الفصل الأول

كامو، ابن فرنسا في الجزائر

كثيرًا ما يُنظَر إلى أعمال كامو (خاصةً رواية «الغريب») بوصفها من الروائع الفنية المنقطِعة النظير في الأدب الفرنسي. ورغم ذلك، يزداد طرح مسألة الهوية والسياق التاريخي في الموقف الاستعماري. ولكي نَعِي إنجازات كامو والإشكاليات التي تتضمَّنها أعماله ونَفيها حقَّها، من المهم أن نضع في الحُسبان السياق التاريخي الذي شكَّل سنوات تكوينه.

ألبير كامو (١٩١٣–١٩٦٠) مواطنٌ فرنسي وُلِد في الجزائر. وكان من المفترض أن يعيش هناك منذ مولده وحتى منتصَف الحرب العالمية الثانية. عَمِل والدُه واسمه لوسيان كامو مراقِبَ عُمَّال في كَرمةٍ في مقاطعة موندوفي، التي تبعد حوالَي ١٠٠ ميل إلى الشرق من الجزائر العاصمة. في الثالث عشر من نوفمبر عام ١٩١٠، تزوَّج لوسيان بكاثرين هيلين سينتس، وهي ربة منزل، وبعد ثلاثة أشهُر وُلِد أخو ألبير الأكبر، الذي سُمي لوسيان أيضًا. وُلِد ألبير في موندوفي بعد حوالي ثلاث سنوات، في السابع من نوفمبر عام ١٩١٣.

يرتبط سلفُ عائلة كامو ارتباطًا وثيقًا بالوجود الفرنسي في الجزائر. تُبيِّن السجلات أن جَدَّه الأكبر لوالِده، كلود كامو، جاءَ إلى الجزائر عام ١٨٣٤، بعد الغزو الفرنسي بفترةٍ قصيرة. أما جَدُّه لوالدته واسمه إتيان سينتس، فقد وُلِد في الجزائر العاصمة عام ١٨٥٠، لكن زوجته كاثرين ماري كاردونا وُلِدت في إسبانيا. كان نسبُ كامو نموذجًا للمواطنين الفرنسيين المولودين في الجزائر والقاطنين فيها، الذين كان يُطلَق عليهم بالفرنسية ما يُترجَم حرفيًّا إلى «الأقدام السوداء». في بدايات القرن العشرين، كان هذا المصطلح يُطلَق عادةً على البحَّارة العرب الذين كانوا يعملون حُفَاة الأقدام في مستودعات الفحم الموجودة في السفن. خلال حرب الاستقلال الجزائرية (١٩٥٤–١٩٦٢)، تحوَّل هذا المصطلح ليرمز إلى المواطنين الفرنسيين المولودين بالجزائر والقاطنين فيها. (وسوف أشير إلى المستوطنين الفرنسيين بهذا المصطلح في بقية الكتاب.)

في الوقت الذي وُلِد فيه كامو، وهو عشيَّة الحرب العالمية الأولى، كانت الجزائر إقليمًا فرنسيًّا رسميًّا مقسَّمًا إلى ثلاث مُقاطَعات (وهران، والجزائر، وقسنطينة) وثلاث مناطق عسكرية كلها تحت سلطة حاكِم عام. ومع ذلك، كانت الجزائر مقسَّمة فعليًّا إلى قسمَين. أحدهما كان منطقة فرنسية يَقطنها ٧٥٠ ألفًا من «البيد نوار»، يتمتعون بكل الحقوق والحماية التي تقدِّمها الجمهورية الفرنسية. كانوا مواطنين فرنسيين، متساوين تحت مظلَّة نظام قانوني واحد؛ فكان لهم الحق في التصويت، ويعيشون تبعًا لشعار الثورة الفرنسية الشهير: الحرية، والمساواة، والإخاء. أما القسم الآخر، فهو إقليم محتل، يسكنه ٤٫٧ ملايين «مسلم» كما كان يُطلق عليهم رسميًّا في التعداد الفرنسي. لم يكن هؤلاء الرجال والنساء مواطنين فرنسيين (رغم أن كلَّ واجبات الرعايا الفرنسيين كانت مفروضةً عليهم)، وكانوا يعيشون تحت وطأة مجموعة من قوانين العقوبات التي جعلت من الصعب عليهم تلقِّي التعليم، أو كَسْب العيش، أو التحدُّث بلغتهم، أو ممارسة شعائرهم الدينية، أو تملُّك أرض. (لأغراض هذا الكتاب، سنُطلِق عليهم اسم الجزائريين (الذين يتضمَّنون العرب والبربر)، لكن السلطات الفرنسية كانت عادةً ما تشير إليهم ﺑ «السكان الأصليين» أو المسلمين.)

كان تاريخ التدخُّل الفرنسي في شئون الجزائر قد مضى عليه ١٠٠ عام تقريبًا في الوقت الذي وُلِد فيه كامو. فقد اجْتِيحَت الجزائر عام ١٨٣٠ على يد جيش الملك شارل العاشر، وكان ذلك في الأصل محاولة للإلهاء عن الاعتراضات الداخلية على مشروعية حُكمه. بعد الغزو تنامَى الوجودُ الفرنسي تدريجيًّا. وحتى عام ١٨٧٠ كانت الجزائر تحت سيطرة الجيش الفرنسي، يتتابع الجنرالات على حكمها. كان غزو فرنسا للجزائر طويلًا وممتدًّا، ويقدِّر بعضُ المؤرخين أن ما يَرْبو على ٦ ملايين جزائري ماتوا خلال المائة عام التي دامَ فيها الاحتلال.

خلال الغزو، استولى الفرنسيون على ملايين الأفدنة من أراضي الجزائريين، واقتلعوا منها المحاصيل بالكامل. (كالعادة، استبدلوا بأشجار الزيتون الكروم لإنتاج النبيذ لفرنسا.) خلال تلك الفترة وسعيًا لإحكام السيطرة على الأقاليم، لجأ الفرنسيون إلى تدمير قُرًى بأكملها وقتل الكثيرين من قاطنيها (في ممارسة يُطلَق عليها «الغارة»)، وأجبروا المقاتلين على اللجوء إلى الكهوف، التي أشعلوا النار في مداخلها، فقتلوا مَنْ بداخلها خنقًا (بالدُّخان). كانت السلطات تجيز تلك الممارسات رسميًّا، ويُثني عليها أعلامُ الثقافة في تلك الفترة، ومن بينهم ألكسيس دي توكفيل، الذي كتبَ في تقرير له عن الجزائر: «أرى أنَّ قوانين الحرب تتيح لنا نهبَ البلاد، وينبغي لهذا أن يحدث إما عن طريق تدمير المحاصيل … وإما بتلك التوغلات السريعة التي نطلق عليها «غارات» …»

نتيجةً لذلك، اندلعَ العديدُ من الانتفاضات والثورات ضد الحُكم الفرنسي، أكبرها هي التي استمرت ست سنوات وقادها عبد القادر، الذي هزم الحاكِم العام توماس-روبير بيجو، قبل أن ينتهي به الأمر أسيرًا لدى الفرنسيين عام ١٨٤٧. وبحلول عام ١٨٧١، فشلت آخر الانتفاضات الكبرى. وقد حكمت حكومات مَدنية فرنسية الجزائر طيلة ثلاثة وثمانين عامًا تالية، وذلك حتى السنة الأولى من حرب الاستقلال الجزائرية عام ١٩٥٤.

ربما لم يعرف كامو بوصفه طفلًا التاريخَ الحقيقي لغزو الجزائر واحتلالها. فقد قدَّم النظامُ التعليمي الفرنسي مجموعةً من الحقائق «الرسمية» البديلة؛ «السكان الأصليون هم مَنْ أشعلوا فتيل الهجمات الفرنسية عليهم»، وهي عبارةٌ معتادة في كتب التاريخ الفرنسية في عشرينيات القرن العشرين، الكتب التي تمسَّكت بالثناء على «الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية المهيبة»، وأغفلت أيَّ ذكر ﻟ «الغارات» و«التسميم بالدخان» ومصادرة الأراضي. دامت حالة الإنكار تلك سنوات عديدة، ولم تعترف فرنسا بحرب الاستقلال الجزائرية رسميًّا إلا عام ٢٠٠٢.

ما لم يستطِع كامو اليافع تجاهُله وشرعَ في التصدي له في منتصَف العشرينيات من عمره هو كون الجزائريين مواطنين من الدرجة الثانية. فبعد قمع الانتفاضة الأخيرة عام ١٨٧١، وبعد سقوط نابليون الثالث، شهدت الجزائر المحتلة تغييرًا جذريًّا. ففي ظل حكم الجمهورية الثالثة، أُهملت تمامًا السياسة العسكرية التي تنتهج التعاون مع زعماء قبائل العرب والبربر، ومارست القيادة المَدنية الجديدة سُلطتها المباشرة على العرب والبربر من خلال قوانين السكان الأصليين. على النقيض من القانون المدني الذي كان وما زال ممثِّلًا للسيادة القانونية على المواطنين الفرنسيين، عرضَ قانون السكان الأصليين — الذي وُضِع حيِّز التنفيذ عام ١٨٨١، وأبطله الرئيسُ شارل ديجول جزئيًّا عام ١٩٤٤ — قوانينَ تأديبية وأحكامًا خاصة بالعرب والبربر. وعلى غرار العبيد المحرَّرين في جزر الكاريبي الفرنسية، كان على الجزائريين أن يحصلوا على إذْن للسفر خارج قُراهم. كما كانت الممارسات الدينية الإسلامية تدخل باطراد تحت سيطرة الدولة الفرنسية (على سبيل المثال، أُغلِقَ العديد من الكتاتيب، ونادرًا ما كان يُسمَح بالحج إلى مكة)، ولم تدعم محاكم المسلمين — التي يترأسها قضاةٌ فرنسيون — حَقَّ الاستئناف قَط. وكان على غير الأوروبيين دفعُ «ضريبة عربية» إضافية خاصة، ولم يُسمَح للجزائريين بالتصويت في أي انتخابات.

في الدليل الإرشادي المعياري للقوى الاستعمارية، تمثَّلت إحدى الإجراءات التقليدية في تجنيد أقلية عِرقية أو جماعة دينية عن طريق منحهم وضعًا اجتماعيًّا يتمتع بامتيازاتٍ للمساعدة في حُكم الأرض المستولى عليها. جرَّبت فرنسا هذا الإجراء مع اليهود الجزائريين، رغم أنها فشلت فشلًا ذريعًا في البداية. كان لليهود الذين يعيشون في الجزائر (أطلقت عليهم الحكومة الفرنسية السكان الأصليين الإسرائيليين) الوضع القانوني نفسه الخاص بالعرب والبربر، ولم يُعتَبروا مواطنين فرنسيين. عام ١٨٦٩، مُنِحُوا الجنسية الفرنسية لكن جميعهم تقريبًا رفضوها؛ فمعظمهم كان يتحدَّث العربية، ولم تكن لديهم روابط تجمعهم بفرنسا أكثر من أي شعوب أصلية أخرى تقطن الجزائر؛ كانوا ينتمون إلى العرب ثقافيًّا وعِرقيًّا ولغويًّا.

نظرًا لعدم الاكتراث الذي واجهته من جانب اليهود الجزائريين والذي اعتبرته رفضًا، أعلنت الحكومة الفرنسية منفرِدةً أن جميع اليهود الجزائريين مواطنون فرنسيون في أكتوبر عام ١٨٧٠. أطلقَ مرسومُ كريميو الشهير الخاص بالتجنيس الجماعي العنانَ لسيلٍ من معاداة السامية من الأقدام السوداء نحو اليهود الجزائريين. كانت الأقدامُ السوداء من جميع الأحزاب السياسية خائفةً حقًّا من كون تجنيس اليهود الجزائريين نذيرًا لأمورٍ أخرى؛ باختصار، أنه قد ينتهي الحال بتجنيس العرب والبربر أيضًا، وحينها سيكون وضعُهم المتميِّز في الجزائر الفرنسية مهدَّدًا.

بدءًا من عام ١٨٧٠ فصاعدًا، أصبحت المعاداة الخبيثة والعنيفة أحيانًا للسامية سمةً راسخة في الجزائر الفرنسية. كان هناك أكثر من «رابطة معادية لليهود»، حتى إنه كان هناك حزب مُعادٍ لليهود واسع الشعبية. وقعت مذابح لليهود في وهران عام ١٨٩٧، وفي قسنطينة عام ١٩٣٤، والتي أسفرت عن كثيرٍ من الوفَيات وحالات التشويه في حق اليهود الجزائريين. وعندما تولَّى المارشال بيتان الحُكم في يوليو ١٩٤٠، أبطل مرسوم كريميو: أُسقِطَت عن اليهود الجزائريين جنسياتهم الفرنسية، وصاروا مجددًا في نفس وضع العرب والبربر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

رغم تعرُّضهم للتشويه المستمر، وفي بعض الأحيان إلى هجمات الأقدام السوداء العنيفة، كان اليهود الجزائريون رغم كل ذلك فرنسيين بحُكم القانون في الفترة من عام ١٨٧٠ إلى عام ١٩٤٠. وبمرور الوقت أصبحوا يعتبرون أنفسهم من الأقدام السوداء، واتخذ كثيرٌ منهم جانب الفرنسيين خلال حرب الاستقلال الجزائرية.

مع أن الدولة الفرنسية لم تهتم قَط بتجنيس كلِّ العرب والبربر، كان التمييزُ القانوني الواقِع على الجزائريين تبعًا لقانون السكان الأصليين يسير جنبًا إلى جنب مع سياسة الدمج التدريجي. هذا الهدف المتناقض ظاهريًّا بشأن دمج أقلية صغيرة من الجزائريين في نظام المدارس لتنشئة نُخبة تعمل لاحقًا داخل الجمهورية الفرنسية ولصالحها أثارَ الجدلَ بشدة لدى غالبية الأقدام السوداء. هذه السياسة الخاصة بالدمج المحدود للجزائريين — تلك الأقلية التي كان بمقدورها توفير رسوم الطعام (والإيواء إذا كانت المدرسة داخلية) — كانت تعني أنه أصبح مسموحًا لهم الالتحاق بالمدارس العامة، وإن كان بأعدادٍ محدودة للغاية. في مدرسة كامو الثانوية على سبيل المثال، لم يكن يوجد سوى ثلاثة طلاب عرب فقط من واقع ثلاثين طالبًا.

قام بعضُ أعضاء النُّخبة المتعلِّمة الجزائرية بحركة نضالية نحو مزيدٍ من الدمج. ففي عام ١٩١٢، نظَّمَ ائتلافٌ من هذه النخبة نفسه في مجموعةٍ تُدعَى «الشُّبَّان الجزائريون»، وسافروا بقيادة ابن التهامي ولد حميدة إلى باريس لعرض «بيان الشبَّان الجزائريين». لم تعترض المطالبُ المتضمَّنة في البيان على الوجود الفرنسي في الجزائر إجمالًا، ولكنها احتوت على المطالبة بإلغاء قانون السكان المحليين. رفضت الحكومة الفرنسية البيان، ولكن قوة الحركة ازدادت لتصبح قوة سياسية مُنظَّمة في ثلاثينيات القرن العشرين. وعام ١٩٣٦، دعمَ كامو نفسُه إلغاءَ قانون السكان المحليين ومَنْحَ الجنسية لأقليةٍ صغيرة من الجزائريين. كان يتمنَّى أن يشهد الوقتَ الذي تكون فيه معاملة فرنسا للجزائريين انعكاسًا للخطاب الإنساني للجمهورية الفرنسية.

عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤، استدعت فرنسا الجزائريين للالتحاق بالجيش الفرنسي. تحمَّس عددٌ قليل للقتال لصالح مَنْ كانوا يُرَون قوات احتلال. ففي إحدى الحوادث المسجَّلة على الأقل، ثار قاطنو إحدى المناطق (الأوراس) ضد التجنيد. قُمِعَت الانتفاضة بوحشية، وقُصِفَت المنطقة بالمدافع، وقُتِلَ المئات من المتمرِّدين. كما قُتِلَ عددٌ هائل من الفِرق العسكرية الجزائرية الكبيرة التي حاربت في أوروبا تحت الرايات الفرنسية، حيث كانوا عادةً ما يُرسَلون إلى مناطق القتال الأشدِّ خطورة. ومع ذلك، لقيَ العديد من الأقدام السوداء أيضًا حتفهم، وكان لوسيان والدُ كامو واحدًا منهم.

آباءُ كامو الثلاثة

ماتَ لوسيان أوجست كامو متأثرًا بجِراحه في مُستهل الحرب العالمية الأولى، عندما كان ابنُه ألبير لا يتعدَّى عمرُه عامًا واحدًا. ولم تكن كاثرين والدة كامو — الأُمِّية والمصابة بالصَّمم — قادرة على تنشئة ولدَيها وحدها. ومن ثمَّ، نشأ كامو في بيئة شديدة التواضع في بيت جَدَّتِه الصارمة (كاثرين-ماريا سينتس)، التي كانت عادةً ما تضربه، وكانت تعارض تمامًا إتمامه لدراساته (كانت هي في الغالب مَنْ ألهمته شخصية الأم غير المأسوف عليها في رواية «الغريب»). وكان عمُّه صانع البراميل — الذي كان بالكاد يستطيع التحدُّث — يعيش معهم أيضًا (كان موضوعَ إحدى قصصه القصيرة، «الرجل الصامت»)، إضافةً إلى أمه ولوسيان أخيه الأكبر (انظر شكل ١-١). عاشَ أفراد عائلة كامو-سينتس الخمسة في شقة صغيرة بمرحاض خارجي. وتشارَك كامو وأخوه لوسيان سريرًا في نفس غرفة أمهما.
fig1
شكل ١-١: في ورشة عَمِّ كامو في الجزائر العاصمة عام ١٩٢٠: يظهر ألبير كامو (في عُمر السابعة) في المنتصف مرتديًا زيًّا أسود.

بفقده أباه، الذي كان العائلَ الوحيد لأسرته حتى ذلك الحين، تبنَّت الدولة الفرنسية ألبير الصبي، على نحو فعلي وليس بالمعنى المجازي للكلمة. وبتبنِّيهم له، أصبحَ كامو وأخوه قاصرَين تحت رعاية الدولة مباشرةً؛ وهو ما خوَّل لكلٍّ منهما الحقَّ في الرعاية الصحية المجانية طوال حياتهما، وإعانة مادية متواضعة. انصرفت أم كامو إلى تنظيف المنازل، وكأرملةٍ مات عنها زوجُها في الحرب تلقَّت أيضًا معاشًا سنويًّا قيمته ٨٠٠ فرانك، وهو مبلغٌ متواضع بالمقارنة بمتوسط الراتب الشهري للأقدام السوداء، وإن كان جيدًا بالمقارنة مع حال العُمَّال الجزائريين الذين يُجبَرون على العمل في الحقول نظير فرانك واحد في اليوم.

أصبحَ لكامو معلِّمان مهمَّان في صغره: مُعلِّمه في المدرسة الابتدائية لويس جيرمان، وبعده الفيلسوف والأستاذ جين جرينييه في سنوات مَدرسته الثانوية وسنوات الجامعة. سيلعب كلٌّ منهما دورًا محوريًّا في حياة كامو. وكما كان يردِّد جول فيري (١٨٣٢–١٨٩٣)، مؤسِّس النظام المدرسي الفرنسي الإلزامي العَلماني المجاني، «إنَّ المعلِّمين في الواقع هم جنود الجمهورية الفرنسية»، ومهمتهم أن يكونوا معاونين لرب الأسرة، وفي بعض الأحيان بُدلاء عنه.

في رواية كامو المنشورة بعد وفاته بعنوان «الرجل الأول»، التي تحمل طابع السيرة الذاتية إلى حَدٍّ كبير، يوجد العديد من الإشارات إلى علاقته بمُعلِّمه لويس جيرمان، ودوره الذي تعدَّى كونه أستاذًا. اهتمَّ جيرمان بكامو اهتمامًا خاصًّا، فكان يحضر إلى بيته ويعطيه دروسًا خاصة دون مقابل، ليساعده في الحصول على منحة والالتحاق بالمدرسة الثانوية (التي ما كان لكامو أن يتحمَّل مصاريفها لولا ذلك). كان جيرمان أيضًا انضباطيًّا صارمًا يعتادُ ممارسة العقاب البَدني على تلاميذه (بمَنْ فيهم كامو حين كان صبيًّا). وعندما قُبِل كامو في المدرسة الثانوية، أقنعَ جيرمان جَدَّة كامو بالسماح له بالالتحاق بها — حتى وإن لم يكن يعمل ويساهم ماليًّا في شئون المنزل. تلقَّى هذا الصبيُّ اليتيمُ الأب، الذي يتحدَّر من حي الأقدام السوداء القاسي، الرعايةَ والتشجيعَ (أحيانًا بخشونة وقسوة) إلى أن التحقَ بالمدرسة الثانوية بمنحةٍ ثم بالجامعة، وهذا كله بسبب دعم جيرمان له. ولنا أن نتخيَّل كيف أصبحت هذه المدرسة ومادة الأدب الفرنسي خاصةً — وهي المادة التي امتاز فيها كامو — مهربًا له من وحشة مجتمعه والفقر النِّسبي في بيته.

لم يكن امتنان كامو تجاه جيرمان قصيرَ المدى؛ فبعد ثلاثين عامًا، وكما هو معروفٌ، أهدى كامو جائزة نوبل للآداب التي تلقَّاها إلى مُعلِّمه في المدرسة الابتدائية قائلًا: «دونك، دون تلك اليَد الداعمة التي مددتها إلى الطفل المسكين الذي كُنت عليه، دون تعليمك ودون الاقتداء بك، لمَا كنتَ أساسَ ما أنا عليه الآن.»

عندما كان في السابعة عشرة من عمره، اجتاز كامو أُولى مراحل البكالوريا. كان هذا الإنجاز في شهر يونيو ١٩٣٠، في ظل الاحتفال بمئوية الوجود الفرنسي في الجزائر. وعلى جانب الأقدام السوداء الذين كان عددُهم آنذاك يقارب المليون، كانت احتفاليات طويلة. نظَّمت السلطاتُ الفرنسية العديدَ من المواكب والحفلات الموسيقية وموَّلتها، وكشفت النقاب عن النُّصُب واللوحات التذكارية، وافتتحت المتاحف؛ هذا كلُّه إجلالًا لمهمة «نشر الحضارة» الفرنسية. حتى إنهم كلَّفوا المخرج الفرنسي الشهير ذا الميول اليسارية جين رينوار بعمل فيلم مغامرات (اسمه «لو بليد») لتمجيد المستعمِرين. وقد شارَك عددٌ قليلٌ من العرب والبربر البالغ عددهم ستة ملايين شخص. فهل شارَك كامو في الاحتفالات؟ لا نعرف عن تفاصيل هذه المرحلة من حياتِه إلا القليل، مثل أنه كان يحب أن يلعب كرة القدم في الفريق المحلي شأن كثير من الفتية من أبناء السابعة عشرة.

بدأ كامو السنة المُفترَض أن تكون الأخيرة في مدرسته الثانوية في خريف ١٩٣٠، ولكن حياته تغيَّرت تغيرًا مأسويًّا عندما بدأ يسعل دمًا في أحد أيام شهر ديسمبر. كان تشخيص المستشفى محبِطًا؛ إذ أعلنَ إصابته بمرض السُّل. كان علاج السُّل مقتصرًا على التدفئة، والراحة، والتغذية السليمة، وكان هذا المرض مزمنًا يستمر مدى الحياة. بعدها بسنواتٍ كثيرة، أخبر كامو صديقًا له أنه قد تملَّكه شعورٌ بالخوف على حياته في ذلك اليوم في المستشفى، وأن تعبيرات وجه الطبيب عزَّزت من مخاوفه. ولربما كان ردُّ فِعله أيضًا لمُكوثه في غرفة مشتركة في مستشفى مصطفى باشا: وهي مُنشأةٌ أغلب المرضى فيها من العرب. طبقًا لأحد كُتَّاب سيرته، كَرِه كامو الأجواءَ الكئيبة في المستشفى، وأرادَ الرجوع إلى منزله على الفور.

من هذا الوقت فصاعدًا، ظهر لكامو منظورٌ جديد جذريًّا، من المستحيل فيه تجاهُل حتمية الموت وتعسُّفه. عندما كان في السابعة عشرة فقط من عمره، أدركَ كامو فَناءَه. وسيكون لهذا الإدراك المفاجئ للموت كثيرٌ من التداعيات. في عمله الفلسفي الأول، «أسطورة سيزيف»، يرتبط الإحساسُ القوي بالفناء بنظريته في العَبث ارتباطًا لا ينفصم. والموتُ المُحدِق والعشوائي هو محور أدبه أيضًا: كالموت الحاضر حضورًا غير مبرَّر كما في «كاليجولا»، والموت كأمر حتمي (وإن كان مصدرًا للخَلاص والتحرُّر أيضًا) كما في «الغريب»، والموت نتيجة الإصابة بمرض كما في «الطاعون».

دفعَ تغيُّبه الطويل عن المدرسة أستاذه في مادة الفلسفة جين جرينييه إلى أن يزوره، وهو تصرُّفٌ غير معتاد من أستاذ. خلال تلك الزيارة، التي استعادَ ذكراها كلٌّ من كامو وجرينييه في مراسلاتهما وفي مذكرات جرينييه، ظلَّ كامو صامتًا، وبدا متحفِّظًا، لكنه كتبَ فيما بعد أنه كان متأثرًا بتلك اللَّفتة الكريمة، وعاجزًا عن التعبير عن مشاعره في آنٍ واحد. كانت تلك الزيارة بدايةَ صداقةٍ بينهما استمرت لبقية حياتهما. ربما تفرَّد جرينييه بكونه المؤثر الثقافي الأبرز والأهم في حياة كامو، وعَمِلَ مُعلِّمًا ومُرشِدًا فِكريًّا وسياسيًّا حقيقيًّا في بدايات كامو. وسيهدي كامو كتابَه الأول — وهو مجموعةُ مقالاتٍ بعنوان «بَيْن هذا وذاك» — إلى جرينييه.

لم يكن جرينييه مجرد أستاذ، بل كان مفكِّرًا حرًّا رافِضًا لكل النُّظم والمعتقدات التقليدية. كان قد نشرَ بحثَين فلسفيَّين قبل أن يلتقي كامو. ومن الجدير بالذكر أنه كان لجرينييه علاقاتٌ في باريس، حيث عمل فيها لصالح «نوفل ريفو فرانسيز»، وهي مجلة كانت تقدِّم كتاباتِ أفضل كُتَّاب العصر الذهبي الحقيقي للأدب الفرنسي. عرف جرينييه شخصياتٍ أدبية شامخة وعمل معها، كأندريه مارلو، وأندريه جيد، وهنري دي مونترلان، وماكس جاكوب. وتتجلى أهمية جرينييه في حياة كامو الثقافية في واحدة من أُولى مقدمات يومياته، التي كتبَها في التاسعة عشرة من عُمره فقط:

… قرأتُ كتابَ جرينييه. إنه حاضرٌ فيه حضورًا كاملًا، وأشعرُ بالحب والتقدير اللذين أنبتهما داخلي ينموان. … دائمًا ما أستزيدُ إذا ما قضيتُ معه ساعتَين. فهل سأدركُ يومًا ما أدينُ به له؟

لكن في بداية عام ١٩٣١، ظهرت على كامو الشاب أعراض أخطر وأشد لمرض السُّل. فأوصى الأطباءُ بأن يترك الشقة الضيقة في شارع بلكور في الجزائر العاصمة، والتي لم تكن مناسبةً لمرحلة النقاهة الطويلة. بعدها بمدة قصيرة، انتقلَ كامو ليعيش مع جوستاف أركو، الذي كان يعيش في الجزائر العاصمة أيضًا، وهو زوج خالته أنطوانيت سينتس. لن يعود كامو بعدها إلى بيته أبدًا. كان لأركو شخصية غريبة، كان جزَّارًا ذا شارب ضخم يشبه مِقوَد الدرَّاجة، ويقضي وقتًا طويلًا في استقبال المعجَبين به في المقهى المحلي. عِلاوةً على ذلك، كان أركو قارئًا نَهِمًا؛ تكتظ أرفف مكتبته بأعمال فولتير وأناتول فرانس وجيمس جويس.

قرأَ كامو كُتُبَ أركو، وكان يساعد في العمل بالجزارة حيث حاول أركو أن يُهيِّئه ليكون خليفته فيها. في الوقت الذي قضاه مع الزوجَين أركو اللذَين لم يُنجبا، أصبحت حياة كامو رغدة نسبيًّا مقارنةً بمستوى معيشته في بيت جَدَّته. كانت له غرفةٌ خاصة، وكان يأكل اللحم يوميًّا. (تبعًا لأوامر الطبيب؛ في ثلاثينيات القرن العشرين كان الأطباءُ الفرنسيون يعتقدون أن اللحم علاجٌ جيد للسُّل.) عندما تذكَّر تلك الأيام بعدها بعدة سنوات في مقابلةٍ أجراها مع صديق له، اعتبر كامو أن أركو يُمثِّل شخصية الأب في حياته «بشكل ما».

كان التهديدُ المستمر الذي مَثَّلَه السُّل لحياة كامو مصدرَ تحرير له أيضًا. انغمسَ كامو في دراسته وهو في بيت أركو بعزيمةٍ متجدِّدة، وإرشادٍ ودَعْمٍ من مُعلِّمه جرينييه. وتغيَّرت كذلك طريقته في التفكير. فأصبحَ يربط بين وعيه بحتمية الموت وبين الحرية، تلك المفارقة الرئيسية التي شكَّلت فيما بعد جوهرَ أعماله المستقبلية.

بعد ستة أشهُر من النقاهة، عادَ كامو ليُكمِل سنته الأخيرة في مدرسته الثانوية ليحصلَ بعدها على منحةٍ دراسيةٍ للالتحاق ببرنامج تمهيدي صارم مدتُه سنتان للإعداد لاختبار الالتحاق بالجامعة الوطنية الفرنسية. وكان النجاح في هذا الاختبار يعني الالتحاق بكلية النخبة الباريسية «إيكول نورمال سوبرير»، ومن ثمَّ شَغْل أرفع المناصب في النظام التعليمي الفرنسي بعد التخرج. لكن، بعد إنهاء السنة الأولى في هذا البرنامج التمهيدي، تخلَّى كامو عن حُلمه في الالتحاق بالكلية. فالسنة الثانية لم تكن تُدرَّس في أي مكانٍ بالجزائر؛ ومن ثمَّ كان عليه أن يعيش في باريس؛ الأمرُ الذي شكَّل عبئًا ماليًّا عليه. كما أن اعتلال صِحته مثَّلَ عائقًا كبيرًا أمام اتخاذه تلك الخطوة.

استمر كامو في السعي في مساراتٍ مختلفة غير عابئ بهذا العائق، وبإلهامٍ من جرينييه يبدو أنه صاغَ طموحه نحو أن يصبح كاتِبًا عِصاميًّا. فأكملَ كامو دراساته في الجزائر، وسجَّل فيما يُكافئ درجة الماجستير في الأدب، ولكنه غيَّر مجاله بعد مرور عامٍ واحد وتخصَّص في الفلسفة عِوضًا عن الأدب. بقرار كامو بعدم استكمال البرنامج التمهيدي فقدَ مِنحته الاستثنائية، وأصبح عليه أن يبحث عن وظيفة. دائمًا ما كان كامو يعمل لتوفير نفقاته الدراسية. ففي المدرسة الثانوية كان يعمل في بقالة في مواسم الصيف ثم في جزارة زوج خالته، وكطالب جامعي عمل مُعلِّمًا، وقضى مواسم الصيف يعمل في مدينة الجزائر في مكتب مسئول عن تسجيل السيارات. كَرِه كامو هذا العمل البيروقراطي على وجه الخصوص، الذي وصفه بأنه معطِّل للعقل. وعانى الفقر على الدوام، حتى تزوَّج من ميسورة الحال سيمون ييه عام ١٩٣٤.

كانت ييه حديثَ عالَم كامو، وكانت تشتهر بفساتينها الماجنة وسلوكها اللاأخلاقي. وفي مجتمع الجزائر الذكوري للغاية في ثلاثينيات القرن العشرين، كان ذلك السلوك شائنًا. أُعجِب كامو بها على الفور، ولكن كانت هناك مشكلة: كانت مخطوبة إلى أحد أصدقائه المقرَّبين، ماكس-بول فوشيه، الذي كان دائمَ الغياب في مهامَّ نضالية لصالح الحزب الاشتراكي. ولدى رجوعِه من إحدى تلك المهام، أخبر كامو ماكس-بول أن ييه لن تعود إليه.

وعندما تزوَّج كامو وييه عام ١٩٣٤، كان كامو في الحادي والعشرين وهي في العشرين. كانت والدة ييه طبيبةَ عيون ناجحة، ومثَّلت سيمون عالمًا آخر من ناحية القيم والطبقة الاجتماعية؛ ولعل هذا ما شكَّل جزءًا من جاذبيتها. بالتأكيد، كان زواجُ ابن عامِلة من ابنة طبيبة غنية ارتقاءً على أية حال. بمجرد أن تزوَّجا، اشترت والدةُ ييه شقةً لهما في منطقة جميلة من المدينة، قريبة من جين جرينييه. وأرسلت عائلة أركو إلى الزوجَين بعضَ المال، وأعاروهما سيارة لسعادتهما بذلك الزواج.

كان زواجًا مضطربًا منذ البداية، وشهدَ العديد من الانفصالات وتسوية الخلافات. وعلى عكس كامو، رسبت ييه في شهادة البكالوريا، ويبدو أنها كانت فاقدةً للهدف أو الوجهة. كانت ييه أيضًا مُدمِنة للأفيون. وبمضي الزواج أصبحَ إدمانها ظاهرًا، وصارت تقضي المزيد والمزيد من الوقت في مراكز التأهيل. وفي عام ١٩٣٦، خلال رحلة إلى أوروبا، اكتشف كامو خطابًا مرسَلًا إلى زوجته من طبيب كان يمدُّها بالمخدِّرات، والذي كان يبدو بوضوح أنه عشيقها كذلك. كانت تلك هي القشة الأخيرة بالنسبة إلى كامو: أصبحَ زواجهما القصير مفرَّغًا من أيِّ قصدٍ أو غاية، ولدى رجوعهما إلى الجزائر تركَ المنزل. ثم وقعَ الطلاقُ في فبراير ١٩٤٠.

أكملَ كامو دراساته في الجزائر. كان قد قطعَ شوطًا كبيرًا في الاضطلاع باختبارٍ وطني آخر: الاختبار التراكمي. وكان اجتياز ذلك الاختبار من شأنه أن يجعله واحدًا من أعلى أساتذة المدارس الثانوية شأنًا على غرار جرينييه، أو موظفًا تابعًا للدولة لديه متسَعٌ من الوقت للسعي وراء طموحاته الأدبية. بالنسبة إلى كامو، كان التعليم والدراسات العليا في الأصل وسيلةً لبلوغ غاية؛ وهي أن يجد وقتًا للكتابة. وحتى مُعلِّمه وصديقه جرينييه ساورته شكوكٌ في تفاني كامو وتكريس حياته لدراساته. وفي وقتٍ لاحق، قالَ جرينييه في كتابٍ له إنه «لم يكن قارئًا نَهِمًا». وهي المقولة التي لولاها لأصبح جرينييه بُوقًا في مدح تلميذه الأشهر. ومع هذا، تأثَّر كامو كثيرًا بالمواد التي درَسَها في الجامعة. على سبيل المثال، ربما تكون إحدى المحاضرات التي تلقاها عن أباطرة الرومان هي التي ألهمته بموضوع مسرحيته الأولى «كاليجولا»، التي شرعَ في كتابتها خلال فترة حضوره لهذا المقرر.

رغم قلة شغفه بدراساته، كان على كامو أن يكتب أطروحة ختامية مُحكَمة لأداء الامتحان. كانت الأطروحة بعنوان «الميتافيزيقا المسيحية والميتافيزيقا الأفلاطونية الجديدة: القدِّيس أوغسطينوس وأفْلُوطين». تحدَّث كاتِبُ سيرة كامو المخوَّل أوليفر تود بالتفصيل عن كيف أن كامو لم يُسنِد العديد من المصادر إسنادًا صحيحًا، بل كان في بعض الأحيان ينسب أعمال الباحثين الآخرين إلى نفسه، واستنتج غير عابئ أنَّ كامو كان منتحِلًا. ولا يبدو أن اللجنة التي قرأت أطروحة كامو (والتي كان جرينييه ضمن أفرادها) قد انزعجت بتلك التجاوزات؛ إذ حصل كامو على شهادته العلمية.

في ربيع عام ١٩٣٦، حين أصبحَ كامو شابًّا في الثانية والعشرين، يحمل شهادته العلمية؛ ومن ثمَّ صارَ مستعدًّا للالتحاق بالاختبار التراكمي والانضمام إلى مَصاف نخبة أساتذة المدارس الثانوية مثل جرينييه. لكن هذا لم يحدث.

كامو الكاتِب الطموح

أول عمل مكتوب لكامو لدينا يتكوَّن أساسًا من أوراق من السنة الأخيرة له في المدرسة الثانوية وما بعدها، وقد شجَّعه جين جرينييه على تقديمها لدار مطبوعات المدرسة، وكانت هذه الأوراق اسمها بالفرنسية «سود» (بالعربية «الجنوب»). القِطع المنشورة التي لم تُنشر في تلك الحقبة تُظهِر استشرافًا رومانسيًّا؛ كان كامو يمجِّد الطبيعة، لا سيَّما الشمس وضوءها، ورفضَ التقدُّم الذي شبَّهه بالسجن. وفي عمل له عن الموسيقى، بيَّن كامو أن الموسيقى العظيمة والفن العظيم يتعذر فهمهما، بل ينبغي لهما أن يكونا كذلك.

يَظهر تناقض كامو الوجداني تجاه المعرفة الثقافية والأكاديمية جَليًّا في تلك المرحلة المبكرة. ففي واحد من نصوصه المبكرة غير المنشورة، تخيَّل حوارًا بين شخصٍ يحكي بصيغة المتكلم وبين رجل مجنون، كتبَ فيه: «رفضُ المعرفة تحرُّر، خطوةٌ حاسمة نحو عتق الروح». كَشَفَ تبجيله لقبول ما لا سبيل إلى معرفته عن بعض أوجه العَبث الذي سيعرضه في «أسطورة سيزيف». وفي فقرة أخرى في النص غير المنشور نفسه، ينظر الراوي إلى المارَّة من شُرفته، حينها ينصحه المجنون بالتغاضي عن تلك الحيوات غير المسبورة. وتلخِّص فقرةٌ أخرى لاحقة في عمله «الغريب» هذا التوجه — ينظر من الشرفة إلى المارَّة المنهمِكين انهماكًا عاديًّا في حيواتهم. تُظهِر هذه الفقرات وكثيرٌ غيرها أن كامو كان يشعر فعلًا منذ صغره أنه معزول عمَّنْ يعيشون حيواتهم دون وعي.

تتسم أيضًا كتاباته في تلك الفترة بمَسحة شاعرية. فخلال بحثه عن صوتٍ له ككاتِب، جرَّبَ العديدَ من الأنواع الأدبية: الشعر، والمقالات، بل حتى قصص الخرافات. إذا قارناه في تلك المرحلة المبكرة من حياته برسَّام، فربما كانت نظرة كامو للعالَم أقربَ شبهًا بلوحات جوزيف مالورد ويليام تيرنر الأكثر تجريدًا، حيث يطغى فيها ضوءُ الشمس على كل شيء، والبشر فيها غير مهمين نسبيًّا. كانت عقيدة كامو في ذلك الوقت هي «الفن» (كان كامو يكتب كلمة Art، وهي اللفظة الإنجليزية المرادفة لكلمة «فن»، بأحرف استهلالية كبيرة على نحو شبه دائم)، وكانت رؤيته متأثرة تأثرًا كبيرًا بمؤيدي مقولة «الفن لأجل الفن». كان مُولَعًا بصفة خاصة بشاعِر القرن التاسع عشر شارل بودلير — في الواقع، هناك تسجيلات لكامو وأصدقائه وهم يُلقون قصيدة «الغريب» لبودلير. أهمية تلك القصيدة بالنسبة إلى كامو غنيةٌ عن البيان؛ لأنها تحمل نفس اسم الرواية، التي ألَّفها وصارت أشهر رواياته، وبعض مواضيعها:

– قل لي، أيها الرجل الغامض، أيهما تكنُّ له حُبًّا أكبر؟ أبوك أم أمك، أختك أم أخوك؟

– لا أب لي ولا أم، ولا أخت ولا أخ.

– وأصدقاؤك؟

– أنت تستخدم كلمة ما يزال معناها مجهولًا لي حتى اليوم.

– إنه وطنك إذَن؟

– إنني أجهل موقعه.

– الجمال؟

– الجمال؟ كنت سأحبُّه عن طِيب خاطر، لو كان إلهة خالدة.

– الذهب؟

– أكرهه بقدر كُرهك للإله.

– عَجَبًا! فمَا الذي تحبُّ إذَن، أيها الغريب العجيب؟

– أُحبُّ الغيوم … الغيوم التي تمضي … بالأعلى … هناك … يا لروعة الغيوم!

اقتدى كامو أيضًا بتأنق بودلير في ملابسه: كان يرتدي البابيون، وبدلة مزدوجة الأزرار، وقبعات اللبود، والجوارب البيضاء (انظر شكل ١-٢). لم تعطِ أيٌّ من تلك الثياب الفاخرة أيَّ إشارة إلى أصوله المتواضعة، ولكن كتاباته، وإنْ لم تكن سيرة ذاتية صريحة، كانت تشير إلى ذلك بالتأكيد. كتبَ كامو عن أفراد عائلته، وحيِّه، وحياته هو بما فيها تجربته في غرفة المستشفى المزدحمة في اليوم الذي شُخِّصت فيه حالته بالسُّل. في مقاله «ما بين هذا وذاك» وصفَ كامو حياته في الشقة الصغيرة في شارع بلكور. وفي مقاله الثاني «سخرية القدر»، يصف عائلته:

عاشَ خمستُهم معًا: الجَدَّة، والابن الأوسط، وابنتها الكبرى، وطفلاها. كان الابن صامتًا في العادة، وكانت الابنة معاقة وعَصيًّا عليها التفكير. أما طفلاها، فقد عمل أحدهما لدى شركة تأمين، فيما باشَر الآخر دراساته.

وعلى غرار ما حدثَ في حياته، تموت الجَدَّة بينما لا يشعر الحفيدُ الأصغر (يمثِّل كامو نفسه) بأي أسًى. جمالُ الشمس والسماء هو فقط ما يثير المشاعر الحقيقية والمبهجة في المقال.

fig2
شكل ١-٢: ألبير كامو، شابًّا متأنقًا في فلورنسا.

في تلك الكتابات وغيرها، أصبحت قسوة الحياة اليومية وحتمية الموت مواضيع رئيسية. لكن تبقى قوة لحظات التواصل مع الطبيعة ويبقى تأثيرها. وتقارب العديد من مقالاته بين تلك التناقضات الظاهرية: انعدام المعنى في حياةٍ مآلها الموت ولحظات السعادة السامية، وربما النعيم، التي تستحثها الطبيعة. سيعطي كامو للحظات النعيم تلك اسمًا شهيرًا بالفرنسية؛ وهو «بونير» ويعني «الغِبطة». يتسم هذا الاسم في الفرنسية بأنه أبلغ وَقْعًا من مثيله في الإنجليزية. ولا يوجد ما هو أقوى أثرًا وأكثر إيجابية من لحظات «الغبطة» تلك في أعمال كامو: إنها الغاية القصوى، تمرُّ سريعًا لكنها عزاءٌ متواتر من البيئة البشرية العازمة على العدوانية والعالَم العديم المعنى.

كامو الشاب والسياسة

قد يبدو للوهلة الأولى أنَّ كامو لم يكن سياسيًّا. أعلنَ كامو في نصوصه الأولى أنه مناهِض للتقدُّم، ويبدو أنه كان يفضِّل الكُتَّاب المهتمين بالفن لأجل الفن على الفنانين المتحفِّظين، الملتزمين اجتماعيًّا وسياسيًّا، كمَنْ تُدرَّس أعمالهم في المدارس الفرنسية: فولتير وزولا. (ثَمة تكهُّن بين بعض المختصين في حياة كامو يقول إنه ربما عمل محرِّرًا لجريدة متطرفة مناصرة للاستقلال، اسمها «إقدام»، بينما كان في المدرسة الثانوية، لكن لا توجد أدلة ملموسة تدعم هذه الفرضية.) لا يوجد ذكر لكونه كان صديقًا أو كان له تفاعل ذو قيمة مع الطلاب الجزائريين المعدودين في المدرسة الثانوية، رغم وعيه بمحنة الجزائريين. بعدها بسنوات عندما كتبَ إلى جرينييه يحدِّثه عن شبابه المُعْدم، قارن وضْعه بهم، «لقد كنت فقيرًا، لكن كنت سأصبح أسوأ حالًا لو كنت عربيًّا.»

لكن في خريف عام ١٩٣٥، وعلى نحو غير متوقَّع فيما يبدو، انضمَّ كامو في عُمر الحادي والعشرين إلى الحزب الشيوعي، وكُلِّف بضَم أعضاءٍ من الجزائريين. توجد عدة تفسيراتٍ محتمَلة لهذا الالتزام السياسي، الذي يبدو أنه لم ينبع من كتاباته الأولى، والذي يبدو مناقِضًا أيضًا لتصريحاته المعادية للشيوعية والاتحاد السوفييتي لاحقًا. ومع أن جرينييه لم يكن عضوًا في الحزب الشيوعي، فقد شجَّع كامو على الالتحاق بالحزب. ولا بد أن نصيحة جرينييه تأثَّرت بحقيقة أن الحزب الشيوعي كان هو المكان الأمثل لمثقَّفٍ طموح في ثلاثينيات القرن العشرين. فقد كان العديد من الأسماء الساطعة في الأدب الفرنسي إما مُوالِين للحزب وإما أعضاءً فيه، وكان جيد ومالرو — وهما من أكثر الكُتَّاب إثارة لإعجاب كامو في ذلك الوقت — مؤيِّدَين للحزب عندما انضمَّ كامو إليه.

لكن كامو لم يكن ماركسيًّا. ولا حتى مهتمًّا ولو من بعيد بالقراءة لماركس. أحدُ أسباب انضمام كامو إلى الحزب أنه مكانٌ يمكن أن يتخذه مِنبرًا للمطالبة بحل وسط للاضطرابات المتنامية في قطاعاتٍ بعينها من الشعب الجزائري. أراد كامو الترويج لدمج الجزائريين تدريجيًّا بوصفهم مواطنين في الجمهورية الفرنسية، وكان مؤيِّدًا لإلغاء قانون السكان الأصليين، ودعمَ منح الجنسية إلى أقلية مختارة من النخبة الجزائرية. تلك التسوية ستكون سبيلًا لمقاومة الاضطرابات المتنامية في الطوائف السياسية الجزائرية التي تطالب بالاستقلال علانيةً. وقد شكَّل مقترَح منح الجنسية إلى عدد محدود من الجزائريين أساسَ مشروع قانون بلوم-فيوليت، الذي سُمي بذلك نسبةً إلى رئيس الوزراء الفرنسي ليون بلوم الراعي الرئيسي لهذا المشروع، وموريس فيوليت، وهو حاكِم الجزائر السابق وقتها.

دعمَ كامو مشروعَ القانون بحماسة، وكتبَ عَريضة — «بيان المثقَّفين الداعمين لمشروع قانون فيوليت» — حثَّ فيها على إلغاء قانون السكان الأصليين، الذي وصفه بأنه غير آدمي. كتبَ كامو أيضًا أنَّ المشروع يدعم المصلحة الوطنية؛ لأنه يُظهِر للعرب الوجهَ الإنساني لفرنسا، ما كان يراه كامو واجبَ الحدوث. ولذا دعمَ كامو موقِفًا استراتيجيًّا لكنه إشكالي: الاستعمار ذو الوجه الإنساني — الذي يتمثَّل هدفه الرئيسي في حماية الوجود الفرنسي في الجزائر.

كان كامو مقتنِعًا لأسبابٍ وجيهة أن رفض تقديم تنازلاتٍ للعرب سيكون له عواقب وخيمة على فرنسا بوصفها قوة استعمارية. كان هذا موقف فيوليت أيضًا. فوجَّه تحذيرًا صارمًا للأقدام السوداء بأن عدم الوصول إلى تراضٍ سيعزِّز من مصداقية الجزائريين الداعمين للانفصال الكامل عن فرنسا وللاستقلال. لكن التحذير لم يلقَ أُذُنًا مصغية. وفي مواجهة معارضة مدوِّية من الأقدام السوداء لم يصبح مشروع القانون قانونًا، ورُفِضَ في خريف عام ١٩٣٧. تخلَّى الحزبُ الشيوعي أيضًا عن تأييده للمشروع التوافقي، الذي أدَّى إلى خسارته لعددٍ من أعضائه العرب، وتركَ كامو محبَطًا. لا تزال مسألة ما إذا كان هو مَنْ تركَ الحزب أم أنه استُبْعِدَ منه خلافية، لكن بعد فشل مشروع قانون بلوم-فيوليت، من الواضح أن كامو لم تكن لديه أي رغبة في استمرارية عضويته.

تركَ وجود كامو المؤقت في الحزب الشيوعي تأثيرًا دائمًا على حياته وعلى جهوده الفنية، وإن لم يكن بالطريقة التي كان الحزب يريدها. فقد شاركَ كامو في تأسيس فرقة مسرحية تُدعى مسرح العُمَّال، كانت تقريبًا أهم ما خلَّفه كامو من إرث في السنوات التي كان فيها عضوًا بالحزب. كما شاركَ في كتابة مسرحية نضالية، بعنوان «تمرد أُشُتُورِية»، عن إضراب لعُمَّال مناجم متمرِّدين في منطقة أشتورية في إسبانيا قبل الحرب الأهلية الإسبانية مباشرةً. رغم أنَّ المسرحية دعمت العُمَّال المتمردين، بدأ يظهر إشكالٌ في معتقدات كامو السياسية. فتتضمَّن الفقرات التي يقال إنَّ كامو قد كتبها (طبقًا للنسخة الفرنسية القياسية) نقدًا قويًّا لعنف كلٍّ من الدولة الإسبانية والعُمَّال وحزبهم. رأى كامو أنَّ العنفَ الثوري ليس مقبولًا بقدر ما يكون عنف الدولة غير مقبول. كان من الغريب تبنِّي هذا الموقف في مسرحية كُتِبَتْ عن أحداث وقعَت عشية الحرب الأهلية الإسبانية، والتي ستؤدي إلى زيادة سريعة في الدعم الفني والثقافي للجمهوريين الإسبانيين الذين حاربوا وهُزِموا في مواجهة فرانكو. وستصبح مشكلة العنف الثوري موضوعًا ثابتًا في أعمال كامو، وستظهر في نقاشاته اللاحقة مع سارتر وفي مسرحيته «القتَلة المُنصِفون».

كانت الفترة القصيرة التي قضاها كامو في الحزب الشيوعي أول تَجلٍّ عَلني لوعيه القوي — لكن الخفي حتى تلك اللحظة — بمظالم الاحتلال الفرنسي. لا شك أنه بانضمامه إلى الحزب الشيوعي تحوَّل فجأةً من موقف الصمت على الوقائع الاستعمارية إلى صاحب قرار بمواجهتها. رغم ذلك كان موقف كامو يهدف إلى التسوية؛ فقد أراد الإصلاح وتخفيف وطأة الاستعمار، لكنه لم يشكِّك قطُّ في تسلط فرنسا على الجزائر، ولم يؤيِّد الاستقلالَ الجزائري. وتجربته الأولى في السياسة الثورية والبرلمانية جعلته يَعي أنَّ هدفه في إدماجٍ أفضل للجزائريين في النظام الاستعماري الفرنسي، في مواجهة المعارضة الشديدة من قِبل الأغلبية الكاسحة من الأقدام السوداء، مستحيل تقريبًا. وفي وقتٍ لاحق، أبدى كامو امتعاضًا عندما أشار النُّقاد إلى عضويته في الحزب الشيوعي؛ ليس لأنه أصبح منتقِدًا بشدة للحزب الشيوعي والاتحاد السوفييتي، لكن أيضًا لأن الوقت الذي قضاه مناضلًا سياسيًّا يُعَد تذكيرًا محبِطًا بالفجوة العميقة بين الجزائريين والأقدام السوداء.

في الفترة التي تركَ فيها الحزب، ركَّز على المسرح بوصفه كاتبًا مسرحيًّا وممثِّلًا. وبينما كان عضوًا في مسرح العُمَّال، كان له العديد من الخليلات، لكن حُبَّه الحقيقي كان فرانسين فور، وهي طالبة متفوقة في الرياضيات والموسيقى، ولم تبادله المشاعر من فورها. فدأبَ على التودُّد إليها بحرصٍ شديد حتى صارت في النهاية زوجته الثانية.

وسعيًا وراء تدبر احتياجاته، التحقَ بوظيفة كاتِب في معهد الأرصاد بالجزائر. كانت مشاريعه الأدبية عديدة؛ إذ عمل على مسرحية «كاليجولا»، ورواية «الموت السعيد» المنشورة بعد موته، ومجموعة المقالات «أعراس»، وحاولَ إنشاء دورية أدبية مع أصدقائه (صدرَ منها عددان). لكن، في أكتوبر ١٩٣٨، غيَّرت انتكاسةٌ أخرى حياته. بعد فحصٍ طبي إلزامي في الثامن من أكتوبر، منعه نظامُ التعليم الفرنسي بحُكم القانون من الالتحاق بالوظائف الحكومية الفرنسية نظرًا لاعتلال صحته. (حفاظًا على موارد الدولة، لا يجوز للمواطنين المُتوقَّع لهم أعمارًا قصيرة أن يصبحوا موظفين حكوميين.) وقد طعن كامو في الحُكم لكن دون جدوى. لا بد أنه شعرَ وقتها أن كلَّ ما قام به من عمل منذ المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة، كان بطريقة ما بلا معنى. ولم يكن ليسير في درب جرينييه في نهاية المطاف.

بعدما عَلِمَ برفضه بفترة وجيزة، غيَّر لقاءٌ شديدُ الأهمية مسارَ حياته مرة أخرى. ففي الشهر نفسه، التَقى كامو بباسكال بيا، وهو صحفيٌّ طموح من باريس كان مسئولًا عن إنشاء اﻟ «ألجير ريببليكان»، وهي صحيفة يومية يسارية التوجه في الجزائر. وكان بيا وكامو يتشاركان العديدَ من الأمور. فكلاهما فقدَ والده في الحرب وتولت أمه تربيته، وكلاهما كان يقدِّر بودلير. أراد بيا أن يكون كامو محرِّرًا مساعدًا ومراسِلًا في صحيفته. وافقَ كامو رغم تردده. (اعترفَ كامو في خطاب إلى جرينييه أنه لم يكن لينضم إلى بيا لو لم يُرفَض في الوظائف الحكومية الفرنسية.)

ورغم تردده الظاهر، تقبَّل كامو منصبه الجديد سريعًا؛ فعمل في كل مكان في الجريدة: في غرفة الطباعة، ومصحِّحًا، وفي مجلس الإدارة، وكما اشتهِرَ به مراسِلًا استقصائيًّا ومحرِّرًا. استمر انهماكُ كامو في الصحافة لبقية حياته. وقاده هذا إلى تحدي السلطات في العديد من المقالات (ما يزيد على ١٥٠ مقالًا)، وأخيرًا إلى تحرير صحيفة المقاومة الأعلى منزلة في فرنسا. ومع ذلك، شرعَ كامو عام ١٩٣٨، عشية الحرب العالمية الثانية، في نشر الفضائح بلا غشٍّ أو زيف. فمَنْ تراه كان المستهدَف بانتقاداته دومًا؟ إنها الإدارة الاستعمارية الفرنسية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤