الفصل الثالث

الواقعة الأولى

(ولادة – جواريها – مهجة)
ولادة :
حانَ ابنَ زيدون حينٌ فيه تُولِينا
وصلًا فيُدنِي تلاقينا أمانينا
يا مَن عن البدر تُغنِي العينَ طلعتُه
ولفظُه عن كئوس الراحِ يُغنِينا
هزَّتْنا للأُنس أرواحُ السرور كما
في روض أفراحنا هزَّتْ أفانينا
فشَنِّفونا بألحانِ العراق على
مَيْل السماع بما يُصبي ويُشجِينا
فعن قريبٍ على رُغْم الرقيب نَرى
أبا الوليد يُحَيِّينا فيُحْيِينا

(نوبة سماع …)

جواري :
قُمْ لنحو الحان
ولازم حضرة الندمان فهي منهل
واشدوا بالألحان
ورنِّم في صبا الناي لي والحسيني
يا مُدير الراح
أدر لي الخمر بالأقداح وتعلل
مع رشا إذْ لاح
يحاكي الغصن بالميل والرديني
أيضًا:
طابَ وقتى طاب، وانمحى غَيْني
وجلا الأكوابَ، أكحلُ العين
بدرُ حُسن لاح، وجهُه الوضاح
فيه لا بالراح، غبتَ عن أَيْني
قَدُّه الفتان، فاق غصنَ البان
طرفه الوسنان، سلَّ سيْفَيْن
ماسَ كالغُصْن، في رُبَى الحُسن
آهِ لو يُدني، طلعةَ العين
بالحشا قد صال، لحظُه الفصال
وبدا يختال، تحت بُردَيْن
يا أخا الحب، لا تُطِلْ عتْبِي
قد غدا قلبي، بين سُكْرَيْن
خمر أشواقي، عين ترياقي
فاملَ يا ساقي، منه كأسَيْن
أيضًا:
ما أسعد الصُّبْحية، بالطلعة البدرية
والشمس منها تجري، كواكب دُرِّية
عن ذي الجمال السامي، لم تَلْوِني لُوَّامي
لا والعذارِ اللَّامي، والطرَّة السينية
مَن لي به مِن أَغْيَد، ريم يَصِيد الأَصْيَد
حلو التثنِّي مفرد، ذو قامةٍ خَطِّيَّة
إن لم تعُدْني عُدْني، فالشوق داءٌ مُضني
يا يوسفيَّ الحسن، أحزاني يعقوبية
هيفاء حان حَيْني، بقدِّها الرديني
وحشية العينين، فتانة إنسية
إن رمتَ بالأفراح، تمحو دُجى الأتْرَاح
فاشرب عجوزَ الرَّاح، من راحة الصبِيَّة
للحان والألحان، والروح والريحان
هيا أخا الأشجان، نسكرْ معَ الجمعية
ولادة : قد انتعشنا يا مهجة بالسماع، وضاع مِن عَرْف ارتياحنا ما ضاع، وتصاعدت لاجتلاء طلعة أبي الوليد كوامنُ الشوق الذي ما عليه مزيد، فمتى ينجاب قناع هذا الفراق ونحتسي على رغم الرقيب كئوس التلاق؟
مهجة : لا تكوني يا سيدتي في ضجر، فقريبًا نأنس بروية القمر من سنا ابن زيدون صاحب الرفعة والشئون.
ولادة : أعياني يا مهجة الانتظار، فهيا لنستطلع ما صار، ونعلم أسباب التأخير فقد توالى الزفير.

الواقعة الثانية

(أبو الوليد ابن زيدون)
أبو الوليد ابن زيدون :
هيهات تُقضى كما نَهوَى أمانينا
ودونَها حالَ سعيٌ مِن أعادينا
فما الذي أرتجيهِ بعدَما حكمتْ
أيدي العِدا ببعاد من تهانينا
وعَهْد ولَّادة أني أُواصلها
بما يطيب برَيَّاه تلاقينا
وما دَرَتْ أنني وافيتُ أُودِعها
قلبي بتوديعها طوعًا لوالينا
سعيُ العدا ساءني عند المليك بها
والدهر عونٌ لها لا كان ساعينا
يا مَن هواها غريمي لم يطُلْ أملٌ
بأن نشمَّ وُرودًا أو رياحينا
فابقَيْ على الوُدِّ فالأفكار تجمعنا
إذا غدتْ أَلْسُنُ الشكوى تُناجِينا

(لحن شورى حزبه أكرك):

يا ربة الوجه الجميل
قد راعني خطب جليل
وافى بأنواع العنا
في مهجتي أضحى نزيل

دور

يا مُنْيَتِي سعيُ العدا
ظُلمًا علينا قد عَدَا
والقلب أوردَه الرَّدَى
رَوْعٌ يقول ولا يَقِيل

دور

وافَيْتُ صبًّا ذا الْتِيَاع
أقضي حقوقًا للوداع
هل بعده يُقضَى اجتماع
ويفوز بالقرب الخليل
حال القدر بالقضاء دون القدر بأنس اللقاء، وحول عهد الفرح بالاجتماع إلى موقف الفراق والوداع، فهل لولادة رَوْحِ الأرواح علمٌ بما أسفر عنه هذا الصباح؟ وهل عندها خبر، أو تطارحها فكر بأني جئت لوداعها دون أنس التلاق؟ وأن هذا الاجتماع القصير منبئ عن طول الفراق، إني لَأُشفق على ولادة غاية الإشفاق من أن يفاجئها من خبر هذا الرُّزْء ما لا يُطاق، وها هي والجواري معها قادمة، وليس بما دهم من الأمر عالمة … سأكتم الحال عنها بالابتداء، وإن كان لا بد من رفع جبره بالانتهاء.

الواقعة الثالثة

(ولادة – مهجة – جواريها – ابن زيدون)
ولادة :
تُهديك شمسُ الضحى أزكى السلام وقد
وافتْ لتحظى بمَجْلَى طلعة القمر
فاستجلِ ما طاب من آدابها وأدر
ما فاق طيبًا معاني نسمة السحر
أبو الوليد :
أهلًا وسهلًا بمَن للأُنس قد خطرت
والقلبُ أصبح من وجْدي على خطر
وافيتُ أحظى بآمال قَضَيْتُ بها
وإن أحالتْ قضاءً حكمةُ القدر
ولادة : قد روَّعتَني بذكر القضاء والقدر بما يشوب صفو أُنسنا بالكَدَر، فهل حدث أمرٌ مرَّ به ما حَلا أترع كأسًا من هموم وملا؟
أبو الوليد : لا تراعي أيتها السيدة الكريمة، والجوهرة التي لا تُقام لها بملك الدنيا قيمة؛ إن ذكر القضاء والقدر طبيعي للشعراء، وحكم مسجل في جريدة حظوظ الأدباء؛ إذ لا يكاد يسلم أحد منهم جدَّ في الطلب من أن تُدرِكه حرفة الأدب.
ولادة : هو ما قلت بدون مَيْن، لا نزاع في الاثنين، لكن إسعافَ القدر باجتماعنا لا يُنكَر، وتسجيل القضاء بحسنه بدون دافع مُقرَّر، وذكرك لهما يُنبِئ عن منازعة أفكار خطرتْ لك بمعاناة أخطار، فهل تم أمر مُهِمٌّ أو لمَّ بك من حادث مُلِمٌّ؟
أبو الوليد : دعي ذكر ما يعترض في وجه السرور، ويطول في بيانه عتبنا على المقدور، والوقت أنفَس من أن يضيع بما لا يَضوع نشرُه، ويجرعنا مرَّ الأسى بغصص التلهف ذكرُه، فهاتي حديث الأشواق وما تطرب بمعناه العشاق؛ فأشواقي إليك تنازعها الأشجان، وعيني الطائفُ دمعُها في أقصى الوَلَه ليست — وقُدْسِ حُبِّكِ — عينَ سلوان، وبرد النسيم يذكو منه في فؤادي نار، وحبة قلبي صرفها الغرام من وجهك على دينار، وأنفاسي عند ذكراك تتصعَّد، وأنا القتيل بلا قَوَد، وإن قُتِلتُ من حسام جفنك بمُحدَّد، وطالما بتُّ أناجي بلطائفك الضمير، وأسامر لطلعة محياك البدر المنير وأهيم في جميع النواحي بالنُّوَاح، وأرقب الشُّهب لسَنَا جِيدِك باكيًا للصباح.

(لحن أبكي فتبكي الحمام لكن):

دور

والآن حُمَّ اللِّقا ولكن
بما له سال دمع عيني
وفي فؤادي الغرام ساكن
بما يُفاجي بجَلْب حَيْني
ولادة :
أثرتَ وجدي وكان كامن
ورُعْتَ لُبِّي من غير مَيْن
فأي شيء له السواكن
تحرَّكتْ بعد طول بَيْن
أبو الوليد : لا بأس عليك فالحديث شجون، والمعاني تتفجر لها في أودية الكلام عيون، وأقول يا ذات الخفر وفائقة الشمس والقمر: لا كان الساعي بيننا ببَيْن، وفاجأه في الحِين خَطبٌ بحَيْن، فاعذريني يا منية القلوب بما يصدع به فؤادي المكروب.
ولادة : لم تَخرُج عما ابتدأتَ به الكلام، وتشابهتْ أطرافُ قولك بمراجعة الإبهام، فصرِّح بما تجِد ودع الكناية والتلميح، وبدِّد استعارة نار الفؤاد بالتصريح، فلا أرى مجلسنا إلا مشوبًا بكَدَر، وقد روَّعني في استهلاله ذكرُ القضاءِ والقدر، ولا أعلم سببًا منِّي يحول دون الأمل، ويفضي إلى ما يعوق عن العلم بإخلاص العمل، وغرامي بك غريمه ألدُّ الخصام، ووَلَهي بك لم يشترك به أحد من الأنام، ولا أستطيبُ العيش إلا عند ذكراك، ولا أتعرَّف بنشرٍ إلا إذا عَرَفتُ منه شذاك، فماذا حدث أيها الوزير حتى شرعت بتشويش الضمير؟ تفضل بالبيان وأَرِحْ يا جنة الرُّوح الجَنان.
أبو الوليد : أَسْكرْتِ أعضائي بلا جَام، وعقَلْتِ لُبِّي بهذا الكلام، فماذا أقول والفصيح لديك أبكم؟ وكيف أُعرِب عن سِرِّي والمِنْطِيقُ عندك أعجم؟

(عروض يا غزالي كيف عني أبعدوك):

لازمة

كمْ أُدارِي في الحَشَا حَرَّ الأُوار
والجوى يذْكو بنارٍ فوق نار

دور

إن هذا موقفٌ جرَّ الْتِيَاع
لمحب لك وَافَى للوَدَاع
حظُّه كان بهذا الاجتماع
فرطَ وجْد سالبٍ منه القَرار
ولادة، جواري :
آهِ يا كلَّ المُنَى وَا حَربي
ما الذي قد حالَ دونَ الأَرْبِ
فلقد أوريتَ نار الكَرْب
بفؤَاد ما له عنك اصطبار
ابن زيدون :
شرحُ حالي ربةَ الحسنِ عجيب
وهو في مغربنا أمر غريب
فاعذري مَن دمعُه يجري صبيب
وعليه حادث الأيام جار
ولادة : اكشف لي بحقك هذا الأمر، وإلا قتلتُ نفسي بيدي لا بيَدِ عَمْرو، وصدري من القلق ضاق، وحاق ببدر سروري المحاق.
ابن زيدون : إني أشفق عليك من إبداء خبر كان، وشرح ما كَلَم فؤَادي بلسان العدوان.
ولادة : لا تُشفق عليَّ أيها الوزير، وأعرب عما تُجِنُّه في الضمير، فقد أثار الجزع في القلب الجمر وفني الصبر ومر.
الوزير : اعلمي أيتها الرُّوح وعلاجَ الفؤَاد المجروح، أن سعيَ الفئة الباغية للأذى لدى السلطان؛ روَّع سِرْبي بمخاوفَ حالتْ دون كل أمان؛ إذ نقلتْ إليه ما اعتقد صدقَه بدون تبيُّن وهو محض مَيْن، فأهدر دمي بسيف الظلم إذا بَقِيتُ في قرطبة طرفةَ عَيْن، وقد أيقظ عليَّ العيون في كل الجهات، وجعل حسناتي في وجوه مُلْكه سيئات، وحيث أخذَ لي نديمي منك الضمان أن نلتقي لبثِّ الأشواق في هذا المكان، خاطرتُ بنفسي لهذا الاجتماع، وأضمرتُ في سِرِّي أنه موقف الوداع، وتخطيتُ رقاب الخطِّيَّة، وأشرفتُ بدرْع المخاطر على حُدود المشرفية، وحضرت لديك أخوض بدمي المُراق، وهذا أيتها المليكة على رغم موقف الفراق، فأستودعُك فؤادًا هواكِ كَلِيمُه وغرامُه بك غريمُه، مُلِئ وجْدًا بجمالك، وذابَ وَلَهًا بدلالك، فأكرمي مثواه وارحمي شكواه.
ولادة : فؤادي أحوج إلى الرحمة مما علاه من الغُمَّة؛ فقد لاعتْه الكروب، وراعَه هَوْلُ الخطوب.
الوزير (لحن عروض رب ساق أكرك) :
يا حياتي لا تُراعي
من عَنَا هَوْل الوَدَاع
وارحَمي فَرْطَ الْتِياعي
بعد هذا الاجتماع
ولادة :
آهِ يا رُوح فؤادي
وحياتي والمُرادِ
لا تخَفْ إن وِدَادي
ثابتٌ بعدَ البعادِ
الوزير : يا ذات الوجه الجميل، أزِف وقت الرحيل، فزوِّديني من بديع المعاني ما يرتاح إليه فؤادي العاني، وأعطيني ضمانًا على إخلاص الوداد، إذا طالتْ بيننا شُقَّة البعاد؛ فبذلك تخفُّ شجوني وترقأ عيوني ويسكن اضطراب فؤَادي، وتهون عليَّ شماتة الأعادي.
ولادة : أوَّاه ما أعظمَ هذا الخطبَ، وأشدَّ وقْعَ ذلك الكربَ! كيف أتجرَّع الصبر وكل حلو لعيشي مُر؟ أيها الحبيب الكريم والخليل العظيم، أقسم بصدق ودادك وسقيا عهد أملي بصَوْب عِهَادك، ليس في فؤادي لسواك مَقِيل، ولا يجمل بعينيَّ بعدك وإن جمل بعينَيْ بُثَيْنة جميل، فكن براحة من عِشق ولادة من بعدك أيها الوزير، وقابِلْها بمثل ما تُعانيه بك من إخلاص الضمير.
وزير : إن قلبي لدَيْكِ رَهِين، على أني أصدق بمحبتك ولا أمين، وغرامي بك لا يحول، ووجدي الآخِر بك هو الأول، وها أنا بعد التماس الإذن منك ذاهب وقد سدت في وجه آمالي المذاهب.
ولادة : تمهَّل أيها الخليل قليلًا، واشف بحديثك من الفؤاد غليلًا، هذا لَعَمْري هَوْل الموقف في الحشر، تُطوى به صحف الأُنس إلى يوم النشر.

الواقعة الرابعة

(ابن زيدون – ولادة – مهجة – جواريها – منذر)
منذر : تأخرتَ أيها الوزير عن الذهاب، وتجشمتَ ركوب الأخطار الصعاب، وعيون الأعداء لك بالمرصاد، وقد انتشر في قرطبة للبحث عليك غلاظ شداد، وقد علمتَ أن دمك هَدَر إنْ وقعَ عليك منهم نظر، فأسرع بالخروج من هذا المكان قبل أن تدخل في خبر كان.

الواقعة الخامسة

(الوزير – ولادة – جواريها – مهجة)
الوزير : ها أنا على نية الخروج بلا تأخير، وإن كان ذلك فوق كل عسير، فأستودعك مهجةً هي في آخر رَمَق، وأعيذك بسرِّ الخالق الأعظم من شر ما خلق.
ولادة : رُوَيْدَك أيها الحبيب، وتَدَارَكْ عليلةَ فؤاد أنت لها الطبيب، ماذا جرَّ علينا هذا الاجتماع، من عناءٍ وبلاءٍ والْتِياع.
الجميع (عروض شادن صاد قلوب الأمم أصبهان) :
قُضي الأمر وقد حان الفراق
ووَهَى منا الجَلَد
يا تُرى هل بعدَ هذا من تَلَاق
يُحيِ جسمًا وخَلَد
أين قول نادٍ فيه الاتفاق
كل مَن وجد وجد
قطعُ وصلٍ وصلُ قطعٍ لا يُطاق
وبلاءٌ لا يحد
حلَّ قرب شد للبعد وثاق
بقضاءٍ لا يرد عناق
حكمَ الله على قلب الصدِي
بعناء للأبد
مَن لقلبٍ ذائب متَّقِد
من هموم ونَكَد
هل تعنَّى مثلنا مِن أحد
وعلى الحَيْن وَرَد
فلْنُؤمِّلْ فضل ربٍّ صَمَد
ما له كفوٌ أحد
أن يعيد الأُنس بعد الكَمَد
ويقينا مِن حَسَد

الواقعة السادسة

( ولادة – جواريها – مهجة)
ودَّع الصبرَ محبٌّ ودَّعك
ذائعٌ من سرِّه ما استودعك
يقْرَع السِّنَّ على أن لم يكن
زاد في تلك الخُطا إذ شيَّعَك
يا أخا البدر سناءً وسَنا
حفظَ اللهُ زمانًا أطلعك
إن يَطُلْ بعدك لَيلِي فلَكَمْ
بتُّ أشكو قِصَرَ الليل معك
فاحفظ الوُدَّ وصُنْ سِرَّ التي
حبُّها دون السوى ما ضيَّعَك
وأدِمْ دَرْسَ أحاديث الهوى
وارحمَنْ قلبًا مُعنًّى تَبِعَك
واختم القلبَ كما عاهدتني
عن سوى عهدي وصُنْ مستمعَك
وبتذكاري أَدِرْ كأسًا إذا
كان مرَّ الصبر بعدي جرَّعك
غبتَ يا بدر الدجى عن ناظري
فمتى ينظر طرفي مطلَعَك

فأنشِدْنَ واقعةَ الحال واشرَحْنَ أحوالَ هذه الأحوال.

الجواري (عروض) :
بدري سَرَى واحتجبا
ونجم سعدي غَرَبا
وخلَّف القلبَ على
جمر الفضا ملتهبا
أوَّاه ما هذا الذي
قد كان من هذا النبا
يا مُنيَتِي صبرًا وإن
لم يحل صبرٌ مشربا
ولادة : كيف العمل وقد انقطع الأمل، وفاجأت النوى بالنوائب، وأمطرت علينا سحب المصائب، وغدا لشأن الدموع بمنشآت الجوى شئون؟ فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
مهجة : كفاك هذا التلهُّف، وحسبك ما أبديتِ من التأسُّف، أتريدين أن تُذهِبي نفسَك حسرات، وتكوني عبرة تبين مراسلات هذه العبرات؟ تجلدي وإن كان هذا الموقف يُوهِي الجَلَد، ويُفتِّت — فضلًا عن الغزالة — فؤادَ الأسد، فكفي غَرْب المدامع التي تعانين بها الشَّرَق، واستبقي على مهجتك بعض الرمق، وهيهات أن يفيد فرط الجزع، أو يرد ما فات شدة الهلع! ومن جملة لوازم العشق والجوى معاناة الفراق وهول النوى، فادَّرِعي الصبرَ لأمةُ على هذا البَيْن، فقد يجمع الله الشتيتين.
ولادة :
إن حُلْوَ الشهْد مرٌّ في فمي
بعد ما جرَّعني الصابَ المصاب
فإذن؛ كيف أرى الصبر على
ما أعاني من وُلوع واكتئاب
أشعُر بهَيْنَمَة بشر، فماذا يكون من الخبر؟ دفع الله عنا ما نكره، ولا أرانا فيه عبرة.
مهجة : أرى اثنين يسترِقان السمعَ مِن وراء الباب، وهما قد وصلا إلينا بلا ارتياب.

الواقعة السابعة

(الحاضرات – اثنان سيَّافان)
أحدهما : أين الوزير ابن زيدون الذي أُهدر دمه وكان منه ما لا يكون؟ فقد بلغنا أنه حضر إلى هذا المكان، بعد ما كان منه ما كان.
الثاني : نعم، وكان الحامل له على هذا الاجتماع، أن يقضي قبل وقوع ما يسوءه حقوق الوداع.
ولادة : ليس لحضور ابن زيدون هنا أثر، وما تعرَّفْنا له طيبَ خبر، كيف يحضر ابن زيدون لوداعي بلا سابقة معرفة، وهل تتحقَّق قبل وجود موصوف صفة، فمُرَّا من هذا المكان، ولا تخرجا بإطالة الكلام عن حقوق الإنسان.
الأول : ماذا على السائل حتى يُنهَر، ويُردَّ بغليظ القول ويُقهَر، ولم يُهمِل لك وزن اعتبار، ولا نظر لك بعين احتقار.
ولادة : مُرَّا بالحفظ والسلام بدون زخرف كلام، ليس لكما طِلْبة عليَّ، ولا لأميرِكما غريمٌ لديَّ، ودخولكما بدون استئناس واستئذان يُنافي ما ورد من محكم الفرقان، ومع ذلك ففيه من قلة الأدب ما يقضي لمتأمله بالعجب، والوقت عندي أنفَس نفيس، وأجلُّ من أن يُضيَّع في خسيس، فوراءكما أوسع من أمام، فاذهبا بدون خصام.
الثاني : قد ألزمتْنا الحجة بما هو واضح المحجة، نلتمس منكِ السماح قبل أن نصافح من جفنك الصفاح، فهيا أيها المصون قبل فرار ابن زيدون؛ لأن أمر السلطان بقتله محتوم، جزاء فعله المشوم المذموم.
الأول : نعم أيها الخليل، غضب مليكنا الجليل على أبي الوليد ما عليه مزيد، فبادر للقبض عليه وإيصال الردى إليه، أو نضعه في السجن مُكبَّل؛ ليُعفَى عنه أو يُقتَل.

الواقعة الثامنة

(ولادة – مهجة – الجواري)
ولادة :
ما فيه ليت ولا لوٌّ فتُنقصَه
وإنما أدركتْه حرفةُ الأدب
يا ويح أهل الأدب! ماذا يحتملون من النصب؟ … فأرِحْنَ قلبي من العناء بما يحسن به ختم مجلسنا من الغناء.
الجواري، مهجة (عروض مجذلي اقتصد نكدي) :

دور

لاعني عنا ترجى بالوجد
والأسى به وجبا
قد مضى لقا فرحي بالبُعد
بعدما قد اقتربا
والجفا ظهر من عنا الكَدَر
مذْ نأى القمر بعدما سَفَر
مبعدًا مُنى مَنْحي بالصد
حينما بها غربا

دور

منيتي ثقي بوفا أوطار
واطرحي به فكرا
وارقبي ورود صَفا الأخبار
من فتًى حَكَى القمرا
ربنا صدع للحشا الجزع
من أسًى وقع زادنا هلع
فاعطفَنْ لنا بشفا أفكار
منعمًا بما سترا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤