ثلاثة في المستشفى

قال «تختخ»: لا تسألوني الآن عن توضيح أفكاري … إن أمامنا عملًا عاجلًا جدًّا … هاتي التليفون يا «لوزة».

أسرعت «لوزة» تُحضِر التليفون، وقال «تختخ» مُحدِّثًا «عاطف»: هل تستطيع يا «عاطف» التظاهر بأنك مريض جدًّا، ودرجة حرارتك مُرتفعة؟

قال «عاطف» بدهشة: أستطيع طبعًا التظاهر بأنني مريض … ولكن كيف أرفع درجة حرارتي؟

«تختخ» في أسف: بالطبع لا تستطيع. ولكن تستطيع التظاهُر بالمرض.

عاطف: لقد سألتني وقلت لك إن هذا ممكن، ولكن لماذا؟

تختخ: لأنك ستدخُل المستشفى الليلة.

بدا على الأصدقاء الدهشة الشديدة، وقام الشاويش «فرقع» واقفًا وهو يقول: ما هذا الذي أسمعه؟! إن هذا كلام مجانين … سأمشي فورًا.

تختخ: آسف يا شاويش … ولكن ستكون مريضًا أنت الآخر … مريض جدًّا ورأسك مربوط بالشاش والقطن.

الشاويش: لا يُمكن … ماذا حدث في هذه الدنيا؟ أنا مريض ومربوط بالشاش والقطن؟! هذا فأل سيئ لا أقبله.

تختخ: اسمع يا شاويش … لقد وضعنا العصابة بين يديك ولكنها هربت منك.

صاح الشاويش منفجرًا: لقد … لقد … ولكنَّك لا تحاسبني … ولا تُعلِّمني مهنتي … إنهم لصوص مجرمون … إنهم …

رفع «تختخ» يده قائلًا: هل تريد أن يكونوا لصوصًا طيبين ظرفاء يقعون في يديك بدون تعب؟

استمر الشاويش في ثورته: إنني أقصد …

تختخ: اسمع يا شاويش «علي» … من فضلك لا تضيع وقتًا … اذهب بسرعة إلى منزلك، وغير ملابسك بملابس عادية، وخذ معك من أقرب صيدلية بعضَ القطن والشاش واربط رأسك ولا تُظهِر سوى عينيك فقط … فلستُ أريد منك سوى عينيك!

الشاويش: ولكن لماذا؟

تختخ: لا تسألني الآن … سأشرح لك كل شيء في الطريق وسأتصل الآن بالمفتش «سامي» لأطلب منه مساعدتي في تنفيذ خطتي.

ما كاد الشاويش «فرقع» يسمع اسم المفتش «سامي» حتى أدرك أن المسألة جد وليست هزارًا من الأصدقاء، فأسرع يغادر الحديقة وهو يتخيل الأحداث المقبلة فلا يجدُ ما يُعلِّل به حكاية القطن والشاش.

كانت «لوزة» قد أحضرت التليفون، فأمسك «تختخ» بالسماعة، واتصل بالمفتش «سامي» وقال له: إنني أرجو أن تُقدِّم لنا خدمة!

المفتش: خيرًا!

تختخ: أريد أن تُهيِّئ لي أنا و«عاطف» والشاويش دخول مستشفى «قصر العيني» كمرضى!

المفتش: مرضى! ولكن لماذا؟

تختخ: لأنني أشكُّ أن عصابة يوم الخميس مقرها المستشفى.

المفتش: هل أنتَ مريض فعلًا!

تختخ: دعني أُجرِّب يا سيدي ولن تخسر شيئًا إذا اتَّضح أنها ليست صحيحة!

المفتش: إذا كانت الفكرة معقولة … فلماذا لا تدعنا لنفتش المستشفى ونقبض على العصابة!

تختخ: لا أوافق لعدة أسباب … أولًا أنني لستُ متأكدًا تمامًا … ثانيًا أن تفتيش هذا المستشفى الكبير يستدعي وجود عدد ضخم من رجال الشرطة، مما يَلفت نظر كل مَن في المستشفى، وقد تتمكن العصابة من الهرب … ثالثًا قد أكون مريضًا فعلًا كما تقول!

ضحك المفتش قائلًا: لا بأس … سأتحدث مع مدير المستشفى ليقبلكم كمرضى!

تختخ: آسف يا سيدي المفتش … إننا نَشغلُكَ بأفكارنا المضحكة!

المفتش: لا بأس … قد تؤدي إلى شيء!

تختخ: إنني أقتبس هذه الخطة منك؛ فقد رويتَ لي مرة قصة مشابهة!

المفتش: فعلًا، لقد حدث هذا منذ عشرين عامًا!

تختخ: متى نذهب؟

المفتش: بعد ساعة … ولكن هل تُريد المستشفى الجديد أو القديم؟ إنهم يسمون الجديد مستشفى «المنيل الجامعي».

تختخ: من أين سُرقت السيارة؟

المفتش: من المستشفى القديم.

تختخ: إذن نُريد دخول المستشفى القديم.

المفتش: اتفقنا وعندما تصلون اطلبوا مقابلة المدير مباشرة.

وكان بقية المغامرين يستمعون إلى الحديث في اهتمام، فالتفت إليهم «تختخ» قائلًا: في كلمتين … وكما سمعتم … إنني أشك أن عصابة يوم الخميس توجد — أو يوجد بعض أفرادها — في مستشفى «قصر العيني» … وسوف أدخل أنا و«عاطف» والشاويش «علي» إلى المستشفى في محاولة لكشف أسرار العصابة.

ثم التفت إلى «عاطف» قائلًا: والآن أنت مصاب بآلام في بطنك … ولنقل إننا تناولنا طعامًا من بائع متجوِّل؛ فسوف يشكون أن عندك تسمُّمًا.

عاطف: أعوذ بالله … تسمم؟

تختخ: وأنا أيضًا؛ فقد كنا معًا عندما تناولنا الطعام الفاسد.

هز «عاطف» رأسه قائلًا: أمري إلى الله! ولكن لماذا لم تأخُذ «محب» معك؟

تختخ: لأنَّ «محب» اشتبك مع اللصوص، وقد يتعرَّف عليه اللص.

عاطف: إنه سيتعرَّف أيضًا على الشاويش.

تختخ: لقد طلبت من الشاويش أن يُخفيَ وجهه خلف كمية من القطن والشاش، ولن يظهر منه سوى عينيه وفمه طبعًا.

وبعد نصف ساعة كان «تختخ» و«عاطف» مستعدَّين، وحضر الشاويش «فرقع» وهو يربط وجهه بكمية ضخمة من الشاش والقطن، ولم يكد يراه «عاطف» حتى انفجر ضاحكًا، وبخاصة أنه كان يلبس جلبابًا واسعًا، فقال «عاطف» معلقًا: إنك تُشبه «بابا نويل»!

وصاح الشاويش: إنكم تسخرون مني … من هو هذا البابا الذي تتحدَّث عنه؟

وكاد الشاويش يقذف بالقطن والشاش لولا أن «تختخ» أخذ يطيب خاطره، ويعاتب «عاطف» على سخريته.

استقل «تختخ» والشاويش، و«عاطف» تاكسيًا إلى «قصر العيني» … وعندما وصلوا إلى هناك طلبوا مقابلة المدير كما قال المفتش «سامي»، واستقبلهم الرجل بترحاب وقال لهم: إن المفتش «سامي» اتصل بي، وقد خصصتُ لكم ثلاثة أسرَّة متجاورة في عنبر رقم ٢ فاستبدلوا ملابسكم بملابس المستشفى.

وضغط المدير على جرس بجواره، فأقبل أحد المُمرضين فأعطاه المدير التعليمات اللازمة … وفي الطريق إلى العنبر قال «تختخ» للشاويش: إذا شاهدتَ أحدًا من رجال العصابة في المستشفى سواء أكان مريضًا أو مُمرضًا فلا تُبدِ أية إشارة أنك تعرفُه … إننا نريد أن نفاجئهم جميعًا.

ودخلوا العنبر المتسع … كان هناك نحو ١٣ مريضًا، جلس بعضهم ونام بعضهم الآخر … وأشار لهم الممرض إلى أماكنهم ثم تركهم وانصرف.

استلقى الشاويش على فراشه ممثلًا دور المريض … وكان «عاطف» برغم أنه يعرف أنهم في مهمة خطرة يكتم ضحكاته وهو يرى الشاويش يُخفِق تمامًا في تمثيل الدور … على حين جلس هو في فراشه، ووضع يده على بطنه … وكان «تختخ» يجلس في فراشه هو الآخر في ثوب أبيض ضيق، وأخذ يُدير عينيه في المكان … كانت رائحة المطهرات والأدوية والجروح تملأ المكان، وبعض المرضى يتأوَّهون، وممرضة سمراء صغيرة تدخل العنبر وتخرج بين فترة وأخرى.

كان «تختخ» يرجو أن يكون مُمرِّض العنبر من الرجال. وكان عليه الآن أن يغير خطته، فمال على الشاويش وطلب منه أن يخرج للذهاب إلى دورة المياه … وأن يتجوَّل أطول فترة ممكنة ويراقب المُمرضين.

قال الشاويش: ولماذا، إنني لا أفهم خطتك؟

تختخ: إنني أتوقع أن يكون أحد أعضاء العصابة يعمل ممرضًا هنا … فخذ بالك.

وخرج الشاويش، وجلس «تختخ» و«عاطف» يتحدثان، وعينا «تختخ» تتجولان بين المرضى؛ فهو لم يكن يبحث بين الممرضين فقط … لقد كان في ذهنه فكرة عن أحد المرضى، وقرر أن يبدأ أبحاثه … اتجه إلى المريض المجاور له وقال: كم مضى عليك من الوقت هنا؟

المريض: أسبوع تقريبًا.

تختخ: هل تعرف أحدًا كان هنا قبلك؟

المريَض: نعم … هناك هذا الرجل الذي ينام بجوار النافذة، لقد جئتُ فوجدته هنا … وهناك العجوز الذي يجلس في فراشه ويداه ترتعشان لقد جئت أيضًا فوجدته هنا.

تختخ: هذان فقط؟

المريض: نعم … الباقون جاءوا بعدي.

وقام «تختخ» متظاهرًا بالخروج … واقترب من المريض الذي بجوار النافذة … كان رجلًا متوسط العمر أصفر الوجه إلى حد كبير … ونظر «تختخ» إلى يديه … كانتا خشنتين … فهما يدا فلاح وعرف أنه ليس الرجل المقصود.

كانت الساعة قد أشرفت على التاسعة ليلًا، وبدأت الحركة تهدأ في المستشفى الكبير، وعاد الشاويش إلى فراشه، وأشار إلى «تختخ» بأنه لم يجد شيئًا يستحق الذكر … ولا رأى أحدًا من المشتبه فيهم.

وأحسَّ «تختخ» بتوتُّر، وخشيَ أن يكون قد تسرع بدخول المستشفى ومعه «عاطف» والشاويش … فالمستشفى كبير … وعدد العاملين فيه كبير جدًّا … ومن الصعب العثور على شخص معين في وسط كل هذه الحجرات والممرات وغرف العمليات، والحدائق، والمطابخ … إن عالم المستشفى عالم ضخم وسيكون من المستحيل تقريبًا أن يصلوا إلى شيء. وأخذ يفكر، وهو يدير رأسه حوله … وفجأة وجد أحد الأطباء يدخل العنبر وقد تدلت السماعة الطبية من رقبته وخلفه ممرض يدفع أمامه عربة الغيار … والتفت «تختخ» إلى الشاويش «علي» وخطرت بباله فكرة مُخيفة … إن الطبيب قد لا يعرف حقيقتهم فيقوم بالكشف عليهم … وفكَّر أن باستطاعته هو و«عاطف» أن يتظاهَرا بالمرض بشكل ما، ولكن الشاويش يربط رأسه بالقطن والشاش، ومعنى ذلك أنه مُصاب فيه … فأين هي الإصابة؟

كان «عاطف» قد رأى الطبيب هو الآخر وخطَر له الخاطر نفسه، وأخذ ينظر إلى «تختخ»، وسرعان ما انتقل «تختخ» إلى جواره في الفراش وقال: ما العمل يا «عاطف»؟

عاطف: لا أدري. وأظنُّ أن الطبيب سوف يصرُّ أن يكشف عليه، وسوف تصبح مهزلة إذا لم يجده مصابًا بشيء.

وفجأة خطرت ﻟ «تختخ» فكرة، فأسرع إلى الشاويش وهمس في أذنه: تظاهر بالنوم يا شاويش، تظاهر بالنوم وإياك أن تستيقظ مهما كانت الأسباب.

ونفذ الشاويش التعليمات فورًا فأغمض عينيه، وجر الأغطية على جسمه ثم أدار وجهه إلى الناحية الأخرى.

تنفَّس «تختخ» الصعداء، فقد مرت الأزمة … وأخذ «تختخ» يرقب الطبيب وهو يتجول بين الأسرة ويقف عند كل مريض، بعضهم كان يمر به سريعًا، وبعضهم كان يقف عنده طويلًا … واقترب الطبيب من مكانهم، واستعدَّ هو و«عاطف» لتمثيل دور المرضى.

وفجأة سمع «تختخ» صوت شخير يصدُر من الشاويش، وابتهج جدًّا؛ لأن الشاويش قد أجاد تمثيل دوره إلى هذا الحد … فمن المؤكد أن الطبيب سيتركه مرتاحًا في نومه ولن يصرَّ على الكشف عليه.

وزاد اقتراب الطبيب، وأخذ «تختخ» يستعد … وفجأة تقلب الشاويش في فراشه ومد يده ونزع الأربطة التي على رأسه ووجهه … واستدار وأصبح وجهه في مواجهة الطبيب كان الرأس سليمًا طبعًا وكذلك الوجه، وليسَت هناك إصابة واحدة … وسقط قلب «تختخ» بين قدميه، فلا بدَّ أن الطبيب سيلاحظ الأربطة المنزوعة والوجه السليم وستصبح كارثة.

واقترب الطبيب وأمسك بالكارت الخاص «بعاطف» وكشف عليه بسرعة، وكذلك فعل مع «تختخ»، وكان واضحًا أن الطبيب يعرف حقيقتهما. وكان المُمرض الذي يسير خلفه يحدق فيهما … ثم اتجه الطبيب إلى فراش الشاويش وقرأ الكارت أيضًا، ثم هز رأسه ومضى … وأدرك «تختخ» أن مدير المستشفى قد أوصى بالكشف عليهم ظاهريًّا … وأحس «تختخ» بالارتياح، وأخذ يتأمل الشاويش الذي استسلم لنوم هادئ بعد تعبِ اليوم الطويل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤