي» … وتلهَّف «تختخ» لسماع الأخبار، ولكن سرعان ما انطفأت حماسته عندما سمع المفتش يقول: خلال الفترة الأخيرة لم تُسرَق أيَّة سيارة من سيارات الأطباء.

وأحس «تختخ» بالضيق؛ فقد خشي أن تكون أفكاره كلها خاطئة … وكان يسمع المفتش على الطرف الآخر وهو يقول له: ما رأيك؟ هل تريد استفسارات أخرى؟

وفجأة خطر له خاطر عجيب فقال للمفتش: نعم … هناك استفسار ولكن تحقيقه صعب نوعًا ما.

المفتش: ما هو؟

تختخ: أريد أن أعرف … هل لاحظ بعض أطباء المستشفى ممَّن يملكون سيارات نقصًا في كمية البنزين في سيارته عندما تركها أمام المستشفى في أي يوم من الأيام وبخاصة يوم الخميس. أي صباح الجمعة؟

المفتش: إنها مسألة صعبة.

تختخ: ولكنها قد تحلُّ لغز عصابة يوم الخميس وتُؤدِّي إلى القبض على أفراد العصابة!

المفتش: سوف أرسل أحد رجالي للاستفسار. وقد حضر الشاويش وأرسلت الحذاء إلى المعمل الجنائي، والشاويش حاليًّا يقوم بفحص صور المشبوهين، لعله يتعرف على أحد اللصين اللذين شاهدهما.

تختخ: أرجو ذلك … وإن كنتُ أعتقد أنه لن يجد شيئًا.

المفتش: سنحاول … وسنكون عندنا نتيجة التحليل هذا المساء.

وانتهت المكالمة وعاود «تختخ» الاستلقاء على فراشه … وهو يعيد ترتيب الحوادث … وبدون أن يدري استغرق في النوم.

عندما اجتمع الأصدقاء ذلك المساء … دار بينهم حديث طويل حول لغز العصابة التي كادت تقع ببساطة بدون ألغاز ولا مشاكل، لولا أن الشاويش خُدع، واستطاع اللصان الإفلات من يده ببساطة.

فقالت «لوزة»: على كل حال … لقد أصبح عندنا لغزٌ نعمل فيه بدلًا من الركود والكسل … وضحك الأصدقاء، وقال «عاطف» مُعلِّقًا: لقد كنتِ على استعداد لتهريب اللصَّين حتى يُصبحَ لديكِ لغز!

أما «تختخ» فقد جلس ساكتًا يُفكِّر، فقال «محب»: ما لك يا «تختخ»؟ إنك تبدو كأنك لا تجلس معنا.

وأفاق «تختخ» من تأملاته، وأخذ ينظر إلى «محب» متأملًا، قال «عاطف» معلقًا: يبدو أنك تراه لأول مرة!

تحدث «تختخ» أخيرًا فقال: في الحقيقة أني مشغول بعدة أشياء يَربِط بينها خيط. ولكني لا أجد هذا الخيط.

اهتم الأصدقاء بحديث «تختخ»، وقالت «نوسة»: أخبرنا بهذه الأشياء؛ فقد نجد نحن الخيط.

تختخ: رجل ينزل من سيارة يسندُه شخصان، حذاء مطاط عليه بقعة حمراء، سيارة مسروقة من أحد الأطباء، رائحة مجهولة!

أخذ الأصدقاء يُفكِّرون … وقالت «لوزة»: إنني أذكر الرجل العجوز الذي شاهده «محب» ينزل من سيارة اللصوص. والحذاء المطاط الذي خلعه اللص … والسيارة المسروقة … ولكن ماذا تقصد بالرائحة المجهولة؟

تختخ: الرائحة التي كان يشمُّها الشاويش عندما وقف بجوار «شوقي» المزعوم.

لوزة: تذكرت … ولكن هل هي رائحة عطرية؟

تختخ: لا، لقد قال الشاويش إنها ليسَت رائحة طيبة.

لوزة: إذن فرائحة أي شيء تكون؟

تختخ: رائحة مكان … هكذا قال الشاويش «فرقع».

ولم يكد «تختخ» يذكر اسم الشاويش … حتى ظهر داخلًا من باب الحديقة وقد بدا عليه الإجهاد الشديد … وسلَّم عليهم وجلس … ثم قال متضايقًا: لم أعثر بين صور المجرمين واللصوص والمشبوهين على صورة ذلك المدعو «شوقي» أو اللص الآخر.

تختخ: كنت أتوقع هذا … والمُهم يا شاويش … ما هي نتيجة تحليل البقعة الحمراء التي وجدت على الحذاء؟

الشاويش: قال المعمل الجنائي إنها بقعة من «المركروكروم».

وهبَّ «تختخ» واقفًا عند سماع هذه الكلمة كأنما مسه تيار كهربائي، ونظر إليه الأصدقاء في دهشة شديدة، وقال «تختخ»: تذكر يا شاويش «علي» … هل الرائحة التي شممتَها من «شوقي» المزعوم هي رائحة دواء … أقصد بالضبط رائحة مُستشفى؟ وقال الشاويش وهو يخبط رأسه: تمامًا … كيف عرفت؟

رد «تختخ»: الآن أيها الأصدقاء … لقد وجدت الخيط الذي يَربط بين كل هذه الحلقات … العجوز … والبقعة الحمراء والسيارة المسروقة … والرائحة المجهولة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤