نهاية مغامرة

قال «تختخ» ﻟ «عاطف»: إننا يجب أن نوقظ الشاويش ليتجوَّل في المستشفى؛ فنحن لم نُحضره معنا لينام هنا، لقد أحضرناه للبحث عن «شوقي» المزعوم أو اللص الهارب …

واتجه «عاطف» إلى الشاويش وأخذ يهزه، على حين كان «تختخ» يخفيهما عن عيون بقية المرضى حتى لا يروا ما يحدث … واستيقظ الشاويش، وأخذ ينظر حوله في ذهول وهو يرى «عاطف» يضع على رأسه ووجهه القطن والشاش ويقول: هيا يا شاويش، يجب أن تُعاود التجوُّل في المستشفى.

كاد «الشاويش» يثور، لولا أن تذكَّر مهمَّته، فقام متثاقلًا وهو يجر قدميه، ويعدل الرباط الذي على رأسه، وبقي «تختخ» و«عاطف» ينتظرانه … وانطفأت أغلب أنوار المستشفى ولم يعد إلا نور خافت، واستسلم المرضى للنوم، واستلقى «تختخ» على ظهره يفكر فيما فعله … هل كان على صواب؟ هل يمكن حقًّا العثور على طرف الخيط للغز عصابة يوم الخميس؟

ومضى الوقت … وتأخر الشاويش أكثر مما يلزم … وتسلل «عاطف» في هدوء إلى فراش «تختخ» قائلًا: ماذا حدث؟ لقد تأخر الشاويش!

تختخ: فعلًا … وأعتقد أننا يجب أن نبحث عنه.

وبهدوء شديد سارا بين المرضى النائمين في الضوء الخافت حتى وصلا إلى الباب ثم فتحاه وخرجا … كانت الصالة الواسعة خالية، ويتفرَّع منها ممرات بيضاء … كان بعض الأطباء أو بعض الممرضين يسيرون فيها سراعًا ثم يَختفُون في الحجرات الكثيرة … كان الصديقان يخشيان أن يقابلهما أحد ويسألهما عن سبب تجولهما في طرقات المستشفى في هذه الساعة، وكانت قد أشرفت على الحادية عشرة.

قال «تختخ» ﻟ «عاطف»: اذهب أنت من اتجاه، وسأذهب أنا في الاتجاه الآخر، وسوف نلتقي بعد نصف ساعة أمام العنبر رقم ٢.

واتجه كلٌّ منهما في طريق، وفي ذهن كل منهما سؤال واحد … أين ذهب الشاويش؟

اتجه «عاطف» إلى دورة المياه … كان يتوقع أن يكون الشاويش هناك، ولكن دورة المياه كانت خالية، ولا أثر للشاويش فيها … أما «تختخ» فقد كان يتوقع أن يكون غياب الشاويش بسبب شيء خطير. كان قلبه يُحدثه أن العصابة قد عرفت وجودهم وأنهم يُراقبونهم، وكلما فُتح باب أو أُغلِق كان «تختخ» يحاول الاختفاء بجوار أقرب عمود أو باب. وتذكر وهو يقف في الظلام بجوار السلم المؤدي إلى الطابق الثاني، تذكر الممرض الذي كان مع الطبيب. صحيح أنه لم يبدِ أيَّ معرفة بهم، ولكن نظراته إلى الشاويش لم تكن عادية. هل كان فعلًا أحد اللصَّين اللذَين شاهدا الشاويش، أم أنه يتوهم؟

وقرر أن يكون أكثر جرأة، فيمشي في طرقات المستشفى يفتح الأبواب وينظر خلفها، فإما أن يعثر على الشاويش ويعرف ما حدث، وإما أن يصطدم بالعصابة. ومضى يفتح كلَّ بابٍ يُقابله … مرضى نائمون … ممرضات صحنَ في وجهه، أطباء نهروه وطلبوا منه العودة إلى عنبره.

ووجد نفسه أمام غرفة العمليات، كانت أنوارها مطفأة … وتردد قليلًا ثم فتح الباب ودخل، ومد يده يبحث عن مفتاح النور … وفجأة أحسَّ بحركة قريبة، حركة بسيطة جدًّا ولكن حواسه المرهفة أدركتها، وقفز من مكانه، وسمع صوت شيء يصطدم بالحائط … شيء كان يوحي إليه برغم الظلام أنه عصا … وألقى بنفسه على الأرض وسمع صوت أقدام تتحرَّك ناحية الباب … ثم فُتح الباب وأغلق … وأدرك «تختخ» أن من بالغرفة غادرها … فأسرع مرة أخرى إلى مفتاح النور وأضاء الغرفة الواسعة، وأدار نظره فيها، وتوقفت نظراته عند مائدة العمليات … كان الشاويش «فرقع» ممدًّا وكأنه مستمر في نومه الذي بدأه على فراشه! وأسرع «تختخ» إلى الشاويش يهزُّه مُحاولًا إيقاظه، ولكن الشاويش لم يستيقظ … وأدرك «تختخ» على الفور أنه واقع تحت تأثير مخدِّرٍ قويٍّ لن يستيقظ منه إلا بعد ساعات طويلة. كان على «تختخ» أن يُفكِّر ويتصرف بسرعة … فالرجل الوحيد الذي كان يمكنه أن يتعرف على رجال العصابة نائم تحت تأثير مخدِّر، والعصابة عرفت أنهم هنا، وسوف تتحرك بسرعة، إما لتقضي عليهم أو تهرب …

وخرج إلى الدهليز … وكان خاليًا … وفجأة وجد «عاطف» يندفع جاريًا، وعندما شاهد «تختخ» أقبل عليه مسرعًا وقال بصوت لاهث: «تختخ» لقد شاهدتُ حالًا رجلًا عجوزًا يسنده ممرضان، وهم يسيرون بأكثر قدر من السرعة وبشكلٍ يدعو للارتياب.

قال «تختخ»: رجل عجوز … يسنده شخصان؟!

عاطف: نعم … في هذا الاتجاه!

وأشار «عاطف» إلى دهليز طويل يتقاطع مع الدهليز الذي كانا يقفان فيه. فقال «تختخ»: هيا بنا … سننقضُّ عليهما مهما كانت النتائج … إننا نريد أن نُحدث أكبر قدر من الضجة الآن … لا بدَّ أن نلفت الأنظار إلينا!

وجريا معًا، ووصلا إلى الدهليز الذي أشار إليه «عاطف»، ولكنه كان خاليًا، ولكنهما شاهدا بابًا يغلق بهدوء في أقصى الدهليز، واندفعا إليه، ودخل «عاطف» أولًا لأنه أسرع وأخف حركة، ودفع الباب ودخل، وسمع «تختخ» الذي كان يتبعه عن قرب صيحة ألم، فاندفع خلفه ووقع بصره على «عاطف» مكومًا على الأرض يُحاول النهوض ورجل جالس على كرسي وكان في يده قطعة من يد مقشة … لم يكد يرى «تختخ» حتى حاول الانقضاض عليه، ولكن «تختخ» زاغ منه ثم أطلق ساقه في ضربة قوية أصابت بطن الرجل فسقط على الأرض صائحًا من الألم … أما الرجل الثالث فكان يُحاول فتح دولاب في الحائط … وعندما رأى «تختخ» تحوَّل إليه وفي يدِه لمعَت أداةٌ حادَّة … ووقفا أحدهما أمام الآخر وقد انحنى كلٌّ منهما إلى الأمام مُحاذرًا … واندفع الرجل فجأةً محاولًا طعن «تختخ»، ولكن «تختخ» تنحَّى سريعًا جانبًا، وحاول أن يضرب يد الرجل التي تحمل الأداة الحادة، ولكن الآخر استطاع أن يُبعد يده … ومرة أخرى تواجها … وكان الرجل العجوز الجالس على الكرسي يمسك ببطنه وينظر حوله في ذُعر … ودار الغريمان أحدهما أمام الآخر كأنهما فهدان يحاول كل منهما الانقضاض على صاحبه. ونظر «تختخ» نظرة خاطفة إلى «عاطف» والتقت عيناهما بسرعة. وأدرك «تختخ» ما في عينَي «عاطف» من معنى، فتحرَّك وتحرَّك الرجل الذي أمامه … كانت خطة «تختخ» أن يضع الرجل في متناول «عاطف» الذي كان مُتظاهِرًا بالإغماء. وفعلًا سقط الرجل في المصيدة بسرعة وببساطة … فقد دار حتى أصبح ظهره إلى «عاطف» الذي انقض على ساقيه وجذبهما بشدة، فسقط الرجل على وجهه، وارتطم بالأرض وانطرح عليها مُغمًى عليه … وكان الرجل الآخر الذي ضربه «تختخ» يحاول النهوض، ولكن «تختخ» لم يُمهله، وأسرع هو و«عاطف» الذي استردَّ قُواه، وسرعان ما طرحاه أرضًا … ونظر «تختخ» إلى قدميه ثم قال له: الميت الهارب.

ونظر «عاطف» هو الآخر إلى قدمَي الرجل وقال: مبروك الحذاء الجديد. كانا سعيدين بانتصارهما السريع، ولكن في الوقت نفسه كانا يُفكِّران في الخطوة التالية … ماذا يفعلان؟

ولكن الخطوة التالية جاءت بأسرع مما يتوقعان، فقد سمعا صوتًا في الصالة ينادي: «توفيق» … «توفيق»!

وعرفاه على الفور … كان صوت المفتِّش «سامي» … ولم يُصدِّقا آذانهما في البداية، ولكن الصوت استمر ينادي … وصاح «تختخ» بأعلى صوت مُمكن: أنا … هنا!

واندفع المفتش «سامي» شاهرًا مسدَّسه وخلفه رجاله.

قال «تختخ» وهو ينهض واقفًا: جئتَ في الوقت المناسب، ولكن كيف؟

المفتش: كان رجالي يُراقبُون المستشفى، ومنذ ساعةٍ وصَلَني التقرير الذي طلبته عن البنزين الذي ينقص في سيارات الأطباء يوم الخميس، واتصلت بالمستشفى تليفونيًّا وطلبتُ التحدث إليك، فقالوا إنك غير موجود … وطلبت «عاطف» فقالوا إنه غير موجود … وطلبت الشاويش فقالوا إنه غير موجود … وأدركتُ أن شيئًا غير عادي يحدث. فطلبت من الرجال مراقبة المستشفى … ثم حضرت بنفسي …

تختخ: إنك رجل عظيم … لقد كُنا حائرين ماذا نفعل!

والتفت المفتش إلى الرجل العجوز الجالس على الكرسي وصاح في دهشة: «القفل» … ماذا تفعل هنا؟

ثم هزَّ المفتش رأسه مرات وقال: كيف لم يَخطر ببالي أنه أنت … طبعًا لا أحد في هذا البلد يمكنه فتح الأبواب المُغلَقة ولا الخزائن بهذه البراعة إلا أنت … ولكن …

قال «القفل»: آسف يا حضرة المفتش … أرجوك … إنني رجل مريض … وسوف أموت!

المفتش: تموت؟ إذا كنتَ تعرف أنك ستموت، فكيف اشتركت في كل هذا؟

القفل: خطأ … خطأ … لقد أغرَوني، ولم يكن عندي مصدر رزق فاستسلمت للإغراء.

المفتش: قُل هذا في المحكمة.

كان رجال المفتش «سامي» قد وضعوا القيود في أيدي الرجلَين والتفَتَ المفتِّش إليهما قائلًا: والآن أين بقية العصابة؟

صمت الرجلان، ولكن نظرة حادة مُنذِرة من عينَي المفتش أنطقتهما فورًا، وقال أحدهما: إن الرابع ليس من المستشفى. والخامس يأتي من المنصورة كل يوم خميس.

تختخ: يوم الخميس فقط؟

الرجل: نعم.

تختخ: الآن أدركت كل شيء …

قال المفتش لأحد رجاله: خُذ عنوان الرجلين الآخرين، وأرسل حالًا في طلب القبض عليهما … وضع هذا العجوز تحت الحراسة في المُستشفى … إنني أعرف أنه مريض، وقد أُجريَت له عدة عمليات جراحية.

وخرج رجال المفتش «سامي» الذي قال فجأة: ولكن أين الشاويش؟

تختخ: إنه ينعم بنوم ثقيل تحت تأثير مُخدِّر … لقد طلبنا منه أن يتجول في المستشفى لعله يقابل أحد اللصوص ويتعرف عليه … ولكن يبدو أن اللصوص هم الذين تعرفوا عليه، وأخذوه إلى غرفة العمليات وخدَّروه.

ضحك المفتش، وقال «عاطف»: الحمد لله أنهم لم يُجرُوا له عملية جراحية!

تختخ: من يدري … لعلَّهم كانوا سيفعلونها.

واتجه الصديقان والمفتش إلى غرفة المدير، الذي لم يكن موجودًا، وطلب المفتش أن يحضروا لهما ثيابهما العادية ليعودا إلى منزلَيهما في الليلة نفسها.

•••

وعندما اجتمع الأصدقاء والمفتش «سامي» في صباح اليوم التالي، قال المفتش: لقد سقطت في أيدينا العصابة … وبقيَ أن يُفسِّر لنا «تختخ» استنتاجاته التي أدَّت إلى هذه النتيجة.

قال «تختخ» مبتسمًا: الحقيقة أن الرجل العجوز كان أول ما لفَتَ نظري … لقد قال «محب» عندما كان يُراقب العصابة إنه شاهد رجلًا عجوزًا يُسنده شخصان ينزل من السيارة ويذهب إلى «الفيلا» ويغيب فترة من الوقت ثم يُعيده الرجلان إلى السيارة … ماذا يعني هذا؟ إن أية عصابة لا يمكن أن تأخذ معها رجلًا عجوزًا إلا لسببٍ قوي … والسبب الذي استنتجته ويستنتجه أي شخص يفكر أن هذا الشخص ضروريٌّ للعصابة جدًّا … هل هو ضروري ليحمل المسروقات مثلًا؟ هذا غير معقول … إنه لازم لأنه يُجيد عملًا لا يجيده إلا هو … واستنتجت أن العمل الذي يجيده هو فتح الأبواب المُغلَقة. ثم كان الاستنتاج الثاني حول السيارة المسروقة؛ لقد سُرقَت من أمام المستشفى، وأعادها السارقون إلى مكانها … إذن لم يكن في نيتهم سرقتها نهائيًّا، لقد كانوا فقط يستخدمونها … ثم كان الحذاء المطاط … وهو نوع يُستخدَم عادةً في المستشفيات، يلبسه الممرضون حتى لا يُحدثُوا صوتًا.

وسكت «تختخ» لحظات يستجمع أنفاسه، ونظرات الإعجاب تحوطه ثم مضى يقول: ثم كانت البقعة الحمراء، وتقرير المعمل عن البقعة الحمراء … إنها «مركروكروم» … ثم كانت الرائحة التي شمها الشاويش عندما كان «شوقي» المزعوم يتحدث إليه … إنها رائحة مستشفى … إذن …

قالت «لوزة»: لا بد أنها عصابة في مستشفى!

تختخ: بالضبط … أو أن أغلب أفرادها يعملون في مستشفى، وأضيف الآن ما قاله المفتش عن أن بعض الأطباء لاحظوا نقص البنزين في سيارتهم في بعض ليالي الخميس … ذلك أن العصابة كانت تستخدم هذه السيارات في سرقتها ثم تُعيدها إلى مكانها!

نوسة: وحكاية يوم الخميس؟

تختخ: لقد كنت أظن في البداية أنهم يختارون يوم الخميس لسبب خاص بعملهم في المستشفى، ولكن اتَّضح أن أحد أفراد العصابة يأتي يوم الخميس من «المنصورة» ليشترك في السرقة، ولا بدَّ أنه يجيد عملًا معينًا هو الآخر.

قال المفتش: إنه يُجيد سرقة السيارات وقيادتها، فليس هناك سيارة تَستعصي عليه، وهو يعمل سائقًا في «المنصورة»، وإجازته الجمعة!

تختخ: إنني أستطيع أيضًا أن أتصوَّر كيف بدأت العصابة تفكيرها. لقد بدأت يوم وصول «القفل» إلى المستشفى!

المفتش: هذا صحيح … فقد استجوبناهم أمس … واتضح أن «القفل» كان نزيل السجن، ثم أصيب بمرض خطير فنُقل إلى المستشفى، وهناك عرف المُمرِّض «حسني» الذي سمى نفسه «شوقي» بحقيقة «القفل» … وعرض عليه أن يشتركا في عصابة السرقة … وتحت إغراء الرغبة في الإثراء السريع وافق «القفل»، وبخاصة أن رجال الشرطة لم يكونوا ليُفكِّرُوا فيه؛ لأنَّ المفروض أنه لا يمكنه الحركة … ولكن اتضح أن الممرض كان يعطيه حقنة مُخدِّرة ليتغلب على الألم.

وسكت الجميع … وبينما كانت أكواب عصير الليمون تدور عليهم قالت «لوزة»: وهكذا انتهت حكاية عصابة يوم الخميس بدون أن أشترك فيها بدَور!

قال عاطف: لا بأس … سيكون لك دور في عصابة يوم الجمعة.

وضحك الجميع …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤